أثارت أزمة تكدس الشاحنات في منفذ البطحاء على الحدود السعودية الإماراتية الجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات حول أسباب الأزمة في هذا المعبر الأهم للتجارة المتنامية بين السعودية والإمارات، وهل لها أسباب فنية أم سياسية، كما أن الأزمة يبدو أنها قد تؤثر على عدة دول عربية بسبب أهمية هذا المعبر في تجارة المنطقة.
وللأسبوع الثاني على التوالي، استمر تكدس الشاحنات على الجانب الإماراتي من منفذ البطحاء.
ورغم أنه لم تصدر بيانات رسمية حول حيثيات الإغلاق السعودي أو أسبابه، فإن ناشطين عبر مواقع التواصل تحدثوا عن ضبط كميات من المخدرات المهربة من الإمارات عبر الحدود، فيما أشارت مصادر إلى تعطل في أنظمة المعبر الإلكترونية.
من جانبه، نشر الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله فيديو يُظهر تكدس الشاحنات، فيما قال سعوديون إن المملكة تمارس حقها السيادي في منع دخول المخدرات، وفرض تفتيش إضافي على الشاحنات التجارية.
أغلب الشاحنات العالقة من الأردن
وبحسب مصادر أردنية، فإن الشاحنات في معظمها أردنية، ووصل عددها لـ500 شاحنة، مع تزايُد خسائر أصحاب الشاحنات والتجار، إذ تحمل الشاحنات مواد غذائية، وأدوية، وإلكترونيات، وسيارات، ومواد استهلاكية أخرى، يحذّر السائقون من أنها قد تنتهي بسبب درجات الحرارة، وفق تصريح نقيب أصحاب السيارات والشاحنات الأردنية محمد خير الداود.
وكان مدير هيئة تنظيم النقل البري بالأردن، عبد الرحيم وريكات، قد قال في تصريحات صحفية، إن وقف حركة الشاحنات على نقطة الحدود السعودية الإماراتية يعود لعطل فني في أنظمة العمل (نظام الترانزيت)، في جمرك البطحاء السعودي، وفق توضيح للسلطات السعودية.
وبيّن وريكات أن النظام المعطل يشمل الشاحنات القادمة للسعودية على نظام الترانزيت، عبر ميناء البطحاء، والمتجهة للموانئ الحدودية للدول العربية وليس الأردنية فقط.
وأشار إلى أن الجهات السعودية بدأت منذ أيام باستبدال النظام الإلكتروني باليدوي، وفعلياً بدأ عدد من الشاحنات الأردنية وغير الأردنية بمغادرة النقطة الحدودية، بينما لا يزال بطء الادخال اليدوي عائقاً وسبباً في تأخر مغادرة بقية الشاحنات.
المنفذ الأهم بين البلدين والرابع بالنسبة للسعودية ويخدم عدة دول بالمنطقة
ومنفذ البطحاء هو المنفذ الحدودي البري للمملكة العربية السعودية، مع دولة الإمارات العربية المتحدة من جهة، وسلطنة عمان من جهة أخرى.
ويمثل منفذ البطحاء شريان تجارة بين السعودية والإمارات، حيث يعد رابع أهم منفذ للواردات السعودية من بين كل الموانئ والمطارات والمنافذ في البلاد، حيث يمر به نسبة 5.6% من الواردات السعودية، بقيمة 9.5 مليار ريال، وذلك خلال الربع الأول لعام 2022، حسبما ورد في تقرير لصحيفة عكاظ السعودية.
ويلعب المنفذ دوراً مهماً كونه يربط بين المملكة العربية السعودية من جهة ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان من جهة أخرى.
ويشهد عبوراً كبيراً للشاحنات بالاتجاهين، ويستفيد منه العديد من دول العالم العربي، لأنه يُستخدم لمرور تجارة الترانزيت، حيث تنقل عبره البضائع والأفراد برياً من مناطق الشام وحتى مصر (بصورة أقل) إلى سلطنة عمان والإمارات، مروراً بالأراضي السعودية.
كما يخدم المنفذ العابرين من حجاج ومعتمرين ومسافرين وتجار، وهو يشكل موقعاً هاماً واستراتيجيا، حتى إن جريدة اليوم السعودية وصفته بأنه بوابة من بوابات المملكة السياحية والاقتصادية.
هذا المنفذ يقع في مدينة البطحاء الساحلية، والتي تعتبر مدينة حدودية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة الهفوف بمحافظة العديد، بالمنطقة الشرقية السعودية.
ويبعد المنفذ عن العاصمة السعودية الرياض 500 كم، وعن العاصمة الإماراتية أبوظبي 340 كلم.
وتقوم بإدارة المنفذ كلٌّ من وزارة الداخلية السعودية ووزارة المالية السعودية، وتقدم الخدمات للمسافرين فيه من خلال الجوازات والجمارك والشرطة والمرور والهلال الأحمر السعودي وحرس الحدود والدفاع المدني.
السعودية أعطت للاستثمار بالمنفذ أولوية كبيرة
في عام 2019، قالت الجمارك السعودية إن منفذ البطحاء الجديد للشحن سيُمثل داعماً مهماً لتعزيز حجم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية مع الإمارات.
في ذلك الوقت وقعت عقد تصميم مشروع منفذ البطحاء الجديد للشحن، على مساحة إجمالية تقارب 600 ألف متر مربع، وسيأتي التصميم مواكباً للزيادة المتواصلة لحركة العابرين عبر المنفذ.
التجارة بين البلدين نمت بنسبة تقارب 100% خلال عقد واحد
ونمت التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات والسعودية بنسبة 92.5% خلال العقد الماضي، لتصل إلى 124.69 مليار درهم (نحو 34 مليار دولار)، بنهاية العام 2021، مقابل 64.79 مليار درهم في العام 2012، بحسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء بدولة الإمارات.
وتحتل المملكة العربية السعودية المركز الرابع في قائمة الشركاء التجاريين للإمارات خلال السنوات العشر الماضية، بقيمة تقدر بـ904.3 مليار درهم، مشكّلة ما نسبته 5.6% من إجمالي التبادل التجاري للإمارات مع العالم، خلال الفترة من 2012-2021.
الرياض الأولى في قائمة الدول المستقبلة لإعادة الصادرات من الإمارات
وتعد الإمارات مركزاً رئيسياً لإعادة تصدير المنتجات الأجنبية للسعودية، حيث احتلت المركز الأول في قائمة الدول المستقبلة لإعادة الصادرات من الإمارات خلال السنوات العشر الماضية، بقيمة قاربت 423 مليار درهم، وبمساهمة تبلغ 9.4% من إجمالي إعادة التصدير خلال تلك الفترة.
وجاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية ضمن قائمة أهم الدول المستقبلة للصادرات الإماراتية غير النفطية، بقيمة بلغت 206 مليارات درهم، وبحصة بلغت 9.5% من إجمالي صادرات الإمارات غير النفطية خلال الفترة نفسها.
منافسة مستجدة بين البلدين تتركز على الاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية
وتتنافس السعودية والإمارات في جذب المستثمرين والأعمال، حسبما ورد في تقرير لشبكة يورو نيوز، في ظل محاولة الرياض (أكبر دولة مستوردة في المنطقة)، تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط.
وأطلق تقرير للمجلس الأطلسي على العلاقة بين البلدين مسمى أصدقاء-أعداء أو "أعدقاء" (frenemies).
وترغب السعودية في أن تصبح مركزاً لجذب الاستثمارات، ومقراً للشركات العالمية، ولذا أعلنت أنها ستوقف التعامل مع أي شركات أجنبية تقيم مكاتب إقليمية لها خارج السعودية، اعتباراً من مطلع عام 2024، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي في المملكة، ولكنها ينظر لها على أنها موجهة لمنافسة الإمارات، وخاصةً دبي، التي تعد ساحةً مفضلة للمقرات الإقليمية للشركات العالمية في الشرق الأوسط.
واستجابةً لقرارات السعودية، قررت مجموعة MBC السعودية، في سبتمبر/أيلول 2022، أنها ستغادر دبي رسمياً بعد 21 عاماً من وجودها في الإمارة الخليجية المشهورة بالانفتاح.
وفي عام 2021 أعلنت 44 شركة عالمية منها "سامسونغ" و"بيبسي كو" و"ديدي" و"بيكر هيوز" و"يونيليفر" و"فيستاس"، اتخاذ الرياض مقراً إقليمياً لها، خلال فعالية مبادرة الاستثمار في دورته الخامسة، حسبما ورد في تقرير لموقع "إندبندنت عربية"، الذي يتخذ من الإمارات مقراً له، ووصل العدد إلى 71 شركة في عام 2022، حسب وزارة الاستثمارات السعودية.
وقد حدث تباين أيضاً في مواقف السعودية والإمارات في عام 2021، فيما يتعلق باتفاق لمجموعة أوبك+، إذ عارضت الإمارات اتفاقاً لزيادة الإنتاج النفطي، حيث طالبت بزيادة حصتها.
وفي يوليو/تموز 2021، عدلت السعودية قواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لتستبعد السلع المنتجة في المناطق الحرة، أو التي تستخدم مكونات إسرائيلية من الامتيازات الجمركية التفضيلية، وذلك في خطوة تُمثل تحدياً للإمارات، مركز التجارة والأعمال في المنطقة.
ويقول تقرير لمجموعة Allianz الألمانية، المتخصصة في مجال التأمين والتمويل، إنه من المرجح أن تؤدي المنافسة السعودية مع الإمارات العربية المتحدة على فرص الأعمال والاستثمار، إلى تفاقم الاختلافات في السياسات وتعزيز إمكانية المواجهة بين القيادة الإماراتية والسعودية، رغم أن الديناميكية التنافسية تزيد من فرصة الإصلاحات المحلية، التي تهدف إلى تحسين الظروف التنظيمية والتشغيلية، في محاولة لجعل كل بلد أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين.