حذّر علماء من أن انتشار فيروس ماربورغ القاتل في أجزاء من إفريقيا قد يتطور إلى تفشٍّ دولي كبير بعد اكتشافه في ميناء تجاري رئيسي في غينيا الاستوائية.
وفيروس ماربورغ هو حمى نزفية، انتشرت في الأصل من الخفافيش، وهي مدرجة في قائمة مخاطر منظمة الصحة العالمية للأمراض المعدية التي يمكن أن تسبب أوبئة إقليمية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Telegraph البريطانية.
وأثار انتشار هذا الفيروس من القلق في دول العالم، فهو يتسبب بحمى نزفية شديدة العدوى، وهو من العائلة ذاتها لفيروس الإيبولا، وكلاهما لديه القدرة على التسبب في معدلات وفيات عالية بين المصابين.
ومرض فيروس ماربورغ نادر الحدوث: تم الإبلاغ عن عدد قليل فقط من حالات تفشٍّ به منذ اكتشاف الفيروس في عام 1967، لكن الزيادة المطردة في الحوادث في إفريقيا في السنوات الأخيرة تثير القلق، حسب صحيفة the New York Times الأمريكية.
وحتى الآن لا يوجد لقاح أو علاج معتمد لهذا الفيروس المميت، الذي يقول الأطباء إنه يحوّل الناس لأشباح قبل أن يقتلهم.
وبدأت بعض الدول، من بينها دول خليجية، منع مواطنيها من السفر لتنزانيا وغينيا الاستوائية، بسبب انتشار الفيروس هناك، فهل يمكن أن ينتشر الفيروس عالمياً على غرار جائحة كورونا؟ ولماذا قد يمثل خطراً أكبر بكثير من الخطر الذي شكله كوفيد 19 على العالم؟
من أين جاءنا هذا الفيروس اللعين، وكيف ينتقل؟
لا يعتبر فيروس ماربورغ فيروساً حديثاً، فقد اكتُشف للمرة الأولى عام 1967 بعد تفشيه في صربيا وألمانيا، (وخاصة في مدينة ماربورغ، ومن هنا اكتسب الفيروس اسمه). لكن تفشيه مجدداً في القارة الإفريقية أثار قلق منظمات، مثل منظمة الصحة العالمية، خاصة بعد أن سجلت حالات وفاة بسبب المرض.
ويعتقد أنه انتقل من الخفافيش إلى العاملين في المناجم والكهوف.
يُذكر أن هناك حيوانات أخرى غير الخفافيش قد تكون مضيفة لفيروس ماربورغ، وتُسهم بانتقاله للبشر، مثل القرود الإفريقية الخضراء، التي استوردها الألمان من أوغندا، وكانت الدراسات المخبرية عليها سبباً في تفشي المرض في ألمانيا للمرة الأولى عام 1967. كذلك تعتبر الخنازير مضيفاً محتملاً للفيروس.
نسب الوفيات جراء هذا المرض تتراوح ما بين 24% إلى 88%، لكن هذه النسب قد تكون أقل مع الرعاية الصحية المناسبة للمرضى.
ورغم أن هذا الفيروس لا ينتقل عبر الهواء، فإنه ينتشر بسرعة من خلال الاتصال المباشر بين البشر، خاصة المرتبطين بالسوائل، مثل الدم أو اللعاب أو البول أو السائل المنوي، ويمكن حتى لجثث المصابين أن تبقى معدية عند الدفن.
ينتقل الفيروس أيضاً عن طريق ملامسة الأسطح التي لامسها أحد المرضى مثل الفراش أو الملابس أو غيرها، نتيجة لذلك كثيراً ما يصاب مقدمو الرعاية الصحية بهذا الفيروس نتيجة اتصالهم بالمرضى.
يحوّل البشر إلى أشباح، وإليك فترة حضانته
تقدر فترة الحضانة للإصابة بالفيروس بين 3 إلى 9 أيام، وتبدأ أعراضه بالإصابة بصداع حاد ووعكة شديدة، والآلام العضلية، وحمى شديدة، وهن تدريجي وسريع، إسهال حاد وألم في البطن وغثيان وتقيؤ، يمكن أن يدوم أسبوعاً، وفقاً لـ"منظمة الصحة العالمية"
ويصل المرضى المصابون بفيروس ماربورغ إلى حد أن تصبح ملامحهم أشبه بالأشباح، فيصابون بالخمول الشديد، وتصبح وجوههم خالية من التعابير، وعيونهم تصبح عميقة.
كذلك يُصاب العديد من المرضى بنزيف حاد قد يستمر ما بين 5 و7 أيام، وقد يكون النزيف من الأنف أو اللثة أو المهبل، وقد يصاحبه البراز أو القيء.
استمرار الإصابة تؤدي إلى إصابة الجهاز العصبي، وفي الحالات المميتة تحدث الوفاة في اليوم الثامن أو التاسع.
المرض له بؤرتان.. الأولى في تنزانيا، ولكن أخطرها في غينيا الاستوائية
سجل عدة حالات للمرض العام الماضي في دول بغرب إفريقيا مثل غانا وغينيا، ولكن حالياً، توجد للمرض بؤرتان في إفريقيا، الأولى في تنزانيا بشرق إفريقيا، والثانية في غينيا الاستوائية بغربها.
تم الإبلاغ عن تفشي المرض في تنزانيا لأول مرة في مارس/آذار 2023. وتوفي هناك 5 أشخاص أصيبوا بعدوى مؤكدة بفيروس ماربورغ، من بينهم عامل في مجال الرعاية الصحية.
لم يتم الإبلاغ عن أي حالات جديدة في تنزانيا لمدة أسبوعين، ولكن فترة حضانة ماربورغ هي 21 يوماً، لذلك يعتبر تفشي المرض نشطاً، حسب صحيفة the New York Times الأمريكية.
ويعتقد أن المرض تمت السيطرة عليه في تنزانيا، حيث بقي شخصان فقط في الحجر الصحي. لكن في الجانب الآخر، في غينيا الاستوائية على الساحل الغربي لإفريقيا، لا يزال انتشار الفيروس مستمراً، وقالت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي إن غينيا الاستوائية لم تكن شفافة في الإبلاغ عن الحالات.
منظمة الصحة العالمية قلقة من غينيا الاستوائية، وتتهمها بإخفاء حقيقة المرض
بدأ تفشي المرض في غينيا الاستوائية في يناير/كانون الثاني 2023. وأبلغت الحكومة عن وفاة 9 أشخاص مصابين بحالات مؤكدة لمرض فيروس ماربورغ، ووفاة 20 شخصاً آخرين على صلة بالحالات المؤكدة، ولكنها تعتبر حالات محتملة.
وأصدرت حكومة غينيا الاستوائية معلومات محدودة حول تفشي المرض، وفقاً لتقرير صحيفة the New York Times الأمريكية.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إن هناك على الأرجح سلاسل انتقال غير مكتشفة، وأنه ليست كل الحالات المعروفة لها صلة واضحة ببعضها البعض، مما يشير إلى انتشار أوسع مما كان يعتقد سابقاً.
وقال مدير المنظمة، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأسبوع الماضي، إنه على علم بحالات إضافية، وقد طلبنا من الحكومة إبلاغ منظمة الصحة العالمية بهذه الحالات رسمياً.
وأضاف أن انتشار الحالات المؤكدة بالفعل حدث في 3 مقاطعات على بُعد حوالي 150 كيلومتراً الأمر، "يشير أيضاً إلى انتقال أوسع للفيروس غير مرصود".
وأكد مسؤولو الصحة في غينيا الاستوائية 4 حالات في مدينة باتا، التي يوجد بها ميناء مزدحم، ومطار دولي متجه إلى الكاميرون والغابون المجاورتين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Telegraph البريطانية.
ويشعر خبراء الأمراض المعدية بالقلق من الأخبار التي تفيد بأن الفيروس قد وصل إلى هذه المدينة التي تعد العاصمة التجارية لغينيا الاستوائية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 200000، حسبما ورد في تقرير لموقع health policy watch.
وقال موريتز كريمر، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة الحاسوبية والجينومية في جامعة أكسفورد البريطانية: "إن انتشار فيروس ماربورغ إلى مدينة باتا الساحلية أمر مثير للقلق. عندما تنتشر الفاشيات الجديدة إلى مدن أكبر وأكثر ارتباطاً بالخارج، يزداد خطر الانتشار الإقليمي.
"كانت هناك الآن تقارير عن حالات مؤكدة ومحتملة عبر مدن ومقاطعات متعددة في غينيا الاستوائية.
وفي الوقت نفسه، أشارت مصادر أخرى إلى أنه يمكن أن يكون هناك 3 أضعاف عدد الحالات المعلنة.
ومع وجود العديد من الحالات عبر منطقة جغرافية واسعة يشير إلى أن تفشي المرض سيستمر لبعض الوقت في المستقبل".
كما أعرب خبراء الصحة العامة عن قلقهم بشأن الانتشار الواسع للحالات في المناطق النائية؛ حيث من المحتمل أن تتفاقم الصعوبات التقنية للإبلاغ عن الحالات بسبب التردد الرسمي في الاعتراف بالانتشار الحقيقي للفاشية.
غرد إسحاق بوجوتش، من جامعة تورنتو بكندا، "راقبوا انتشار فيروس ماربورغ، وانظروا إليه". "حالات بالقرب من المناطق الحدودية وفي المناطق الحضرية.. بعض الحالات بعيدة عن الأخرى، ليس لها صلة وبائية معروفة. هذا الفيروس لديه القدرة على النمو".
هل يوجد له لقاح؟
لا توجد علاجات أو لقاحات لفيروس ماربورغ، ولكن هناك بعض اللقاحات المرشحة التي أظهرت نتائج واعدة في المرحلة الأولى من التجارب السريرية. ومع ذلك، يجب اختبار هذه اللقاحات المرشحة في حالات تفشٍّ نشطة لإثبات فعاليتهم، وحتى الآن، لم يتم تسليم أي إمدادات لقاح لاختبارها في حالات التفشي الحالية.
منظمة الصحة العالمية تقول إنها صاغت بروتوكول بحث يمكن تطبيقه في هذه الفاشيات، وعلى أي فيروسات خيطية أخرى، وهي الأسرة التي تضم ماربورغ.
وصممت الدكتورة سوليفان لقاح ماربورغ المرشح، الذي حقق أكبر قدر من التطوير عندما عملت مع المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية.
أظهر اللقاح نجاحاً في اختبار السلامة والاستجابة المناعية في تجربة إكلينيكية للمرحلة الأولى، ويواصل معهد سابين للقاحات، وهو منظمة غير ربحية مقرها في واشنطن تعزز تطوير هذا اللقاح واختباره.
وقال معهد سابين إنه كانت لديه 600 جرعة من اللقاحات في قوارير وجاهزة للاستخدام وخطط لتخزين 8000 جرعة في نهاية هذا العام. وقالت الدكتورة سوليفان إن 600 جرعة ستكون كافية لبدء تجربة تلقيح حلقة لأولئك المعرضين للخطر في تنزانيا وغينيا الاستوائية.
لكن منظمة الصحة العالمية "لم تعلن بعد عن التفاصيل التشغيلية لتجربة هذا اللقاح أو 3 لقاح مرشحة أخرى. وهذ أمر يتطلب إجراءات طبية وقانونية معقدة.
انتشاره مثل كورونا سيؤدي لسقوط أعداد هائلة من الوفيات.. إليك توقعات منظمة الصحة العالمية
وشهد العالم أكثر من 18 مليون وفاة مرتبطة بفيروس كورونا، ما بين مطلع 2020 ونهاية 2021، حسب بعض التقديرات، بينما تقديرات تتحدث عن 6.7 مليون وفاة، علماً بان نسبة وفيات كورونا كانت تدور حول 1% عادة، وأحياناً تكون أقل من ذلك بكثير (عدد المصابين وصل إلى 600 مليون، ولكن يعتقد أنه أكبر من ذلك بكثير).
بينما نسبة وفيات فيروس ماربورغ تصل لـ88%، وهذا يعني أن احتمال تحوله لجائحة عالمية قد يؤدي إلى أعداد هائلة من الوفيات أكبر بكثير من كورونا، حتى لو كان معدل انتشاره أقل من كورونا.
ولكن يعتقد أن معدل انتشار المرض سيكون أقل من كورونا لأنه ليس مرضاً ينتشر عبر الهوا والتنفس.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن كلا الفاشيتين الموجودتين في تنزانيا وغينيا الاستوائية، تشكلان مخاطر إقليمية (أي تتركز في غرب وشرق إفريقيا)، حيث تمتلك غينيا الاستوائية حدوداً يسهل اختراقها مع الكاميرون والغابون، وحتى الآن ظهرت الحالات في أجزاء منتشرة جغرافيّاً من البلاد.
وفي تنزانيا، تتمتع منطقة كاجيرا بحدود مزدحمة مع أوغندا ورواندا وبوروندي.
ولكن إذا نجحت الاستجابة للفاشية – عزل الحالات وتعقب المخالطين – فسيتم السيطرة على الوباء بسرعة، ويبدو أن هذا هو الحال في تنزانيا. إذا لم تكن الاستجابة جيدة (كما هو الحال في غينيا الاستوائية)، فهناك مخاوف من تفشي المرض على نطاق واسع وتضاعف الحاجة إلى التطعيم.
في حين أنهم لا يتوقعون انتشار جائحة كامل، يحذّر باحثون من أن سيناريو مماثل لتفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا عام 2014 ممكن، حسبما ورد في تقرير صحيفة the Telegraph البريطانية.
تسببت هذه الفاشية الإقليمية في مقتل أكثر من 11000 شخص عبر سيراليون وليبيريا وغينيا، وانتشر مرض أبيولا خارج حدود إفريقيا.
ومع ذلك، فإن النجاح الأخير في القضاء على تفشي فيروس إيبولا في أوغندا في أواخر العام الماضي أظهر أيضاً أنه يمكن القضاء على الفاشيات في مهدها بسرعة من خلال المراقبة القوية وتتبع المخالطين.
وعندما بدأ تفشي فيروس إيبولا في أوغندا في سبتمبر/أيلول 2022، كانت السلالة التي أودت بحياة الأرواح بسرعة هي السلالة التي لم يكن هناك لقاح لها.
ولكن كان هناك لقاح مرشح قوي ينتظر فرصة للاختبار، وأعلن الباحثون عن خطط لتجربته في أوغندا. لكن لحسن الحظ تفشي المرض انتهى بحلول الوقت الذي وصلت فيه جرعات اللقاح.