حين ضرب زلزال كارثي سوريا الشهر الماضي، فبراير/شباط، لم يعلن بشار الأسد حالة الطوارئ ولا الحداد الوطني على الضحايا، ومرت أيام قبل أن يزور المناطق المنكوبة.
لكنَّ حكومته دعت منذ اليوم الأول لرفع العقوبات الغربية.
قاومت الولايات المتحدة الدعوات في البداية، وأصرَّت على أنَّ العقوبات لا تعيق المساعدات الإنسانية. لكنَّ واشنطن غيَّرت مسارها لاحقاً، فخففت القيود المصرفية لستة أشهر من أجل السماح للمساعدات الإغاثية بالتدفق بحرية إلى سوريا، وحذت أوروبا حذوها.
كان زلزال السادس من فبراير/شباط بالفعل عطية سياسية للأسد؛ إذ أرسل القادة العرب الذين كانوا ينبذونه التعازي والطائرات المحملة بالمساعدات. ويثير تخفيف العقوبات المخاوف الآن بشأن جني الرئيس ودائرته المُقرَّبة مكاسب مالية كبيرة يمكن استخدامها لتعزيز القاعدة الداعمة لهم، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
قال أندرو تابلر، وهو زميل أول بمعهد واشنطن ومستشار سابق للشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية: "النظام، الذي يستغل الزلزال بالفعل لتحقيق مكاسب سياسية، سيستخدم ذلك من أجل إعادة الإعمار وتوطيد موقفه".
كان النظام السوري قد تعرض لعقوبات طويلة الأمد على خلفية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية التي استمرت 12 عاماً في البلاد، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري.
هل يستغل النظام المساعدات الإنسانية؟
وبمجرد تخفيف العقوبات بعد ثلاثة أيام من الزلزال، قال معارضون سوريون ومسؤولون أمريكيون سابقون إنَّه لم تُطبَّق إجراءات حماية أو آليات رقابة لمنع الحكومة من استغلال تخفيف القيود المصرفية من أجل نقل الأموال إلى داخل البلاد وإلى خزائنها. وحذَّروا أيضاً من أنَّ النظام سيحرف مسار المساعدات الإنسانية التي يجري إرسالها إلى ضحايا الكارثة الطبيعية لأجل استخداماته الخاصة.
قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنَّ وزارة الخزانة لديها أدوات لمنع إساءة استغلال تخفيف العقوبات، لكنَّها لم توضح ماهيتها.
راقب المعارضون السوريون؛ أمثال محمد غانم، وهو مستشار سياسي ومدير العلاقات الحكومية للمجلس السوري الأمريكي ومقره واشنطن، في السنوات الأخيرة الوضع بارتياع بعدما ابتعد تركيز المجتمع الدولي والسياسة الأمريكية عن محاولة الإطاحة بالأسد. وقال غانم إنَّ الإبقاء على العقوبات أصبح لذلك أكثر ضرورة.
ولدى معارضو الحكومة تخوّفات أكبر أيضاً.
أحد هذه التخوفات هي تمديد تخفيف العقوبات لفترة أطول. ويتمثَّل تخوف آخر في أنَّ هذا قد يمثل بداية إعادة الاندماج الكامل للأسد في المجتمع الدولي دون أي عواقب تقريباً لما وقع من انتهاكات خلال الحرب.
ويقول معارضو الأسد إنَّ النظام الآن بإماكنه نقل الأموال إلى داخل البلاد تحت ذريعة المساعدات الإغاثية المرتبطة بالزلزال واستخدامها بدلاً من ذلك في إعادة بناء المباني التي دُمِّرَت في الحرب الأهلية، وهو الدمار الذي تسبَّب به إلى حدٍ كبير نظام بشار الأسد وداعمه العسكري الرئيسي روسيا.
ويقول خبراء بالشأن السوري ومسؤولون أمريكيون سابقون إنَّ تخفيف العقوبات لم يكن ضرورياً بالنظر إلى أنَّ العقوبات الغربية كانت تضم بالفعل استثناءات للسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
لكن متحدث باسم الخارجية الأمريكية قال إنَّ دولاً أوروبية وعربية ومجموعات إغاثية أعربت عن قلقها من إمكانية منع العقوبات لهم من تقديم المساعدة المرتبطة بالزلزال لسوريا. ورفض العديد من البنوك إتمام المعاملات المالية مع سوريا خوفاً من مخالفة العقوبات، بالرغم من كونها موضع إعفاء.
وفي حين تهدف العقوبات لمعاقبة النظام السوري ومسؤولي الجيش، ينتهي بها المطاف بالتأثير على قطاعات كاملة في الاقتصاد والكثير من السوريين العاديين. ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر.
الزلزال جاء للأسد من السماء
ووفقاً للأمم المتحدة، أثَّر الزلزال على قرابة 11 مليون شخص في سوريا، بما في ذلك نحو 4 ملايين شخص كانوا يعتمدون بالفعل على المساعدات الإنسانية لتوفير احتياجاتهم الأساسية؛ مثل الغذاء والماء النظيف.
وتدفقت الأموال والمساعدات الإنسانية المحملة في الطائرات وعلى الشاحنات إلى مناطق سيطرة النظام في سوريا منذ وقوع الزلزال.
ويمنع النظام بصورة روتينية المساعدات من الوصول إلى مناطق سيطرة المعارضة.
وقد ضرب الزلزال مناطق سيطرة النظام والمعارضة، ووقعت معظم الوفيات في مناطق المعارضة. ولم تصل مساعدات دولية إلى الجزء الخاضع لسيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا خلال الأيام الأولى بعد وقوع الزلزال.
قالت ناتاشا هول، الزميلة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنَّ حكومة الأسد تحرف بصفة منتظمة مسار المساعدات لأغراضها الخاصة، بما في ذلك نقل بعضها إلى الجيش.
وأصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش في 2019 تقريراً يتهم النظام بوضع سياسة وإطار قانوني يسمحان له بحرف مسار المساعدات من أجل تمويل فظائعه، ومعاقبة مَن يعتبرهم معارضين، وإفادة الموالين.
ووفقاً لهول وجويل رايبيرن، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا في عهد إدارة ترامب، تنقل الحكومة على نحوٍ متزايد العقوبات عبر منظمتين ذاتيّ صلات وثيقة بالدائرة المُقرَّبة للأسد: الهلال الأحمر العربي السوري، والأمانة السورية للتنمية.
وقال سوريان يعملان في توزيع المساعدات في مناطق سيطرة الحكومة لصحيفة The New York Times الأمريكية إنَّهما بالفعل شهدا النظام يحرف مسار المساعدات في الأسابيع القليلة التي أعقبت الزلزال.
وقالا إنَّ معظم المساعدات قد نُقِلَت إمَّا إلى المكاتب الحكومية في المحافظات أو الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة مرتبطة بزوجة الرئيس، أسماء الأسد. وقال الشخصان إنَّ تلك المجموعة، بدورها، قد خزَّنت جزءاً لا بأس به من الإمدادات التي حُرِّف مسارها، مُضيفين أنَّ جزءاً ضئيلاً فقط أُوصِل إلى ضحايا الزلزال.
وشكا السوريون الذين فقدوا منازلهم ويحتاجون إلى المساعدة الأساسية أحياناً بصورة علنية –وهو أمر نادر في مناطق سيطرة النظام- قائلين إنَّهم شاهدوا أخباراً عن طائرات من مختلف أرجاء المنطقة تصل بمساعدات إنسانية، لكن لم يُوزَّع شيءٌ تقريباً على الأرض.
وأرسلت الميليشيا العراقية المعروفة بالحشد الشعبي، وهي مدعومة من حليفة الأسد إيران، عدة موجات من القوافل إلى المناطق السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وحاولت الإصرار على التوزيع بنفسها لدرء أي تدخل من الحكومة، وذلك وفقاً للسوريين اللذين أمضيا وقتاً مع القافلة.
وفي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام، صادرت الأمانة السورية للتنمية 100 صندوق من حليب الأطفال، قائلةً إنَّه يجب اختبارها.
وقال السوريان إنَّ الميليشيا العراقية دُفِعَت في محافظة اللاذقية، وهي معقل لنظام الأسد، إلى تسليم كل مساعداتها للأمانة السورية للتنمية، والتي بدورها لم تُوزِّع إلا الخبز والعصير وعبوات الحساء.
وأرسلت السلطات التي يقودها الأكراد وتسيطر على منطقة شبه حكم ذاتي في شمال شرق سوريا، وهي منطقة ظلَّت إلى حدٍ كبير بمنأى عن تأثير الزلزال، 100 شاحنة وقود إلى الأحياء الكردية في حلب. لكنَّ إلهام أحمد، وهي سياسية كردية ورئيسة مجلس سوريا الديمقراطية، الذي يمثِّل السلطة المدنية في المنطقة المتمتعة بحكم شبه ذاتي، قالت إنَّه جرى منع القافلة من العبور عند نقطة تفتيش للجيش السوري خارج المدينة.
وقالت إنَّ القافلة ظلَّت هناك 10 أيام قبل السماح بعبورها بشرط حصول الحكومة على 60 من شاحنات الوقود المائة، في حين تسمح للبقية بالوصول إلى المواطنين المقصودين.
وقالت إلهام عن الشاحنات الستين: "لا ندري ماذا فعل بها النظام. ولا نعلم إن كانت وصلت إلى المنكوبين أم لا".