جولة جديدة من التصعيد بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين وصلت ذروتها في منتصف شهر رمضان، بعد قمع شديد للمصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى المبارك من قِبل قوات الاحتلال، رغم تحذيرات فصائل المقاومة من عقبات استمرار الاعتداء على المدينة المقدسة وأهلها والتضييق على العبادة فيها.
وشهد يوم الخميس 6 أبريل/نيسان 2023 هجمات صاروخية غير مسبوقة من جنوب لبنان على شمال الأراضي المحتلة، وجه فيها الاحتلال أصابع الاتهام لحركة حماس، فيما أشارت التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أن الهجوم يبدو أنه جاء كردة فعل على التصعيد الحاصل في المسجد الأقصى.
جبهتان في الشمال والجنوب.. رسائل المقاومة لـ"إسرائيل"
كان اشتعال جبهة الشمال مفاجئاً للأروقة الأمنية الإسرائيلية، حيث ردت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يوم الأربعاء على الانتهاكات في القدس بإطلاق رشقات صاروخية على مستوطنات الغلاف، وظن الاحتلال أن الأمر سيقتصر على مواجهة جبهة غزة، لكن نجاح المقاومة بفتح جبهة شمالية وفي هذا التوقيت الحساس لم يكن بالحسبان.
وأربك هجوم الشمال حسابات حكومة بنيامين نتنياهو، في ظل عدم تبنيه من أي فصيل، رغم اتهام تل أبيب لحركة حماس في لبنان بالوقوف وراءه، فيما يشير محللون إسرائيليون إلى أن الهجوم الصاروخي لم يكن له الوقوع إلا بضوء أخضر من حزب الله.
لكن اللافت بالرد الإسرائيلي على هذا الهجوم أنه كان محدوداً، فقد استهدفت طائرات الاحتلال فجر الجمعة 7 نيسان/أبريل 2023 مناطق خالية سواء في غزة أو في لبنان، فيما لم يستهدف على سبيل المثال أياً من المواقع الخاصة في حزب الله، على الرغم من أن الصواريخ التي ضربت شمال فلسطين المحتلة انطلقت من جنوب لبنان.
35 صاروخاً قلبت موازين حكومة نتنياهو
الصواريخ التي أطلقت بعد ظهر يوم الخميس من لبنان كان عددها 35 صاروخاً بحسب إعلام الاحتلال، خلفت دماراً وحرائق في مبانٍ وسيارات، وأدت إلى إصابة 3 إسرائيليين، وذلك عقب ساعات من إطلاق نحو 25 قذيفة وصاروخاً من قطاع غزة على المستوطنات المحاذية للقطاع بشكل متقطع.
ولطالما عملت إسرائيل على فصل ساحات الصراع معها محاولةً الاستفراد بإحداها دون سواها، لكن فتح جبهتين في وقت واحد كان أمراً غير مسبوق وقد أربك حسابات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف أن إطلاق الصواريخ من غزة ولبنان تأكيد أن المساس بالأقصى والقدس مساس بكل المسلمين. وأضاف الصواف في حديثه لوكالة الصحافة الفلسطينية "صفا"، أن "المسجد الأقصى ليس فقط للفلسطينيين بل لكل المسلمين، وأي اعتداء عليه يعني إشعال كل الجبهات لمواجهة العدوان والإرهاب الإسرائيلي".
يشير المحلل السياسي إلى أن الرسالة من هذا الهجوم المزدوج من قبل المقاومة كانت واضحة، وهي أن غزة والقدس والضفة جزء لا يتجزأ، وأن الاعتداء على الأقصى والمصلين هو اعتداء على كل فلسطين وأن المقاومة سترد على اعتداء الاحتلال.
ويؤكد الصواف أن محاولة فصل غزة عن القدس محاولة فاشلة بعد أن تحققت معادلة وحدة الساحات الفلسطينية في معركة سيف القدس عام 2021، مضيفاً: "الاحتلال رغم ما لديه من قوة وترسانة عسكرية إلا أن حالة التخبط التي هو عليها لا تمكنه اليوم من العدوان على القطاع".
"في نفس الوقت المقاومة لديها قاعدة إذا وسع الاحتلال في عدوانه سواء على القدس والأقصى ستوسع من استهداف المدن داخل فلسطين المحتلة ولن تتوقف على منطقة الغلاف"، يضيف الصواف.
تحوّل مهم تشهده ساحات المواجهة مع الاحتلال
من جهته، يرى المحلل السياسي ساري عرابي أن إطلاق الصواريخ من لبنان وكثافتها النسبية خلال وقت وجيز "تحول مهم" في سياق المواجهة مع الاحتلال. ويقول عرابي لـ"صفا": "سابقاً حدث أن أطلقت صواريخ بشكل محدود، لكن الآن ثمة كثافة في إطلاقها بتوقيت مهم جداً خصوصاً بعدما ظنّ الاحتلال أن يستطيع تنفيذ سياساته في المسجد الأقصى".
ويشير عرابي إلى أن هذا التحول قد يكون مربكاً للغاية للاحتلال الإسرائيلي إذا تمكنت المقاومة الفلسطينية بالفعل من تأسيس نقاط ارتكاز لها خارج الأراضي المحتلة، لا سيما أن الاحتلال يرى أن حسابات المقاومة في غزة معقدة للغاية وظروفها في الضفة صعبة وتفتقد للأدوات القادرة على الاستمرارية والفعل المنظم.
مشيراً إلى أن "المقاومة الآن متعددة الأوجه؛ فالضفة الغربية تشهد عمليات متواصلة، والمعتكفون بالقدس يحاولون صد اعتداءات الاحتلال على الأقصى، والداخل المحتل يشهد مسيرات ومظاهرات، وإطلاق صواريخ من قطاع غزة، والأمر ذاته من لبنان".
ويقول عرابي: "قد يكون هناك نوع من التنظيم والترتيب والتنسيق بين هذه الساحات، ولا سيما ساحة التنسيق الجديدة بين غزة ولبنان".
هل تذهب الأمور إلى مزيد من التصعيد؟
حول السيناريو المنتظر خلال الساعات المقبلة يعتقد عرابي أنه من الصعب توقعه إلى حد ما، بسبب تعقيدات وضع الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يريد الذهاب إلى حرب مع حزب الله ولا مواجهة طويلة الأمد مع قطاع غزة.
ويقول: "ربما يكتفي الاحتلال برد محدود في لبنان أو في قطاع غزة وربما يسعى خلال الفترة المقبلة إلى تنفيذ عمليات اغتيال بحق المقاومة سواء في الخارج أو داخل قطاع غزة".
بينما يرى المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو أن المقاومة بغزة لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على جدوى الاشتباك في الضفة الغربية منذ أشهر طويلة. ويضيف في حديثه لوكالة "صفا" أن هذا الدور يجب أن يتطور بشكل مستمر خاصة أن الشعب الفلسطيني يعتبر أن المقاومة المسلحة في قطاع غزة هي الظهير الأقوى له.
مشيراً إلى أن "التوقعات بحدوث مواجهة على عدة جبهات والمخاوف من اندلاع حرب إقليمية في المنطقة تتطلب الحذر وأن نكون نحن من يحدد توقيت هذا الاشتباك".
في السياق، أفادت وسائل إعلام عبرية، صباح يوم الجمعة، أن جيش الاحتلال ألغى التعليمات الخاصة بسكان مستوطنات غلاف غزة بشأن البقاء قرب مناطق محمية، وأنه بعد تقييم الموقف الأمني أوعز لسكان بلدات غلاف غزة بالعودة إلى حياتهم الطبيعية.
فيما أفادت قناة عبرية رسمية بأنه تم إطلاق 40 صاروخاً خلال الليلة الماضية من قطاع غزة تجاه المستوطنات الإسرائيلية، وذلك في وقت تصعّد فيه قوات الاحتلال والمستوطنون من اعتداءاتهم على الفلسطينيين واقتحام المسجد الأقصى تزامناً مع اقتراب الدخول في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حيث يدخل الفلسطينيون في اعتكاف متواصل داخل المسجد الأقصى، وتكثف جماعات صهيونية متطرفة دعواتها للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى.