مثل إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان على شمال إسرائيل الخميس، 6 أبريل/نيسان مأزقاً كبيراً بالنسبة لحكومة نتنياهو، والتي كان يجيب عليها أن ترد على هذه الهجمات، لكن دون أن تشرع في بدء حرب جديدة مع حزب الله، خاصة أن الحزب هو المتحكم الفعلي في البلاد، ومن ثم لا يمكن أن تطلق رصاصة دون موافقته.
لكن اللافت بالرد الإسرائيلي على هذا الهجوم أنه كان محدوداً، فقد استهدفت طائرات الاحتلال فجر الجمعة 7 نيسان/أبريل 2023، مناطق خالية، سواء في غزة أو في لبنان، فيما لم يستهدف على سبيل المثال أياً من المواقع الخاصة في حزب الله، على الرغم من أن الصواريخ التي ضربت شمال فلسطين المحتلة انطلقت من جنوب لبنان.
يبدو أن إسرائيل لا تريد حرباً مع إيران أو حزب الله أو مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. فمن الواضح أن آخر ما تحتاج إليه إسرائيل، التي تشهد الآن عيد الفصح اليهودي وتضطرم بصدام سياسي يبث الانقسام مواطنيها، هو اشتعال حربٍ في الشمال، فضلاً عن صراع متعدد الجبهات، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
مأزق داخلي كبير
اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى عقد مجلس الوزراء المصغر (الكابينت) مساء الخميس، 6 أبريل/نيسان لأول مرة منذ شهرين. وقد كان لرئيس الوزراء أسباب وجيهة لعدم عقد اجتماعات مع هذا المجلس خلال المدة الماضية: فهو يتألف من أشخاص معروفين بهوس إشعال الاضطرابات، في إشارة إلى تيار اليمين المتطرف الشريك معه في الحكومة، وهو يحاول أن يتجنب إعطاءهم الفرصة للإدلاء بنصائحهم. لكن ذلك لا ينفي أن نتنياهو نفسه منْ عيَّنهم في هذه المناصب لتنفيذ انقلابه القضائي والإفلات من مشكلاته القانونية.
علاوة على ذلك، فإن مجلس الوزراء المصغر يضم من بين كبار أعضائه وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي عزله نتنياهو في 26 مارس/آذار، ما أدى إلى احتجاجات شعبية غير مسبوقة وأفضى إلى "تجميد" التعديلات القضائية. أما قوات الاحتياط التابعة للجيش -التي قد تشتد حاجة إسرائيل إلى بعضها الآن- فإنها تشهد أزمة عميقة منذ أن أعلن الآلاف من الطيارين والملاحين الجويين وضباط الاستخبارات أنهم لن يستجيبوا لاستدعاء الخدمة إذا أصرت الحكومة على المضي قدماً في تعديلاتها القضائية.
وفوق ذلك كله، فإن نتنياهو في صدام مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ وشرعية استخدام إسرائيل لقوتها العسكرية متدنية؛ وغالب الأمر أن قطاع كبير من الإسرائيليين سيشكك في الأغراض من وراء أي تحرك للحكومة نحو التصعيد الآن، ويشتبه في أن ذلك محاولة لمساعدة نتنياهو بطريقةٍ ما.
ضعف القدرة على المناورة
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن واقع الأمر أن الاضطرابات التي تتفاقم في الداخل الإسرائيلي تجل فرصة تل أبيب في المناورة محدودة. ومن ثم فقد تواصلت موجة العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية منذ مارس/آذار 2022. أما إيران وحزب الله، فلديهما حسابات للثأر من إسرائيل بعد ضرباتها الجوية المتواصلة على سوريا منذ عقد كامل، ضمن استراتيجتها المعروفة بـ"المعارك بين الحروب".
ويرى الإيرانيون -لأسباب وجيهة- أن تناقص اهتمام إدارة بايدن بالشرق الأوسط يمنحهم مساحة أكبر للعمل. وفي ظل هذه الظروف، تعمل طهران على بلوغ العتبة النووية، وقد صارت لا تحتاج إلا إلى أسبوعين لامتلاك ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية. وقد اختبر حزب الله بالفعل صبر إسرائيل في 13 مارس/آذار بعد أن عبر لبناني الحدود، وزرعَ عبوة ناسفة انفجرت بالقرب من مفرق مجدو في الشمال، ما أسفر عن إصابة إسرائيلي بجروح خطيرة.
من المحتمل أن يكون المسؤول عن إطلاق الصواريخ يوم الخميس، 6 أبريل/نيسان بعض المجموعات الفلسطينية التي تنشط في مخيمات اللاجئين بالقرب من صور اللبنانية. ومع ذلك، يصعب القول إن حزب الله لم يكن يعلم مسبقاً بشأن هذا الهجوم غير العادي، الذي شهد إطلاق 35 صاروخاً على حدود إسرائيل الشمالية.
ويزيد الشكوك الإسرائيلية في التنسيق بين حزب الله والفصائل الفلسطينية أن إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس، يُجري زيارة في الوقت الحالي إلى بيروت، وأن الزيارة تأتي بعد سلسلة لقاءات بين قادة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي. ومن ثم، فإنه من الواضح أن التعاون يتزايد بين حزب الله والفلسطينيين على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
ومع ذلك، فإن إطلاق وابل الصواريخ من لبنان كان خطوة محدودة، تكاد تماثل التحركات التي تتخذها إسرائيل في استراتيجية "المعارك بين الحروب"، التي تقوم على شنِّ هجمات صغيرة دون مخاطرةٍ بإشعال الحرب. وهكذا، كانت الأهداف بلدات على طول الحدود، وليست منشآت استراتيجية للبنية التحتية أو قواعد عسكرية، لأنه لو حدث ذلك فإن إسرائيل لن يكون لديها مفر سوى التعامل مع الأمر على أنه إعلان حرب. ومن ثم، يبدو أن الطرف الذي أطلق الصواريخ قد أبقى على قدر من الحذر في هجماته.
وكان الإسرائيليون يأملون في أن تتحلى الحكومة بالمسؤولية في ردّها على الصواريخ، وأن تتجنب إشعال حرب شاملة، لن تكسب إسرائيل شيئاً منها. وقد يكون خيارها المفضل هو شنِّ ضربات محدودة على مدار يوم كامل وهو ما حدث بالفعل. وعلى الرغم من أن المعارضة الإسرائيلية لديها الكثير من الأسباب الوجيهة لمهاجمة حكومة نتنياهو لسوء إدارتها الواضح للأمور خلال 3 أشهر لها في المنصب، فإن الجدير بهذه المعارضة أن تحث القيادة الإسرائيلية على عدم الرد بطريقة غير مسؤولة تؤدي إلى تفاقم الأمور، كما تقول الصحيفة العبرية.