هل اقتربت روسيا من السيطرة على باخموت؟ انتصار ينتظره بوتين بفارغ الصبر وهذه هي الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/02 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/05 الساعة 12:54 بتوقيت غرينتش
قوات أوكرانية داخل مدينة باخموت/ رويترز

يبدو أن القوات الروسية تقترب من حسم معركة باخموت في إقليم دونباس، وهو ما يمثل أول انتصار عسكري كبير على القوات الأوكرانية، فلماذا يريد فلاديمير بوتين هذا الانتصار بأي ثمن؟ وهل يؤدي ذلك إلى فتح الباب أمام تسوية سلمية؟

كانت القوات الروسية قد واصلت شن هجمات بلا هوادة على باخموت، الأربعاء 1 مارس/آذار 2023، في محاولة لتطويق المدينة الصغيرة الواقعة في شرق أوكرانيا وإعلان أول انتصار كبير لها منذ أكثر من ستة أشهر بعد عدد من المعارك الأكثر دموية في الحرب.

وعلى الرغم من أن القوات الأوكرانية لا تزال تتحصن في قلب مدينة باخموت، إلا أن التقارير الواردة من ساحة المعركة "الأصعب" تشير إلى أن موسكو تدفع بموجات متتالية من القوات التابعة لشركة فاغنر الأمنية بهدف تطويق باخموت بشكل كامل وإجبار القوات المدافعة عنها على الاستسلام.

ما أهمية باخموت بالنسبة لمسار الحرب في أوكرانيا؟

تقع مدينة باخموت في الشمال الشرقي لمنطقة دونيتسك وعلى بعد حوالي 13 ميلاً فقط من منطقة لوغانسيك، وتمثل المنطقتان معاً إقليم دونباس، الذي تعتبر السيطرة عليه بالكامل الهدف الرئيسي الكبير للرئيس فلاديمير بوتين، الذي اختص "تحرير الإقليم" بجانب كبير من التركيز خلال أحاديثه عن سير "العملية العسكرية الخاصة"، وهو التوصيف الروسي للحرب في أوكرانيا.

وكانت منطقتا دونيتسك ولوغانسيك قد أعلنتا الانفصال عن أوكرانيا منذ عام 2014، لكن موسكو لم تعترف بذلك الانفصال أو الاستقلال إلا يوم 21 فبراير/شباط من العام الماضي، أي قبل 3 أيام فقط من اندلاع الحرب الحالية.

وعلى مدى الأشهر الستة الماضية أصبحت باخموت تحديداً الهدف الرئيسي للهجوم الروسي في الشرق، نظراً للموقع الاستراتيجي للمدينة من جهة، ولأن السيطرة عليها تعني الكثير بالنسبة لتمركز الروس في إقليم دونباس بشكل عام، فالمدينة تقع في مفترق طرق شرقاً نحو حدود لوغانسك ومن ناحية الشمال الغربي نحو سلوفيانسيك والجنوب الغربي نحو كوستيانتنفيكا.

وبالتالي فإن حسم السيطرة على باخموت يعني تأمين خطوط الإمداد للقوات الروسية، استعداداً للزحف نحو مزيد من أراضي الإقليم. وعلى مدى الأسابيع الماضية، واصلت القوات الروسية السيطرة تباعاً على الطرق المؤدية إلى مدينة باخموت. فبدلاً من الاندفاع نحو مركز المدينة مباشرة، اختارت مجموعات فاغنر الإحاطة بالمدينة عبر قوس ممتد من ناحية الشمال، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

وبعد أن نجحت مجموعة فاغنر في السيطرة على مدينة سوليدار القريبة من باخموت، في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، واصلت تلك الميليشيات السيطرة على عدد من القرى والبلدات والطرق المؤدية إلى باخموت.

أوكرانيا روسيا الحرب
روسيا تحاول السيطرة على الشرق الأوكراني بالكامل- رويترز

وفي حالة تمكن القوات الروسية من السيطرة على الجزء الغربي من المدينة، وهي عبارة عن أرض مرتفعة، ستصبح مدن صناعية مثل كراماتورسك وكوستيانتنفيكا في مرمى نيران المدفعية الروسية، وليس واضحاً حتى الآن إلى أين قد تتجه القوات الأوكرانية المتمركزة في باخموت إذا ما قررت الانسحاب، في ظل الطوق شبه الكامل الذي يفرضه الروس.

الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، اتهم موسكو بإقحام دفعات من الرجال في المعركة دون اكتراث بأرواحهم، وقال إن معركة باخموت "هي الأصعب" لكن الدفاع عنها ضروري. وكتبت الهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية في منشور على فيس بوك مساء اليوم الأربعاء: "يواصل العدو التقدم. الهجوم على مدينة باخموت مستمر".

وقال يفجيني بريغوجين، رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، إن الأوكرانيين يظهرون "مقاومة باسلة" في محاولتهم للمرابطة على المدينة بأي ثمن.

معارك الربيع بدأت في باخموت

كانت وكالة رويترز قد أفادت أن مراسليها تمكنوا من الوصول إلى باخموت من ناحية الغرب يوم الإثنين؛ وهو ما يثبت أن المدينة لم تحاصر بشكل كامل بعد على الرغم من ضغط القوات الروسية من الشمال والجنوب لإغلاق آخر الطرق المتبقية إلى المدينة.

وارتفعت ألسنة اللهب والدخان في السماء من المباني المحترقة. واستمر دوي إطلاق النار والانفجارات الذي وصل إلى عنان السماء. وجابت المركبات المدرعة الأوكرانية الشوارع التي لم يبق فيها سوى الكلاب الضالة وسط الوحل والحطام.

وقال جندي أوكراني في مقطع مصور نشره الأربعاء، على تطبيق تليغرام للتراسل إن الوضع "أهدأ قليلاً" في باخموت. وقال أندري بابيتشيف الجندي ومدون مقاطع الفيديو: "أسكتنا العدو قليلاً.. ثمة قتال بالأسلحة النارية على المشارف. وتقع انفجارات وتتطاير قذائف"، وكانت الانفجارات تدوي خلفه.

وأضاف: "نحن صامدون في باخموت. لا يخطط أي أحد للانسحاب من أي مكان في الوقت الراهن. نحن صامدون. باخموت هي أوكرانيا. المجد لأوكرانيا!".

وتمكنت رويترز من تأكيد الموقع على أنه باخموت، وذلك من خلال شكل المباني في المقطع المصور والتي طابقت صور باخموت، ولكنها لم تتمكن من تأكيد أن المقطع صُور اليوم الأربعاء.

ولا يزال ألوف السكان داخل المدينة المدمرة التي كان يقطنها نحو 70 ألف نسمة قبل الحرب. وقال رجل متوسط العمر يرتدي معطفاً وقبعة من الصوف على درج المبنى الذي يسكن فيه: "إنه أمر مخيف حقاً". وأضاف لرويترز: "لا أستطيع تحريك ساقي -بالكاد تتحركان- من هول الموقف.. سأبقى هنا طالما ظل بيتي سليماً وما لم يصبني أذى".

وفي بلدة تشاسيف يار إلى الغرب، شبت النيران في محل بقالة. والمنطقة المحيطة بباخموت من إحدى المناطق على الجبهة التي حققت فيها روسيا مكاسب واضحة خلال هجوم في الشتاء شهد ما وصفه الجانبان بأنه أكثر قتال دموي في الحرب.

باخموت
عناصر من فاغنر التي تحاول التقدم في باخموت الأوكرانية – رويترز

وقال بريغوجين، الذي قادت مجموعة فاغنر المملوكة له الهجوم الروسي في باخموت، في رسالة صوتية على وسائل التواصل الاجتماعي إن الجيش الأوكراني يُلقي بمزيد من جنود الاحتياط في المعركة "محاولاً التمسك بالمدينة بكل ما أُوتي من قوة. يظهر عشرات الآلاف من مقاتلي الجيش الأوكراني مقاومة باسلة. تتزايد دموية المعارك يوماً بعد يوم".

ويعد الأوكرانيون والروس عادة أن الأول من مارس/آذار هو أول يوم في فصل الربيع. وذابت الثلوج بالفعل على الجبهة مما أتى بما يسمى الربيع السيبيري، وهو موسم الأوحال السوداء ذائعة الصيت في التاريخ العسكري بأنها قاهرة الجيوش التي حاولت من قبل أن تنفذ هجمات في مناطق في أوكرانيا وغرب روسيا.

ويتباهى الأوكرانيون بأن تحول الطقس للدفء أثبت أن روسيا أخفقت في أن تجبرهم على الإذعان بالبرد والتجمد بشنها هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على البنية التحتية للطاقة في أنحاء البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول.

وكتب وزير الدفاع الأوكراني أولكسي ريزنيكوف في تغريدة: "أرادوا تجميدنا وإلقاءنا في الظلام. نجونا! اليوم هو أول أيام الربيع. الحياة والضوء والحب تهزم الموت. ستفوز أوكرانيا".

ما الذي قد يحقّقه بوتين من السيطرة على هذه المدينة؟

على الرغم من أن السيطرة على باخموت قد لا تعني سيطرة القوات الروسية على إقليم دونباس بشكل كامل أو أن الحرب في أوكرانيا قد أوشكت على الانتهاء، إلا أن المؤكد أن باخموت ستمثل انتصاراً يمكن للرئيس بوتين أن يبدأ به العام الثاني من الحرب بمعنويات مرتفعة.

فمنذ أغسطس/آب من العام الماضي، تمكنت القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب من إجبار القوات الروسية على الانسحاب من مدن كبيرة مثل خاركيف وخيرسون، ولم تنجح موسكو بعد في تحقيق انتصار كبير في ساحة الحرب منذ ذلك التراجع.

كما أن كييف تنتظر الآن أسلحة غربية ثقيلة، أبرزها الدبابات المتطورة مثل أبرامز الأمريكية وليوبارد الألمانية، فيما يبدو أنه تحضير لمعركة الربيع المقبلة التي تأمل كييف وداعموها الغربيون في أن تصبح عبارة عن هجوم أوكراني مضاد على نطاق واسع تتمكن خلاله القوات الأوكرانية من طرد القوات الروسية إلى حدود ما قبل الحرب الحالية على الأقل.

وبالتالي فإن نجاح القوات الروسية في الاستيلاء على باخموت سيفتح الطريق للسيطرة على بقية منطقة دونباس الصناعية المحيطة بباخموت، وهي أحد أهداف الحرب الرئيسية. وتقول كييف إن المدينة المدمرة لها قيمة استراتيجية محدودة، لكن الخسائر كانت فادحة، لدرجة أنها من شأنها التأثير في المسار المستقبلي للحرب.

وتلقت فاغنر، التي تقود المعارك في باخموت، ما بدا أنه إظهار من الكرملين للدعم عندما بحث مجلس النواب الروسي (الدوما)، الأربعاء 1 مارس/آذار، خططاً لتوسيع نطاق قوانين رقابية لتشمل حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً لمن يشوّهون سمعة "التشكيلات التطوعية" التي تقاتل في الحرب.

روسيا - حرب أوكرانيا
الرئيس الروسي بوتين وقادة جيشه – رويترز

وفي تطور آخر قد يكون مرتبطاً بالتطورات الميدانية، ذكرت وكالة الإعلام الروسية الخميس 2 مارس/آذار نقلاً عن مجلة تابعة لوزارة الدفاع أن موسكو تطوِّر استراتيجية عسكرية من نوع جديد تستخدم الأسلحة النووية لحماية البلاد مما وصفته بأنه "عدوان أمريكي محتمل".

ويعد المقال هو الأحدث في سلسلة من هذا النوع من التصريحات التي يدلي بها ساسة ومعلقون روس، مشيرين إلى أن موسكو ستكون مستعدة، إذا لزم الأمر، لنشر ترسانتها النووية الضخمة. وقالت وكالة الإعلام الروسية إن المقال الذي نُشر في مجلة (فوينايا مايسل)، "الفكر العسكري"، خلص إلى أن واشنطن قلقة من فقدان هيمنتها على العالم، ولذلك أعدت "على ما يبدو" خططاً لضرب روسيا لتحييدها.

وأضافت الوكالة أنه رداً على ذلك يعكف الخبراء الروس بنشاط على "تطوير شكل واعد من الاستخدام الاستراتيجي للقوات المسلحة الروسية، عملية لقوات الردع الاستراتيجي". وتابعت أن هذا "يقتضي استخدام الأسلحة الاستراتيجية الهجومية والدفاعية الحديثة، والأسلحة النووية وغير النووية، مع الأخذ في الحسبان أحدث التقنيات العسكرية".

تحميل المزيد