أثار إعلان بريطانيا إرسال مليون قذيفة تحتوي على اليورانيوم إلى أوكرانيا ردّ فعل عنيفاً من جانب روسيا، وهدد فلاديمير بوتين بأنه قد "يرد بالمثل"، فماذا يعني هذا التطور "النووي"؟
كانت أنابيل جولدي، وزيرة الدولة البريطانية للدفاع، قد قالت الإثنين 20 مارس/آذار، إن بعض قذائف دبابات تشالنجر 2 التي ترسلها بريطانيا إلى أوكرانيا تتضمن قذائف خارقة للدروع، تحتوي على يورانيوم مستنفد.
الحديث عن اليورانيوم المستنفد هو حديث نووي بطبيعة الحال، ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يطفو الرعب النووي على سطح الأحداث منذ اندلاع حرب أوكرانيا قبل أكثر من عام، فإن هذا التطور يمثل المحطة الأكثر قرباً بالفعل من خطر الصدام النووي.
لماذا تعتبر قذائف اليورانيوم تطوراً نووياً؟
في ظل النقص الحاد في الذخيرة، التي تعاني منه أوكرانيا منذ أشهر، أعلنت بريطانيا أنها سترسل إلى كييف مليون قذيفة مدفعية خارقة للدروع، مصنوعة من اليورانيوم المستنفد، تستخدمها دبابات تشالنجر-2 بريطانية الصنع.
واليورانيوم المستنفد هو ما يتبقَّى بعد تخصيب اليورانيوم الطبيعي، سواء لصنع الأسلحة أو لوقود المفاعلات. ويتسم اليورانيوم المستنفد بأنه مشع بدرجة معتدلة في شكله الصلب، لكنه مادة ثقيلة جداً، وأكثر كثافة بـ1.7 مرة من الرصاص، ويتم استخدامه لتقوية القذائف حتى تتمكن من اختراق الدروع والصلب.
وعندما يصطدم سلاح مصنوع من اليورانيوم المستنفد بجسم صلب، مثل جانب الدبابة، فإنه يمر مباشرة عبره، ثم ينفجر في سحابة مشتعلة من البخار، ويستقر البخار كغبار، وهو سام ومشع، وإن كان بدرجة أقل نسبياً من درجة إشعاع اليورانيوم المخصب.
وفي هذا السياق، جاء الرد الروسي سريعاً وغاضباً ومهدداً، إذ قال الرئيس فلاديمير بوتين إن روسيا "ستضطر إلى الرد" إذا أرسلت المملكة المتحدة قذائف مصنوعة من اليورانيوم المستنفد إلى أوكرانيا، متهماً الغرب بنشر أسلحة تحمل "مكوّناً نووياً".
وقال بوتين في تصريحات بعد قمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ "إذا حدث كل هذا فسيتعين على روسيا الرد وفقاً لذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن الغرب بدأ جماعياً بالفعل استخدام أسلحة بها مكون نووي"، ولم يسهب بوتين في تفاصيل.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال أيضاً إن إرسال ذخيرة اليورانيوم المستنفد إلى أوكرانيا يعني أن المملكة المتحدة "مستعدة لانتهاك القانون الإنساني الدولي كما حدث في يوغوسلافيا عام 1999″، مضيفاً: "ليس هناك شك في أن هذا سينتهي بشكل سيئ بالنسبة للندن".
أما وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، فكان أكثر مباشرة، حيث قال إن القرار البريطاني قلَّص الخطوات التي تسبق حدوث "صدام نووي" بين روسيا والغرب، مضيفاً في تصريحات نقلتها وكالات أنباء محلية "تم اتخاذ خطوة أخرى ويتناقص عدد الخطوات المتبقية".
وقال شويغو للصحفيين حين سئل عن ذخيرة اليورانيوم المستنفد: "من الطبيعي أن يكون لدى روسيا ما ترد به على هذا".
كيف تدافع بريطانيا عن قرار إرسالها إلى أوكرانيا؟
حاولت بريطانيا، من جانبها، التقليل من شأن الأمر واستبعاد العنصر النووي منه، حيث قالت وزارة الدفاع البريطانية إن اليورانيوم المستنفد "مكون عادي ولا علاقة له بالأسلحة النووية"، وأضافت في بيان أن "الجيش البريطاني يستخدم اليورانيوم المنضب في قذائفه الخارقة للدروع منذ عقود".
وأكد البيان على أن "روسيا تعرف ذلك، لكنها تحاول عمداً التضليل. وقد قيمت الأبحاث المستقلة التي أجراها علماء من مجموعات مثل الجمعية الملكية أن أي تأثير على الصحة الشخصية والبيئة، من استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب، من المرجح أن يكون منخفضاً".
قائد سلاح الدبابات السابق في الجيش البريطاني وخبير الأسلحة الكيماوية، الكولونيل هاميش دي بريتون غوردون، قال لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إن تعليقات بوتين عبارة عن "معلومات مضللة تقليدية"، مضيفاً أن قذائف اليورانيوم المستنفد التي تستخدمها دبابات "تشالنجر 2" تحتوي فقط على عناصر ضئيلة من اليورانيوم المستنفد.
وأضاف غوردون أنه من "المضحك" الإشارة إلى أن قذائف اليورانيوم المستنفد مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالأسلحة النووية التي تستخدم اليورانيوم المخصب.
وبعيداً عن حقيقة ما يقوله كل طرف بشأن طبيعة قذائف اليورانيوم المستنفد، من المؤكد أن الحديث ذاته يمثل تطوراً خطيراً للغاية بالنسبة لمسار الحرب في أوكرانيا، والتي تصفها موسكو بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر".
فبالنسبة لاحتمالات التوصل لتسوية سلمية تضع نهاية للحرب الكارثية التي يدفع العالم بأسره ثمناً باهظاً لاستمرارها، لا يبدو أن الوساطة الصينية قد تنجح، حيث أعلنت واشنطن رفضها لتلك الوساطة أو خطة السلام الصينية، التي ناقشها بوتين وشي بالفعل.
"لا سبيل إلى السلام"، هكذا قالت شبكة CNN في إطار تغطيتها لزيارة شي إلى روسيا، واجتماعاته مع بوتين، مرددة ما يقال في أروقة السياسة في واشنطن، حيث ترفض إدارة الرئيس جو بايدن أن تفتح الباب أمام مناقشة الاقتراح الصيني، الذي ينطلق من وقف إطلاق النار بغرض التوصل إلى تسوية سلمية للصراع.
وتغير موقف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من "انتظار مباحثات متوقعة بينه وبين نظيره الصيني" في أعقاب نهاية زيارة الأخير لروسيا، إلى الرفض المعلن لخطة السلام الصينية، تماشياً مع الموقف الأمريكي.
إذ أعلن زيلينسكي، مساء الثلاثاء 21 مارس/آذار، أن أي وقف لإطلاق النار "سيجمد" الصراع ببساطة، معطياً الوقت لروسيا "كي تستعد وتعود مرة أخرى لتحقيق غايتها الوحيدة، وغاية رئيسها الوحيدة، وهي احتلال بلدنا".
وهذا تغيُّر لافت في موقف زيلينسكي، فأوكرانيا كانت تراقب بقلق زيارة الرئيس الصيني إلى الكرملين، وبحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، فإن الرئيس الأوكراني كان ينتظر لقاء مع نظيره الصيني في أعقاب نهاية زيارة الأخير إلى موسكو.
وينبع القلق الأوكراني، بحسب التقارير الغربية، من أن يؤدي رفض وساطة الصين لإنهاء الحرب إلى تحول كبير في موقف بكين، التي قد تقرر في نهاية المطاف تسليم أسلحة لموسكو بالفعل، وربما يكون لتلك الأسلحة تأثير على نتيجة الحرب النهائية.
هل تتحول الحرب إلى صدام نووي بين روسيا والغرب؟
هل قذائف اليورانيوم المستنفد نووية فعلاً كما تقول روسيا؟ أم أنها قذائف تقليدية تستخدمها الجيوش شأنها شأن القذائف الأخرى كما تقول بريطانيا؟ لا توجد إجابة حاسمة من وجهة نظر القانون الدولي أو اتفاقيات جنيف بشأن الحروب، لكن هناك محاولات دؤوبة لحظر جميع القذائف التي تستخدم اليورانيوم بشكل قاطع.
واستُخدمت القذائف التي تحتوي على اليورانيوم المستنفد للمرة الأولى من جانب القوات الغربية التابعة لحلف الناتو في حرب البلقان، كما استخدمتها القوات الأمريكية التي غزت العراق قبل 20 عاماً، وأظهرت تقارير متعددة أن لتلك القذائف أضراراً صحية خطيرة للغاية، أغلبها بسبب الإشعاعات.
وكان تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2022 قد قال إن اليورانيوم المستنفد يمثل مصدر قلق بيئي في أوكرانيا. وأشار إلى أن "اليورانيوم المستنفد والمواد السامة في المتفجرات الشائعة يمكن أن يسببا تهيج الجلد والفشل الكلوي، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان"، مضيفاً أن "السمّية الكيميائية لليورانيوم المستنفد تعتبر قضية أكثر أهمية من الآثار المحتملة لنشاطه الإشعاعي".
وكان البنتاغون قد أعلن، عام 2016، أنه لن يستخدم قذائف اليورانيوم المستنفد لاستهداف عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن التقارير أظهرت لاحقاً أن الجيش الأمريكي استخدم بالفعل تلك القذائف، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
ودخل البنتاغون على خط الأزمة التي أثارها إعلان بريطانيا أنها سترسل قذائف اليورانيوم المستنفد إلى أوكرانيا، حيث صرح متحدث باسم البنتاغون، مساء الثلاثاء، بأن الولايات المتحدة لن ترسل أي ذخائر تحتوي على اليورانيوم المستنفد إلى أوكرانيا، فهل يعتبر هذا تأكيداً لوجهة النظر الروسية في الأمر؟
لكن من جانب آخر، تسعى واشنطن إلى تسريع إرسال دبابات أبرامز المتطورة إلى أوكرانيا، وجاء الإعلان عن هذا التحرك بالتزامن مع الرفض المعلن لخطة السلام الصينية.
إذ قال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة تعتزم التعجيل بتسليم دبابات أبرامز لأوكرانيا، ما يوفر المعدات الحيوية لدى كييف في وقت قريب، قد يكون خريف هذا العام، بهدف الدفاع عن نفسها في مواجهة القوات الروسية.
وتعهدت الولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني، بإمداد أوكرانيا بـ31 دبابة متطورة من طراز إم1 إيه2 أبرامز، بعد رفض فكرة نشر الدبابات التي تصعب صيانتها هناك على مدى شهور، لكنّ مسؤولين أمريكيين ومصدراً مطلعاً أبلغوا رويترز في وقت سابق بتغيير توقيت التسليم.
وقال مسؤول إن الخطة الجديدة ستمنح أوكرانيا دبابات أبرامز من طراز إم1 إيه1 إس.إيه، التي يمكن تشغيلها بالديزل مثل معظم الأسطول الأوكراني، كما يسرع التغيير بالتسليم نحو عام، وفقاً لما ذكره أحد المساعدين بالكونغرس جرى إطلاعه على هذه الخطة.
وقال باتريك رايدر، المتحدث باسم البنتاغون، إن الوزارة "بالتنسيق الوثيق مع أوكرانيا اتخذت قراراً بتوفير البديل إم1 إيه1 من الدبابة أبرامز، وهو ما سيمكننا من تعجيل مواعيد التسليم بشكل كبير، وتقديم هذه القدرة المهمة إلى أوكرانيا بحلول خريف هذا العام".
ولم تكشف وزارة الدفاع من قبل عن أي موعد محدد لتسليم الدبابات إلى الأوكرانيين، واكتفت بالقول إن الأمر سيستغرق "شهوراً"، وقال رايدر اليوم إن الجدول الزمني السابق كان يزيد على عام.
وقال مساعد الكونغرس، الذي اطّلع على الخطة، لرويترز، إن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بحث عدة خيارات لتعجيل التسليم. ومن بين تلك الخيارات تغيير المواقع في قائمة انتظار التسليم، أو استخدام الدبابات الأمريكية التي أزيلت معداتها الحساسة، بحيث لا يمكن أن تستولي القوات الروسية عليها وتدرسها.
تخطط الولايات المتحدة إذاً لاستمرار الحرب في أوكرانيا لأطول وقت ممكن، كما سترسل بريطانيا قذائف اليورانيوم المستنفد، وهو ما تعتبره روسيا تصعيداً نووياً، فكيف ستردّ روسيا إذا ما شنّت أوكرانيا هجوماً مضاداً ناجحاً كما فعلت العام الماضي؟ خطوة أخرى تقرِّب العالم إلى الصدام النووي المرعب دون أدنى شك.