مع اقتراب الانتخابات التركية، في 14 مايو/أيار، تتضاعف حركة المرشحين وحملاتهم الدعائية لجذب أكبر عدد من الناخبين البالغ عددهم نحو 65 مليون شخص للتصويت لصالحهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي توصف بأنها الأهم في تاريخ البلاد.
وتشتد الحملات ضراوة في محاولة لجذب أصوات جديدة لكل طرف من ضمن الفئات الأكثر تأثيراً، خصوصاً ناخبي المنطقة الرمادية من المترددين حتى اللحظة في اختيار مرشحيهم، بالإضافة إلى مغازلة الإسلاميين والمحافظين، مروراً بالناخبين الأكراد، وصولاً إلى الوافدين الجدد إلى صناديق الاقتراع من جيل الشباب، الذي يُعرف بــ"الجيل Z"، كون تلك الفئات هي التي ستحدد الرابحين، طبقاً للمراقبين.
فما هو تأثير هذه الفئات على نتائج الانتخابات القادمة، ومدى كفاية الوعود الانتخابية المقدمة لهم لجذب أصواتهم نحو تحالف الشعب بقيادة أردوغان أو تحالف الأمة المعارض بقيادة كليتشدار أوغلو؟
التيارات المحافظة
تُوصف حكومات حزب العدالة والتنمية منذ وصولها إلى السلطة عام 2002 بأنها حكومة محافظة، ولذلك كانت السنوات الإحدى والعشرين الماضية من حكم العدالة والتنمية مصحوبة بدعم المحافظين على طول الطريق، بجانب حصولها على أصوات أخرى ضمن الليبراليين والعلمانيين والقوميين.
وبعيداً عن فئة المحافظين الصلبة المنتمية لحزب العدالة والتنمية، تسعى المعارضة للحصول على أصوات من المحافظين الداعمين للحزب الحاكم، في وقت يسعى فيه الأخير لتثبيت الفئات المحافظة على اختلاف توجهاتها الفكرية ضمن قاعدته الانتخابية.
ونجح تحالف الشعب بقيادة الرئيس التركي رجب طيب وحزب العدالة والتنمية في الحصول على دعم جماعتي "محمود أفندي" و"السليمانيين" الصوفيتين في الانتخابات القادمة في مواجهة تحالف الأمة المعارض.
وتمتلك جماعة محمود أفندي (Mahmut Efendi) تاريخاً عريقاً في الثقافة التركية، وتأسّست على يد محمود أوستا عثمان أوغلو، وكانت تعتمد بشكل كبير على التدريس الصوفي والدروس الدينية.
وللجماعة أتباع في جميع أنحاء البلاد، وقامت بتأسيس العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية والخيرية في تركيا، كما أنها تلعب دوراً هاماً في الحفاظ على التراث الثقافي التركي.
إلى جانب جماعة محمود أفندي هناك كذلك جماعة السليمانيين، التي أعلنت هي الأخرى دعم الرئيس أردوغان في مواجهة كليجدار أوغلو بالانتخابات الرئاسية، بعدما كانت أعلنت دعمها لمرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو في الانتخابات البلدية لمدينة إسطنبول في مواجهة مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدرم عام 2018.
ويبلغ عدد أنصار الجماعة قرابة مليوني شخص يتخرجون في مدارسها البالغ عددها 2500 مدرسة داخل تركيا فقط.
كما قال فاتح أربكان، رئيس حزب الرفاه من جديد، إنه اختار التحالف مع حزب العدالة والتنمية بسبب موقف الحزب الواضح من قضية المثلية الجنسية، والانسحاب من اتفاقية إسطنبول التي تؤدي بنودها إلى تفتيت الأواصر التركية، على حد قوله.
وأثارت اتفاقية اسطنبول أو اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي جدلاً في تركيا خصوصاً في جانب المحافظين الذين يرفضون المادة الرابعة فيها، التي تنص على أنه يجب ضمان تنفيذ الأطراف المعنية لأحكام الاتفاقية وخاصة حماية حقوق الضحايا دون تمييز على أساس النوع أو الجنس أو العرق أو اللون أو الميل الجنسي أو الهوية الجنسائية، كونها من وجهة نظرهم، تضر ضرراً بالغا بالقيم العائلية المتوارثة خصوصاً ما يتعلق بالمثلية الجنسية.
في المقابل، تحاول المعارضة التركية المتمثلة في أحزاب الطاولة السداسية استقطاب بعض من هؤلاء المحافظين، مثلما فعل إمام أوغلو في 2018، خصوصاً وأن 3 من أحزاب الطاولة (السعادة والمستقبل والديموقراطية والتقدم) هي أحزاب ذات خلفية إسلامية محافظة.
ومع هذا، صرح علي باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم وعضو تحالف الأمة المعارض، أنهم يواجهون صعوبة في إقناع المحافظين بالتصويت لمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات القادمة.
المسامحة لجذب الأصوات
وترى الباحثة والأكاديمية التركية، بتول دوغان أكَّاش، أن قرار الحكومة التركية الانسحاب من اتفاقية إسطنبول، التي يرى الكثير من المحافظين أنها تهدم قواعد الأسرة التركية، أسهم في جذب العديد من التيارات المحافظة إلى صفوف حزب العدالة والتنمية واختيار التصويت لمرشحيه.
في مقابل ذلك، كما تقول دوغان أكَّاش، سعت المعارضة للأمر نفسه لاستقطاب أصوات المحافظين، حين وعد كليجدار أوغلو بتطبيق مفهوم يُسمّى باللغة التركية "hellalesme"، والمقصود به الإقرار بالأخطاء التي ارتُكِبت في الماضي وتصحيحها في الحاضر.
ورغم ذلك- كما تقول دوغان أكاًش- فإن المخاوف من الحزب الجمهوري ومرشحيه لا تزال قائمة لدى الكثير من المحافظين في تركيا.
وبحسب أستاذة السياسية التركية في حديثها لـ "عربي بوست"، فإن الجمهور المستهدَف هنا هو المحافظون في تركيا، الذين يشكّلون العمود الفقري لحزب العدالة والتنمية.
وتشمل الأخطاء السابقة التي يشير إليها كليجدار أوغلو الحظر الشهير الذي فُرِض على الحجاب، وغيره من أشكال التمييز التي واجهها المحافظون على أيدي الحكّام السابقين المنتمين إلى حزب الشعب الجمهوري. قد ينطبق هذا المفهوم حتى على الأكراد الذين يتساءلون عما سيقدّمه كليجدار أوغلو لهم.
وبدأت القرارات التي اتخذت خلال اجتماع مجلس الأمن القومي التركي (MGK)، في 28 فبراير/شباط 1997، عملية أدت إلى اضطهاد النساء المحجبات.
وتم تعزيز حظر الحجاب، الذي كان مطروحاً على جدول الأعمال منذ انقلاب 1980، كما حظر رؤية النساء المحجبات في الأماكن العامة تماماً، وبافتراض أن النساء يرتدين الحجاب رغماً عنهن، فقد تم الضغط على الطالبات لخلع الحجاب في غرف الإقناع التي أقيمت في جامعة إسطنبول.
وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، في برنامج تلفزيوني حضره العام الماضي، "نحن نعلم ما حدث للفتيات المحجبات في غرف الإقناع. يجب أن نجلس ونطلب منهم المسامحة".
الأكراد.. 15 مليون صوت
يبرز في الجانب الكردي اسم حزب الشعوب الديمقراطي (أكبر الأحزاب الكردية)، والذي أعلن المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة تحت اسم حزب اليسار الأخضر، خشية صدور قرار من المحكمة الدستورية العليا في تركيا بحل الحزب، الذي يوصف بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا وأوروبا وأمريكا.
وفي الانتخابات البلدية عام 2019، دعَّم حزب الشعوب الديمقراطي ضمناً التحالف بين حزب الشعب الجمهوري وحزب "الجيد"، وبرهن عن دور أساسي في مساعدة حزب الشعب الجمهوري على انتزاع السيطرة على المحافظتَين الرئيسيتين في تركيا، إسطنبول وأنقرة، من حزب العدالة والتنمية.
وفي حين قدّم كليجدار أوغلو ترشيحه عن تحالف الأمة، المعروف أيضاً بـ"الطاولة السداسية"، أبدى حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأربعة الأخرى دعم هذا الترشيح، ما عدا ميرال أكشنار، زعيمة حزب "الجيد"، التي دعمت ترشيح عمدة أنقرة منصور يافاش أو عمدة إسطنبول إكرام إمام أوغلو.
وبحسب الباحث التركي باقي لالي أوغلو، لكي يتمكّن كليجدار أوغلو من الفوز بهذه الانتخابات يحتاج إلى تأييد حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب "الجيد"، والقوميين العلمانيين في تحالف الأمة، ولكن كثيراً من الأعضاء في حزب "الجيد" لا يستطيعون تقبّل انعطافة كليجدار أوغلو نحو حزب الشعوب الديمقراطي.
ويُشار إلى أن مصدر الخلاف الأساسي بين حزب الشعوب الديمقراطي والأحزاب القومية مثل حزب "الجيد" هو أن هذا الأخير يتّهم حزب الشعوب الديمقراطي بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني، المصنف دولياً في خانة المنظمات الإرهابية، والحفاظ على علاقات معه.
وقد تسبّبت هذه الأوضاع أيضاً بأزمة تطال شرعية حملة كليجدار أوغلو الرئاسية في أوساط القوميين الأتراك.
في هذا الصدد، وجّه النائب القومي التركي البارز يافوز أغير علي أوغلو، انتقادات علنية لترشيح كليجدار أوغلو وزيارته الأخيرة إلى مقر حزب الشعوب الديمقراطي. وتعبيراً عن احتجاجه، قدّم استقالته من حزب "الجيد"، حيث تبوأ سابقاً منصب نائب الرئيس.
وبحسب حديث لالي أوغلو لـ"عربي بوست"، فإن العائق الأكبر أمام كليجدار أوغلو ليس الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، الذي يُعتبَر ناخبوه أكثر تسييساً وقد رضخوا لقرار حزبهم، بل إن العائق الأكبر قد يكون القوميين الأتراك الذين قد يمتنعون عن الاقتراع لصالح كليجدار أوغلو.
وأضاف الباحث التركي أنه على عكس الصعوبة المتمثلة في إيجاد توازن بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب "الجيد"، لدعم ترشيح كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، تمكّن أردوغان تاريخياً من الحفاظ على الأصوات التي تقترع له في المناطق ذات الأكثرية الكردية.
وقد حصل في الدورتَين الأخيرتين للانتخابات الرئاسية عامَي 2014 و2018، على نسبة 40% من الأصوات في هذه المناطق. علاوةً على ذلك، يحظى أردوغان بتحالف قوي مع حزب الحركة القومية (MHP)، وحزب الدعوة الحرة (HUDAPAR) الكردي المحافظ، الذي يعول عليه أردوغان في الحفاظ على الأصوات الكردية التي تصوت له وزيادة حصته منها.
الشباب والانتخابات
بحسب الهيئة العليا للانتخابات في تركيا، سيشارك في انتخابات 14 مايو/أيار القادمة نحو 5 ملايين شاب، يصوتون للمرة الأولى في حياتهم بالانتخابات التركية.
وإذا انتقلت الانتخابات الرئاسية إلى الجولة الثانية، فسيصوت فيها 47 ألف شخص إضافي ممن يبلغون 18 عاماً.
ووفقاً لتقرير الأخبار الرقمية لعام 2022 الصادر عن معهد رويترز، الذي شارك فيه 93 ألف شخص في 46 دولة، بما في ذلك تركيا، فإن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يأخذون الأخبار بشكل عام من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث يستخدم 23% فقط تطبيقات الأخبار أو المواقع.
وفي سبيل الوصول إلى هذه الشريحة من المجتمع التركي، وجَّه السياسيون حملاتهم الانتخابية من الشارع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، واستبدلت الملصقات وأدوات الانتخابات والتجمعات الموسيقية بمقاطع فيديو ورسائل نصية تهدف إلى أن تكون ودودة أو مسلية.
ومن ذلك بث خطابات المرشح الرئاسي لتحالف الأمة كمال كليجدار أوغلو من منزله، والرقصة الشعبية لمرشح الرئاسة عن حزب الأمة محرم إينجه، ورسائل رئيس حزب التغيير التركي مصطفى ساريغول، الذي لديه ما يقرب من مليون متابع على تيك توك، ينتقد موضوعات جدول الأعمال، ويغني وبعض الأمثلة فقط من فيديوهاته القصيرة من النكات.
التفضيلات السياسية للشباب
ترى أستاذة العلوم السياسية في جامعة "إسطنبول بلغي"، توغتشا إرتشتين، أنه لا يوجد هيكل متجانس عندما يتعلق الأمر بالناخبين الشباب.
وتضيف في دراسة لها أنه رغم النقاط المشتركة مثل البطالة واليأس من المستقبل، فإن هناك مجموعات تختلف من حيث المنطقة وفروق التعليم والمستوى المعيشي.
ووفقاً للتقرير الذي أعدته مؤسسة البحوث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التركية (TÜSES)، فإن الشباب الذين سيصوتون لأول مرة موجودون في الغالب في منطقة جنوب شرق الأناضول.
وعليه، فإن المحافظات التي تضم أعلى نسبة من الشباب هي شرناق وهكاري وسيرت وأغري على التوالي، فيما كانت المناطق التي يوجد بها أقل عدد من الشباب هي موغلا وأوردو وبالكسير وإزمير وبورصة.
ويشير التقرير إلى أن مليون و166 ألف ناخب شاب سيصوتون للمرة الأولى في إسطنبول، فيما سيصوت 285 ألفاً في إزمير إلى جانب 176 ألفاً في أنقرة سيدلون بأصواتهم لأول مرة.
التصويت بالوراثة
وبحسب بحث أستاذة العلوم السياسية توغتشا إرتشتين، فإن هناك نسبة 75% من اتجاهات الشباب السياسية تمر من الأب إلى الطفل.
لكنها تضيف أن جيل الشباب المسمى "جيل زد"، المولود في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قريب من مفهوم المواطنة العالمية، ويعلق على أهمية الحراك الاجتماعي والحرية، وقد يختلف ذلك في اتجاهات التصويت لفئات الشباب في الانتخابات القادمة.
تأثير مضاعف للمترددين
وبينما يواصل تحالف الشعب وتحالف الأمة على بعد أيام من الانتخابات التركية حملتيهما، يواصل منظمو استطلاعات الرأي نشر أرقام تدعم مزاعم كلا الجانبين بالنصر الوشيك، ما يجعل الحملة أكثر حرارةً وطموحاً.
من جانبها قالت هاتم إيتا الباحثة التركية في الإحصاء واستطلاعات الرأي إن أعداد المترددين وصل في هذه الانتخابات إلى قرابة 10% تضاف إلى 10% أخرى ممن قاموا بتغيير عناوين منازلهم ولم يتم تسجيلهم في القوائم الانتخابية.
وأضافت إيتا في تصريحات تلفزيونية أن العديد من شركات استطلاعات الرأي نجحت في توقع نتيجة انتخابات عام 2018 قبل موعدها بنحو أسبوعين، لكن الأمر يختلف في هذه الانتخابات بحسب الباحثة التركية بسبب ارتفاع أعداد المترددين في الانتخابات التركي الذين يطلق عليهم قرارسيز "kararsız".
ويرى الكاتب التركي برهان الدين دوران أنه بعد أن عزز الرئيس أردوغان ومنافسه كليجدار أوغلو قواعد ناخبيهما، يبحث الطرفان الآن عن طرق لكسب الناخبين المترددين.
وبينما يضاعف أردوغان نشاطه الحالي من خلال حضور ثلاثة أو أربعة احتفالات افتتاحية ورائدة يومياً، تتحدث عن سجله الحافل، يُحذّر من افتقار المعارضة للرؤية بل وإتاحتها الفرصة للمنظمات الإرهابية لرسم مستقبل البلاد، بحسب الكاتب التركي.
وأضاف دوران في مقال بجريدة صباح التركية أنه في هذه الأثناء، يتعهد مرشح تحالف الأمة بجمع الأموال من الخارج ويسعى للتواصل مع الناخبين ذوي الميول اليمينية بمساعدة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، اللذان حددتهما المعارضة كنائبين للرئيس في المستقبل.
ويشدد الكاتب التركي على أن الجميع متفقون على أن "الناخبين المترددين" هم الذين سيحسمون انتخابات 14 مايو/ أيار في تركيا، وسيشكلون "موجة كبيرة" يتطلع الجانبان لحيازتها كي تكون إلى جانبهم يوم الانتخابات.