أول رئيس وزراء مسلم لدولة أوروبية، هذا اللقب قد يحمله السياسي حمزة يوسف ذو الأصول الباكستانية بعد فوزه برئاسة الحزب الحاكم في اسكتلندا، ولكن سيرته الذاتية مثيرة للجدل، وصدمت بعض أفكاره المسلمين والكثير من المسيحيين المحافظين.
فاز حمزة يوسف بالسباق على قيادة الحزب الاسكتلندي الوطني، الحاكم في اسكتلندا، سعياً ليصبح رئيساً للوزراء، خلفاً لنيكولا ستيرجن التي أعلنت تنحيها الشهر الماضي، وفق ما ذكرته وسائل إعلام محلية، الإثنين 27 مارس/آذار 2023.
السياسي المسلم حمزة يوسف ذو الأصول الباكستانية قد لا يصبح فقط أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا، ولكن قد يكون الرجل الذي قد تفكك الإمبراطورية البريطانية على يديه، كما أنه رغم أنه يقدم نفسه كمسلم متدين، فإن آراءه السياسية صدمت المسلمين، وكذلك كثير من المسيحيين المحافظين.
سيتوجب على حمزة يوسف خوض تصويت في البرلمان الاسكتلندي الثلاثاء 28 مارس/آذار، قبل أن يتم تنصيبه وزيراً أول لاسكتلندا. ونظرياً يمكن لأي عضو بالحزب الترشح لمنصب الوزير الأول، وسيختار الأعضاء مرشحهم المفضل، وعادةً ما يكون الفائز برئاسة الحزب.
وتنافس 3 مرشحين على هذا المنصب، وهم: وزير الصحة حمزة يوسف، ووزيرة الخزانة كيت فوربس، ووزيرة الشؤون المحلية آش ريغان.
وفوز حمزة يوسف جعله أول رئيس وزراء مسلم في تاريخ اسكتلندا وأوروبا.
وسار يوسف على خطى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الذي دخل التاريخ كأول رئيس وزراء بريطاني من أصول آسيوية (هندي).
هل يؤثر الدين والعرق في نتيجة الانتخابات؟
اسكتلندا مثل بقية المملكة المتحدة هي مجتمع متعدد الأعراق ومتعدد الثقافات. يهتم الناس بملاءمة حمزة يوسف كقائد للحزب الوطني الاسكتلندي بناءً على أدائه في المنصب أكثر من عرقه، حسبما قال رضوان أبو حرب، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في يونيفرسيتي كوليدج لندن لموقع Dawn الباكستاني.
وقال سوندر كاتوالا، مدير مؤسسة المستقبل البريطانية، إن فوز حمزة يوسف يعني أن "التنوع العرقي أصبح الوضع الطبيعي الجديد في السياسة البريطانية".
ويقول إن العرق والعرق أمر عرضي.. في الفترة التي تسبق التصويت، لا علاقة لتحديات يوسف بخلفيته العرقية.
وحظي حمزة يوسف بدعم قوي من قبل زعيمة الحزب نيكولا ستورجن، التي ترى فيه استمراراً لمشروعها، خاصة ما يتعلق بالانفصال عن بريطانيا، في المقابل، تحظى كيت فوربس بثقة الكتلة المحافظة داخل الحزب.
ألقى اليمين الدستورية باللغة الأوردية
يشغل حمزة يوسف منصب وزير الصحة الاسكتلندي، وهو أول وزير حكومي غير أبيض وأول وزير مسلم في الحكومة الاسكتلندية في عام 2018.
وهاجر والد يوسف، الذي ولد في ميان تشونو الباكستانية، إلى غلاسكو عاصمة اسكتلندا مع عائلته في عام 1964. كما انتقلت والدته، المولودة في كينيا لعائلة من أصول جنوب آسيوية، إلى اسكتلندا في عام 1968.
ودرس يوسف السياسة في جامعة جلاسكو، حيث كان نشطاً في السياسة الطلابية، وأصبح رئيساً لاتحاد الطلاب المسلمين. في عام 2011، عندما كان يبلغ من العمر 26 عاماً، أصبح يوسف أصغر عضو في البرلمان الاسكتلندي، عندما فاز عن جلاسكو.
في تعبير عن هويته الاسكتلندية الباكستانية، أدى اليمين باللغتين الأردية والإنجليزية، وارتدى شالاً مطرزاً أسود مع شال من الترتان من نادي بارتيك ثيسل لكرة القدم.
في عام 2016، عندما أدى اليمين باللغة الأوردية للمرة الثانية، قال: "الأردية ليست لغتي الأولى ولا لغتي الثانية. ومع ذلك، أردت أن أشيد بوالدي وأجدادي وتراثي بصفتي باكستانياً اسكتلندياً فخوراً بذلك، واعتقدت أن أفضل طريقة للقيام بذلك هي أداء اليمين باللغتين الإنجليزية والأوردية – بينما كنت أرتدي التنورة وسترة شيرواني!".
وقال أستاذ السياسة العامة بجامعة إدنبرة، جيمس ميتشل، لموقع Dawn الباكستاني: "فوز يوسف مهم من الناحية الرمزية"، فهذا يعني أن قادة أكبر حزبين في اسكتلندا سيقودهم اسكتلنديون من أصل باكستاني – أنس سروار هو زعيم حزب العمال الاسكتلندي – وحتى الآن ثبت أنهما يتمتعان بشعبية وفاعلية كبيرة".
مؤيد متحمس للانفصال عن بريطانيا ولكن ماذا عن المثلية وتغيير الجنس؟!
من المفارقات التي شهدتها هذه الانتخابات هيمنة موضوع المثلية وقانون تغيير الجنس على النقاشات بين المرشحين للانتخابات، ولا سيما بعد استعمال الحكومة البريطانية لحق النقض (الفيتو) لإسقاط قانون أقرته حكومة نيكولا ستورجن الذي يسمح للأطفال في سن 16 عاماً بتغيير جنسهم دون موافقة الوالدين ودون موافقة طبية.
وموقف حمزة يوسف الأكثر حدة بين المرشحين في موضوع الانفصال عن المملكة المتحدة، ورفع من حدة هذا الموقف عندما أعلن -في آخر مناظرة انتخابية مع باقي المرشحين- أنه في حال وصوله لمنصب رئيس الوزراء، فإنه سيعلن تنظيم انتخابات مبكرة ويضمن أغلبية مطلقة تزيد على 60% بالتحالف مع حزب الخضر، وبعدها سيجري استفتاء انفصال عن بريطانيا.
في حين قالت منافسته كيت فوربس إنها ستسعى للانفصال لكن عندما تنضج شروطه، وترى أن الاستفتاء يمكن أن ينتظر لـ6 سنوات مقبلة دون الدخول في مواجهة مع لندن الآن.
وقد يؤدي محاولة حمزة يوسف تنظيم استفتاء بشأن انفصال اسكتلندا عن بريطانيا لأزمة كبيرة.
بالنظر إلى إصرار الحكومة البريطانية على عدم إجراء هذا الاستفتاء، لأنها ترى أن الاستفتاء السابق كافٍ في الوقت الحالي، حيث أجرى في عام 2014، وصوت فيه الناخبون الاسكتلنديون بنسبة 55.42 % للبقاء ضمن بريطانيا، بينما يصر الحزب الوطني الاسكتلندي وحزب الخضر على إجراء استفتاء جديد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باعتبار أن اسكتلندا هي الإقليم الوحيد في المملكة المتحدة الذي صوت على البقاء داخل الاتحاد.
وسبق أن حكمت المحكمة العليا في بريطانيا بأنه ليس من حق الحكومة الاسكتلندية إجراء استفتاء على الاستقلال من دون الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة البريطانية.
يصوم رمضان ولكنه مدافع عن المثليين
ولكن مسألة زواج المثليين أكثر إشكالية للسياسي المسلم الذي يفاخر بأنه يصوم رمضان.
وبينما يقدم حمزة يوسف نفسه كمدافع عن حقوق الأقليات الجنسية والشواذ، والدفاع عن زواج الأشخاص من نفس الجنس، فإن منافسته كيت فوربس كانت تقف على النقيض من ذلك تماماً، حيث أعلنت صراحة أنها لا تؤيد زواج الأشخاص من نفس الجنس، وكذلك ترفض فكرة الإنجاب خارج إطار الزواج، كما ترفض قانون تسهيل عمليات تغيير الجنس.
وتنهل كيت فوربس مواقفها -في هذه القضية- من نشأتها وتلقيها تربية كنسية محافظة، وهو ما رفع شعبيتها في صفوف الكتلة المحافظة في اسكتلندا، في مقابل إعلان هيئات الدفاع عن الشواذ دعمها لحمزة يوسف.
وهكذا تحول الصراع بين المرشحين إلى صراع بين تيار تطلق عليه الصحافة الاسكتلندية "التيار التقدمي" الذي يمثله حمزة يوسف، وبين "التيار المحافظ" الذي تمثله كيت فوربس.
وقال يوسف: لا ينبغي أن يعارض زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي زواج المثليين، وأضاف: "أنا لا أوافق على هذا الرأي (أن الجنس المثلي خطيئة)"!.
ولكن السياسي المسلم الذي قد يصبح رئيس وزراء اسكتلندا لم يستطع الهروب من أن دينه يعارض زواج المثليين، خاصة أنه لا يقدم نفسه كعلماني أو معاد للإسلام أو بعيد عنه.
وقال وزير الصحة الاسكتلندي إن إيمانه لا يعني أنه غير قادر على اتخاذ قرار بشأن التشريع: "أنا مؤيد للزواج المثلي".
وأضاف: "اسمحوا لي أن أتطرق إلى جوهر المشكلة التي تسألني عنها. أنا مسلم. أنا شخص يفتخر بإيماني. أصوم رمضان. لكن ما لا أفعله هو استخدام إيماني كأساس للتشريع. ما أفعله كممثل، كقائد، بصفتي عضواً في البرلمان الاسكتلندي، هو تقديم السياسة ومتابعتها في مصلحة البلد".
جاءت تعليقات وزير الصحة الاسكتلندي بعد أن فقدت كيت فوربس، المرشحة الأولى للقيادة في وقت مبكر، دعماً انتخابياً لقولها إن إيمانها المسيحي يعني أنها تعتقد أن الزواج يجب أن يكون بين رجل وامرأة وأن إنجاب الأطفال خارج إطار الزواج أمر خاطئ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Daily mail البريطانية.
وعند سؤاله بشأن تعليقات فوربس على راديو تايمز، قال يوسف: "لم أتمكن من المشاركة في برنامجك وأخبرك أنني قادر على تغيير ما يقوله الإسلام عن زواج المثليين، أو الجنس المثلي أو وجهة النظر الإسلامية السائدة"، حسب تعبيره.
وقال: "سأكذب على مشاهديك إذا قلت.. الجميع يعرف ما هو الموقف من الإسلام السائد (حسب تعبيره) في هذا الصدد. لكن السؤال هو، هل يستخدم الناس أساس إيمانهم كشرع؟ لم أفعل ذلك، ولن أفعل ذلك لأنني لا أعتقد أن هذه مهمة المشرعين أو صانعي السياسات".
وأضاف يوسف أيضاً: "لا يمكنني تغيير ما هو موجود في الكتاب المقدس"، في مقابلة مع إل بي سي.
ومع ذلك، أشار النقاد إلى أنه غاب عن التصويت الرئيسي في البرلمان الاسكتلندي بشأن تقنين زواج المثليين في عام 2014.
وقال حمزة يوسف إن غيابه عن التصويت على المساواة على زواج المثليين "يتم التركيز عليه لأسباب سياسية"، موضحاً أن سبب غيابه آنذاك يعود إلى اجتماع مهم مع الحكومة الباكستانية. علاوة على ذلك، يشير يوسف إلى أنه كان يحاول نقل مواطن اسكتلندي (محكوم عليه بالإعدام) إلى اسكتلندا.
وقال: "أعتقد أن زواج الناس، إذا كانوا مثليين ومتزوجين، فإن زواجهم ليس أقل شأناً، أو أقل قيمة، من زواجي كفرد من جنسين مختلفين".
ووعد حمزة يوسف بأن الإسلام لن يؤثر على سياساته إذا أصبح وزيراً أول، وأصر على أنه "يحتفل بالتنوع".
وقال: "أنا أؤمن باسكتلندا تحتفل بالاختلافات وتحتفل بالتنوع وتحتفل بالمساواة".
وأضاف: "لقد كنت جزءاً من أقلية طوال حياتي في هذا البلد، وأنا أعلم أن حقوقي مترابطة مع حقوق أي شخص آخر، عندما تبدأ في تقليص حقوق الناس أو التراجع عنها، سوف تفعل ذلك من أجل حقوقي أيضاً. لذا فأنا شخص يؤمن إيماناً راسخاً بالتقدم، وسجل إنجازاتي في دعم قضايا المساواة معروف جيداً، بما في ذلك القضايا التي تؤثر على مجتمع الميم (مثليي الجنس ومزدوجي الجنس)".
وأيد يوسف قرار رئيسة الوزراء السابقة بالدفاع عن خطة للسماح للناس بـ"التعريف بأنفسهم" على أنهم من الجنس الآخر.
وقال إن الحكومة الاسكتلندية يجب أن تلجأ إلى المحكمة للطعن في قرار الحكومة البريطانية غير المسبوق باستخدام حق النقض ضد مشروع قانون إصلاح الاعتراف بالنوع الاجتماعي.
وقال: "هل نحن في الكهف، أن تستخدم حكومة المملكة المتحدة الفيتو الأحمر ضد هذا القرار؟!".
وأضاف: "وإذا استسلمنا، فما نوع الرسالة التي يرسلها ذلك إلى حكومة المملكة المتحدة؟".