منذ وصول حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، للسلطة قبل عدة أشهر والتظاهرات تكاد لا تتوقف في إسرائيل بسبب التغيرات التي تنوي الحكومة اليمنية إجراءها في القانون الأساسي، مما أثار الحديث عن من يقف وراء كل هذه التغيرات التي يصفها كثيرون بالمتطرفة؟
يقف منتدى سياسة كوليت اليميني الإسرائيلي وراء هذه التغيرات، كما يعتزم الشروع في تغيرات جديدة قد تصب مزيداً من الزيت على النار، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ما قصة هذا المنتدى؟
لم يكن معظم الإسرائيليين على دراية بوجود منتدى سياسة كوليت، أو انتشاره بين الأحزاب اليمينية، ومن يعرفون تأثيره المتزايد على السياسيين أقل من ذلك حتى.
ويعتبر منتدى سياسة كوليت مؤسسة فكرية إسرائيلية غير ربحية، تأسس في يناير/كانون الثاني 2012 من قبل البروفيسور موشيه كوبل، الذي يشغل الآن منصب رئيس المنتدى، إلى جانب العديد من الأكاديميين الإسرائيليين، مثل أفراهام ديسكين وأفي بيل وإيمانويل نافون وإسحاق كلاين، وشخصيات عامة ومفكرين وناشطين.
حتى وقت قريب، كان المركز البحثي اليميني يعمل بهدوء نسبياً، مستهدفاً السياسيين الإسرائيليين الذين كانت آراؤهم للعالم محافظة بالفعل، أو أولئك الذين يُفهم أنهم يتقبلون المبادئ المحافظة.
ومع ذلك، في ظل عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، وعلى خلفية الحملات الانتخابية المتكررة، أصبح المنتدى المقدسي ورسائله أكثر وضوحاً بشكل تدريجي، أولاً لوسائل الإعلام والآن للجمهور.
نبهت حادثتان الإسرائيليين إلى وجود منتدى كوليت للسياسات ونشاطه العميق. الأولى وقعت قبل عام، عندما غرّد مائير روبين، المدير التنفيذي للمركز البحثي، قائلاً: "هذا هو المكان الذي تتجه فيه أموال الضرائب لدينا. إنها تُهدَر"، حيث اشتكى من أن عامل نظافة جلس على مقعد للراحة لمدة لحظة من الحر.
حُذِفَت التغريدة بعد فترة وجيزة، بعد الضجة العامة، ولكن كان ذلك كافياً ليئير كاتز، رئيس لجنة عمال الصناعات الفضائية، ليعلن: "منتدى سياسة كوليت هو رأسمالية الخنازير المتطرفة، وهذا ما يقلقني الآن".
كانت الحادثة الأخرى أهم بكثير. في الأسبوع الماضي، أعرب مايكل ساريل، كبير الاقتصاديين في منتدى كوليت، عن معارضته للإصلاحات القضائية التي تروج لها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.
لقد كان تصريحاً مذهلاً، لأن مركز كوليت هو في الواقع المهندس الرئيسي لخطط الإصلاح هذه، والتي غالباً ما يصفها المعارضون بـ"الانقلاب القضائي".
وفي ورقة يقول إنها تعكس موقفه الشخصي، صرح ساريل بأن الإصلاح قد يضر بفصل السلطات في إسرائيل وإجراء انتخابات حرة: "إذا تسبب الإصلاح في إلحاق ضرر جسيم بالديمقراطية الليبرالية، فسوف تقع على المدى المتوسط أيضاً أضرار جسيمة بالاقتصاد".
لكن من وما هو منتدى سياسة كوليت؟ وما هي أهدافه المعلنة؟
نفوذ بعيد المدى
يُعرّف منتدى كوليت للسياسة نفسه رسمياً بأنه معهد أبحاث يعمل على ضمان "مستقبل إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، لتعزيز الديمقراطية التمثيلية، وتوسيع الحريات الفردية وتعميق مبادئ السوق الحرة".
منتدى كوليت للسياسة هو مركز أبحاث أرثوذكسي حديث يموله المليارديران اليهوديان الأمريكيان آرثر دانكزيك وجيفري ياس، والأخير يُعَد من أكبر المتبرعين للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
ومن بين المؤيدين الآخرين أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذين ركزوا جهودهم على تنمية قيادة يمينية جديدة في إسرائيل تجمع بين الصهيونية الدينية والنهج الاقتصادي اليميني النيوليبرالي.
في السنوات الأخيرة، اكتسب منتدى سياسة كوليت زخماً، إذ بُعِثَت رسائل بالبريد الإلكتروني من المنتدى على نطاق واسع على جميع الوزارات الحكومية.
يتلقى القضاة سلسلة من المقالات من مركز الأبحاث كل 3 أشهر. وهذه المقالات التي كتبها مركز كوليت منشورة في وسائل الإعلام المختلفة. ساعد أعضاء البرلمان السابقون أييليت شاكيد، ونفتالي بينيت، وأمير أوحانا، وجدعون سار من قبل المركز البحثي.
وزير الاقتصاد نير بركات، عضو حزب الليكود ورئيس بلدية القدس السابق، روَّج لخطة كوليت، التي تغيَّر اسمها بعد وقت قصير إلى "خطة بركات"، لزيادة السكان اليهود في الضفة الغربية.
الرأي العام
يسعى منتدى كوليت للسياسة إلى تحرير الاقتصاد الإسرائيلي، مما يعتبره البقايا الأخيرة -والضارة- للحكم الاشتراكي من الأيام الأولى لدولة إسرائيل.
وقد منح رئيس السياسة التعليمية في المركز، أفيتال بن شلومو، دوراً من قبل وزير التربية والتعليم يوآف كيش في الآونة الأخيرة.
يعتقد معارضو كوليت أن بن شلومو سيحول حتماً نظام التعليم الإسرائيلي إلى "سوق تعليمية"، حيث ستقرر قوى السوق المدارس التي تستحق الدعم، وبالتالي تزيل كل الإشراف على ما يُدرَّس وكيف يُدرَّس في المدارس.
ويتوقع المعارضون إنشاء مدارس خاصة ضخمة تمولها الدولة، مما سيضعف نظام التعليم العام ويتعارض مع جوهر قانون التعليم المجاني.
وفقاً للمركز وأيديولوجيته اليمينية، فإن معنى الحرية هو غياب التدخل الحكومي وفرض ضرائب أقل على الأغنياء.
غالبية الإسرائيليين لا يلتزمون بالمبادئ التي يروِّج لها كوليت، والتي تشمل تخفيض مخصصات كبار السن والأمهات العازبات والمعاقين، وتخفيض الضرائب على الأغنياء، بهدف توسيع الفجوة بينهم وبقية السكان.
في غضون ذلك، يؤمن الإسرائيليون بمجتمع تضامن له مؤسسات مشتركة تسعى إلى توزيع أكثر عدلاً للموارد.
وفيما برز دور المنتدى خلال الاحتجاجات الجماهيرية، التي ملأت شوارع المدن الإسرائيلية في الأسابيع القليلة الماضية، تزايد كذلك الغضب تجاهه وتجاه رسائله الاقتصادية.
وفي ما أُطلق عليه اسم "يوم المقاومة" في عموم البلاد الأسبوع الماضي، تجمع متظاهرون أمام مكاتب المنتدى في القدس، وسدوا مدخله بأكياس الرمل والأسلاك الشائكة.
في عام 2019، جمع المنتدى 23 مليون شيكل (6.3 مليون دولار). معظم مصروفاته على الأجور التي تُقدَّر بـ9.5 مليون شيكل، والبحث الذي يُقدَّر بنحو 7 ملايين شيكل. ويموِّل المنتدى مجموعة واسعة من الأنشطة، بما في ذلك كتابة المقالات وإنتاج الأفلام بميزانية تبلغ حوالي مليون شيكل في السنة.
واليوم، يعمل حوالي 130 شخصاً في المركز في عشرات المشاريع الكبيرة ومئات المشاريع الصغيرة. وبفضل هذه القوة البشرية، يقر أعضاء الكنيست بأنهم عندما يطلبون من المنتدى ورقة تعبّر عن موقف ما من أجل مناظرة معينة، قد يتلقونها في غضون يوم واحد.