ضجت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية بقصة التسريبات التي تخص وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن الحرب في أوكرانيا، والتي طالت حلفاء وأعداء لواشنطن، مما أثار حالة من الجدل عمن يقف وراء هذا التسريب، وأيضاً عن دور الأجهزة الاستخباراتية للولايات المتحدة، وكيف أنها تتجسس على الجميع؟
لم يمر وقت طويل بشأن معرفة من يقف وراء هذا التسريب؛ إذ ألقت السلطات الأمريكية القبض على عضو يعمل بالحرس الوطني الأمريكي، ويبلغ من العمر 21 عاماً، متهم بالوقوف وراء عملية التسريب.
يوم الخميس، 13 أبريل/نيسان، اعتقل الشاب الأمريكي جاك تيكسيرا، الطيار في وحدة استخبارات في الحرس الوطني الجوي في ولاية ماساتشوستس، والذي تعتقد السلطات الفيدرالية أنه يقف وراء تسريب الوثائق السرية، مما أثار الانتباه عمن له حق الحصول على تصريح بدخول المنشآت الأمريكية الحساسة.
مَن هم أصحاب التصاريح؟
وتكشف عملية التسريب وعملية القبض على الشخص المتهم عن الحجم الهائل للأشخاص الذين لديهم تصريح بمطالعة قدر كبير من وثائق الأمن القومي، التي تصنفها الحكومة على أنها سرية للغاية، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
من أعضاء الحرس الوطني في القواعد في ماساتشوستس إلى الجنرالات في مقر الناتو في بروكسل إلى البيروقراطيين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم، يمنح مستوى التصريح "السري للغاية" حامليه مستوى غير عادي من الوصول للوثائق.
وباستخدام التصريح، يمكنهم رؤية مواقع البنتاغون الآمنة ومواقع الاستخبارات الأخرى، والإيجازات الاستخبارية اليومية، والخرائط، والتحليلات التفصيلية لحالة العالم كما يراه مجتمع الاستخبارات الأمريكية.
يشمل أعضاء الخدمة الأمريكية الذين لديهم تصريح سري للغاية جميع الجنرالات الذين يزيد عددهم على 600 أو نحو ذلك في مختلف الخدمات. لكن هذا المستوى من التصريح يمتد أيضاً إلى بعض مساعديهم العسكريين، والعديد من العقداء الذين يعملون في البنتاغون، وقباطنة سفن البحرية، ومجموعة واسعة من الضباط الصغار، وحتى في حالة الطيار تيكسيرا، أعضاء الخدمة المجندين الذين يعملون في وحدات الاستخبارات.
يقول مسؤولو البنتاغون إن عدد الأشخاص الذين لديهم مثل هذا الوصول هو بالآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف. وتحتهم مباشرة، هناك أولئك الذين لديهم تصريح "سري"، وهم عملياً كل شخص آخر يعمل في البنتاغون أو وكالات الأمن القومي الأخرى. وهناك متعاقدون عسكريون ومحللون في مراكز الأبحاث لديهم مستوى معين من التصاريح الأمنية.
من المرجح أن يتعامل البنتاغون مع تداعيات تسريب عشرات الصفحات من المواد الحساسة على مدار أشهر من الزمن، حيث يقوم المخططون العسكريون الروس، على المدى القريب، بدراسة الملفات المسربة؛ بحثاً عن أدلة على وكالاتهم المخترقة. لكن القضية تثير أسئلة أوسع حول ما إذا كان مصطلح "سري للغاية" هو في الواقع سراً، وما إذا كانت وكالات الأمن القومي قد سمحت لموادها الحساسة بالانتقال بعيداً جداً عنها.
قالت إيفلين فاركاس، كبيرة مسؤولي وزارة الدفاع لشؤون روسيا وأوكرانيا خلال فترة إدارة أوباما: "من الواضح أن الكثير من الناس لديهم إمكانية الوصول إلى الكثير من المعلومات السرية للغاية التي لا يحتاجون إلى معرفتها".
يوم الخميس، كان البنتاغون يترنح من احتمال أن يكون المسرب بعيداً عن المراتب العليا للاستخبارات العسكرية وبيانات الأمن القومي الحساسة.
وبدلاً من العثور على المسرِّب في مكاتب هيئة الأركان المشتركة، حيث جمع كبار الجنرالات والمسؤولين العديد من المستندات التي نُشِرَت في مجموعة دردشة صغيرة على الإنترنت تسمى Thug Shaker Central، وجد المسؤولون أنفسهم يداهمون منزل الطيار تيكسيرا.
قال العميد باتريك رايدر، المتحدث باسم البنتاغون: "كل واحد منا يوقع اتفاقية عدم إفشاء – أي شخص لديه تصريح أمني. لذا فإن كل المؤشرات، مرة أخرى، تقول إن هذا عمل إجرامي".
وقالت فاركاس إن اعتقال الطيار تيكسيرا بمثابة تحذير لما ينتظر أولئك الذين يسيئون التعامل مع المعلومات السرية.
قالت: "سيلقون كل شيء على عاتقه، وهذا سيجعل الأمر أكثر أهمية بالنسبة للحكومة في اتخاذ إجراءات ضد الآخرين الذين يعتقدون أنهم محصنون بسبب مناصبهم العليا".
ما هي عقوبة مسرِّب المعلومات؟
قال مسؤولون إن أي شخص يُدان في مثل هذا التسريب قد يواجه عقوبة سجن طويلة. أُلقِيَ القبض على الطيار تيكسيرا بموجب قانون التجسس، والذي تصل عقوبته إلى 10 سنوات في السجن لكل تهمة. تلقى المهندس البحري، جوناثان توبي، الذي حاول بيع أسرار لدولة أجنبية كانت مصنفة على مستوى "سري" أدنى، حكماً بالسجن لمدة 19 عاماً في العام الماضي، وحُكِمَ على زوجته ديانا توبي بالسجن ما يقرب من 22 عاماً.
قال السناتور جاك ريد، الديمقراطي عن ولاية رود آيلاند ورئيس لجنة القوات المسلحة، في بيان: "كان هذا خرقاً أمنياً كبيراً لا يمكن السماح بحدوثه مرة أخرى. أي شخص لديه تصريح أمني يخون بلده عن طريق تعمد إساءة التعامل مع مستندات سرية أو الكشف عن مواد سرية يجب أن يخضع للمساءلة".
ودافع بعض المسؤولين العسكريين عن ممارسة منح التصاريح الأمنية للعسكريين بغض النظر عن أعمارهم. وجادلوا أنه إذا كان شخص ما كبيراً بما يكفي للموت من أجل وطنه، فهو كبير بما يكفي للثقة في الحفاظ على أسراره.
وقال الجنرال رايدر: "عندما تنضم إلى الجيش، بناءً على وضعك، قد تحتاج إلى تصريح أمني. وإذا كنت تعمل في مجتمع الاستخبارات، وتحتاج إلى تصريح أمني، فستخضع للتدقيق المناسب. نعهد إلى أعضائنا بالكثير من المسؤولية في سن مبكرة جداً".
توجد الملخصات السرية للغاية على أجهزة الكمبيوتر الحكومية الموجودة في مناطق عمل آمنة تُعرف باسم مرافق المعلومات الحساسة والمجزأة (SCIFs)؛ حيث لا يُسمح لأي شخص بإحضار أي أجهزة إلكترونية يمكن استخدامها لالتقاط الصور الفوتوغرافية أو تسجيل الفيديو أو التسجيلات الصوتية. ويجب على زوار عدد كبير من المكاتب في البنتاغون ترك هواتفهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأي شيء آخر يمكن استخدامه لتسجيل أو التقاط الصور في الخزائن في الردهة.
وللحد من الانتهاكات الاستخباراتية، وضع كبار المسؤولين لوائح تحدّ من قدرة الأشخاص على الوصول إلكترونياً إلى المواد في مرافق المعلومات الحساسة والمجزأة.
في هذه الحالة، يبدو أن المستندات قد طُبِعَت وأُخِذَت من منشآت سرية، على حد قول المسؤولين، رغم عدم معرفة الكثير عن كيفية وصول المواد إلى مجموعة الدردشة حتى الآن.
لم يتضح يوم الخميس مستوى التصريح الذي حصل عليه الطيار تيكسيرا. وقال مسؤول بوزارة الدفاع، يوم الخميس، إن تيكسيرا كان في جناح المخابرات رقم 102 في الحرس الوطني الجوي لماساتشوستس، ومن المحتمل أنه حصل على تصريح سري للغاية هناك.