كانت رسالة الزعيم الصيني شي جين بينغ واضحةً خلال الخطاب الختامي الذي ألقاه أمام الاجتماع البرلماني السنوي يوم الإثنين، 13 مارس/آذار، وفحواها أن "الصين قد عادت"؛ إذ تحدث أمام نحو 3.000 وفد في قاعة الشعب الكبرى ببكين، وقال شي الذي تقلّد ولايته الثالثة كرئيس للصين: "لقد مُحِيَ عارنا الوطني بعد قرنٍ من العناء، ودخلت إعادة الأحياء الكبرى للأمة الصينية طريقاً لا رجعة فيه".
بكين تتطلع إلى الهيمنة على الساحة العالمية في عهد شي جين بينغ
جاء الخطاب بالتزامن مع محاولة شي لتقديم نفسه كرجل دولةٍ عالمي، ليقود الصين التي أصبحت جاهزةً للهيمنة على الساحة الدولية. وبعد ثلاث سنوات من العزلة الناتجة عن سياسة صفر-كوفيد، بدأ دبلوماسيو الصين في السفر عبر الحدود للمشاركة في القمم الدولية من جديد، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ففي يوم الجمعة، الـ10 من مارس/آذار، أعلنت إيران والسعودية عن توقيع اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بوساطة صينية، بعد مرور سبع سنوات على قطع العلاقات بين البلدين. وفي بيانٍ مشترك، شكرت الحكومتان السعودية والإيرانية الصين على رعاية واستضافة المحادثات. بينما يجول الدبلوماسيون الصينيون في أرجاء الشرق الأوسط منذ عدة أسابيع، ومن المتوقع أن يزور شي إيران قريباً.
وفي يوم السبت، 11 مارس/آذار، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: "لا تسعى الصين لتحقيق أي مصلحة ذاتية في الشرق الأوسط… بل لطالما آمنت الصين بأن مستقبل الشرق الأوسط يجب أن يظل في أيدي دول المنطقة دائماً".
ورفض المسؤولون الأمريكيون في العلن الفكرة القائلة إن "الاتفاق يمثل ضربةً للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط". لكن الصين صوّرت الاتفاق بهذا الشكل؛ إذ قال وانغ يوي، مدير معهد الشؤون الدولية بجامعة رنمين الصينية، إن الاتفاق "يُثبت أن الدواء الصيني يمكنه حل المشكلات التي يعجز الدواء الغربي عن حلها".
الصين مستعدة الآن للمواجهة
تقول الغارديان: "لا شك أن استقرار المنطقة يخدم مصالح الصين؛ إذ تستورد الصين نحو نصف نفطها الخام من الشرق الأوسط، وقد تعهّد شي بشراء المزيد من الخام من المنطقة خلال زيارةٍ للسعودية العام الماضي". ويُعَدُّ أمن الطاقة مسألة متزايدة الأهمية بالنسبة لبكين، بالتزامن مع سعيها لأن تصبح أكثر صلابةً في وجه العقوبات الغربية، التي قد تُوقّع عليها إذا دخلت في صراع مع تايوان.
ومثّلت طموحات شي المتعلقة بتايوان موضوعاً رئيسياً آخر في خطاب يوم الإثنين؛ إذ إن الصين تعتبر الجزيرة ذاتية الحكم بمثابة مقاطعة مارقة، ويجب إعادة توحيدها مع بر الصين الرئيسي. ولم يستبعد شي استخدام القوة لتحقيق ذلك الهدف.
حيث قال يوم الإثنين إن الصين "يجب أن تقاوم بشكلٍ نشط القوى الخارجية والأنشطة الانفصالية المتعلقة باستقلال تايوان، وأن تدفع قضية الاستعادة الوطنية وإعادة التوحيد للأمام بكل ثبات".
كما وعد بتحويل الجيش الصين إلى "سور حديدي عظيم"؛ إذ سترتفع ميزانية الدفاع الصينية بنسبة 7.2% في 2023، مقارنة بزيادة النفقات العامة بنسبة 5.7% فقط.
ويراقب المحللون الوضع بحثاً عن مؤشرات على تجهيز الصين لجيشها، حتى يُصبح مستعداً لغزو تايوان؛ إذ أفادت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن شي طلب من الجيش الاستعداد للغزو بحلول عام 2027، لكن البعض يخشون أن تاريخ الغزو قد يكون أقرب منذ لك. وربما تكون نتيجة انتخابات الرئاسة في تايوان العام الجاري من العوامل المؤثرة على الغزو. وفي حال فوز الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد للاستقلال بالانتخابات، وإعلانه الاستقلال عن الصين رسمياً؛ فقد تؤدي تلك الخطوة إلى استفزاز بكين للإتيان برد فعل.
الصين ماضية في خطط الاكتفاء الذاتي
في خطابه يوم الإثنين، شدّد شي على أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات العلوم والتقنية أيضاً؛ حيث انضمت هولندا في الأسبوع الماضي إلى خطةٍ أمريكية لتقييد صادرات تقنية صناعة أشباه الموصلات، في خطوةٍ تستهدف إبطاء التقدم العسكري والتقني الصيني.
وفي يوم الأحد، 12 مارس/آذار، عيّنت الصين لي شانغفو في منصب وزير الدفاع الجديد. يُذكر أن اسم لي مدرج على قائمة العقوبات الأمريكية منذ عام 2018، بسبب تعامله مع أفراد لهم علاقة بقطاع الدفاع الروسي. ومن المؤكد أن تعيين لي سيزيد صعوبة الحوار العسكري بين الولايات المتحدة والصين، وهو الحوار المُعلّق منذ زيارة نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس/آب الماضي.
ويُمكن القول إن روابط لي بروسيا تمثل علامةً أخرى على رغبة شي في حماية العلاقات الصينية الروسية. ولا خلاف على وضوح دعم شي لفلاديمير بوتين خلال هجومه على أوكرانيا، رغم مزاعم الصين بكونها أنها محايدة، ونفيها ادعاءات الولايات المتحدة بأنها تدرس إرسال أسلحة فتاكة إلى روسيا. وفي الشهر الماضي، التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي ببوتين في موسكو، وقال إن العلاقة الصينية الروسية "لن تُمليها أي أطراف ثالثة مطلقاً".
ومن المتوقع أن شي سيزور بوتين أيضاً؛ إذ ذكرت وكالة Reuters البريطانية يوم الإثنين أن الزيارة قد تأتي في الأسبوع المقبل؛ لتمثل أول اجتماع دبلوماسي رفيع المستوى يعقده شي منذ شهور.