بعد قطاع غزة ولبنان، أصبحت سوريا المنطقة الثالثة التي يطلق منها نشطاء صواريخ باتجاه إسرائيل، فهل تسببت استفزازات حكومة نتنياهو في فقدان تل أبيب قوة الردع للمرة الأولى؟
تعيش إسرائيل حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة في الأسابيع الماضية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد تمريرها نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة: إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وياريف ليفين وزير العدل.
كما أن الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، سواء توسيع الاستيطان أو هدم المنازل وتهجير أهلها وصولاً إلى الاعتداءات المتكررة وغير المسبوقة على المسجد الأقصى، دفعت الأمور في المنطقة إلى حافة الهاوية فعلاً لا قولاً.
وكان تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية قد تناول الأوضاع الحالية، في تقريرٍ عنوانه "حكومة نتنياهو تواجه عاصفة من الاضطرابات"، رصد كيف حلَّ عيد الفصح اليهودي على إسرائيل هذا العام والاضطرابات محيطة بها من كل اتجاه، فدولة الاحتلال غارقة في بوادر حرب أهلية مدفوعة بالنزاع على هويتها، وهي مقبلة على أزمة دستورية هائلة في مايو/أيار أو يونيو/حزيران. كما تشهد تصعيداً أمنياً مع لبنان وغزة وفي القدس الشرقية المحتلة.
كما أن سوريا ليست غريبة على سلاح الطيران الإسرائيلي الذي نفذ خلال السنوات الماضية مئات الغارات على ما تقول الدولة العبرية إنها أهداف لإيران ومنظمة "حزب الله" اللبنانية.
3 جبهات في توقيت واحد
ربما تكون إسرائيل قد ترددت بشأن تصعيد الموقف بالرد على 34 صاروخاً أطلقت من لبنان، الخميس 6 أبريل/نيسان، إلا أنها سارعت لمهاجمة أهداف في سوريا بعضها تابع لجيش النظام السوري، بعد ساعات قليلة على إطلاق 6 صواريخ من الأراضي السورية على دفعتين.
ويجمع المحللون في إسرائيل على أن إطلاق الصواريخ سواء كان من غزة أو لبنان أو سوريا فإنه يأتي رداً على اقتحامات الشرطة والمستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى خلال شهر رمضان، بحسب تحليل لوكالة الأناضول.
ولا يدور حديث عن صواريخ أطلقت من الحكومتين اللبنانية والسورية، وإنما تقول إسرائيل إن الهجمات نفذها ناشطون فلسطينيون مدعومون من "حزب الله" وإيران.
ولكن حتى وإن كان إطلاق الصواريخ من لبنان وسوريا محدوداً، فإن فتح إسرائيل 3 جبهات، بما فيها الجبهة الفلسطينية، في وقت تشهد فيه البلاد خلافات داخلية حادة يمثل حالة غير مسبوقة في تاريخها.
ولربما هذا ما استدعى إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي تمديد الإغلاق الذي فرضه الأربعاء الماضي على الضفة الغربية وقطاع غزة حتى مساء الأربعاء 12 أبريل/نيسان الموافق نهاية عيد "الفصح" اليهودي.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيان السبت: "أصدر وزير الدفاع يوآف غالانت تعليماته لجهاز الدفاع بتخصيص الموارد وقوات الجيش الإسرائيلي لتعزيز أنشطة الشرطة، حيث سيتم تحديد القوات من قبل المستوى المهني".
وهناك إجماع داخل وخارج إسرائيل على أن الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو، التي توصف بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، هي السبب الرئيسي في هذا التدهور الداخلي والخارجي خلال 100 يوم تقريباً من وصولها للسلطة.
وتُشابه المئة يوم الأولى من إدارة هذه الحكومة الإسرائيلية ما يُعرف باسم "أيام نابليون المئة"، أي المدة التي بدأت بعودة الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت من المنفى إلى باريس في عام 1815 ثم إلى المنفى مرة أخرى، فقد شهدت هذه المدة القصيرة هزيمة الإمبراطورية في معركة واترلو والحرب النابليونية، ثم استعادة سلالة بوربون العرش في عهد لويس الثامن عشر.
ولم يكن من المعتاد أن تجتمع على إسرائيل كل هذه المشكلات والأحداث، بينما تقودها حكومة قليلة الكفاءة، وضعيفة الأداء لوظائفها، ومعادية للديمقراطية، ومتطرفة، ومشوشة كتلك الحكومة التي يقودها نتنياهو ويُجسد عجزها. ولكن كما هو الحال مع الحكومات الكاكيستوقراطية، فإن هذا كله كان متوقعاً، وكان المآل واضحاً منذ البداية، وتحدث كثيرون عن ذلك، لكن أحداً لم يعبأ بحديثهم، بحسب تحليل هآرتس.
وهكذا، توالت الخسائر الاقتصادية والدبلوماسية والمجتمعية بسبب التشريعات الحكومية المناهضة للديمقراطية، وكان الأمر مسألة وقت قبل أن تتدهور الجبهة الأمنية.
هل خسرت إسرائيل عنصر الردع؟
عاموس يادلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارية العسكرية الإسرائيلية "أمان"، قال إن "الأحداث الأمنية لم تنتهِ بعد، نحن في وسطها، ويمكن أن تتصاعد إلى نقطة عملية أو جولة أو حرب".
واعتبر يادلين في سلسلة تغريدات نشرها عبر حسابه على تويتر الأحد، أن "هناك 3 معضلات أمام صناع القرار: أولاً، هل الحدث الأمني الذي نحن فيه تنظيم واحد متعدد المشاهد، أم أنه حدث يشارك فيه المحور الراديكالي بأكمله من إيران عبر حزب الله إلى حماس؟".
وأضاف يادلين: "ثانياً، هل تآكل الردع الإسرائيلي إلى مستوى يستدعي العمل على استعادته أم أن سياسة الاحتواء التي تنتهجها إسرائيل صحيحة؟ ثالثاً، ما الاستراتيجية والخطوات المطلوبة لاستعادة الردع دون التصعيد إلى صراع كامل (حرب) في الجنوب وخاصة في الشمال؟".
ورأى يادلين أنه "رغم أن الحرم الشريف (المسجد الأقصى) هو مولد الأزمة، وأن مطلقي الصواريخ من غزة والشمال فلسطينيون، إلا أن هذا ليس حدثاً فلسطينياً وإنما حدث محوري متعدد الساحات".
وحذر أن الحدث "لا تقتصر احتمالات تصعيده الخطيرة على الساحة الفلسطينية وحدها، فمن الصعب الافتراض أن وابلاً مكثفاً من الصواريخ من جنوب لبنان أُطلق دون علم حزب الله". وأكمل يادلين: "إطلاق النار من سوريا هو أيضاً من لواء القدس الذي يديره النظام السوري بدعم من إيران وحزب الله".
واعتبر يادلين أن "تآكل الردع الإسرائيلي جاء بسبب تقدير العدو أن إسرائيل ضعفت بسبب الانقسام الداخلي، وأن علاقاتها مع الولايات المتحدة بأزمة، وأنها نفسها تخشى الحرب"، مستدركاً: "ومع ذلك من المهم التمييز بين الردع الإسرائيلي الاستراتيجي الذي لا يزال قوياً جدًا، وبين تقدير عدونا بأن مستوى استفزازنا قد ارتفع بشكل كبير".
وقال: "إن الأمين العام لمنظمة "حزب الله" حسن نصر الله يرى في التصعيد مع إسرائيل مخاطرة محسوبة، ومن الصواب تحملها؛ لأن إسرائيل في وضعها لن تخاطر بالحرب، هذه وصفة كلاسيكية لسوء التقدير عانى منها نصر الله بالفعل عام 2006″.
وأشار يادلين إلى أن "الخطوة الأولى والأكثر إلحاحاً التي ستعيد على الفور صورة الردع لإسرائيل وعدم وجود تكاليف أمنية من جانبها، هي وقف الإصلاحات القضائية، ففي ضوء حالة الطوارئ الأمنية يمكن لـ(رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو وينبغي عليه أن يعلن أن أي تغيير في الهيكل الحكومي لن يكون إلا باتفاق واسع".
وقال الرئيس السابق لشعبة الاستخبارية العسكرية الإسرائيلية: "سيمكن الانتقال من الداخل إلى تحسين فوري للعلاقات مع واشنطن وتركيز الحوار والتعاون مع الإدارة الأمريكية في التعامل مع التهديدات الآنية والمستقبلية من عناصر المحور بقيادة إيران، بما في ذلك في المجال النووي".
وذكر أنه لاحقاً "سيُطلب من إسرائيل اتخاذ سلسلة من التحركات، بما في ذلك على المستويين العملياتي والعسكري، لا يمكن تفصيلها هنا من أجل استعادة قدرة الردع لدينا. ينتظرنا صيف حار، علينا أن ندخله برأس صافٍ وبارد"، دون تفاصيل أكثر.
الاعتداء على المسجد الأقصى سبب الأزمات
غير أن ما لا يقوله المحللون العسكريون يقوله أحياناً السياسيون، فقد حمَّل يائير لابيد، زعيم المعارضة ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الحكومة الحالية المسؤولية عن الأحداث في المسجد الأقصى.
وقال لابيد في حديث لهيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، إن "الأحداث في الحرم القدسي ترجع إلى عدم مسؤولية الحكومة، هذا ما يحدث عندما تعهد بالمكان إلى أكثر الرجال تطرفاً في دولة إسرائيل، إن (وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير يحاول فقط إشعال الشرق الأوسط".
من جهته، اعتبر تامير هايمان، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، في سلسلة تغريدات أن إسرائيل "في خضم توطيد الساحات الجغرافية وهذا ليس توطيداً لأنظمة العدو في الوقت الحالي".
وأضاف هايمان: "قلب الحدث الحالي هو الساحة الفلسطينية مع التركيز على الحرم الشريف، وكما هو الحال مع (عملية) حارس الجدران (نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة عام 2021)، فإن تأثير الحرم الشريف هو الذي ينشط المقاومة الفلسطينية في جميع المجالات"، متابعاً: "في لبنان، أعدت حماس بنية تحتية لإطلاق النار، وبمجرد أن رأت الصور من الحرم، اغتنمت الفرصة وأطلقت طلقات نارية باتجاه الشمال. لم يكن حزب الله هو البادئ، وربما لم يكن يعلم بذلك".
وبحسب هايمان فإن "عناصر فلسطينية أطلقت النار من هضبة الجولان، وهذا ليس بجديد وهذا ليس إطلاق نار شيعياً"، ملخصاً حديثه بالقول: "لا يوجد كيان واحد ينسق ويدير الإجراءات ضدنا. الحقيقة أن إيران تعمل بشكل مكثف ضد إسرائيل. وبالتأكيد ستحاول استغلال الوضع الحالي داخل إسرائيل لصالحها".
"لكن في الوقت الحالي، يعد هذا حدثاً فلسطينياً متعدد الجبهات، وليس حدثاً إيرانياً متعدد الجبهات لإيران وشبكتها من الميليشيات، لكنه مؤقت"، يقول المسؤول الإسرائيلي السابق.
وتشهد مدينة القدس المحتلة توتراً منذ بداية الأسبوع الماضي، في أعقاب إقدام شرطة الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام المسجد الأقصى ليلاً، ومنع المصلين من الاعتكاف فيه. وأدت الاقتحامات المتكررة للأقصى إلى توتر واشتباكات في أنحاء الأراضي الفلسطينية والمناطق العربية في إسرائيل، بالإضافة إلى إطلاق قذائف صاروخية من لبنان وغزة وسوريا.