في مدينة شانديز الإيرانية الصغيرة، بالقرب من مدينة مشهد الدينية، والمعروفة بأنها معقل للمحافظين، دخل رجل متجراً وشاهد امرأتين لا ترتديان الحجاب. غضباً من رؤية النساء اللواتي لا يلتزمن بالزي الإسلامي، ألقى الرجل الزبادي عليهما، مما أصابهما بصدمة. بعد ساعات، كُشِفَ أن المهاجم هو أحد المؤثرين الدينيين.
الواقعة التي حدثت في 31 مارس/آذار 2023 هي الأحدث في سلسلة من التطورات التي أثارت التوترات مرة أخرى في إيران، فيما يتعلق بموضوع الإلزام بارتداء الحجاب، حيث تواصل العديد من الشابات تحدي السلطات في البلاد، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
الانقسام حول فرض الحجاب بالقوة مستمر في إيران
انتقد كثير من الإيرانيين هجوم هذا على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفوه بأنه "خطر" كبير يجب معالجته. وأشار إحسان علي خاني، وهو مقدم برامج تلفزيوني شهير، إلى خطر إلقاء "الحمض" على النساء، وقال إنه يجب أن تشعر النساء بالامتنان؛ لأن الزبادي هو ما أُلقِيَ عليهن فقط في هذه الحالة. وأضاف أنه إذا لم يتم التعامل مع مثل هذه الإجراءات بشكل حاسم، فإنها يمكن أن تخلق حالة من الفوضى في البلاد.
وأكد علي خاني أن الواقعة "أقل نتيجة" للعنف المتجذِّر بعمق في تصريحات بعض المتشددين ضد الشابات اللاتي يخترن عدم ارتداء الحجاب.
ورداً على الهجوم، كتب الباحث القانوني الشهير محسن برهاني على منصة تويتر أن أي إجراء يُتَّخذ ضد هؤلاء النساء بخلاف التعليقات الشفهية، يعد مخالفاً للقانون، ويعتبر جريمة جنائية، مضيفاً أنه في مثل هذه الحالات "يحق لهن الدفاع الشرعي" وفقاً للقانون.
والمثير للدهشة أن بعض المحافظين أيضاً تحدثوا ضد الهجوم. وقال خطيب الجمعة في مدينة أردبيل، حسن عاملي، إن هذه "الخطوة الخاطئة" يجب ألا ترتبط بالدين، وأن "الدين لا يوصيك بفعل ذلك".
لكن صحيفة كيهان المتشددة، التي تعتبر لسان حال المحافظين ومؤسسة الجمهورية الإسلامية، كتبت يوم الثلاثاء، 4 أبريل/نيسان، أن "الأسوأ من الرجل الذي ألقى الزبادي هو عمل المرأتين اللتين أهانتا القانون والمعتقدات الدينية والأسس الأخلاقية للمجتمع بعدم ارتداء الحجاب".
في النهاية، أصدر القضاء مذكرة توقيف بحق المهاجم والسيدتين بتهمة انتهاك قانون الحجاب.
مِمَّ تخافون؟
في الأسابيع الأخيرة، كثف المتشددون في إيران خطابهم ضد النساء اللواتي يخترن عدم ارتداء الحجاب. وأصبحت القضية مثيرة للجدل بشكل متزايد منذ سبتمبر/أيلول، عندما توفيت امرأة تبلغ من العمر 22 عاماً في حجز شرطة الآداب بعد أن أُلقِيَ القبض عليها لعدم ارتدائها الحجاب "بشكل صحيح". أدت وفاة مهسا أميني إلى احتجاجات واسعة النطاق، استمرت لأشهر قُتِلَ فيها المئات.
ونتيجة لذلك، أصبح قرار عدم ارتداء الحجاب رمزاً للمقاومة والتحدي لقواعد اللباس في الجمهورية الإسلامية. تمشي العديد من الشابات الآن في الشوارع والأماكن العامة دون ارتداء الحجاب، وهو مشهد أصبح أكثر شيوعاً مع ارتفاع درجة حرارة الطقس. مع حلول فصل الربيع، لا يرتدي عدد كبير من النساء الحجاب، الأمر الذي جعل المتشائمين قلقين بشكل متزايد.
عقد أنصار المتشددين والمحافظين المتطرفين تجمعات أمام المباني الحكومية، وحثوا المؤسسة على التعامل مع الوضع.
وفي يوم الأحد، 2 أبريل/نيسان، وقفت مجموعة من المحافظين أمام محافظ مازندران، وهي مقاطعة في شمال إيران، وقالوا له: "إذا لم تتمكن من فعل شيء، فسوف نفعل نحن. جميع المطاعم في المدينة مفتوحة، وكل الفتيات عاريات تقريباً".
في غضون ذلك، في خطاب ألقاه في مدينة قم بثه التلفزيون الرسمي، خاطب رجل الدين المتشدد، ناصر رفيع محمدي، المؤسسة قائلاً: "لماذا تعاملتم مع هذه القضية بهذه السهولة؟ مِمَّ تخافون؟".
عقوبات صارمة.. لا خدمات للنساء
في ظل حكم الرئيس إبراهيم رئيسي، أظهرت الحكومة الإيرانية مؤخراً عزمها على الحفاظ على قواعد الحجاب الصارمة للمرأة في البلاد.
رداً على الموجة الأخيرة من تحدي النساء لقوانين الحجاب، أصدرت الحكومة بياناً أعلنت فيه أنها لن تتراجع أو تتنازل عن هذه القضية.
للضغط بشكل غير مباشر على النساء للامتثال لقواعد الحجاب، اتخذت الحكومة إجراءات ضد الشركات التي تسمح للنساء بالدخول دون الحجاب.
في الأسابيع الأخيرة، أغلقت الحكومة والمؤسسة العديد من المتاجر ومراكز التسوق والفنادق والمطاعم، حيث قال أصحابها إنهم أُبلِغوا أن السبب في ذلك هو أنهم سمحوا بوجود النساء بدون حجاب في أماكن عملهن.
وقالت محامية، رفضت الكشف عن اسمها، لموقع Middle East Eye البريطاني: "ليس من القانوني أن تلوم الحكومة أو القضاء المدير على عدم ارتداء النساء الحجاب".
وظهرت تقارير حديثة عن قيام مسؤولين حكوميين بحرمان النساء من الحق في استقلال الرحلات الجوية في بعض المطارات في جميع أنحاء البلاد.
عقوبات تصل لوقف خط الهاتف والحرمان من التعليم
يعد رفض الخدمة في المطارات جزءاً من سلسلة العقوبات المنصوص عليها في خطة أعدها البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون للتعامل مع النساء اللواتي لا يلتزمن بقانون الحجاب.
حددت الخطة 7 مناطق تُسجَّل فيها المخالفات على النحو التالي: داخل السيارات، والمواقع الداخلية مثل المطاعم والمكاتب الحكومية والمنظمات، والمراكز التعليمية، والجامعات، والمطارات، والمحطات، والشوارع، وعبر الإنترنت.
وسوف تُفرَض على المُخالِفات غرامات تتراوح بين 5 ملايين ريال إيراني (118 دولاراً) و30 مليار ريال (720 ألف دولار).
علاوة على ذلك، فإن النساء اللواتي لا يمتثلن للتحذيرات سوف تُحظَر خطوط الهاتف والإنترنت الخاصة بهن. وتشمل العقوبات الأخرى المحددة في الخطة إلغاء رخص القيادة وجوازات السفر.
حذّرت وزارة التربية والتعليم ووزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا، يوم الإثنين، 3 أبريل/نيسان، في اليوم الأول من إعادة فتح المدارس والجامعة من حرمان الطالبات اللاتي لا يرتدين الحجاب من "الخدمات التعليمية". قوبلت الخطة برد فعل عنيف على الشبكات الاجتماعية، مع تحذير الكثير من تداعيات مثل هذه التحركات.
النساء في إيران أكثر غضباً
بينما واجهت خطة البرلمان انتقادات، يبدو أن المؤسسة مستعدة لتطبيقها إلى حد كبير حتى دون تمرير المشرعين لها. وقال النائب المحافظ حسين جلالي في أواخر مارس/آذار إنه تم التوصل إلى اتفاق بين القضاء والشرطة ووزارة الداخلية ومجلس الأمن القومي والبرلمان لتنفيذ الخطة وفرض الزي الإسلامي.
وقال جلالي إنه بموجب الاستراتيجية الجديدة، لن يُسمح بالعقاب الجسدي، وستقوم كاميرات المراقبة بمراقبة النساء في الأماكن العامة، وسيتم تعقُّب النساء اللاتي يخالفن قانون الحجاب ومعاقبتهن بعد ذلك.
وفي بيان أشار إلى التنفيذ الجزئي على الأقل لمشروع القانون البرلماني، أعلن رئيس المحكمة العليا، غلام حسين محسني إجئي، يوم الإثنين، أن الشرطة ستستخدم "أنظمة ذكية" للتعرف على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب وتحذيرهن عبر الرسائل القصيرة. وقال إنه إذا لم تمتثل النساء للتحذيرات، فسوف يُستدعين للمحكمة.