وجّهت محكمة مانهاتن 34 تهمة جنائية إلى دونالد ترامب، عقوبتها القصوى 136 عاماً خلف القضبان، فماذا ينتظر الرئيس السابق والمرشح للانتخابات المقبلة؟ وما تأثير المحاكمة التاريخية على الولايات المتحدة بشكل عام؟
كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد مثل، الثلاثاء 4 أبريل/نيسان 2023، أمام محكمة مانهاتن بنيويورك، في جلسة توجيه الاتهامات رسمياً من جانب المدعي العام، ألفين براغ، وترأس الجلسة قاضي المحكمة العليا في نيويورك، خوان ميرشان.
ما تفاصيل الاتهامات الموجهة إلى ترامب؟
دفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ببراءته من 34 اتهاماً جنائياً تتعلق بتزوير سجلات تجارية، بينما اتهمه المدعون بأنه دفع أموالاً لامرأتين كي تتكتما على أمر علاقات جنسية معه. والمرأتان هما ستورمي دانيالز، ممثلة الأفلام الإباحية، وكارين ماكدوغال، عارضة الأزياء السابقة في بلاي بوي.
واتهم المدعون العامون في مانهاتن، ترامب، وهو أول رئيس أمريكي حالي أو سابق يواجه اتهامات جنائية، بأنه زور سجلات تجارية لإخفاء انتهاك لقوانين الانتخابات خلال حملته الرئاسية الأولى، والتي فاز بها عام 2016 على حساب هيلاري كلينتون.
وقال المدعي العام كريس كونروي: "المتهم دونالد جيه. ترامب زور سجلات تجارية في نيويورك لإخفاء مؤامرة غير قانونية لتقويض نزاهة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وغيرها من الانتهاكات لقوانين الانتخابات".
لائحة الاتهام الموجهة إلى ترامب مكونة من 16 صفحة، وعدد التهم 34 تهمة احتيال وتزوير في سجلات أعمال ترامب، نتجت جميعها عن دفع 130 ألف دولار لشراء صمت ستورمي دانيلز، التي تقول إنه مارس الجنس معها، و150 ألف دولار دفعت لماكدوغال للغرض ذاته.
وتقول دانيلز إنها كانت على علاقة بترامب عام 2006، وهو ما ينفيه بشكل قاطع ومتكرر، وفي عام 2016 حاولت بيع روايتها حول ما حدث لوسائل الإعلام. لكن محامي ترامب، مايكل كوهين، دفع لها 130 ألف دولار نظير صمتها.
دفع الأموال مقابل الصمت لا يعتبر جناية أو مخالفة قانونية، فما المشكلة إذاً؟ ما أوقع ترامب في المتاعب هي الطريقة والبند الذي قُيد تحته المبلغ الذي تم دفعه لكوهين في سجلات حسابات ترامب.
وبالتالي فإن ترامب مُتهم بالتزوير من الدرجة الأولى في سجلات أعماله بالقول إن الدفع كان مقابل أتعاب قانونية. وقال المدعي العام للمنطقة أمام المحكمة، إن المدفوعات كانت تهدف إلى "إخفاء معلومات ضارة ونشاط غير قانوني عن الناخبين الأمريكيين قبل وبعد انتخابات 2016".
وبحسب لائحة الاتهام الرسمي أيضاً، حصلت كارين ماكدوغال، وهي عارضة سابقة في مجلة بلاي بوي، على 150 ألف دولار من جانب الشركة المالكة لناشيونال إنكوايرر الأمريكية، في إطار مخطط للحصول على حقوق نشر روايتها بشأن العلاقة المزعومة مع ترامب، مع عدم السماح لها بنشر ذلك في أي مكان آخر، ثم قامت الصحيفة بحجب القصة.
وفقاً للمدعين العامين، اعترفت ناشيونال إنكوايرر بدفعها لمصدر للتأكد من أن هذا الشخص "لن يعلن عن مزاعم ضارة" بشأن ترامب قبل انتخابات عام 2016.
كما قال المدعي العام ألفين براغ، في بيان، إن بواباً في برج ترامب ادعى أن بحوزته معلومات عن ابن سري للملياردير قبض مبلغ 30 ألف دولار لالتزام الصمت.
ما العقوبة القصوى لتلك الاتهامات؟
الجرائم الجنائية هي جرائم يعاقب عليها القانون بالحبس لمدة سنة فأكثر. وعلى عكس التهم العادية التي يوجهها المدعي العام، فإن لائحة الاتهام هي نتيجة تصويت سري من قبل هيئة محلفين كبرى، وفي قضية ترامب صوتت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن في مدينة نيويورك.
وخلال الجلسة، الثلاثاء، دفع ترامب ببراءته من كل التهم التي تم توجيهها إليه، وتعهد تود بلانش، أحد وكلاء الدفاع عن الرئيس الأمريكي السابق، بمحاربة التهم الـ34 وقال: "إن توجيه الاتهام بحد ذاته نمطي"، واصفاً توجيه الاتّهام بأنه عمل "يائس سنحاربه، وسنحاربه بشراسة".
الشاهد الأساسي في هذه الاتهامات وفي الملف بأكمله هو محامي ترامب السابق، مايكل كوهين، الذي أصبح عدوه اللدود، وهو نفسه الشخص الذي دفع المبلغ لستورمي دانيالز عام 2016 وأعيد تسديده له لاحقاً. وبعدما قضى عقوبة بالسجن، تعاون كوهين مع التحقيق اعتباراً من نهاية عام 2018 وأدلى بشهادته مراراً أمام هيئة المحلفين الكبرى.
ورغم أن تزوير سجلات تجارية في نيويورك يعد في حد ذاته جنحة يعاقب عليها بالسجن لمدة لا تزيد عن سنة، إلا أن التزوير قد يصل إلى حد جناية يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 4 سنوات عند اقترافها بغرض ارتكاب جريمة أخرى أو إخفائها.
وبالتالي فإن عقوبة كل تهمة موجهة لترامب لن تقل عن عام واحد خلف القضبان، بينما الحد الأقصى للعقوبة هو 4 سنوات، أي إن مجموع ما يواجهه الرئيس السابق يبلغ 134 عاماً في حالة قرار المحكمة معاقبته بالحد الأقصى للعقوبة في جميع التهم الموجهة إليه، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية.
ما الخطوة التالية؟ وهل يحرم ترامب من الترشح؟
حدد القاضي الجلسة المقبلة لترامب يوم 4 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ويرى كثير من الخبراء القانونيين أن المحاكمة نفسها قد لا تبدأ لمدة عام، هذا إذا ما وصلت الأمور إلى المحاكمة بالفعل.
لكن الإجراءات القانونية قد تستمر عدة أشهر، وبالتأكيد سيقاتل محامو ترامب لضمان إسقاط القضية. وقد حقق مكتب المدعي العام في مانهاتن في قضية "المال مقابل الصمت" على مدى 5 سنوات.
وبعد اكتمال جلسة اتهام ترامب وإطلاق سراحه على "ذمة القضية"، يُطلب من المدعين الآن تسليم الأدلة التي جمعوها أثناء التحقيق إلى فريقه القانوني. وبموجب الإصلاحات القانونية الأخيرة في نيويورك، يجب إتمام هذا الإجراء في غضون 35 يوماً.
وستتضمن الأدلة المقابلات التي أجرتها جهات إنفاذ القانون، وشهادات شخصيات رئيسية مثل دانيلز ومحامي ترامب السابق مايكل كوهين. وستشمل أيضاً ملاحظات هيئة المحلفين الكبرى التي عقدت في وقت سابق من هذا العام من قبل المدعي العام للمقاطعة، ألفين براغ، للتدقيق في الادعاءات، بالإضافة إلى سجلات الاتصالات بين ترامب وآخرين مشاركين في المخطط.
وسيحاول فريق محامي ترامب إسقاط القضية. وتعهد محامو ترامب بالطعن في التهم الموجهة له خلال أيام. ولدى فريق الدفاع 45 يوماً لتقديم الطعن، رغم أن القاضي ميرشان قد يمنحهم وقتاً أطول قليلاً. وقال المحامي جو تاكوبينا لشبكة CNN إن فريق ترامب القانوني "يقيّم جميع خياراتنا والالتزام بواحدة منها بشدة"، وأضاف أن "الفريق سينظر في أي مشكلة محتملة ليتمكن من الطعن على القضية". وبالإضافة إلى تقديم طعن، طرح فريق ترامب إمكانية اقتراح نقل مكان المحاكمة من مانهاتن إلى جزيرة ستاتن القريبة.
وعلى الرغم من أن أغلب خبراء القانون يرون أن احتمال الحكم على ترامب بالسجن يظل قائماً، إلا أنه احتمال ضعيف للغاية، وعلى الأرجح قد تنتهي المحاكمة بغرامة، هذا إذا وصلت الأمور إلى المحاكمة من الأساس ولم يتم إسقاط التهم.
وفي كل الأحوال لن تمنع الاتهامات ولا المحاكمة ولا حتى الإدانة ترامب من الترشح للرئاسة أو حتى الفوز بها، فالقانون الأمريكي لا يحرم المدانين بارتكاب جرائم من الترشح في الانتخابات.
لكن قد تكون المعركة القانونية المطولة مصدر إلهاء كبير لترامب، الذي يعد الأوفر حظاً للفوز بترشح الحزب الجمهوري، كما أنها قد تزيد من الاضطرابات داخل الحزب.
ما تأثير محاكمة ترامب على أمريكا؟
لا شك أن قضية ترامب هذه تحظى بمتابعة إعلامية ضخمة داخل الولايات المتحدة، وفي حالة انتقالها إلى مرحلة إجراء محاكمة، ستحظى بمتابعة واسعة في جميع أنحاء العالم، وتمثل مصدراً لتشويه صورة أمريكا في الخارج، وبخاصة من جانب خصومها روسيا والصين.
فترامب يرى أن "الجريمة الوحيدة التي ارتكبتُها هي الدفاع بجسارة عن أمتنا في مواجهة الساعين لتدميرها"، زاعماً أنه ضحية مؤامرة من خصومه السياسيين لحرمانه من العودة للبيت الأبيض. ويتهم ترامب المدعي العام براغ والقاضي الذي يرأس المحاكمة وغيرهما بأنهم ينتمون إلى الحزب الديمقراطي.
وأمام مؤيديه المجتمعين في منتجع مار ألاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا، قال ترامب بعد ساعات من توجيه الاتهامات له: "لم أتخيل أبداً أن شيئاً كهذا يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة".
وشن الرئيس السابق انتقادات لاذعة ضد إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، كما كرر ترامب العديد من التصريحات التي ذكرها خلال حملته الانتخابية، وقال إنه كان ضحية مؤامرة من الحزب الديمقراطي لإفشال محاولة إعادة انتخابه.
وبدأ حديثه بإنكار التهم المنسوبة إليه، والقول إن خصومه "يسعون لتدمير" الأمة، كما ادعى كذباً أن كل محلل وخبير قانوني قال إنه لا توجد قضية ضده، وكرر ترامب هجماته الشخصية على زوجة المدعي العام لمنطقة مانهاتن وابنة القاضي المشرف على قضيته. واشتكى من أن هناك "قاضياً يكره ترامب… من عائلة تكره ترامب"، واصفاً المحكمة بأنها متحيزة ضده.
لكن ترامب لم يدعُ أنصاره للخروج في مظاهرات، فيما يبدو أنه استمع إلى نصائح محاميه ومستشاريه، والسؤال هنا يتعلق بمدى استمرار "ضبط النفس" من جانب الرئيس السابق المعروف عنه انفجاراته ونوبات غضبه المتكررة.
ومع استمرار محاكمات ترامب، حيث يواجه تحقيقات أخرى في أكثر من ولاية، فإن الانقسام العميق الذي تعيشه الولايات المتحدة مرشح لأن يتحول إلى ما هو أسوا، وربما "تتمزق البلاد"، بحسب تحليل لشبكة CNN عنوانه "يوم سريالي لترامب في المحكمة ربما يمزق البلاد أكثر".
إذ إن ترامب ينتقد مختلف القضايا القانونية التي يواجهها، بدءاً من التعامل مع الوثائق السرية التي نُقلت إلى منتجعه مار ألاغو بعدما غادر البيت الأبيض في أوائل 2021، مروراً بالتحقيق في هجوم السادس من يناير/كانون الثاني 2021 على مبنى الكونغرس، وحتى قضية التدخل في انتخابات 2020.
إذ تتعلق قضية التدخل في الانتخابات بضغطه على أكبر مسؤول عن العملية الانتخابية بولاية جورجيا "لإيجاد" أصوات كافية لتحويل هزيمته في الولاية إلى فوز، وذلك طبقاً لمكالمة هاتفية مسجلة نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية في مطلع 2021.
وتظهر استطلاعات الرأي أن أغلب الجمهوريين يرون أن ترامب يتعرض لمحاكمات ذات دوافع سياسية، وهو ما يهدد بوقوع اضطرابات مدنية عنيفة ربما تتحول إلى ما هو أسوأ في حالة حرمان ترامب من الترشح لأي سبب من الأسباب، أو حتى ترشحه وخسارته كما حدث في الانتخابات الماضية أمام بايدن.