بلدة الزيتون والذهب والأراضي المسلوبة.. ما هي قصة مدينة حوارة التي يهاجمها المستوطنون ليل نهار

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/03/07 الساعة 08:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/07 الساعة 09:32 بتوقيت غرينتش
إجلاء جريح فلسطيني خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية قرب حوارة بالضفة الغربية المحتلة مايو/أيار 2021- رويترز، أرشيفية

خلال الأسبوع الماضي وقع عدد من الأحداث في بلدة حوارة الفلسطينية بين الفلسطينيين وبين عدد من المستوطنين الإسرائيليين في هذه المنطقة، والذي خلف عدداً من الخسائر المادية والبشرية بعد تعدي مستوطنين على ممتلكات تابعة للفلسطينيين في هذه البلدة.

وقال شهود عيان إن 4 فلسطينيين، بينهم طفلة، أصيبوا خلال هجوم شنّه عشرات المستوطنين الإسرائيليين، مساء الإثنين، 6 مارس/آذار 2023، على منازل ومركبات تابعة لفلسطينيين في بلدة حوارة جنوبي نابلس، شمالي الضفة الغربية، وأشاروا إلى أن المواجهات اندلعت بين عشرات الفلسطينيين والمستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي، الذي استخدم الرصاص المعدني وقنابل الغاز المسيل للدموع.

ومن جانبها، قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، نقلاً عن مصدر أمني إسرائيلي إن 4 فلسطينيين أصيبوا في هجوم المستوطنين، 3 منهم رشقاً بالحجارة، والرابع باختناق؛ نتيجة استنشاق قنابل غاز أطلقها الجيش في حوارة.

فما قصة هذه البلدة؟ ولماذا تتكرر هذه الأحداث فيها؟

تقع بلدة حوارة على الطريق السريع الرابط بين مدينتي رام الله ونابلس الفلسطينيتين، وهو طريق مُطِلُّ على مشاهد طبيعية خلَّابة، وهادئ عادةً، إلى شريان صاخب للبلدة.

نادراً ما تخلو المنطقة من زوَّار المحال المُصطفَّة على جانبي الشارع الرئيسي، والسائقين الذين يقودون سياراتهم إلى القرى الفلسطينية القريبة.

المستوطنون المتطرفون أحرقوا عشرات المنازل والسيارات في بلدة حوارة جنوب نابلس، 26 فبراير 2023/ الأناضول
المستوطنون المتطرفون أحرقوا عشرات المنازل والسيارات في بلدة حوارة جنوب نابلس، 26 فبراير 2023/ الأناضول

لكنَّ المستوطنين الإسرائيليين يستخدمون أيضاً الشارع الرئيسي في حوارة، كما هو الحال في الكثير من البلدات الفلسطينية، من أجل الوصول إلى المستوطنات غير الشرعية في شمال الضفة الغربية المحتلة، كما ذكر تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

وللجنود الإسرائيليين أيضاً وجود كثيف من أجل حماية المستوطنين، ما يؤدي إلى تقييد حرية حركة الفلسطينيين.

سهل مسلوب

تُغطَّى أراضي حوارة، التي تستمد اسمها من نوع من التربة البيضاء التي تشتهر بها، بأشجار الزيتون، المزروعة بعناية في صفوف مُنمَّقة، وهي علامة على التاريخ الطويل للبلدة.

وقد اعتمد سكانها، البالغ تعدادهم حالياً أكثر من 7 آلاف نسمة، تاريخياً على الزراعة لكسب عيشهم. لكن وفقاً لرائد مقادي، الباحث في مركز أبحاث الأراضي، اضطر العديد من السكان على مر السنوات للعمل في التجارة، أو الحصول على وظائف حكومية بدلاً من ذلك، بعدما بدأ المستوطنون التعدي على أراضيهم.

يرتبط أهالي حوارة أيضاً بالذهب، إذ عمل التجار على مدار سنوات في تجارة الذهب وبيع المعادن النفيسة في المتاجر ببلدتهم وفي مناطق أخرى، مثل نابلس ورام الله.

ومع أنَّ السهل الزراعي لحوارة يُعتبَر من بين الأكبر في فلسطين، منعت زيادة عدد الإسرائيليين الذين يستقرون بالقرب من الأراضي الفلسطينية السكان من الاستفادة منه.

قبل الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967، كان شارع حوارة الرئيسي طريقاً ترابياً يستخدمه الجيش الأردني للوصول إلى معسكره في السهل. واستولى الاحتلال الإسرائيلي على المعسكر بعد الحرب، وحوَّله إلى قاعدة له. وقال مقادي إنَّ الاحتلال أنشأ أيضاً منطقة تدريب لجنوده على 17 دونماً (1.7 هكتار) من الأرض التي صادرها من البلدة وقرية عورتا المجاورة.

البرلمان العربي المستوطنون الإسرائيليون
تعرضت بلدة حوارة لهجمات المستوطنين التي طالت عشرات المنازل والسيارات – رويترز

وقال لموقع Middle East Eye البريطاني: "يضايق جنود الاحتلال منذ ذلك الحين المزارعين الفلسطينيين في السهل، الذي كان سلة غذاء لأهالي حوارة والقرى المجاورة. ومع الزيادة في هجمات الجنود والمستوطنين، ومنع المزارعين من استخدام أراضيهم، قلَّص أهالي البلدة اعتمادهم على الزراعة".

ومع أنَّ البلدة تمتد على مساحة 8 آلاف دونم، فإنَّ المنطقة المتاحة لبناء المنازل لا تتجاوز ألف دونم، لأنَّ 75% من أراضيها مُصنَّفة ضمن المنطقة "ج"، الواقعة تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي.

وأشار مقادي إلى أنَّ السكان يُمنَعون بصفة منتظمة، منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات، من عبور الشارع الرئيسي، ومن التوسع العمراني، وحتى من فتح المحال.

وفي ظل مصادرة الأراضي لصالح المستوطنات، ومنع البناء، ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية، لم يتبقَّ الكثير لأهالي حوارة.

بلدة مُدمَّرة

في السبعينيات، وسَّعت القوات الإسرائيلية الطريق الترابي في وسط البلدة ومهَّدته، لكن ليس لصالح الفلسطينيين. فوفقاً لمجلس البلدية في البلدة، كان البناء لخدمة المستوطنين الذين يستخدمونه من أجل الوصول إلى مستوطناتهم، خصوصاً مستوطنتي يتسهار وبراخا، اللتين استوليتا على أكثر من 1100 دونم من أراضي حوارة.

يقطن هذه المستوطنات مستوطنون يهود متشددون يرفضون الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، ويستخدمون بصفة منتظمة أساليب الترهيب والعنف ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في البلدات والقرى المجاورة.

يعاني الفلسطينيون منذ سنوات من هجمات المستوطنين الذين يحميهم الجنود الإسرائيليون، بما في ذلك إحراق المنازل والجثث، وسرقة الفاكهة، وضرب السكان. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وقع 59 هجوماً استيطانياً ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بداية العام وحتى الآن، أسفر 18 منها عن سقوط ضحايا. وأحصى المكتب 622 هجوماً في عام 2022.

المستوطنون الإسرائيليون الضفة
مركبات الفلسطينيين في حوارة التي تعرضت للحرق والتخريب من مئات المستوطنين – رويترز

لكنَّ الهجوم الأخير كان أعنف هجوم يشهده سكان حوارة منذ سنوات. ففي 26 فبراير/شباط، ثارت ثائرة المستوطنين الإسرائيليين في عدة بلدات بالضفة الغربية، بينها حوارة، في هجمات انتقامية بعدما أسفرت حادثة إطلاق نار على يد مشتبه به فلسطيني عن قتل مستوطنين.

أحرق المستوطنون الممتلكات والمنازل الفلسطينية لساعات، وكانت العائلات ما تزال بالداخل. قُتِلَ فلسطيني واحد على الأقل وأُصيب قرابة 400 في الهجمات.

قال مقادي: "خلال الانتفاضة الثانية، من عام 2000 حتى عام 2004، عاني الناس نتيجة الممارسات السادية للاحتلال بعدما دفع بدباباته العسكرية إلى قلب حوارة وأغلق نصف البلدة وهدم مئات المنازل".

وأضاف: "لقد حوَّلها إلى بلدة مُدمَّرة".

ولَّى زمن النكبة

الموقع الاستراتيجي لبلدة حوارة، على بُعد 9 كيلومترات من مدينة نابلس، منحها وضعاً متميزاً جعلها في الوقت نفسه هدفاً للطموحات الإسرائيلية.

تؤثر الشخصية التاريخية أيضاً على جزء من البلدة، إذ يوجد موقع يُسمَّى "الخربة" يعود تاريخه إلى العصر البيزنطي، ولا تزال بقاياه موجودة.

قال سعيد أحمد، أحد سكان حوارة، إنَّ العيش هناك ليس كالعيش في أي مكان آخر، واصفاً إيَّاها بأنَّها بلدة استثنائية.

نابلس
من اقتحام قوات الاحتلال لمدينة نابلس – الأناضول

وقال إنَّ منازل البلدة بُنيَت في الماضي من الطين الجاف، ثُمَّ من الطوب، ثُمَّ من الحجارة البيضاء التي تشتهر العديد من المدن الفلسطينية باستخراجها.

مع ذلك، كانت هذه المنازل، مهما اختلفت طبيعة بنائها بمرور الزمن، شاهدةً على مر السنوات على إصرار سكانها على العيش داخلها دون تردد، بصرف النظر عن الصعوبات والعقبات.

قال أحمد: "كان والدي مزارعاً ونصحنا بالسير على خطاه، لكن الآن لا يمكننا الوصول إلى أرضنا. نراها من بعيد، ولا يمكننا الاقتراب منها".

وأضاف: "يأتي المستوطنون الآن إلى منازلنا ويحرقونها، لكنَّنا نُصِرُّ في كل مرة على استعادة حياتنا. نعيش هنا دون التفكير في المغادرة. لقد ولَّى زمن النكبة إلى الأبد".

تحميل المزيد