في إطار ما يسمى الحروب الجديدة وتراجع الحروب العسكرية التقليدية، يواجه الاحتلال الإسرائيلي حرباً جديدة، تختلف هذه المرة عن سابقاتها من الحروب، أي أنها ليست ذات طابع وسمت عسكري؛ فهي معركة لا قتال فيها ولا صواريخ ولا ما شابه، لكنها لا تقل أهمية عن الحروب العسكرية التقليدية.
إذ استطاعت الحرب التكنولوجية الإلكترونية التفوق على العديد من القدرات العسكرية القتالية، حيث تُشكل أجهزة الحاسوب ولوحات المفاتيح فيها أحدث ساحات المعارك ضد إسرائيل، فهي تُعد من أكثر المعارك تكلفة وخسائر بسبب استهدافها مؤسسات حيوية واستراتيجية في الكيان.
استطاع "الهاكر، الهجوم السيبراني، أنونيموس، وغيرها من المسميات المجهولة" استهداف الكيان الإسرائيلي؛ بُغية ضرب جميع مقومات الحياة فيه من خلال استغلال الثغرات الأمنية في البرامج والأنظمة والمواقع الإلكترونية التابعة له.
فقد برزت الظاهرة التكنولوجية مع تطور وسائل الإنترنت الحديثة، وتعددت خلالها أنواع الهاكر عاماً تلو الآخر؛ بسبب ظهور تقنيات وبرامج تكنولوجية حديثة، إلى أن أصبحت في السنوات الأخيرة من أخطر الظواهر التي تُهدد الخصوصية في عالمنا التقني الحالي.
قد شهدت الآونة الأخيرة العديد من عمليات الاختراق في منظومة الاحتلال الإسرائيلي، وشكلت التهديدات السيبرانية خطراً على جميع مرافق البنى التحتية لدى الاحتلال، بما فيها استهداف مواقع أمنية وحكومية من بينها جهاز الموساد ومؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلي، واختراق آلاف الحواسيب، ومراكز القيادة والسيطرة بهيئة المياه والبنوك والمصارف والجامعات.
لقد كان من بين أهداف الاختراق أيضاً منظومات المنازل الذكية لدى الاحتلال، فالمهاجمون لا يستثنون شيئاً من هجماتهم الموجهة، بما فيها تسريب معلومات عن الإسرائيليين، حتى إن حساب رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الفيس بوك والإنستغرام لم يسلم من عمليات الاختراق.
ما سبق يؤكد أن القائمين على الهجوم بإمكانهم الوصول إلى جميع المقدرات لدى الكيان؛ وخلق شلل لجميع مناحي الحياة، وبالتالي سيؤدي إلى زعزعة الأمن وإحداث حالة من الفوضى والإرباك لدى الإسرائيليين.
كانت مجموعة الهاكر التي تُطلق على نفسها اسم "أنونيموس سودان" قد هاجمت مؤخراً نحو 15 مواقعاً إلكترونياً لدى الاحتلال، بينها مواقع شركة موانئ إسرائيل وميناء حيفا، وكذلك موقع الموساد مُشيرةً إلى أن اختراقها تسبب بتعطيلها ومنع الخدمة عنها، وكان الهجوم قد تسبب بحجب الخدمات عبر الإنترنت، إثر انهيار خوادم هذه المواقع، من دون استخراج معلومات منها.
كما طال أيضاً موقع هيئة البث الإسرائيلية، وبنوك وشركات اتصالات وخدمات الإنترنت "سيلكوم" و"بارتنر" وجامعة تل أبيب وصحيفة "جيروزاليم بوست"، وموقع شركة المياه "ميكوروت"، وهيئات حكومية أخرى؛ ويأتي الهجوم السيبراني في الوقت الذي يُحيي فيه الكيان ما يسمى بعيد الاستقلال.
قد كان آخر هذه الهجمات انهيار موقع صحيفة "هآرتس" العبرية بعد تعرضه لهجوم إلكتروني من قبل هاكرز مؤيدين للفلسطينيين بتاريخ 27 أبريل 2023.
يبدو واضحاً أن الحرب الإلكترونية التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية والجهات الخارجية الأخرى؛ تشتعل لتطال الاحتلال الإسرائيلي في جميع أماكن تواجده على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي بمثابة وسائل الهدف منها جعل الاحتلال الإسرائيلي يعيش حالة من الذُعر والتشتت، ورسائل تؤكد على أنه لا أمن ولا أمان له على أي ذرة تراب من فلسطين يتواجد عليها.
الجدير ذكره أن الكيان يتعرض لهجمات كثيرة ومتعددة من أطراف في محور المقاومة، حيث هاجمت دائرة الأمن السيبراني في كتائب القسام في وقت سابق بشكل واسع قواعد ومواقع عسكرية ومنشآتٍ أمنية وأهداف حساسة لدى الكيان الإسرائيلي، واخترقت هواتف العديد من الجنود الإسرائيليين، وتمكنت من تحديد طُرق مبتكرة لتجاوز وتعطيل "القدرات الأمنية الإسرائيلية" بُغية الوصول إلى المعلومات العسكرية المهمة عبر الجنود.
يُذكر أن الشهيد "جمعة الطحلة" كان قد عمل على تطوير البرامج المتعلقة بالحرب الإلكترونية، وساهم في إنشاء البرمجيات المحوسبة والتعديل عليها، كما أنشأ "جيش القدس الإلكتروني" وتشكيله كسلاح إلكتروني لكتائب القسام يعمل على مواجهة العدو الصهيوني، حيث استطاع هذا السلاح وفي وقت قصير أن يتجاوز كل الحدود والعقبات.
باعتقادي أن المعارك القادمة مع الكيان الإسرائيلي ستتجاوز الحروب العسكرية التقليدية، فالحروب الإلكترونية ستؤدي الأغراض العسكرية ذاتها وربما قد تتفوق عليها أحياناً؛ لأن من يتحكم في التكنولوجية يستطيع إيقاف جميع الوسائل القتالية من طائرات وصواريخ وبارجات حربية وغيرها، حتى إن الوسائل الدفاعية لدى الاحتلال الاسرائيلي أصبحت المقاومة اليوم تتحكم فيها من خلال اختراقها والسيطرة على أنظمتها ومنها: القبة الحديدية وصافرات الإنذار والقطارات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.