يبدو أن أوكرانيا مهددة بفقدان أكبر ميزة حققتها منذ بداية الحرب، وهي نجاحها في منع الطائرات الروسية من العمل بحرية في سمائها، إذ أصبح الروس أكثر قدرة على استهداف أنظمة الصواريخ الأوكرانية المضادة للطائرات بعدما تجاوزوا خدعة أمريكية تساعد كييف على استهداف المقاتلات بالصواريخ دون تشغيل الرادارات الأوكرانية.
وفقاً للقيادة العسكرية في كييف، تستخدم القوات الجوية الروسية تكتيكاً جديداً مكّن الطائرات المقاتلة الروسية من العمل بشكل هجومي، في تحدٍّ جديد للدفاعات الجوية الأوكرانية، حسبما ورد في تقرير لموقع Bulgarian Military.
فخلال الأيام والأسابيع الماضية، دخلت الطائرات الحربية الروسية عن عمد نطاق الأنظمة المضادة للطائرات الأوكرانية.
الغرض من التكتيك الروسي الجديد هو اكتشاف مواقع الدفاع الجوي الأوكرانية تمهيداً لقصفها أو دفعها لوقف مطاردة المقاتلات الروسية.
ومن المعروف أن أوكرانيا تعتمد على أنظمة دفاع جوي سوفييتية من طراز S-300، وهي أنظمة قديمة ولكنها أثبتت كفاءة عالية خلال الحرب، إضافة لنظام بوك السوفييتي الأصل أيضاً.
كما تم تسليم كييف مؤخراً أنظمة صواريخ باتريوت وNASAMS الأمريكية، و IRIS-T الأوروبي (ألماني مع دول أخرى مثل إيطاليا).
تم تأكيد نبأ تغيير التكتيكات الروسية في الجو من قبل أوليكسي دميتراشكوفسكي، رئيس المركز الصحفي الأوكراني الموحد.
منع الأوكرانيين للمقاتلات الروسية من التحليق بحرية في سمائهم هو مفتاح نجاتهم
رغم تحقيق الروس لشكل من أشكال التفوق الجوي خاصة أمام المقاتلات الأوكرانية، ولكن لم يحقق الروس هيمنة جوية كاملة، مثلما فعل الأمريكيون مع العراق في حربي 1992، و2003.
فرغم التفوق الجوي الساحق النوعي والعددي للقوات الجوية الروسية، فإن الدفاعات الجوية الأوكرانية مازالت تطارد الطائرات الروسية، الأمر الذي يحد من قدرتها من ضرب الأهداف الأوكرانية ودعم القوات الروسية على الأرض، رغم امتلاكها طائرات معترفاً بكفاءتها حتى من قبل خصومها الغربيين مثل المقاتلات متعددة المهام سوخوي 30 وسوخوي 35 والقاذفة المقاتلة سوخوي 34.
كما أن المقاتلات الأوكرانية مازالت تحلق أحياناً في سماء البلاد، وتنفذ عمليات قليلة ولكن جريئة ضد الروس، رغم قلة أعدادها وتأخرها.
وكان الأداء المرتبك لسلاح الجو الروسي واحداً من الألغاز في الحرب الحالية، فرغم أن خسائر الطائرات الروسية، ليست كبيرة بالنظر لطول أمد الحرب، ولكن دورها في دعم القوات البرية الروسية على الأرض بإطلاق النيران على الخصوم الأوكرانيين يبدو أقل من المتوقع من ثاني أكبر قوة جوية في العالم.
ويعتقد أن هذه أكبر مشكلة أدت لتعثر الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، وبعد أن كان يتوقع أن تصبح مجرد نزهة عسكرية ها هي تقترب من العام والنصف، وباتت المعارك تختصر على القتال على محاور محدودة مثل المعركة حول مدينة باخمونت المتوسطة، بعد أن كانت روسيا تستهدف في البداية إسقاط العاصمة كييف.
إذ ظل الأوكرانيون قادرين على استهداف المقاتلات الروسية بصواريخهم، ما عطل قدرة القوات الجوية الروسية على العمل بحرية مطلقة وتوفير الدعم الكافي للقوات البرية، وكثيراً ما اضطر الروس لإطلاق دفعات من صواريخ كروز السريعة ومتوسطة المدى من مسافة بعيدة لكي يتجنبوا الدفاعات الأوكرانية، وكان هذا خياراً مكلفاً، لأن مثل هذه الصواريخ باهظة التكلفة ويصعب استبدال المستنزف منها، كما كان هذا الخيار أحياناً على حساب الدقة والسرعة.
كيف يستطيع الأوكرانيون تصويب الصواريخ رغم إطفائهم الرادارات؟ فتش عن دور أمريكا
وتتمثل إحدى المهام الأولى لأي قوة جوية هجومية في اكتشاف الدفاعات الجوية للعدو واستهدافها بالقصف، وذلك عن طريق رصد إشارات الرادارات الصادرة من أنظمة الدفاعات الجوية، ثم قصفها.
في بداية الحرب كان على القوات الجوية الروسية تحييد الدفاع الجوي للأوكرانيين، وحاولوا فعل ذلك دون نجاح.
ولكن الأوكرانيين نجحوا في تصويب صواريخهم وإطلاقها نحو المقاتلات الروسية دون تشغيل الرادارات الخاصة بها، أي إن الطائرات الروسية لا تستطيع تحديد مكان الدفاعات الأوكرانية المضادة للطائرات.
ويرجع عدم استخدام رادارات الدفاع الجوي الأوكرانية إلى أن كييف تقصف المواقع الروسية، بما فيها المقاتلات، بفضل معلومات الاستهداف في الوقت الحقيقي من طائرات أواكس التابعة للولايات المتحدة والناتو التي تطير في أجواء دول الناتو المجاورة لأوكرانيا دون دخول المجال الجوي الأوكراني.
ورغم أن الروس يرصدون طائرات الناتو وأمريكا، ولكن لا يستطيعون استهدافها حتى لا يشعلوا حرباً مع الناتو.
الآن الروس يقتربون من الدفاعات الأوكرانية
ولفترة طويلة تجنب الروس الاقتراب من مجال الصواريخ الأوكرانية تجنباً لخطر إسقاط مقاتلاتهم المتقدمة، ولكنهم الآن يخاطرون بالاقتراب منها، ما يعني أن أوكرانيا ستضطر إلى تشغيل الرادار لاستهداف المقاتلات والصواريخ الروسية لاعتراضها. وقبلت موسكو هذه المخاطرة.
الإعلان الرسمي من كييف أن سلاح الجو الروسي قد غير تكتيكاته ليس سراً. ولا ينبغي أن يفاجئ أحداً، لأن هذا تم الإعلان عنه رسمياً بالفعل في بداية العام من قبل القيادة في موسكو.
فسبق أن أعلن مصدر من الإدارة العسكرية الروسية في محادثة خاصة مع صحفي روسي أن موسكو تستعد لتغيير تكتيكاتها.
وبحسب المصدر، فإن موسكو لن تقوم بكثير من الدوريات أو الرحلات الدفاعية، بل ستقوم برحلات هجومية. بالضبط هذا ما يحدث الآن، بحسب مسؤولي كييف.
يكشف هذا أن موسكو قبلت حقيقة أنها ستفقد بعض طائراتها، لأن تغيير التكتيكات وقبول مخاطر الاشتباك مع الدفاعات الجوية للعدو يعني أنك ستكون في كثير من الأحيان قريباً من الهدف، وأن فرصة التعرض للضرب أكبر.
فخ المسيّرات الإيرانية التي يتم التضحية بها من أجل الطائرات الروسية
يبدو أن موسكو قررت التضحية بالطائرات المسيرة الإيرانية الصنع من أجل سوخوي الروسية، من خلال جعل المسيرات شراكاً للصواريخ الإيرانية.
وقال دميتراشكوفسكي: "يتم بالفعل استخدام طائرات شاهد -136 الإيرانية [المسمى الروسي لها جيران -2] كشراك خداعية. والغرض منها هو تحديد مكان وجود نظام دفاع جوي ثابت أو متنقل بدقة.
وعندما يحدد النظام الأوكراني الطائرة المسيرة كتهديد، فإنه يطلق صاروخاً. ورغم أن احتمال إسقاط شاهد -136 مرتفع للغاية. لكنه يجعل النظام معرضاً للهجوم من اتجاه آخر من قبل طائرة مسيرة روسية الصنع من طراز لانسيت كاميكازي.
وقد يمكن استخدام الخدعة نفسها بالتعاون مع المقاتلات الروسية المأهولة مثل طائرات سوخوي.
الأمر الذي يطرح سؤالاً مثيراً للاهتمام، هل تمكّن الروس من مزامنة نقل البيانات بين طائرات شاهد -136 الإيرانية من دون طيار وطائرات لانسيت الروسية من دون طيار؟ لأن الهجوم، بحسب المتحدث الأوكراني، حدث في فترة زمنية قصيرة جداً.
موسكو تحول القنابل الرخيصة لذخائر فعالة وقادة الدفاعات الجوية الأوكرانية في حيرة
هناك سلاح آخر أدخله الروس لتفعيل حملتهم الجوية، وهو القنابل الجوية، وهي تقليد روسي لذخائر موجهة رخيصة طورتها أمريكا تحت اسم "ذخيرة الهجوم المباشر المشترك"، وهي ذخائر تقليدية يتم توجيهها بالأقمار الصناعية.
كما يتم استخدام "متفجرات تحلّق بوزن 500 و1500 كغم" كنوع من الشراك.
القنابل تتسبب في أضرار جسيمة. ما يجب أن يفعله الأوكرانيون معهم هو قرار صعب للغاية، لأنهم إذا لم يحاولوا استخدام نظام الدفاع الجوي لاعتراض مثل هذه القنابل، فإن التدمير الذي تلحقه كبير، واستهدافها يكشف مواقع الصواريخ والرادارات الأوكرانية.
فإذا تم تنشيط الدفاع الجوي، فهناك فرصة لاعتراض القنبلة الجوية. لكن في اللحظة التي يتم فيها تشغيله، يصبح نظام الدفاع الجوي مرئياً للمقاتلات الروسية في الجو.
بالطبع، ليس من المؤكد أن الصاروخ الروسي سيصيب النظام الأوكراني، لكن يظل الخطر ماثلاً، بشكل كبير، ويتوقف على الظروف الميدانية. وبالتالي يجب أن يتخذ قائد بطارية الدفاع الجوي الأوكراني قراراً؛ إما أن يحمي نفسه ورجاله بعدم تشغيل راداراته، أو يحمي سكاناً مدنيين أو هدفاً عسكرياً واستراتيجياً ثميناً ويعرض حياته وحياة رجاله للخطر.
مسيرة روسية جديدة ثقيلة الحمولة تقلق كييف
وهناك شيء جديد تتأهب له القوات المسلحة الأوكرانية، وفقاً لما نقله موقع Bulgarian Military عما وصفه بمصادره الخاصة.
إذ تستعد روسيا لنشر الطائرة المسيرة الثقيلة LO Sirius، على طول الخط الأمامي للجبهة.
وهي طائرة من دون طيار تحمل 100 كغم من القنابل الموجهة بدقة.
ويتضح من تصريح دميتراشكوفسكي أن التكتيكات الروسية تهدف إلى إحكام الطوق على الخطوط الأمامية الأوكرانية.
كل ذلك يأتي وسط تضاؤل مخزونات أوكرانيا من الصواريخ المضادة للطائرات
إضافة لتطوير الروس لتكتيكاتهم، يزداد خطر الطيران الروسي على أوكرانيا مع تضاؤل مخزون كييف من صواريخ BUK وS-300 السوفييتية الصنع، والتي تعد عماد الدفاع الجوي للبلاد، حسب ما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
وبعد أن كشفت وثائق البنتاغون المسربة أن أوكرانيا كانت قلقة من نقص صواريخ الدفاع الجوي، اجتمع أنصار كييف من أعضاء الناتو في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا مؤخراً لمناقشة المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وركزوا على تعزيز دفاعاتها الجوية، حسب ما أكد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي.
وقال الجنرال مارك ميلي في مؤتمر صحفي في وقت لاحق إن الهدف هو ضمان أن يكون نظام الدفاع الجوي الأوكراني قوياً، "يتألف من طبقات من ارتفاعات عالية إلى ارتفاعات متوسطة إلى ارتفاعات منخفضة، ومن قصيرة المدى ومتوسطة المدى إلى بعيدة المدى".
يأتي هذا الإعلان بعد أسبوع تقريباً من إعلان قناة "إن بي سي- نيوز" الأمريكية نقلاً عن وثيقتين سريتين من البنتاغون أن أوكرانيا تستهلك الكثير من ذخيرة الدفاع الجوي، مثل أنظمة BUK وS-300 روسية الصنع، بسبب القصف المستمر للصواريخ الروسية والطائرات المسيرة.
خدعة الروس باستخدام المسيرات الإيرانية يبدو أنها نجحت
ويبدو ذلك مؤشراً على نجاح الخدعة الروسية باستخدام الطائرات الإيرانية المسيرة لاستهلاك صواريخ الدفاع الجوي الأوكرانية (المسيرات الإيرانية قد تكون أعلى في الثمن من صواريخ أوكرانيا).
وتنص إحدى الوثيقتين، بتاريخ 28 فبراير/شباط 2023، على أنه إذا لم تتمكن أوكرانيا من زيادة مخزونها من ذخيرة الدفاع الجوي في الوقت المناسب، فقد تتمكن روسيا من تحقيق التفوق الجوي والبدء في تحليق الطائرات فوق الأراضي التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية.
كما تنص إحدى الوثائق على أن "قدرة أوكرانيا على توفير دفاع جوي متوسط المدى لحماية FLOT (الخط الأمامي للقوات) سيتم تخفيضها بالكامل بحلول 23 مايو/أيار 2023".
ويتم توفير حوالي 89% من حماية الدفاع الجوي الأوكرانية ضد التهديدات متوسطة إلى عالية المدى التي يزيد ارتفاعها عن 20000 قدم بواسطة صواريخ SA-10 التابعة لنظام إس 300 وSA-11 التابعة لنظام بوك.
وفقًا لإحدى الوثائق، سيتم استنفاد صواريخ S-300 بحلول 3 مايو/أيار، وحتى أنظمة NASAMS الأمريكية تستنزف.
تحذر الوثيقة أيضاً من أنه في ظل هذا السيناريو، سيكون للطائرات الروسية "حرية المناورة الجوية"، ويمكنها مهاجمة القوات البرية الأوكرانية أو الأهداف الأخرى دون مساعدة الطائرات دون طيار أو صواريخ كروز.
وهذا قد يغير مسار الحرب لصالح روسيا
حتى الآن، لا تزال روسيا غير قادرة على الاستخدام الفعال للقوة النارية الجوية الثقيلة لقاذفاتها ذات الأجنحة الثابتة، وأساطيلها من المقاتلات متعددة المهام، لقصف الأهداف الاستراتيجية الأوكرانية، ومواقع الخطوط الأمامية من ارتفاع متوسط، كما فعلت في سوريا.
ويعتقد المحللون العسكريون أنه إذا تضاءلت مخزونات أوكرانيا من صواريخ الدفاع الجوي، فقد يميل مسار الحرب لصالح موسكو.
وحذر المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث مقره المملكة المتحدة، في تقرير نشر العام الماضي من أنه يجب على الدول الغربية التصرف بسرعة لتعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية أو المخاطرة برؤية مقاتلات روسيا تطير دون رادع في السماء.
وحذّر التقرير من أنه لا يجب أن يرضى عن نفسه بسبب إخفاق روسيا في تدمير أنظمة SAM المتنقلة في أوكرانيا، لأنها حتى لو لم تدمر لأن الصواريخ الأوكرانية سوف ستُستنزف، وفقاً للمسار الحالي للحرب.
كما أن القوات الجوية الروسية لم تعد تتعرض لخسائر كبيرة.
وذكر التقرير أيضاً: "إذا لم يتم إعادة تزويد الدفاعات الجوية الأوكرانية بالذخيرة، فستستعيد القوات الجوية الروسية القدرة على تشكيل تهديد كبير لأوكرانيا".
علماً بان هناك صعوبة في الحصول على صواريخ إس 300 جديدة لأنها سوفييتية الصنع وتم وقف إنتاجها منذ زمن، واحتياطات دول أوروبا الشرقية منها قد لا تكون كبيرة.
ولذلك يظل الخيار الضروري لكييف لأوكرانيا على المدى المتوسط والبعيد استبدال الأنظمة السوفييتية الصنع في نهاية المطاف بنظائر غربية.
هذه التقارير المتحمسة لكييف، تتضمن نقداً مبطناً لطريقة استهلاكها المرتفعة للذخائر، حيث ظهرت دعوات لقوات كييف بتعديل استراتيجياتها للحفاظ على الذخيرة واستخدام "الخداع العسكري"، وفقاً للوثائق، للمساعدة في الحفاظ على دفاعاتها الجوية.
ووافقت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا بالفعل على تسليم أنظمة الدفاع الجوي باتريوت إلى أوكرانيا. وافقت فرنسا وإيطاليا أيضاً على إرسال نظام SAMP / T-MAMBA، وقررت النرويج وكندا التبرع بأنظمة الصواريخ الوطنية المتقدمة أرض-جو (NASAMS).
وعلى المدى القصير، تحتاج أوكرانيا أيضاً إلى أعداد كبيرة من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الأكتاف (MANPADS)، والمدافع المضادة للطائرات الموجهة بالرادار، مثل Gepard الألماني، للحفاظ على قدرتها على اعتراض طائرات Shahed-136 المسيرة، بدلاً من اللجوء للصواريخ الباهظة التكلفة للتصدي لها، وكذلك حماية البنية التحتية للطاقة المتبقية، وتنفيذ الإصلاحات للمرافق المتضررة.