في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022، نشر إيلون ماسك تغريدة على موقع تويتر كتب فيها: "لقد تحرَّر الطائر [تويتر]"، معلناً استحواذه على شركة تويتر في صفقة بلغت قيمتها 44 مليار دولار.
لكن بعد ما يقرب من ستة أشهر على هذا الاستحواذ، صار الطائر "كلباً"، فقد استبدل ماسك بشعار الطائر المميز لتويتر صورةً لوجه كلب من نوع "شيبا إينو"، ترمز إلى عملة "دوغ كوين" الرقمية المشفرة، التي يملك ماسك استثمارات كبيرة فيها.
اختلفت الآراء بشأن السبب الذي دعا ماسك إلى فعل ذلك، لكن مهما كان الأمر فإن الكلب قد ذهب وعاد الطائر الأزرق ليكون شعاراً لتويتر. ومع ذلك، فإن هذا الحدث يمثل نموذجاً معبراً عن أسلوب اتخاذ ماسك للقرارات في الشركة، وما يتسم به من اضطراب وغموض في الدوافع في كثير من الأحيان، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
نظرة على 6 أشهر من استحواذ إيلون ماسك على تويتر
تكاد تنقضي ستة أشهر منذ استحواذ ماسك على تويتر، ومع ذلك لا يزال سير العمل بالشركة بعيداً عن العودة إلى مساره المعتاد. ويكفي هنا الإشارة إلى أن الأسبوع الماضي وحده شهد خلافاً للشركة مع منصة Substack الإلكترونية، ومشكلات أخرى في البنية التحتية للموقع، وانفصال شبكة الراديو الأمريكية "إن بي آر" NPR عن المنصة.
وقد اعترف ماسك نفسه في مقابلة مع شبكة BBC البريطانية، أن تشغيل موقع تويتر كان "صعباً إلى حد مؤلم" حتى الآن، وأنه اشتراه في ظل "ضغوط" عليه.
فكيف كان أداء شركة تويتر في مختلف أوجه عملها الرئيسية تحت قيادة إيلون ماسك؟
1- القيمة السوقية للشركة وديونها
يحلُّ بنهاية هذا الشهر موعد استحقاق القسط الثاني من الأقساط ربع السنوية المستحقة على تويتر، لسداد ديون الشركة البالغة 13 مليار دولار (تبلغ قيمة الدفعة نحو 300 مليون دولار).
قبيل الدفعة الأولى التي سددتها الشركة، في يناير/كانون الثاني، تصاعدت تخويفات ماسك من ضياع الشركة، حتى إنه حذر بعد فترة وجيزة من الاستحواذ أن "إفلاس تويتر ليس بالأمر المستبعد".
صحيح أن ماسك دفع 44 مليار دولار أمريكي ثمناً لشركة كانت تتكبد خسائر كبيرة منذ انطلاقها في عام 2006، لكن قراراته منذ الاستحواذ كان لها نصيب من الأسباب التي دعت المعلنين إلى مقاطعة الشركة بعد ذلك، وألحقت ضرراً كبيراً بأرباح الشركة من الإعلانات، التي تعد أبرز مصدر لإيرادات المنصة (بلغت عائدات الإعلانات أكثر من 5 مليارات دولار في عام 2021).
في الشهر الماضي، تبيّن أن القيمة السوقية لشركة تويتر قد تراجعت لتصل إلى أقل من نصف ما دفعه ماسك مقابلها، فقد خسرت الشركة أكثر من 20 مليار دولار من قيمتها عند الشراء، وفقاً لحسابات تستند إلى مذكرة داخلية مسربة.
2- مشكلة الأداء المالي
سارع ماسك بعد توليه الرئاسة التنفيذية لشركة تويتر إلى تقليل التكاليف والنفقات، وقال الشهر الماضي إنه يرى أن الشركة لديها فرصة كبيرة لتحويل التدفق النقدي من سلبي إلى إيجابي (تقليل النفقات وزيادة الإيرادات)، وتقليص الإنفاق اللازم لإدارة أعمال الشركة، في الربع الحالي. ثم كرَّر الادعاء ذاته في مقابلته مع BBC.
وقال ماسك في مؤتمر "مورغان ستانلي"، خلال شهر مارس/آذار، إن عائدات تويتر يُتوقع أن تنخفض إلى أقل من 3 مليارات دولار هذا العام، مع أن إنفاق الشركة كان قد تقلص من 4.5 مليار دولار إلى 1.5 مليار دولار.
من جهة أخرى، يقول أسواث داموداران، أستاذ التمويل في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك الأمريكية، إن نهج ماسك عالي المخاطر يمكن أن يؤتي أكله وتستفيد منه المنصة، لا سيما أنها كانت تعاني في طلب الاستقرار المالي حتى قبل الاستحواذ المضطرب على الشركة.
وأوضح داموداران رأيه بالقول: "لطالما كانت شركة تويتر تعاني صعوبات تجارية، فالشركة كانت عاجزة عن تحويل الزيادة في عدد مستخدميها إلى زيادة في عائدات الإعلانات، ولم يكن المسار المتَّبع ذاهباً بهم إلى التحسن، وصحيح أن ماسك- كما عهدناه- كان محفزاً لمزيد من الاضطراب، ومشوَّشاً، ويصعب التنبؤ بخطواته، لكنني أرى أن شركة تويتر لديها فرصة معه للخروج من أزمتها".
3- قاعدة المستخدمين
وصف ماسك نفسه بأنه "مستبد في [مناصرته لـ] حرية التعبير"، وبادرَ بُعيد استحواذه على الموقع إلى إعادة تنشيط الحسابات التي حظرها مديرو المنصة السابقون. ومن بين تلك الحسابات: حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والمؤثِّر أندرو تيت، ونائبة الكونغرس اليمينية المتطرفة مارغوري تيلور غرين.
يزعم ماسك أن هذه الخطوات لم تدفع المستخدمين إلى ترك تويتر، وقال في نوفمبر/تشرين الثاني، إن عدد مستخدمي تويتر قد زاد من 238 مليون مستخدم قبل الاستحواذ إلى 250 مليوناً بعد ذلك.
ورغم الجدل بشأن عودة الحسابات المحظورة، ومخاوف التخلي عن رمز الطائر المعهود لتويتر، وكراهية ماسك لوسائل الإعلام الكبرى، واستهدافه بعض الصحفيين البارزين بالحظر، فإنه لا يبدو أن ذلك كله قد صرف الصحفيين والنقاد المؤثرين عن استخدام المنصة بانتظام.
في هذا السياق، قال نيك نيومان، الباحث المشارك في معهد رويترز لدراسة الصحافة، إنه "على الرغم من الأحاديث الكثيرة عن مغادرة الصحفيين لتويتر، فإن قلة منهم من فعلت ذلك حقاً، لأن الموقع لا يزال ينطوي على جزء مهم من العمل الصحفي، ويصعب على الصحفيين التخلي عن شبكات التواصل التي أُنشئت على الموقع واعتنوا بتنميتها على مدار سنوات طويلة، فضلاً عن أن الموقع وسيلة تواصل جذابة وأداة مسلية لإنفاق الوقت".
بناء على ذلك، قال نيومان: "تشير بياناتنا إلى أن الموقع لم يشهد انخفاضاً كبيراً في عدد المستخدمين له أسبوعياً، وإن كان هذا الاحتمال لا يزال قائماً في المستقبل".
4- أزمة الموظفين
في غمار السعي لخفض التكاليف بأكبر قدر ممكن، عزل ماسك نصف قوة العمل في الشركة، التي كان يبلغ قوامها 7500 فرد، في غضون أيام من إتمام عملية الاستحواذ، وقد كان لذلك آثار مباشرة على سير العمل بالشركة، حتى اضطر تويتر إلى إغلاق بعض المكاتب مؤقتاً.
وقال موظف سابق استغنت الشركة عنه بعد الاستحواذ، إن المنصة تدهورت أحوالها، "وكثير من الموظفين السابقين يسوءهم ما يفعله ماسك بتويتر، ويرونه أمراً مفجعاً، فقد تدهورت المعايير التي كانت تفرضها المنصة على مخاطر المحتوى الضار، ومحاذير انتهاك لعوامل الأمان، فضلاً عن الخصائص التي كانت تميزها عن غيرها".
مضيفاً: "أزيلت كذلك آثار العمل الشاق الذي بذلته فرق العمل والموظفون المتفانون على مدى سنوات طويلة، مثل الجهود التي بُذلت لمكافحة المعلومات المضللة، وسياسات الأمان، والمعايير التنظيمية الجديرة بالثقة".
5- المعلنون
في مرحلة ما من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، انخفضت الإيرادات اليومية للشركة بنسبة 40% على أساس سنوي، وفقاً للنشرة الإخبارية الصادرة عن منصة Platformer لأخبار الشركات التقنية. ولا تزال بعض الشركات التي قررت مقاطعة الدعاية على تويتر بعد استحواذ ماسك عليها متمسكةً بموقفها، مثل شركة "إيلي ليلي" وشركة "فايزر" الأمريكيتين للأدوية، وشركة "مايسيز" لتجارة التجزئة، وشركة "موندليز" للمواد الغذائية، إذ لم تُخصص كل هذه الشركات أي أموال للإعلانات على موقع تويتر، خلال أول شهرين من هذا العام، وفقاً لبيانات شركة MediaRadar .
مع ذلك، قالت MediaRadar إن 3700 شركة تقدمت للإعلان على موقع تويتر، في فبراير/شباط، بزيادة نسبتها 8% على عدد الشركات المعلنة بالفترة ذاتها من العام الماضي (وإن كانت بعض هذه الشركات مثل "فولكس فاغن" و"جنرال موتورز" و"شيبوتل" قد قللت الإنفاق).
وقال فرهاد ديفيتشا، المدير الإداري لوكالة التسويق الرقمي AccuraCast في بريطانيا: "شهدنا خلال الأسبوعين الماضيين أولى علامات التعافي، فقد بدأ بعض المعلنين يتحدثون عن العودة إلى تويتر".
6- إعادة إطلاق "تويتر بلو"
لتقليل الاعتماد على الإعلانات، عوَّل ماسك كثيراً على إعادة إطلاق خدمات الاشتراك في تويتر مقابل مبالغ مالية، لكنه اضطر إلى إيقاف أول محاولة لإعادة إطلاق خدمة "تويتر بلو" مؤقتاً، في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد الاضطرابات التي تعرض لها الموقع، لانتشار عدد كبير من الحسابات "الموثقة" الزائفة.
ثم حاولت الشركة مرة أخرى، في ديسمبر/كانون الأول، أن تجني بعض الأموال من تقديم خدمة التوثيق الزرقاء للمشتركين، في مقابل بعض المميزات للحسابات الموثقة بالعلامة الزرقاء، ونشر الإعلانات بأقل من 8 دولارات شهرياً على الويب، أو 11 دولاراً على أنظمة أندرويد وآيفون.
وقال ترافيس براون، مطور البرامج المعني بتتبع خدمة الاشتراك في تويتر، إن عدد المشتركين في خدمة التوثيق الجديدة بالموقع يبلغ ما بين 550 ألف إلى 585 ألف مشترك، ما يعني أن الشركة تجني نحو 4 ملايين دولار شهرياً من الإيرادات. غير أن تويتر يحتاج إلى زيادة عدد المشتركين لتعويض خسائره في مجال الإعلانات.
7- أداء الموقع والمعايير التنظيمية
تعرض موقع تويتر لمشكلات في سير العمل أكثر من مرة منذ شرائه. وقد أبلغ المستخدمون مؤخراً عن مشكلة أسفرت عن تسريب البيانات الخاصة لبعض المستخدمين أثناء استخدامهم ميزة "دوائر الخصوصية" بالموقع.
في غضون ذلك، تجري لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية تحقيقات في الأمر، وسط مخاوف من تراجع قدرة تويتر على حماية المستخدمين، وشكوكٍ في امتثالها لاتفاق عام 2022 مع لجنة التجارة الفيدرالية، للحفاظ على المعايير العالية لأمن البيانات، فضلاً عن تأثر الشركة بإجراءات عزل الموظفين وخفض التكاليف.