حرب على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام تدور بجانب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي حرب يعتقد أن أطرافاً خارجية تتدخل بها.
واشتعل القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بسبب الخلافات حول الاتفاق الإطاري النهائي المبرم مع قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، تحت رعاية الرباعية الدولية.
وتزايد التنافس بين البرهان وحميدتي اللذين يقودان أكبر قوتين بالبلاد، منذ فترة، ويبدو أن المسألة الخلافية الجوهرية بين الطرفين هي إصرار البرهان على دمج قوات الدعم السريع خلال عامين بينما يطالب حميدتي مهلة عامين لتنفيذ هذا الهدف، (الأمر الذي يعني فعلياً عدم دمج القوات في الجيش).
وكان تأثير الصراع على المدنيين مدمراً. حوصر آلاف الأشخاص في منازلهم دون الحصول على الضروريات الأساسية مثل مياه الشرب، واضطر العديد من المستشفيات والمراكز الصحية إلى الإغلاق.
اتهامات متبادلة وتناقض في الروايات
ومنذ بداية المعركة وهناك ضبابية وغموض كبيران حول من بدأ الصراع وكيف تطور ومن يسيطر على ماذا.
ففي ظل ضراوة المعارك، يبدو أنه كان هناك صعوبة لوسائل الإعلام الدولية التي يمكن اعتبارها مستقلة للوصول لمواقع القتال والتحقق من مزاعم الطرفين التي كانت متناقضة بشكل كبير.
ففي بداية الحرب اتهمت قوات الدعم السريع، في سلسلة من البيانات، الجيش بمهاجمة قواتها في إحدى قواعدها بجنوب الخرطوم.
وزعمت قوات الدعم أنها استولت على مطار الخرطوم و"سيطروا بالكامل" على القصر الجمهوري بالخرطوم، مقر رئاسة البلاد.
كما رددت قوات الدعم مراراً سيطرتهم على مبنى التلفزيون الحكومي ومواقع رئيسية أخرى.
أغلب هذه البيانات نفاها الجيش السوداني.
وقالت الدعم السريع أيضاً إنها استولت على مطار وقاعدة جوية في مدينة مروي الشمالية على بعد نحو 350 كيلومتراً شمال غربي الخرطوم. ومن الواضح أن هاجمت مطار مروي بالفعل؛ حيث أسرت الجنود المصريين، كما يبدو أنها اقتحمت مطار الخرطوم أكبر مطارات البلاد، ولكن لم تسيطر على المطارين بشكل دائم.
حرب على وسائل التواصل الاجتماعي
وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة للحرب الدعائية للصراع. يتبادل الجانبان مقاطع فيديو وتصريحات في محاولة للسيطرة على رواية الصراع. على الرغم من أن مقاطع الفيديو هذه قد تحتوي على بعض الحقيقة، فإنها غالباً ما تكون شديدة التحيز ويجب التحقق منها قبل قبولها كحقيقة.
فعلى سبيل المثال، زعمت قوات الدعم السريع، أمس الأول الثلاثاء، أنها أحرقت عدة مروحيات للجيش السوداني في قاعدة عسكرية، شارك مؤيدون للدعم مقطع فيديو للحادث على صفحتهم على Facebook.
ومع ذلك، أدت هذه الحرب الدعائية إلى الارتباك والمعلومات الخاطئة، مما يجعل من الصعب على المراقبين من خارج البلاد فهم ما يحدث بالفعل على الأرض.
حميدتي يحاول الترويج لفكرة أنه يحارب البرهان الإسلامي
ويحاول قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو تقديم نفسه كزعيم يدافع عن الديمقراطية، في مواجهة البرهان الذي يصفه بالإسلامي الراديكالي.
ويروج البرهان دعاية مفادها حث المجتمع الدولي على التدخل لوقف ما يصفه "الجرائم" التي يرتكبها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الذي وصفه بأنه "إسلامي متطرف"، زاعماً أن قوات الدعم السريع تهدف إلى حماية الديمقراطية ودعم حكم القانون، حسبما ورد في Middle East Monitor الأمريكي.
وقال دقلو -المعروف باسم حميدتي- في الرسالة المكتوبة باللغة الإنجليزية والمنشورة على حسابه الرسمي على تويتر: "على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن ويتدخل في جرائم الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان، وهو إسلامي متشدد، يقصف المدنيين من الجو، وجيشه يشن حملة وحشية ضد الأبرياء ويقصفهم بطائرات الميغ".
حسابات مزيفة ومسروقة تروِّج لتغريدات قائد الدعم
وفي مؤشر على أن قوات الدعم تشن حملة إعلامية منظمة وكبيرة، تم استخدام ما لا يقل عن 900 من حسابات تويتر التي يُحتمل اختطافها لإعادة تغريد المحتوى الذي نشره قائد قوة الدعم السريع في السودان، وفقاً لما نقله موقع Middle East Eye البريطاني عن بحث جديد.
وقال مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي (DFRLab) في المجلس الأطلسي إن هذه الحسابات تعزز تصريحات محمد حمدان دقلو، وقوات الدعم السريع كجزء من حرب دعائية على الإنترنت مع خصومهم القوات المسلحة السودانية.
وتظهر النتائج التي تم نشرها أمس الأول الثلاثاء أنه بالإضافة إلى المعركة التي تدور رحاها بالدبابات والمدفعية في السودان، هناك أيضاً معركة لتشكيل الروايات على الإنترنت، حسب الموقع البريطاني.
حدث الكثير من التضخيم المبلغ عنه بعد اندلاع أعمال العنف في 15 أبريل/نيسان 2023، مع الترويج لمحتوى يردد روايات على قوات الدعم السريع.
وجاء في التقرير أن "الحسابات اتبعت نمطاً مشابهاً: بعد أن ظلت غير نشطة لسنوات، أصبح الكثير منها نشطاً مرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول 2022، حيث غردوا بسلسلة من الشخصيات التي تم رفعها من صفحات ويكيبيديا، ثم عززوا التغريدات من حميدتي وقوات الدعم السريع".
عرضت العديد من الحسابات التي تم الاستيلاء عليها على ما يبدو أيضاً أدلة على تشغيلها من قِبل مستخدمين حقيقيين يروجون الآن لروايات قوات الدعم السريع عبر الإنترنت.
على الرغم من أنهم عملوا على الترويج لقوات الدعم السريع وحميدتي، وجد تقرير DFRLaB أن أياً من الحسابات الـ900 تقريباً لم يتابع حسابات تابعة لقوات الدعم السريع، أو تتبع حميدتي، على الرغم من أنهم عملوا لهما.
يُظهر ذلك جهوداً احترافية للترويج لهذه الدعاية، كما يمكن أن يكون مؤشراً على أن الحسابات ليست سودانية بل من دول غربية تابعة لشركات متخصصة في هذا المجال.
وقال تقرير DFRLaB إن حسابات Twitter المختطفة تُستخدم لجعل قوات الدعم السريع وحميدتي يبدوان أكثر شعبية مما هما عليه في الواقع على منصة تويتر من خلال تعزيز تغريداتهما وجذب المزيد من الجمهور الدولي عبر التغريدات باللغة الإنجليزية.
رواية مهمة أخرى تدفعها هذه الحسابات، وهي أن "قوات الدعم السريع ردت على هجوم شنته القوات المسلحة السودانية، وأن البرهان إسلامي متطرف".
جهود حميدتي لترويج صورته قديمة
ليست هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها حميدتي إلى تحسين صورته.
في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أفادت DFRLab بأن شبكة على فيسبوك تشارك في سلوك غير أصيل منسق للترويج لقوات الدعم السريع.
كان للشبكة روابط بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتمت إزالتها لاحقاً بواسطة Facebook بسبب "سلوك غير أصيل منسق نيابة عن كيان أجنبي أو حكومي"، وفقاً لما ورد في تقرير موقع Middle East Eye.
وترتبط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة علاقات طويلة الأمد مع حميدتي قوات الدعم السريع.
وأفادت تقارير سابقة بعقد حميدتي لاتفاق لتحسين صورته في الغرب مع ضابط الموساد السابق أري بن ميناشي.
ففي مايو/أيار 2019، وقع حميدتي وثائق نيابة عن المجلس العسكري بالسودان، تتضمن اقتراح نقل قوات لدعم قوات حفتر في ليبيا كجزء من صفقة بقيمة 6 ملايين دولار بين الحكام العسكريين السودانيين والشركة الكندية.
ويتضمن العقد في المقابل تسهيل حصول المجلس العسكري الانتقالي في السودان على اعتراف دبلوماسي دولي، وتمويل مالي، حسب ما ذكر موقع بي بي سي.
وضمن هذا العقد، فقد وعدت الشركة بتلميع صورة المجلس، الذي استولى على السلطة في انقلاب في أبريل/نيسان 2019، والذي تُتهم قواته بقتل عشرات المحتجين في الخرطوم.
وقال رئيس الشركة، أري بن ميناشي، إنه توصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري "لمساعدتهم في تشكيل حكومة مدنية، وجلب شخصية اقتصادية ورئيس وزراء مؤهلين لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات عامة، وترتيب الأوضاع الحالية".
ومن بين أنشطة الضغط الأخرى، تضمنت الصفقة "السعي للحصول على تمويل للمجلس الانتقالي السوداني من القيادة العسكرية الليبية الشرقية في مقابل مساعدتهم العسكرية للجيش الليبي بقيادة حفتر".
"كلا الفصيلين كان سيستخدم في الغالب الإشارة إلى الإسلاميين والحرس القديم المرتبط بالبشير من أجل تحقيق أهدافهم بشكل أفضل".
ولكن يبدو أن حميدتي الذي الرئيس السوداني عمر البشير يصفه بـ"حمايتي"، ومنحه صلاحيات هائلة، أكثر نشاطاً وفاعلية في استغلال ورقة العداء للإسلاميين إعلامياً.