تستمر حرب الشوارع في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، في ظل تفوق نسبي بدأ يلوح في الأفق بالنسبة للطرف الأول، فهل أخطأ حميدتي في حساباته؟
كانت الاشتباكات قد اندلعت، السبت 15 أبريل/نيسان، بين وحدات من الجيش السوداني موالية لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
واندلعت هذه الاشتباكات، وهي الأولى منذ أن اشترك البرهان وحميدتي في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بسبب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، في إطار المرحلة الانتقالية نحو الحكم المدني، والتي كان انقلاب عسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021 قد أعادها للمربع صفر.
من أطلق الرصاصة الأولى في السودان؟
موقع أسباب المختص بالتحليل السياسي والاستراتيجي تناول قصة الصدام بين البرهان وحميدتي، ورصد كيف قرر الجيش السوداني إنهاء "مغامرة" الدعم السريع، وسط حسابات محلية وإقليمية ودولية معقدة للغاية.
وكان تحليل سابق لموقع أسباب قد رصد مؤشرات عديدة على احتمال أن يندلع هذا الاقتتال بالفعل، منذ تم التوقيع على الاتفاق الإطاري الجديد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي تضمن بند دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق جداول زمنية محددة.
فذات الاتفاق حدد القوات النظامية في الجيش والشرطة والمخابرات العامة والدعم السريع رغم أنها قانوناً تابعة للجيش، وهو ما أثار حفيظة العسكريين، وخلال الثلاثة شهور الماضية تفاقمت الخلافات بين الجيش والدعم السريع على خلفية هذه القضية واعتبرها قادة الجيش أمناً قومياً للسودان.
ومع تفاقم حدة الأزمة أواخر فبراير/شباط، حشد حميدتي قرابة 30 ألف مقاتل إضافي إلى قواته بالخرطوم تحسباً لأي تحركات من الجيش، غير أن وساطات جمعته بالبرهان بداية مارس/آذار بهدف التهدئة، وطلبت قيادات الجيش من حميدتي إعادة قواته إلى أماكنهم خارج الخرطوم لكنه لم يستجب.
ثم عقدت "ورشة الإصلاح الأمني والعسكري" في 26 مارس/آذار الماضي، وفشلت أيضاً في الخروج بتوافق بين ممثلي الجيش والدعم السريع ليتم إرجاء التوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة الذي كان مقرراً له بداية أبريل/نيسان الجاري.
وبالتالي فإن الأمور في السودان لم تنفجر فجأة بطبيعة الحال، فالتحشيد بين الجانبين كان مستمراً منذ أسابيع، وتبادل الاتهامات كذلك، وبالتالي فإن تحول الصراع على الكرسي إلى اقتتال وحرب شوارع في الخرطوم وباقي مدن السودان لم يكن إلا مسألة وقت، فالمتصارعان على السلطة قائد الجيش وقائد ميليشيات عسكرية.
فمنذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، الذي أطاح باتفاق المرحلة الانتقالية، يعيش السودان حالة من عدم الاستقرار والاضطرابات والاحتجاجات. ولم يكن التوصل إلى اتفاق إطاري جديد يحكم المرحلة الانتقالية، ويحظى بدعم المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة، كافياً لأن تسير الأمور في الاتجاه الصحيح أخيراً، في ظل عدم رضا قيادات الجيش عن وضع قوات الدعم السريع شبه الموازي للجيش.
وفي الوقت نفسه، تلاقت رغبة عدد من الأطراف الداخلية والخارجية بضرورة تحجيم نفوذ حميدتي في المشهد بعد توقيع الاتفاق الإطاري، حيث سعى حميدتي خلال الفترة الأخيرة لامتلاك طائرات مسيرة وأسلحة ثقيلة، فرأت قيادة الجيش أن الوقت قد حان لإنهاء حالة قوات الدعم السريع ووضع حد لطموح حميدتي دون أي تأن في ذلك، وعليه تمسكت قيادات الجيش بمطلب الدمج وتكوين جيش سوداني موحد خلال الفترة الانتقالية المقررة عامين بحسب الاتفاق الإطاري، في حين أصر حميدتي على أن يكون الدمج خلال عشر سنوات.
حميدتي يستبق خطوات البرهان لتحجيمه
بالإضافة لذلك؛ أعلن البرهان في 12 أبريل/نيسان عن تكوين قوة للتدخل السريع تحت إمرة القائد العام للجيش، وعن اتجاه الجيش لتعزيز قدراته من الطيران المسير لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. كما أعلن عن قرب تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت قيادته، كبديل عن المجلس السيادي، ويليه في التراتبية العسكرية رئيس أركان الجيش الفريق أول محمد عثمان الحسين، ثم الفريق أول شمس كباشي؛ وهو ما يجعل من حميدتي مجرد عضو في مجلس يهمين عليه قيادات الجيش دون امتيازاته السابقة كنائب لرئيس المجلس السيادي.
أما على المستوى الخارجي، فقد استفزت تحركات حميدتي في إفريقيا الوسطى ومناوشاته على الحدود مع تشاد بالتعاون مع قوات فاغنر الروسية، الولايات المتحدة الأمريكية ودولاً غربية؛ وهو ما أعطى ضوءاً أخضر بشكل ضمني للعسكريين من أجل تحجيم نفوذه.
من جهة أخرى؛ استشعرت مصر خطر تنامي نفوذ قائد ميليشياوي مثل حميدتي على الأمن القومي المصري، حيث ترى القاهرة أن الجيش السوداني هو صمام الأمان بالنسبة لمصر وهو المعبر عن "تقاليد الدولة" وليس قائد الميليشيات التي تتورط وتوظف في صراعات في عدة دول.
وهكذا دعمت القاهرة واستضافت المجموعة المدنية الرافضة للاتفاق الإطاري لعرقلة تنفيذه بالتوازي مع تعميق العلاقة المستمر مع قيادة الجيش، وإن كان الدور المصري وحده ليس حاسماً في ترجيح موازين القوى في السودان في ظل قدرة أطراف أخرى على الضغط على الجيش اقتصادياً مثل السعودية والإمارات، أو سياسياً مثل الولايات المتحدة، التي ربما لا تنوي ممارسة ضغوط فورية على البرهان؛ باعتبار أن إضعاف حميدتي المقرب من روسيا يمثل مصلحة أمريكية.
على الجانب الآخر، يستند حميدتي على الدعم الإماراتي والعلاقات المعقدة مع روسيا؛ فمع تفاقم حدة الأزمة بينه وبين البرهان في فبراير/شباط الماضي زار الإمارات لمدة أسبوع لبحث تطورات الوضع ومآلاته، وقبل بدء الاقتتال بيومين زار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد القاهرة للقاء نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وهو ما قد يشير إلى محاولة الإمارات الضغط على الجيش السوداني عبر حليفه المصري للتفاهم مع حميدتي والتخلي عن إجراءات تهميشه.
كما عمل الإعلام المحسوب على الإمارات خلال الأيام الماضية على إعادة تأهيل صورة حميدتي باعتباره الداعم لعملية التحول للحكم المدني في مواجهة تمسك البرهان ببقاء نفوذ الجيش وتحالفه مع فلول نظام البشير من الإسلاميين.
وفي هذا السياق، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً، الثلاثاء 18 أبريل/نيسان، قالت فيه إنها تخوض معركة لاسترداد "حقوق شعبنا"، وأضافت: "لقد انطلقت منذ السبت الماضي ثورة جديدة حققت انتصارات متوالية وما زالت مستمرة لبلوغ غاياتها النبيلة وفي مقدمتها تشكيل حكومة مدنية تمضي بنا نحو تحول ديمقراطي حقيقي"، بحسب رويترز.
هل أخطأ حميدتي حسابات القوة العسكرية على الأرض؟
على الرغم من أن حميدتي هو من أطلق شرارة المواجهة العسكرية، فإن هذا لا يعني أنه يتمتع بأفضلية في تشكيل المشهد الحالي. فالواقع أن تحرك الدعم السريع جاء كخطوة استباقية للتصدي لإجراء تقليم أظافره، وهو ما يعكس قناعة حميدتي أنه بلا خيارات بعد أن صارت المواجهة وجودية بالنسبة لمستقبله.
إذ تميل موازين القوة العسكرية لمصلحة الجيش؛ نظراً لتسليح قوات الدعم السريع المتوسط، وصعوبة استمرار قدرتها على القتال في مواجهة الجيش. ومع هذا؛ فليس من المرجح أن تنتهي المواجهات سريعاً، ربما باستثناء العاصمة التي من المرجح أن يحسم الجيش سيطرته عليها.
لكن يظل التهديد الأبرز هو أن انتهاء مخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش وميل قياداته لتفكيك هذه المنظومة بدلاً من احتوائها، يعني على الأرجح تحول الدعم السريع إلى ميليشيا إقليمية متمردة، خاصة في مناطق نفوذها غربي السودان، مما يزيد من التهديدات المتعلقة بتماسك ووحدة البلاد، التي تعاني أصلاً من تداعيات انحسار ظل الدولة مقابل تعميق الولاءات الجهوية والقبلية والعرقية.
وكان البرهان قد أصدر قراراً بحل قوات الدعم السريع واعتبارها ميليشيات متمردة خارجة على القانون، في خطوة أخرى تؤكد أن معركة تكسير العظام قد تستمر إلى نهايتها، في ظل إصرار الجانبين على عدم وقف إطلاق النار حتى حسم الحرب.