رغم تدخل إدارة جو بايدن بخطة إنقاذ عاجلة بعد إفلاس بنك وادي السيليكون وبنك آخر، انتشرت عدوى الأزمة لتصيب الأسواق العربية، وكانت البورصة المصرية الأكثر تأثراً، فماذا يحدث؟
كانت الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن قد تدخلت لضمان أموال المودعين في بنك وادي السيليكون بعد إفلاسه، بينما أعلن بنك أمريكي آخر الإفلاس أيضاً، خوفاً من "تأثير الدومينو" وتكرار الأزمة المالية عام 2008، والتي بدأت بطريقة مشابهة أيضاً من أمريكا.
فبعد مطلع أسبوع حافل بالأحداث التي أثارت الذعر في القطاع المصرفي في أمريكا وحول العالم أيضاً، قالت الجهات التنظيمية الأمريكية إن عملاء البنك المفلس سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم بدءاً من الإثنين 13 مارس/آذار، كما أنشأت الجهات التنظيمية منشأة جديدة حتى يمكن للمصارف الحصول على تمويلات الطوارئ. واتخذ مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) قراراً للتيسير على البنوك للاقتراض منه في حالات الطوارئ.
التأثير السلبي في الشرق الأوسط
لكن يبدو أن الخطوات التي أعلنت عنها إدارة بايدن لم تجد صدى إيجابياً في الشرق الأوسط؛ حيث أغلقت معظم أسواق الأسهم في منطقة الخليج، الإثنين 13 مارس/آذار، على انخفاض مواصلة خسائرها من الجلسة السابقة على خلفية انهيار بنك سيليكون فالي (وادي السيليكون)، الذي أثار مخاوف من حدوث أزمة مالية جديدة.
قال فادي رياض، كبير محللي السوق لدى كابيكس دوت كوم، لرويترز إن الإخفاقات التي يشهدها القطاع المصرفي الأمريكي لا تزال تؤثر على أسواق الأسهم الخليجية وزادت من حالة عدم اليقين حول السياسة النقدية الأمريكية.
إذ لا تزال أسواق الأسهم مضطربة على الرغم من هذه الجهود، فقد تراجع المؤشر السعودي 0.8% متأثرا بانخفاض سهم مصرف الراجحي 1.5% وتراجع سهم شركة رتال للتطوير العمراني 0.8%. وتراجعت جميع أسهم البنوك في السعودية، بما في ذلك البنك العربي الوطني الذي انخفض 5.9%.
وأغلق مؤشر دبي على انخفاض 0.9% مع تراجع سهم إعمار العقارية 2.9%. كما انخفض مؤشر أبوظبي 1.6%.
وانخفضت أسعار النفط، وهو محفز رئيسي للأسواق المالية الخليجية، أربعة دولارات متأثرة بانهيار بنك سيليكون فالي لكن تعافي الطلب الصيني قدم بعض الدعم. وانخفض المؤشر القطري 1.5%.
لكن التأثير السلبي الأكبر ظهر مباشرة خارج منطقة الخليج؛ إذ انخفض مؤشر الأسهم القيادية المصري 3.1% متأثراً بانخفاض سهم البنك التجاري الدولي، أكبر مقرض في البلاد، 3.9%.
وكانت البورصة المصرية قد أغلقت الأحد أيضاً على انخفاض بأكثر من 3%، وذلك على خلفية هبوط الأسهم العالمية يوم الجمعة بسبب مخاوف من انتقال العدوى في أعقاب انهيار بنك سيليكون فالي (إس.في.بي).
فقد تراجع المؤشر المصري للأسهم القيادية 3.1%، مع وجود 28 من أصل 31 سهماً على المؤشر في المنطقة الحمراء، بما في ذلك سهم البنك التجاري الدولي الذي انخفض 1.8%.
لا تمثل هذه الانخفاضات تأثيراً حصرياً للمنطقة العربية بطبيعة الحال، فقد هبطت أسهم أغلب البنوك حول العالم، ويبدو أن تطمينات الرئيس الأمريكي بايدن، التي أكد خلالها أن النظام المالي في الولايات المتحدة "آمن"، لم تفلح بعد في تهدئة الأعصاب المتوترة بشدة.
وتعهد بايدن باتخاذ "كل ما يلزم" لحماية النظام المصرفي، لكن هناك مخاوف حيال إمكانية انهيار مقرضين آخرين متأثرين بتبعات انهيار بنكي وادي السيليكون وسيجنتشر، مما أدى إلى هبوط حاد في أسهم بعض البنوك على مستوى العالم.
إذ تراجعت، الإثنين، أسهم بنك سانتاندر الإسباني وكوميرسبانك الألماني بحوالي 10% دفعة واحدة. كما عانى عدد من البنوك الأمريكية الأصغر حجماً من خسائر أكبر من بنوك أوروبية، رغم تأكيد جميع البنوك لعملائها على أن لديها سيولة أكثر من اللازم توفر لها الحماية من الصدمات.
لماذا البورصة المصرية الأكثر تأثراً؟
تحدث خبراء اقتصاد ومحللون مصرفيون إلى وسائل الإعلام المحلية عن أسباب ظهور التأثير السلبي الأكبر لأزمة البنوك الأمريكية مباشرة في أسواق الشرق الأوسط عموماً، والبورصة المصرية خصوصاً وبنسبة مقلقة.
هشام عبد الغفار، خبير ريادة الأعمال، رصد أسباب حالة الذعر التي أصابت أصحاب الشركات الناشئة، قائلاً إن بنك سيليكون فالي يمثل حاضنة أساسية لكافة الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث يملك البنك أسهم بقيمة تقارب الـ 220 مليار دولار.
وفي هذا السياق، يعتبر ما حدث من انهيار البنك جرس إنذار لسوق التمويل عموماً، وهناك شركات مصرية ليست بالقليلة تتعامل بشكل مباشر أو من خلال شركاء مع بنك سيليكون فالي؛ لذا الكارثة التي وقعت في وادي السيليكون سيصل مداها إلى القاهرة، بحسب عبد الغفار.
"الشركات الناشئة في مصر ستواجه الأزمة كاملة، حيث في حال لم تتمكن الشركات الناشئة المصرية من استرداد ودائعها سيكون هناك أزمات متتالية من شأنها أن تدفع البعض لإغلاق أبوابه أو عدم الإلتزام بدفع رواتب الموظفين"، كما قال خبير ريادة الأعمال لصحيفة المصري اليوم المحلية.
وهناك أيضاً الخوف من تفاقم أزمة البنوك وهو ما يمثل عنصراً إضافياً من عناصر الهلع، فالسوق المصري متأثر أيضاً بالمخاوف من تفاقم الأزمة وبالتالي هناك عمليات هبوط جماعي مخيف في كافة أسواق المال، بحسب المهندس محمد سعد، المحلل المالي.
"من وجهة نظري أن تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة والتي تبناها الفيدرالي على مدار سنة 2022 بحزم كان لها دور، وأعتقد أنه سيستمر دورها في التعاظم خلال الشهور القادمة مع ازدياد احتمالات حدوث ركود كبير في الاقتصاد الأمريكي، وانهيارات البنوك ليست إلا واحداً من نتائج التحول في الاقتصاد الأمريكي خلال سنة 2023 بداية من الربع الثاني"، كما قال سعد.
وحقيقة الأمر هنا هي أن جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، عبرت عن هذا الذعر الذي ينتاب الأسواق حول العالم، بالقول إنه رغم قدرة البنك الفيدرالي الأمريكي على تخطي الأزمة، إلا أنها في الوقت ذاته تثير الكثير من المخاوف لدى الجميع.
الأوضاع الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد المصري حالياً تمثل عاملاً آخر من عوامل تفاقم تأثير أزمة البنوك الأمريكية على الأسواق والبنوك المصرية. فالارتباط بين الدولار الأمريكي والجنيه المصري يؤثر بشكل مباشر على أسعار جميع السلع في البلاد، وبالتالي فإن متابعة الدولار وأسعار الفائدة أصبحت وجبة يومية لأغلب المصريين، وليس فقط المتخصصين في الاقتصاد.
وفي هذا السياق، فإن قلق المودعين من انهيار البنوك أو فقدان القدرة على سحب أموالهم يمثل هاجساً يدفع البعض إلى المسارعة بسحب ودائعهم من البنوك خوفاً من فقدانها، وهو ما يمثل عاملاً ضاغطاً على النظام المصرفي بطبيعة الحال ويهوي بأسعار أسهم البنوك تحديداً في البورصة.
إلى أين تتجه الأزمة إذن؟
قال الدكتور محمد حسام خضر، استشاري ريادة الأعمال والاستثمار، إن هناك العديد من الشركات الناشئة المصرية تعمل مع بنك سيليكون فالي وبالتالي ما حدث في البنك سيؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على هذه الشركات، بشكل عام الأمر كله سيكون له تأثير واسع المدى على الشركات الناشئة وتطورها ليست في مصر فقط ولكن في العالم.
ويشير خضر، في هذا السياق، إلى إمكانية البحث عن أسواق مختلفة وعدم الاعتماد على التمويل الأمريكي فقط، خاصة في ظل التسهيلات الكبيرة التي تمنحها بعض الدول العربية لأصحاب الشركات الناشئة.
"نشجع أصحاب الشركات الناشئة على الذهاب إلى السوق الخليجي، على سبيل المثال المملكة العربية السعودية تمنح تسهيلات كبيرة لأصحاب الشركات الناشئة، فهو سوق جديد ومبشر وهناك حزمة إجراءات تم اتخاذها من شأنها أن تشجع الجميع لبدء أعمالهم هناك"، بحسب خضر.
لكن القلق الذي يشعر به الناس بشأن البنوك يبدو مبرراً، في ظل ما حدث عام 2008، ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية في ذلك العام، كان التركيز على إصلاح البنوك التي تعتبر "أكبر من أن تفشل"، وبالتالي فإن ما حدث من انهيار لبنك ترتيبه 16 في قائمة البنوك الأمريكية أمر يثير القلق فعلاً.
كما أن أزمة البنوك الأمريكية لا تبدو أزمة اقتصادية أو مالية فقط، بل هي أزمة سياسية أيضاً. فتدخل إدارة بايدن للإنقاذ قوبل بانتقادات عنيفة من جانب الجمهوريين. إذ وصف السيناتور الجمهوري تيم سكوت، الذي يُنظر إليه على أنه مرشح رئاسي محتمل في عام 2024، عملية الإنقاذ بأنها مشكلة، قائلاً "إن بناء ثقافة التدخل الحكومي لن تفعل شيئاً لمنع المؤسسات مستقبلاً من الاعتماد على الحكومة والانقضاض عليها بعد وقوع المخاطر".
بول أشوورث، كبير الاقتصاديين في أمريكا الشمالية في كابيتال إيكونوميكس، قال لبي بي سي إن السلطات الأمريكية "تصرفت بقوة لمنع انتشار العدوى"، مضيفاً أنه "من الناحية المنطقية، يجب أن يكون هذا كافياً لمنع أي عدوى من الانتشار وإغلاق المزيد من البنوك، وهو ما يمكن أن يحدث في غمضة عين في العصر الرقمي. لكن العدوى كانت دائماً تتعلق بالخوف غير المنطقي، لذلك نؤكد أنه لا يوجد ضمانات بأن هذا سينجح".
ورغم أن الأسواق المالية الأمريكية كانت ثابتة تقريباً في التعاملات المبكرة يوم الإثنين، إلا أن أسهم العديد من البنوك تعرضت لضغوط، وتراجعت الأسهم في بنك فيرست ريببلك في سان فرانسيسكو بنسبة 70٪ تقريباً قبل توقف التداول حيث باع المستثمرون الأسهم، خوفاً من انهياره.