الاقتحام الإسرائيلي للمسجد الأقصى، الذي ما زالت أحداثه جارية، يعد غير مسبوق في حجمه وحجم الاعتقالات التي صاحبته، ويبدو أنه ليس اقتحاماً تقليدياً، بل إن اقتحام الأقصى هذه المرة له هدفاً استراتيجياً شديد الخطورة، قد يغير الوضع القائم فيه للأبد.
ومساء الأربعاء، جددت قوات الاحتلال، اقتحامها للمسجد الأقصى، عقب انتهاء صلاة التراويح، واعتدت بوحشية على المصلين والمعتكفين فيه باستخدام قنابل الصوت والغاز السام والرصاص المطاطي، وأخرجتهم من داخل المسجد عنوةً.
ثم اقتحم مستوطنون إسرائيليون، الخميس، المسجد الأقصى بحراسة شرطية مشددة في أول أيام عيد الفصح اليهودي، الذي يستمر أسبوعاً.
وتم اقتحام الأقصى من خلال باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد.
ومن الواضح أن ما يجري من استباحة للأقصى بأعداد كبيرة من شرطة الاحتلال، وقمع المصلين والمعتكفين بهذه الوحشية والقوة المفرطة لم يحدث من قبل، ولا حتى في عدد المعتقلين، الذين بلغوا نحو 500 في ليلة واحدة، حسبما قال خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عكرمة صبري، يوم الخميس، في حديث خاص لوكالة الصحافة الفلسطينية "صفا".
كما كان لافتاً أن عملية الاقتحامات استمرت عدة أيام، فلقد بدأت بعد ساعات من اتفاق أردني – فلسطيني على تكثيف العمل المشترك للدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، حيث اقتحم عشرات المتطرفين، الإثنين، المسجد الأقصى المبارك، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية.
اقتحامات المستوطنين جاءت بعد إخراج المعتكفين من الأقصى بالقوة في هجمات تشنها الشرطة فجراً، وأصبحت أمراً ملحوظاً ومتكرراً خلال الأيام القليلة الماضية، ووصلت للذورة يومي الأربعاء والخميس مع بداية عيد الفصح اليهودي.
ما هدف إسرائيل من هذه الاقتحامات غير المسبوقة للأقصى؟
بالإضافة للهدف المحلي الداخلي، بإشعال التوتر الإسرائيلي الفلسطيني للفت الانتباه بعيداً عن التمرد الداخلي الكبير الذي شهدته إسرائيل ضد حكومة بنيامين نتنياهو بسبب الانقلاب القضائي الذي تسعى لتنفيذه، وهو الهدف الذي يخدم نتنياهو بالأساس.
فإنه قد يكون هناك هدف آخر لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، المشهور باعتداءاته الدائمة على الأقصى.
ويعتقد المسؤولون الفلسطينيون والأردنيون، أن بن غفير يدفع باتجاه فرض أمر واقع جديد في المسجد من خلال إخراج المصلين منه قبل وصول المستوطنين إليه، وإعطائهم وقتاً أطول، فيما يبدو تقسيماً زمانياً للمسجد، قد يسبق التقسيم المكاني، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
بدوره، يقول الشيخ عكرمة صبري إن الهدف من هذا الاقتحام هو السيطرة على المسجد الأقصى وفرض السيادة اليهودية عليه، تمهيداً لتقسيمه زمانياً ومكانياً بين اليهود والمسلمين، كما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
الأقصى لم يعد مسجدكم
وقال رمزي رباح، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، خلال مداخلة هاتفية لقناة "القاهرة الإخبارية" المصرية، "إن إخراج المصلين والمعتكفين بعد صلاة الفجر باستخدام القوة والعنف والتنكيل والبطش، ومحاولات القتل وسقوط الجرحى ومئات الأسرى المعتقلين من المصلين رسالة من هذه الحكومة تقول إنه عندما يؤدي المسلمون الصلاة فليس المسجد الأقصى مكانهم".
وأضاف "ما جرى بالمسجد الأقصى في منتهى الخطورة، ويؤكد أن السياسة التي تنتهجها حكومة اليمين المتطرف العنصري في إسرائيل قائمة على السيطرة على المسجد الأقصى وإحداث التقسيم الزماني والمكاني فيه"
والأمر سيتم من خلال استغلال فترة الأعياد
وعادة ما يستغل الإسرائيليون الأعياد لفرض أمر واقع جديد في المسجد. ودعت عضو الكنيست، ليمور هار ميلخ، الحكومة والشرطة إلى السماح للمستوطنين بإدخال قرابين عيد الفصح إلى الأقصى، وعدم منعهم لأي سبب.
وقال الشيخ عكرمة صبري إن "الاحتلال يستغل أعياده ليُظهر للعالم أنه صاحب الشأن في إدارة المسجد الأقصى"، محملاً في الوقت نفسه، حكومة الاحتلال المتطرفة المسؤولية الكاملة عن تداعيات ما يجري بحق المسجد.
وحذر صبري من خطورة الاعتداء على الأقصى، وما قد يحصل خلال الأيام المقبلة، في ظل استمرار اقتحامات المستوطنين المتطرفين للمسجد خلال ما يسمى "عيد الفصح" اليهودي.
وأشار إلى أن ما حصل هذه الأيام من اعتداءات وتفريغ للأقصى تكرار لما حدث خلال أعوام سابقة، ما يؤكد أن الاحتلال ما زال طامعاً في المسجد.
وأشار إلى أن تزامن "عيد الفصح" مع شهر رمضان المبارك، يُعكر أجواء الصائمين، ويُحدث توتراً داخل الأقصى وفي محيطه.
والقمع الوحشي هدفه إسكات صوت المقدسيين
وقال: إن "سلطات الاحتلال أرادت من خلال اقتحام المسجد الأقصى والقمع الوحشي للمعتكفين، إسكات صوت المقدسيين حتى لا يعترضوا على اقتحامات اليهود للأقصى"، محذراً من أن الاحتلال يسعى إلى تفريغ المسجد الأقصى من المسلمين لإفساح المجال أمام اليهود المتطرفين لاقتحامه بسهولة دون أية قيود أو إعاقات.
وتفرض قوات الاحتلال قيوداً مشددة على حركة دخول الشباب للأقصى، سواء عبر الحواجز العسكرية، أو على أبواب البلدة القديمة في القدس ومحيط المسجد المبارك، مما يقلل عدد الوافدين إليه.
وشدد خطيب الأقصى على ضرورة تكثيف شد الرحال للمسجد، واستمرار الرباط في باحاته، رُغم تضييقات الاحتلال، ومنعها دخول المصلين.
وحاصرت القوات المصلى القبلي، واعتدت على المصلين بالضرب بالعصي، وأطلقت صوبهم قنابل الصوت والغاز، في محاولة لإخراجهم منه بالقوة، ما أدى لإصابة عدد منهم بالاختناق.
ورداً على العدوان الإسرائيلي على المعتكفين في المسجد الأقصى، أطلقت المقاومة في قطاع غزة فجر الأربعاء والخميس نحو 25 صاروخاً باتجاه مستوطنات النقب الغربي وغلاف غزة؛ ما تسبب بأضرار مادية.
كما شهدت مناطق في القدس وبلدتها القديمة مواجهات واسعة مع قوات الاحتلال، بالتزامن مع مواجهات أخرى على نقاط التماس في بعض مناطق الضفة الغربية المحتلة.
ما هو التقسيم الزماني والمكاني الذي تريد إسرائيل تنفيذه بالأقصى بعدما طبقته في الحرم الإبراهيمي؟
ويسعى الاحتلال من خلال تصعيد عدوانه، وإقامة صلوات تلمودية في زمان ومكان محددين في المسجد الأقصى؛ بغرض ترسيخ وتنفيذ مخطط التقسيم التهويدي في نهاية المطاف للمسجد الأقصى.
والدعوات لتقسيم المسجد الأقصى ليست حديثة العهد، لكنها بدأت منذ احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس في يونيو/حزيران من عام 1967، وأن الذين صرحوا منذ ذاك العام ودعوا إلى تقسيم الأقصى، أو إلى بناء هيكل باطل على حساب الأقصى؛ كانوا عبارة عن قيادات سياسية عسكرية أو قيادات دينية أو حقوقية في المجتمع الإسرائيلي.
والثابت أن إسرائيل قد بدأت في تسريع مخططاتها، لجهة تهويد القدس، والوصول إلى مرحلة تمكنها من بناء الهيكل المزعوم على حساب الأقصى المبارك، فضلاً عن محاولة بسط السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المسجد، وفرض مخطط تقسيمه زمانياً ومكانياً، حسبما ورد في مقال لنبيل السهلي في موقع "عربي بوست".
وكان لافتاً، تصريح خطير أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت العام الماضي، إذ قال إن حرية العبادة مكفولة بالكامل لليهود كما المسلمين في المسجد الأقصى شرق مدينة القدس، في محاولة لتطبيع الاقتحامات التي ينفذها المستوطنون للمسجد، تمهيداً للتقسيم المكاني والزماني للمسجد، كما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل، أي تصبح هناك أوقات وأماكن في المسجد مخصصة لليهود.
ويجب ملاحظة أن حكومة رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، كانت توصف بأنها أقل تطرفاً، كما أنها كانت تضم حركة ميرتس اليسارية الداعية للسلام وحزباً عربياً.
وفرضت إسرائيل التقسيم المكاني والزماني على الحرم الإبراهيمي منذ نحو ربع قرن.
وبدأ هذا القرار عقب مذبحة ارتكبها متطرف إسرائيلي بحق المصلين بالمسجد.
فبعد أن وقعت مدينة الخليل تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة يونيو/حزيران عام 1967، شرع المستوطنون الإسرائيليون بالاستيطان في محيط المدينة، ثم بداخلها، وقاموا بالاعتداء على المسجد الإبراهيمي مرات عديدة بهدف تحويله إلى معبد يهودي، بحماية مباشرة من القوات الأمنية الإسرائيلية.
وفي منتصف رمضان 25 فبراير/شباط 1994 دخل الإرهابي الصهيوني، باروخ غولدشتاين، بتصريحٍ وموافقة أمنية إسرائيلية للمسجد الإبراهيمي، عندما كان المسلمون يصلون صلاة الفجر، حاملاً معه بندقية آلية وعدداً من الذخائر المجهزة.
ثم فتح النار على المصلين، مما أدى على الفور إلى استشهاد 29 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 15 آخرين بجروح قبل أن يستطيع المصلون الوصول له وقتله.
الأذان مُنع في الحرم الإبراهيمي 634 مرة خلال عام واحد
وبدلاً من تخفيف قمعها للفلسطينيين المنكوبين، فإن إسرائيل عاقبت الضحية وقسَّمت على أثر المذبحة الحرم بين المسلمين واليهود، وتزداد الاعتداءات والقيود فيه على المسلمين وترتفع تسهيلات وصول اليهود له لدرجة الشروع ببناء مصعد كهربائي خاص باليهود، إضافة للبوابات الإلكترونية.
ويتكرر منع سلطات الاحتلال للصلاة في الحرم الإبراهيمي، وفي عام 2000 منع الاحتلال رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي 634 مرة.
ويبدو أن هذا هدف إسرائيل القادم، خلق أزمة حول الأقصى عبر اقتحامات المستوطنين للمسجد، ثم الادعاء بحل الأزمة بتقسيمه زمانياً ومكانياً بتخصيص أوقات وأماكن تكون محرمة على المسلمين، ويصبح المسلمون غرباء في المسجد الذي أسري إليه الرسول، وصلى أماماً فيه بالأنبياء.