رغم توصل كل من الحكومة المركزية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي شبه المستقل، إلى اتفاق مؤقت بشأن إعادة تصدير النفط الكردي بعد توقف استمر لأسابيع، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة.
فالصراع على صادرات النفط والغاز بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان طويل، والأحكام الأخيرة ساعدت على تفاقمه بشكل أكبر، لتنتشر دعوات تطالب بنظام نفطي فيدرالي يتعلق بالنفط العراقي.
فهل يمثل النظام الفيدرالي حلاً للأزمة المستمرة منذ عقدين من الزمن؟ وما هي الأطراف المرحبة وتلك الرافضة لهذه الفكرة؟ وما هي العقبات التي تحول دون إتمامها؟
اتفاق محدود
بحسب المصادر العراقية والكردية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الاجتماع بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، الذي تم في بداية شهر أبريل/نيسان الجاري، كان إيجابياً لكنه على نطاق محدود.
في هذا السياق، يقول مسؤول حكومي كردي، لـ"عربي بوست": "اتفق كل من السوداني وبارزاني على استئناف تصدير النفط، وأن تتولى شركة تسويق النفط الحكومية العراقية (سومو)، تسويق وبيع النفط الكردي، وإيداع عائداته في حساب بنكي لدى البنك المركزي العراقي يكون تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان". كما أشار المصدر ذاته إلى حق حكومة بغداد في مراجعة هذا الحساب.
كانت حكومة بغداد قد حصلت على حكم من المحكمة التجارية الدولية في منتصف شهر مارس/آذار 2023، بإيقاف تصدير حكومة إقليم كردستان للنفط والغاز، عن طريق خطوط الأنابيب التي تصل إلى ميناء جيهان التركي، كما حكمت المحكمة الدولية أيضاً لحكومة بغداد، بتعويض من الحكومة التركية يُقدر بحوالي ملياريْ دولار أمريكي، وتحويل النفط الكردي إلى صهاريج التخزين. وقبلت أنقرة حكم المحكمة ووعدت بسداد الغرامة المالية لحكومة العراق.
سبق هذا الحكم الذي وصفته الحكومة العراقية في بغداد، بالانتصار الكبير بعد عقدين من الصراع بين بغداد وحكومة إقليم كردستان على صادرات النفط والغاز المستقلة للإقليم، قرار من المحكمة الاتحادية العليا العراقية، بعدم دستورية قانون صادرات النفط والغاز المستقلة لحكومة إقليم كردستان، والذي أصدره البرلمان الإقليمي (البرلمان الكردي) في عام 2007.
ويقضي القانون غير الدستوري بأن تقوم حكومة إقليم كردستان العراق، بتصدير النفط والغاز بشكل مستقل ومنفصل تماماً عن حكومة بغداد، وبالتأكيد التمتع بالعائدات النفطية دون تقاسمها مع حكومة بغداد، وعلى اثر هذا القانون أبرمت حكومة إقليم كردستان عشرات من العقود مع شركات الطاقة العالمية التي تعمل في الإقليم من أجل التنقيب واستخراج النفط والغاز، منذ سنوات طويلة.
الاتفاق المؤقت ليس حلاً؟
الصراع على صادرات النفط والغاز بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان طويل ويمتد لعقدين من الزمن، لكن القرارات الأخيرة، سواء الصادرة من المحكمة التجارية الدولية، أم المحكمة الاتحادية العليا العراقية، ساعدت على تفاقم هذا الصراع، والذي وصل إلى حرمان إقليم كردستان العراق من تصدير نفطه الذي يعتمد عليه بشكل أساسي لسداد نفقات الحكومة ودفع رواتب موظفي الخدمات العامة، خاصة أن الإقليم يعاني في الأساس من أزمة اقتصادية.
لكن في بغداد، كانت الأحكام القضائية الأخيرة، انتصاراً طال انتظاره. يقول مسؤول عراقي في وزارة النفط العراقية، لـ"عربي بوست": "بعد عشرين عاماً من الصراع مع حكومة إقليم كردستان، أصبحت حكومة بغداد هي المسيطرة الوحيدة على كامل النفط العراقي".
ويرى مسؤول وزارة النفط العراقية أن هذه السيطرة التي أشار إليها تأخرت كثيراً، فيقول: "مسألة تصدير إقليم كردستان للنفط والغاز بشكل مستقل عن بغداد، وإبرام حكومة الإقليم لعقود دولية مع الشركات، كل هذه الأمور كانت خطأً كبيراً من البداية، وقد تأخرت بغداد في حل هذه الأزمة".
وبعد التوصل إلى اتفاق ثنائي، أشرفت عليه شركات نفطية دولية تعمل في إقليم كردستان العراق، من أجل استعادة حكومة إقليم كردستان لتصدير النفط والغاز، تحت إشراف شركة تسويق النفط العراقية الحكومية (سومو)، إلا أن جميع الأمور لم يتم حلها، ومازالت هناك الكثير من النقاط الشائكة بين بغداد وأربيل يجب حلها فيما يخص مسألة تصدير النفط والغاز.
في هذا الصدد، يقول مسؤول كردي من الحزب الديمقراطي الكردستاني (الحزب المسيطر على الحكم في إقليم كردستان، بجانب الاتحاد الوطني الكردستاني)، لـ"عربي بوست": "نعم، تم التوصل إلى اتفاق مؤقت بين بغداد وأربيل، لكن هذا الاتفاق ليس حلاً، وتعلم جميع الأطراف هذا الأمر، ستظهر المشاكل مرة أخرى، مشاكل عمرها عشرون عاماً، لن يحلها اتفاق مؤقت يمكن اختراقه في أي وقت، وفي الوقت نفسه، عودة بغداد لحرمان أربيل من تصدير نفطها، تعدٍّ على حكومة أربيل وظلم جائر"، على حد وصفه.
علي الجانب الآخر، يرى سياسي عراقي من الإطار التنسيقي الشيعي، وهو مظلة تضم أغلب الأحزاب العراقية الشيعية بأجنحتها المسلحة، المعتدلة منها والمقربة من إيران، أن الاتفاق المؤقت بين بغداد وأربيل، وما حصلت عليه بغداد مؤخراً من أحكام قضائية دولية ومحلية، هو الحل الأمثل للصراع الكردي العراقي على النفط.
وأضاف لـ"عربي بوست": "الأحكام القضائية الأخيرة، والاتفاق المؤقت بين بغداد وأربيل فيما يخص صادرات الإقليم من النفط والغاز، تصحيح لمسار خطأ استمر سنوات طويلة، الحكومة في بغداد ترى أنه من حقها أن تكون هي الجهة الوحيدة المسيطرة على كامل النفط العراقي".
كما يرى المصدر ذاته، أنه يجب العمل على تثبيت الاتفاق المؤقت، لكي يضمن لجميع الأطراف حقوقها من تصدير النفط العراقي.
أسئلة بلا إجابات
صحيح أن الاتفاق المؤقت بين حكومتي بغداد وأربيل ليس حلاً نهائياً لصراع نفطي استمر عقدين من الزمان، وصحيح أنه ليس من العدل حرمان حكومة إقليم كردستان من تصدير نفطها، هذا الحرمان سيضر أيضاً حكومة بغداد، وسيهدد الاستقرار السياسي النسبي الذي تتمتع به حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، حالياً.
لأن كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، الحزبين الرئيسين الحاكمين لإقليم كردستان العراق، شريكان فيما يعرف بائتلاف إدارة الدولة، المكون من جميع الأطراف الكردية والشيعية والسنية، الداعمة للحكومة.
وبحسب سياسي عراقي شيعي مقرب من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تحدث لـ"عربي بوست" قائلاً: "إن السوداني أبرم عدداً من الصفقات مع الأطراف الكردية والسنية لضمان دعمهم لحكومته".
تولى السوداني منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد عام كامل من عدم قدرة العراق على تشكيل حكومة جديدة ومرور البلاد بانسداد سياسي منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وبحسب المصدر السابق، فإن السوداني عقد صفقة مع المكون الكردي كان من ضمنها مسألة تصدير النفط والغاز الكرديين، وبنود الموازنة العامة الفيدرالية الخاصة بحكومة إقليم كردستان العراق.
لكن حتى مع التوصل إلى اتفاق نفطي مؤقت بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان، لا تزال هناك أسئلة لم يرد لها إجابات في هذا الاتفاق المؤقت، بحسب المصادر الكردية التي تحدثت لـ"عربي بوست" في هذا التقرير.
في هذا الصدد، يقول سياسي كردي من الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست": "صحيح أن التوصل إلى اتفاق مؤقت بين بغداد وأربيل، أمر إيجابي، لكن لن يستمر الحال بهذا الاتفاق، هناك الكثير من الأسئلة التي يجب وضع إجابات وحلول لها للتوصل إلى اتفاق نهائي بين بغداد وأربيل، يضمن الحقوق لكل الأطراف".
وأضاف المصدر ذاته: "قرر المسؤولون في بغداد أن شركة سومو (شركة تسويق وتصدير النفط العراقية الحكومية)، هي التي ستكون المسؤولة عن تصدير وتسويق النفط الكردي، لكن من الذي سيقوم باستخراج النفط الكردي؟ وما هي آليات تسويق النفط الكردي؟ ومن الذي سيدير عائدات النفط الكردي؟ وعلى أي أساس سيتم تقاسم هذه العائدات بين بغداد وأربيل؟ هذا بالإضافة إلى عقود الشركات النفطية العالمية مع أربيل، والتي قال بعض المسئولين في بغداد إنها غير قانونية بشكل أو بآخر".
جدير بالذكر هنا، أن الاتحاد الوطني الكردستاني ومقره مدينة السليمانية، هو الحزب الكردي المنافس للحزب الديمقراطي الكردستاني، والمقرب من حكومة بغداد والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الأسئلة التي طرحها السياسي الكردي من الاتحاد الوطني الكردستاني، تتم مناقشتها بشكل مكثف داخل الاتحاد الوطني الكردستاني في الآونة الأخيرة، والبعض منها طرحها قوباد طالباني نائب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، في منتدى سياسي في السليمانية، مؤخراً.
وبحسب السياسي الكردي من الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي قال في حديثه لـ"عربي بوست": "هذه التساؤلات من حق حكومة إقليم كردستان، وتتم مناقشتها بكثرة داخل الأوساط الكردية في الآونة الأخيرة".
كما أشار المصدر ذاته إلى مشاركة هذه الأفكار والتساؤلات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في محاولة للتوصل إلى إجماع كردي لطرحها على المسؤولين في بغداد.
اتفاق نفطي فيدرالي جديد؟
مسؤول حكومي كردي منتمٍ للاتحاد الوطني الكردستاني، تحدث لـ"عربي بوست"، عن التفكير الكردي في صياغة قانون نفطي جديد للعراق بأكمله، فيقول: "المشاكل على تصدير النفط بين بغداد وأربيل لن يحلها اتفاق نفطي مؤقت، ستعود للظهور مرة أخرى، والجميع يعرف ذلك، هذه المشكلات تؤثر بشكل كبير على سعر النفط الخاص بإقليم كردستان، ما يعود بالسلب على ميزانية الإقليم والشعب الكردي، لذلك لابد من التوصل إلى اتفاق أو قانون نفطي دائم".
كما أشار المصدر ذاته إلى نقطة الخلافات السياسية بين حكومتي بغداد وأربيل، قائلاً لـ"عربي بوست": "بجانب التأثير الاقتصادي السلبي للصراع النفطي بين بغداد وأربيل، هناك أيضاً تأثيرات سلبية على التعاون السياسي بين حكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد، والعراق لا يريد خلافات سياسية تضاف إلى قائمة أزماته السياسية الحالية".
علي ما يبدو أن التساؤلات نفسها التي تتم مناقشتها في الاتحاد الوطني الكردستاني، موجودة لدى بعض القادة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، يقول مصدر في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ"عربي بوست": "الاتفاق المؤقت بين بغداد وأربيل، لم يتطرق إلى مستقبل عملية تصدير النفط الكردي، إنه مسكّن مؤقت للألم المستمر منذ سنوات، كان من المفترض أن يتم وضع خطة تعالج الكثير من النقاط، بينها العائدات، فمن الذي سيضمن أن توزيعها لن يتأثر بالخلافات السياسية الحالية أو التي من الممكن أن تظهر في المستقبل بين حكومتي بغداد وأربيل؟".
هذه التساؤلات التي تحدثت عنها المصادر الكردية إجاباتها في الغالب تكمن في تطبيق نظام نفطي فيدرالي، يكون المسؤول عن تصدير وعائدات النفط العراقي بالكامل.
لكن هل سيكون من السهل تطبيق نظام نفطي فيدرالي يُدير نفط العراق بأكمله من الجنوب إلى الشمال؟
في البداية يجب توضيح ما هو النظام الفيدرالي فيما يخص النفط؟ بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفي جلسات مناقشات الدستور الجديد للعراق بعد الإطاحة بحكم صدام حسين، كان اقتراح أن يصبح الحكم في العراق فيدرالي، أي نظام اللامركزية الإدراية، مطروحاً بشدة،
ويُقصد بالحكم الفيدرالي هنا، تنويع الحكم ما بين الحكم المشترك والحكم الذاتي لبعض الأقاليم، بعبارة أخرى، أن تتمتع بعض الأقاليم والقوميات الصغيرة بصلاحيات وامتيازات مستقلة عن الحكومة المركزية.
وهنا تجدر الاشارة إلى أن العراق يتم تطبيق هذا النظام فيه لكن بشكل غير كامل، حيث يتمتع إقليم كردستان بحكم ذاتي شبه مستقل. أما فيما يخص تطبيق النظام الفيدرالي علي الثروات والموارد الطبيعية، ففي النظام الفيدرالي يكون من حق الحكومة المركزية توزيع الثروات والعائدات النفطية من أجل تشكيل الموازنة العامة للبلاد.
لكن في نفس الوقت يكون من حق الإقليم الذي هو مصدر النفط والغاز، الحصول علي جزء كبير من تلك العائدات بحسب القوانيين المفترض تواجدها لتوزيع الثروات. وهذه القوانيين، تشمل مشاركة جزء من الأقاليم الأخرى في البلاد، وخاصة الأقاليم فقيرة الموارد، بنيل حصتها من العائدات النفطية.
بمعنى آخر، تقوم الحكومة المركزية بتوزيع عائدات النفط حتى الآتية من إقليم كردستان علي كافة أقاليم العراق، بالتساوي وبشكل عادل وفقاً للقوانيين الاتحادية.
يقول مصدر سياسي ثانٍ من الحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ"عربي بوست": "لن يوافق قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني على النظام الفيدرالي المقترح من قبل عدد من الأشخاص من كلا الحزبين، إذا سارت الأمور على ما يرام من خلال الاتفاق النفطي الحالي بين أربيل وبغداد، من الممكن البناء عليه وسد عدد من الثغرات به، لكن تطبيق نظام فيدرالي، يتطلب الكثير من العمل وإعادة هيكلة المؤسسات النفطية في كل من بغداد وأربيل، وهذا أمر صعب في الوقت الحالي".
لكن على الجانب الآخر، يبدو أن هناك بوادر ترحيب بتطبيق نظام نفطي فيدرالي في العراق، فبحسب مصدر سياسي مقرب من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، فإن الأخير قد أبدى ترحيبه بالفكرة، فيقول المصدر لـ"عربي بوست": "بعض القادة من الاتحاد الوطني الكردستاني ناقشوا الفكرة مع السوداني، ويرى السوداني أنه حل مناسب للصراع المستمر بين بغداد وأربيل، لكن ليس من المضمون أن توافق جميع الجهات الفاعلة على هذه المسألة".
وأشار المصدر السابق إلى نقطة مهمة قائلاً لـ"عربي بوست": "إقامة نظام نفطي فيدرالي فيما يخص تصدير النفط العراقي، لن تلقى قبولاً لدى الإطار التنسيقي، أو الحزب الديمقراطي الكردستاني، الأول يرى أن الأحكام الحالية وقدرة بغداد أخيراً على السيطرة على النفط الكردي، هى انتصار كبير يجب المحافظة عليه من خلال اتفاقات صغيرة أو مؤقتة بين أربيل وبغداد".
أما بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن الفيدرالية لن ترضيه، لأنها ستفقده سيطرته الكاملة على صادرات النفط والغاز الخاصة بالإقليم، بحسب المصدر.
استمرار للصراع؟
يرى المسؤول الحكومي الكردي المنتمي للاتحاد الوطني الكردستاني، أن إقامة نظام نفطي فيدرالي في العراق، حلم ليس بالمستحيل، ولكنه صعب تحقيقه في الوقت الحالي.
وأضاف لـ"عربي بوست": "هناك الكثيرون من الحزب الديمقراطي الكردستاني والأحزاب الشيعية في بغداد، يرفضون هذه الفكرة، لخوفهم من نزعها سيطرتهم على السياسة النفطية العراقية، كما أنه من الممكن أن يمثل تطبيق نظام نفطي فيدرالي تهديداً لمصالح العديد منهم".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "من المفترض أنه في الأيام القادمة، تكون هناك جولة جديدة من المحادثات بين حكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد، بشأن اتفاق نفطي دائم بين الحكومتين، إذا تم التوصل إلى نتائج إيجابية في هذه المحادثات، مع ضمان كل الأطراف لمصالحهم، فسنعود للمربع صفر مرة أخرى، وهي اتفاقيات متكررة، يتم اختراقها في أي وقت، ويعود الصراع للتجدد مرة أخرى".
بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في عام 2003، والإطاحة بنظام صدام حسين، والتوصل إلى دستور عراقي جديد في عام 2005، بدأ الصراع العراقي الكردي على صادرات النفط والغاز الخاصة بإقليم كردستان.
تجاهلت حكومة إقليم كردستان، انتقادات حكومة بغداد لها بشأن إبرام عقود دولية لتصدير نفط إقليم كردستان بشكل مستقل، وأصدر البرلمان الكردي قراراً يلزم حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط والغاز بشكل منفصل عن شركة سومو العراقية.
حاولت حكومة بغداد منذ عام 2007 وحتى عام 2022، حل الأزمة النفطية بينها وبين حكومة أربيل، بطرق مختلفة، كان أبرزها الضغط السياسي والاقتصادي على الإقليم، سواء عن طريق توجيه ضربات صاروخية بدعم من الحلفاء الإقليمين لمناطق صناعة النفط الكردي، أو حرمان حكومة إقليم كردستان من حقها الدستوري في موازنة العراق العامة، لكن هذه الممارسات لم تحل أي شيء، بل زادت من عمق الأزمة.
عام 2014، بدأ العراق اتخاذ خطوات قانونية، ورفع عدد من الدعاوى القضائية في المحاكم الدولية، لكن مع دخول تنظيم الدولة الإسلامية الأراضي العراقية، تم تأجيل كل هذه الأمور، حتى قام الحزب الديمقراطي الكردستاني في عام 2017 بإعلان استفتاء لإعلان الاستقلال الكامل عن العراق.
حينها شعرت حكومة بغداد بالخطر الكبير، وتحركت عسكرياً للسيطرة على مدينة كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين بغداد وأربيل منذ سنوات طويلة، ونجح الجيش العراقي في إبعاد قوات البيشمركة الكردية عن المناطق النفطية المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
في هذا الصدد، يقول سياسي عراقي شيعي مقرب من إيران لـ"عربي بوست": "السيطرة الكاملة لحكومة إقليم كردستان، على الصادرات النفطية، تعني قدرتها على الانفصال والاستقلال في أي وقت. لذلك ما حدث في 2017 كان نهاية تساهل بغداد مع السياسات الكردية النفطية، والتحرك الفعلي للقضاء العراقي لإيجاد حل لهذه الأزمة".
بعد فشل الاستفتاء الكردي على الاستقلال في سبتمبر/أيلول 2017، تحرّك مجلس النواب العراقي، لطرح قضية صادرات النفط والغاز المستقلة لإقليم كردستان العراق، أمام المحكمة الاتحادية العليا العراقية، والتي أصدرت حكمها القضائي أخيراً في فبراير/شباط 2022، بعدم دستورية قانون النفط والغاز المستقل الذي أصدره البرلمان الكردي في عام 2007، ويترتب على ذلك عدم قانونية أي من العقود المبرمة بين حكومة إقليم كردستان والشركات العالمية للنفط.
في هذا الصدد، يقول مصدر قضائي عراقي لـ"عربي بوست": "الآن جميع العقود بين حكومة أربيل والشركات العالمية غير دستورية بموجب القانون العراقي. كانت هكذا طوال السنوات الماضية، لكن الاعتبارات السياسية أجّلت معالجة هذه الأمور الدستورية. وبموجب الاتفاق بين بغداد وأربيل، سيتم العمل بهذه العقود غير الدستورية، إلى أن تتم صياغة قانون جديد ينظم عملية تصدير النفط الكردي بإشراف من حكومة بغداد".