بين الحين والآخر يظهر اسم جمال مبارك إعلامياً كبديل محتمل للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتزامن مع اقتراب انتخابات الرئاسة في 2024 المقبل، ورغم "مدنية" جمال مبارك، فإنه كان يحدد عبر لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم قبل ثورة 2011 سياسات للحكومة؛ مما أثار الغضب ضده قبل وأثناء اندلاع الثورة.
وكانت لجنة السياسات في الحزب الوطني هي المنوط بها وضع كافة السياسات، بما فيها التشريعات الخاصة بالبرلمان والحكومة والتي بسببها وقعت ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وظهر اسم جمال مبارك مجدداً على الساحة في مصر، بعدما نشر موقع أفريكا أنتلجنس الاستخباري الفرنسي في فبراير/شباط 2023 تقريراً حول طموحه السياسي في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر.
وبحسب التقرير المنشور، فإن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر يسهم في تجديد حلم جمال مبارك القديم بالحكم؛ حيث إنه التقى في قصر بشرم الشيخ السفير الأمريكي السابق جوناثان كوهين، وطلب من الإدارة الأمريكية دعمه إذا قرر الترشح والمنافسة.
فهل يستطيع جمال مبارك منافسة السيسي فعلاً وماذا سيقدم؟!
الطموح القديم للفكر الجديد:
كان طموح جمال مبارك تظهر ملامحه يوماً بعد يوم منذ عودته من لندن عام 2000، سواء في الترويج الإعلامي له بصفته ممثلاً لفئة الشباب والفكر الجديد في الحزب الوطني، أو ظهوره كمتحدث باسم النظام في أوقات متعددة، وتوليه أمانة لجنة في الحزب الوطني، هي لجنة السياسات.
هذا الطموح تجلى في صعوده السريع في قيادة الحزب الوطني الديمقراطي بداية من 2000 منذ قدومه من بريطانيا؛ حيث كان يعمل كموظف في "بنك أوف أمريكا" ليتحول إلى سياسي ورجل أعمال في سنوات معدودات.
انضم جمال مبارك إلى الحزب الوطني المصري في عام 2000، وتولى عدداً من المناصب القيادية في الحزب، كان آخرها رئاسة لجنة السياسات في الحزب، تلك اللجنة التي تحوَّلت لعصب الحزب الوطني وسبب انهياره أيضاً.
لماذا فشل نجل مبارك في تحقيق حلمه؟
شبكة رجال الأعمال
كان جمال مبارك محاطاً بحفنة من رجال الأعمال في الحزب الوطني دخلوا معه وصعدوا معه وسقطوا معه أيضاً، كان رجال الأعمال والذين كانوا أكثر من ظهر أمام المواطنين أنهم المتحكمون في زمام الأمور وهم من يسيّرون الحكومة التي وصفت وقتها بـ"حكومة رجال الأعمال" بشكل متزايد خلال السنوات من 2001 حتى 2011.
فحسب صحيفة المال الاقتصادية في مصر، التي كتبت تقريراً في 2009، فإن المجموعة الوزارية من رجال الأعمال القريبة من أمانة السياسات والحزب الوطني قدموا أنفسهم كفريق إصلاحي لإنقاذ الاقتصاد واستخدام فكر جديد.
وتعاظمت ثروات رجال جمال مبارك في الفترة من 2000 إلى 2010 حتى أصبحت قائمة أكبر أغنياء مصر وقتها نصفها أعضاء بالحزب الوطني تقريباً.
تلك القائمة التي صدرت في 2010 وتحدثت عنها صحف محلية ودولية كان أبرز المتصدرين فيها المهندس أحمد عز، وشملت وزير الإسكان أحمد المغربي، ووزير التجارة والصناعة رشيد أحمد رشيد، ووزير النقل السابق محمد منصور، وهو قريب للمغربي، إلى جانب سياسيين في الحزب الحاكم والبرلمان، مثل: محمد فريد خميس، ومحمد أبو العينين، وهشام طلعت مصطفى.
على سبيل المثال، رجل الأعمال أحمد عز ذراع جمال مبارك اليمنى ورئيس لجنة التنظيم في الحزب الوطني كان من أكثر الوجوه استفزازاً في مصر للمواطنين، خاصة في تصريحاته البرلمانية حول المواطن ورفاهيته.
أحمد عز كان خير ممثل لشبكة رجال الأعمال التي تحيط بجمال مبارك، بدأ عز مرحلة السياسة عام 2000 عندما رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب عن دائرة منوف، مستنداً على أصوات عمال مصانعه بمدينة السادات.
وفي فبراير/شباط 2002 ظهر عز قوياً في الحزب الوطني، وأصبح عضواً في الأمانة العامة للحزب الوطني ضمن الموجة الأولى لانخراط رجال الأعمال الجدد في مجال العمل السياسي، وبعدها أصبح رئيساً للجنة التخطيط والموازنة في مجلس الشعب.
الخصخصة
كان من عوامل سقوط مشروع جمال مبارك هو تزايد الخصخصة منذ ظهوره بشكل غير مسبوق، ولم تكن الأزمة في الخصخصة بذاتها أو بيع شركات القطاع العام لرجال أعمال ومستثمرين؛ بل الأزمة الرئيسية كانت في طريقة البيع وحصيلته الضئيلة في مقابل قيمة الشركات.
وحسب تقرير لمركز الأرض لحقوق الإنسان فقد رصد بيع شركات في القطاع العام وعددها 314 شركة، وكانت حصيلة البيع 32 ملياراً و737 مليون جنيه.
عدم ارتياح الجيش له
كانت علاقة جمال مبارك بالقوات المسلحة علاقة غير مريحة؛ إذ كان المجلس العسكري يروِّج إلى أنه كان ضد التوريث، وهو ما جعله يقف نسبياً مع ثورة 25 يناير، وهو ما أكدته وثائق ويكيليكس بعد ذلك.
ففي 2010 سرب موقع "ويكيليكس" برقيات أمريكية سرية تناولت فرضية خلافة جمال مبارك لوالده، مؤكدة أن هذا الاحتمال غير مؤكد لغياب دعم الجيش اللازم لنجل مبارك، وذكرت أن فرص جمال مبارك لكي يصبح الرئيس القادم لمصر قد تتعرض لضربة إذا توفِّي والده وهو في السلطة؛ لأنه ربما يفتقر لتأييد الجيش القوي.
وأكدت وثيقة ويكيليكس أن احتمال تولي جمال مبارك غير مؤكد؛ نظراً لأن الجيش كان له دور مركزي في اختيار آخر أربعة رؤساء في مصر، كانوا جميعاً ضباطاً بالجيش، فـ"جمال لم يخدم كضابط بالجيش، ونحن نعتقد أنه لم يكمل الخدمة العسكرية الإجبارية".
غضب شعبي
"يا جمال قول لأبوك.. الشعب المصري بيكرهوك".. هذا الهتاف الذي ردده أهالي المحلة عام 2008 في انتفاضة 6 أبريل/نيسان كان ينذر بعدم رضا قطاع من الشعب عن جمال مبارك، فبينما كان جمال يوطد سلطاته في الحكم بتعديلات دستورية تسهل تمرير التوريث ووصل التجاهل لأقصى حد في انتخابات مجلس الشعب عام 2010، والتي أدارها الحرس الجديد بشراسة، ومنعوا دخول أي ممثل للشعب من المعارضة أو حتى شبه المعارضة.
أيضاً لم تفلح خطة نجل مبارك في تحسين مستوى المعيشة لدى الشارع المصري على الرغم من تصريحات رسمية حينها تتحدث عن ارتفاع معدل النمو والذي بلغ في 2007 لأول مرة إلى 7%، ثم هبط بفعل الأزمة العالمية الاقتصادية في 2009 وكان يتزايد سنوياً منذ 2004 وتحقق بفضل سياساته الاقتصادية، إلا أن هذا التحسن لم ينعكس على جموع الشعب.
جمال مبارك والسياسة
ورغم أن جمال مبارك كان يروِّج لنفسه بأنه الوجه الإصلاحي لمصر في نهاية عهد مبارك، فظهر الحرس القديم بأنهم أكثر مرونة سياسية من الحرس الجديد "الليبرالي"، وهذا الأمر تجلى بشكل واضح في انتخابات عام 2010؛ حيث كان رئيس لجنة التنظيم في الحزب الوطني أحمد عز ومجموعة من رجال الأعمال تعاونه في إدارة المعركة الانتخابية.
وقد أظهرت النتائج تقدماً كاسحاً للحزب الوطني الديمقراطي على عكس تدهور شعبيته في الشارع، حيث حصل على 420 مقعداً من إجمالي المقاعد التي تم التنافس عليها، ويبلغ عددها 508 فى حين حصلت أحزاب المعارضة على 14 مقعداً، والمستقلون 66 مقعداً، وتم ضم معظمهم للحزب الوطني بعد الانتخابات.
وفي 2010 أقر النظام تمديد العمل بقانون الطوارئ عامين إضافيين، والتي كانت السارية في مصر منذ 29 عاماً لمدة عامين إضافيين، وتعهدت بوضع قيود على تطبيقها.
هل يمكن أن يصبح فعلاً جمال مبارك منافساً للسيسي؟
ماذا يقول القانون؟
نجح جمال مبارك خلال الأعوام الماضية في تبييض صورته نسبياً، وبشكل تدريجي بدأت أولاً بالناحية القانونية فسقطت معظم القضايا التي كان متهماً فيها.
كان آخر تلك القضايا في 28 سبتمبر/أيلول 2021، عندما قرر القضاء رفع التحفظ عن أموال نجلي حسني مبارك، وأسرتيهما، بعد قرار هيئة الفحص والتحقيق بإنهاء أثر أمر المنع من التصرف رقم 3 لسنة 2011.
قرار التحفظ على أموال عائلة مبارك يُعرف بقضية (التلاعب بالبورصة) وكانت تلك آخر القضايا التي حوكموا فيها؛ إذ واجها اتهاماً بالحصول على مليارين و51 مليوناً و28 ألفاً و648 جنيهاً مصرياً "بطريقة تخالف القانون".
فعلاء وجمال حصلا على براءة في كل القضايا التي اتُّهما فيها بعد الثورة ما عدا القضية التي فتحت في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي.
وهي القضية المعروف بـ"القصور الرئاسية"؛ حيث أصدرت محكمة جنايات القاهرة، في مايو/أيار 2015، حكماً بسجن مبارك ونجليه جمال وعلاء 3 سنوات لكل منهم، كما تضمن الحكم حينها تغريم مبارك وجمال وعلاء متضامنين أكثر من 125 مليون جنيه، وإلزامهم معاً أيضاً برد أكثر من 21 مليون جنيه إلى الخزانة العامة للدولة. وفي يناير/كانون الثاني 2016، أيدت محكمة النقض حكم الجنايات بالسجن والغرامة.
تلك القضية تعتبر العقبة الأخيرة في طموح جمال مبارك السياسي إن وُجد.
فبموجب الحكم أصبح جمال وعلاء خاضعَين لأحكام البند 6 من المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية 45 لسنة 2014، والذي ينص على حرمان كل من صدر ضده حكم نهائي في جناية، من مباشرة الحقوق السياسية، سواء بالتصويت أو الانتخاب، لمدة 6 سنوات، تبدأ من تاريخ تنفيذ العقوبة، أي بعد إنهاء فترة السجن المقررة وسداد الغرامة.
لكن بما أن الحكم صدر في 2016 فقد انتهى الحرمان من الحقوق السياسية.
الظهور الشعبي:
وعلى عكس ممارساته قبل 2011 يبدو أن جمال مبارك لا يريد تكرار أخطاء الماضي، وهي الانفصال عن الشعب، فبينما كان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي يحاول الابتعاد عن الشعب، كان جمال مبارك يتقرب من المواطنين ولو بشكل استعراضي.
أبرز تلك الظهورات كانت في المناسبات والأعياد والأفراح والجنائز، وكان لا يخلو أي مشهد من هؤلاء من الكاميرات ومن "هتيفة" يهتفون لجمال مبارك، ويرددون: "الله يرحم أبوك.. فين أيامك يا ريس؟".
تلك الظهورات والالتفاف الشعبي، سواء كان عفوياً أو مقصوداً، تشير إلى أنها رغبة منهما في العودة للمشهد مرة أخرى.
طرق باب الإدارة الأمريكية
ما نشره موقع أفريكا إنتلجنس حول لقاء سري بين جمال مبارك والسفير الأمريكي في شرم الشيخ هو مجرد "جس نبض" للشريك الأمريكي، الذي يعتبر أساساً في حماية أي نظام يحكم مصر خارجياً، وسواء كان صحيحا أو تسريبات مزيفة، ففي الحالتين تأتي التسريبات في وقت يعاني فيه النظام الحالي من محنة اقتصادية وسياسية ونقص شعبية ملحوظ، تتيح لأي أحد الفرصة لطرح نفسه كبديل، بشرط تحمل تبعات مواجهة النظام الحالي المؤلمة.
ما نشره الموقع الاستخباري الفرنسي هو أول إشارة حقيقية حول احتمالية ترشح نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، فمنذ خروجه من السجن، تردد العديد من الشائعات حول احتمالية ترشحه، وهي ما نفاها مقربون منه أكثر من مرة.
على سبيل المثال، وبعد تبرئة جمال من معظم القضايا ببداية عهد السيسي نفى محامي عائلة مبارك الراحل فريد الديب ترشيح جمال مبارك لانتخابات الرئاسة في عام 2018م مؤكداً أن أسرة الرئيس الأسبق قررت اعتزال السياسة نهائياً؛ وترشيح جمال مبارك شائعة لا أساس لها من الصحة.
لكن الوضع في هذا التوقيت كان لا يسمح بترشح جمال للرئاسة أو عودة عائلته للحكم، فقد كان السيسي في بداية حكمه، وكان جمال ما زال في دوامة القضايا والأحكام رغم مبشرات تبرئته من كل القيادة، واستعادته القدرة القانونية على المشاركة السياسية.
وبعد تداول تسريبات فبراير ٢٠٢٣ حول لقائه مع السفير الأمريكي مؤخراً، نشر موقع القاهرة 24 المقرب من السلطة في مصر تصريحات منسوبة لمصادر مقربة من نجل الرئيس السابق، نفت صحة تلك التقارير، مؤكدةً أنها ليست إلا محض خيال من كاتبها، وأنها لا ترقى إلى مستوى الحقائق، ولن يتم الرد عليها لعدم أهميتها.
الدعم الخليجي والإسرائيلي:
رغم التوتر المكتوم بين القاهرة والرياض فإن فكرة تغيير النظام السيسي في مصر قد تبدو غير مطروحة بالنسبة لبعض دول الخليج، خاصة أن حالة عدم الاستقرار في القاهرة سيكون لها العديد من التداعيات الكبيرة على المنطقة برمتها.
نعم قد تعاني العلاقات من شد وجذب، ولكن النظام الحالي حريص كل الحرص على إرضاء حلفائه في الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية.
وتجلى هذا الحرص بالتزامن عن أنباء حول خلاف مصري – سعودي وقيام بعض الإعلاميين التابعين القريبين من السلطات المصرية بانتقاد المملكة، فلم تمر أيام إلا ويخرج السيسي ليعتذر ويؤكد متانة العلاقة وعدم وجود أي خلاف مع السعودية أو الأشقاء.
لكن في جانب آخر، كان الظهور العلني السياسي الأول لجمال مبارك هو في الإمارات مطلع العام 2022؛ حيث قام بزيارة خاطفة للتعزية في وفاة حاكم الإمارات، وظهرت صور له وهو يعزي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات.
حيث تعتبر هذه هي المرة الأولى التي يسافر فيها جمال مبارك إلى خارج البلاد، وترصد له صور بذلك، منذ ثورة يناير 2011.
تزامنت زيارة جمال مبارك للإمارات مع ظهوره في مقطع فيديو مصور بالعربية والإنجليزية في نفس التوقيت من مايو/أيار 2022 يتحدث فيه بقوة وبوضوح حول تبرئة أسرته من كافة القضايا، وأن القانون في مصر وأوروبا رد اعتبار الأسرة، وتحدث فيه عن مظلومية "آل مبارك" منذ 2011 وكان الحديث بالعربية والإنجليزية.
هذا الظهور المتزامن أثار علامات استفهام حول موقف الإمارات من ترشحه المحتمل، فبينما يتزايد دعم الإمارات للنظام الحالي بتوقيع اتفاقيات وصفقات استحواذ على شركات ومؤسسات وزيارات متبادلة، آخرها زيارة السيسي لمؤتمر الحكومات بالإمارات فبراير/شباط 2023، إلا أنه في الوقت نفسه تكون أول زيارة خارجية لجمال مبارك هي للإمارات، وأول ظهور إعلامي من هناك.
من المؤكد أن جمال وعلاء مبارك كانا محرومين من السفر رغم عدم وجود سبب قانون بقرار سيادي حتى 2022، مما يؤكد وجود قلق من النظام لتحركاتهما الخارجية، وأن زيارة الإمارات هي تغيّر في القرار، فمن الذي غيَّر وجهة نظر السلطة في مصر، وضغط عليها للسماح لهما بحرية الحركة.
أما عن الدعم الإسرائيلي، فالعلاقة واضحة بين القاهرة وتل أبيب في عهد السيسي، وإن ظهور نجل مبارك قد لا يكون أمراً محبباً بالنسبة لها، لا سيما وهو نجل لرئيس كان يوصف عهده بعهد السلام البارد.
بل إن إسرائيل أبدت قلقها علناً عبر صحفها من احتمالية انتهاء النظام الحالي؛ حيث أعربت صحف عبرية عن قلق المحافل العبرية المختلفة حيال الوضع الذي تمر به القاهرة، وسبب الأزمات الكبيرة التي تعصف بمصر.
وقالت يديعوت أحرونوت: "ما الذي يمكن لإسرائيل أن تفعله لتساعد مصر (السيسي)؟"، لتجيب: "واليد على القلب، لا شيء".
وقالت الصحيفة: "لا سبيل لأن نساعد من هنا دولة عدد سكانها 107 ملايين نسمة، يمكن أن نبدي العطف في المستويات العليا، مرغوب بالتأكيد ألا نهاجم، ومن المجدي أن نفهم أنه لو حتى مرت أزمة سياسية بين القاهرة وتل أبيب، فإن على إسرائيل أن تصبر، وأن تتفهم الضغط الذي هم فيه".
كما طلب دان شيفتان، رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا، من قيادات الاحتلال دعم عبد الفتاح السيسي، قائلاً إنه أنقذ تل أبيب من الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
ورأى أن السيسي، وعبر عزل الرئيس المصري المنتخب الراحل الدكتور محمد مرسي في 2013، "أنقذ مصر، والأردن، وإسرائيل والولايات المتحدة أيضاً"، منوهاً بأن "مصر الجارة، بسبب وزنها الثقافي والتاريخي، هي المرسى الوحيد للاستقرار النسبي في منطقة ممزقة وقابلة للانفجار، ومن الجدير مساعدة السيسي، أو على الأقل عدم عرقلته".
مما سبق نكتشف أن خبراء الاحتلال يتخوفون من أي تغيير يطرأ على نظام السيسي وينظرون له كحليف استراتيجي.
أما العلاقة مع أمريكا، فقد قال السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق متحدثاً عن محاولة توريث جمال مبارك قائلاً: "الأمريكان في لحظة ما فضَّلوا اللواء عمر سليمان كرجل أمني لحكم مصر، استقر لدى الأمريكان فكرة أن جمال مبارك ليس لديه القدرة على تولي حكم مصر".
وأضاف فهمي، في تصريحات صحفية: "لا يمكن لمصر تجاهل أمريكا؛ لأنها دولة كبرى، والعكس أيضاً بالنسبة لأمريكا، والعلاقة بين البلدين مهمة دون وصفها بالشراكة، وما يحدث في مصر ينعكس على المنطقة، وهو من مزايا مصر عالمياً".
وبناءً على ما سبق، فإن الدعم الخليجي والإسرائيلي سينصب على من يساهم في حماية مصالحهم، وخاضع للعديد من الاعتبارات.
خطورة الترشح في مواجهة السيسي:
تكمن خطورة مواجهة السيسي في قدرته العالية على القيام بتصرفات مفاجئة لعرقلة أي منافس في مواجهته، كما فعل مع رئيس الأركان السابق سامي عنان.
سامي عنان رئيس الأركان السابق قدم نموذجاً تم قمعه.
فقد كانت له علاقات أقوى من جمال مبارك داخل الجيش المصري، بل حتى بعد تنحيته كانت تلك العلاقات مستمرة ومتواصلة لدرجة أن قيادات الجيش كانت تقدم له التحية العسكرية علناً حتى يوم القبض عليه، ولم يشفع كل هذا له عندما قرر منافسة السيسي عام 2018.
كما أن الجيش حالياً أصبح أكثر قوة وتمدداً في أجهزة الدولة، عكس عهد مبارك الذي كان رمانة الميزان بين العلاقات المدنية والعسكرية، فكان يقلم أظافر الجيش لصالح رجال الأعمال والجيل الجديد بقيادة نجله جمال مبارك.
فعلاقة جمال مبارك الفاترة قبل 2011 بالمؤسسة العسكرية مازالت منعكسة على الواقع بشكل أكبر مما سبق، فالمؤسسة العسكرية تعاظمت سلطاتها منذ عزل الرئيس السابق حسني مبارك، خاصة على المستوى الاقتصادي على عكس رؤية جمال مبارك القديمة بتسليم ملف الاقتصاد للمدنيين، حتى لو كانوا من رجال الأعمال.
ولم تظهر أية تسريبات حول تغير رؤية جمال مبارك تلك حالياً، فأزمة المؤسسة العسكرية الدائمة هي موقف أي حاكم لمصر من سلطاتها واقتصادها، ولعل ما حدث مع الرئيس المخلوع مبارك وحكومة رجال الأعمال سببه الرئيسي أنهم حاولوا تقليم أظافر المؤسسة العسكرية، خاصة في آخر 10 أعوام من الحكم منذ 2001 وحتى 2011.
فترشح جمال مبارك أعقد من ترشح منافس عسكري آخر يرفض السيسي، نظراً لتعقد علاقة الجيش بالسلطة في مصر، وغياب جمال مبارك أكثر من 12 عاماً عن العمل السياسي في مصر.
جمال مبارك والإخوان
لم يكن جمال مبارك يتمتع بعلاقات طيبة قديماً مع الإخوان، ورغم أن الظروف الحالية تسمح بتحسن العلاقات بين الطرفين لمواجهة السيسي، لكن لم تنشر تسريبات تؤكد وجود تحسن العلاقة بين الطرفين.
قديماً كانت العلاقات مع جمال مبارك ونظام مبارك والإخوان يتزايد فتورها، حتى وصلت للصدام المباشر في 2010 وبداية 2011 بحملة اعتقالات شرسة وتزوير فجّ للانتخابات لمنع إدخال أي مرشح للجماعة للبرلمان.
وكان جمال مبارك قبل 2011 يردد دوماً أن على جماعة الإخوان اعتزال السياسة، حيث هدّد جمال مبارك أكثر من مرة منذ ظهوره في الساحة بعهد والده بالتعامل القانوني مع جماعة الإخوان المسلمين لوقف انخراطها في الحياة السياسية.
إن الجماعة ليس لها وضع قانوني أو شرعي، وبالتالي هناك حاجة لإعادة نظر في القوانين الحالية لتحديد آليات معينة للتصدي لهذا الشكل من التعدي أو التحرك بهذا الاتجاه إذا كانت هذه القوانين تتضمن آليات كافية، ولم تنفذ بشكل كامل.
من جانبه وقبل 2010 أكد المرشد السابق لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، محمد مهدي عاكف، أن الجماعة ترفض ترشح جمال نجل الرئيس المصري حسني مبارك للرئاسة في ظل الظروف الحالية، قائلاً إن "جمال مبارك مرفوض مرفوض مرفوض".
رؤية جمال مبارك في التعامل مع جماعة الإخوان غير واضحة حالياً، فلم يصدر له أي تصريح أو تلميح أو تسريب طوال الأعوام الماضية باحتمال تغير تلك الوجهة.
بل إن علاء مبارك لم ينس الثأر القديم لعائلته مع الإخوان ودورهم في إسقاط والده، في تغريدة يوم وفاة القيادي الإخواني عصام العريان في السجن في أغسطس 2020 فقال: "سبحان الله، ربك لما يريد ولا شماتة، والحمد لله، ورغم كل شيء ربنا يرحم ويغفر للجميع".
في رده على تصريح قديم لعصام العريان قال فيه: "مبارك لن يخرج من السجن، إلا على نقالة إلى القبر"، ثم هز رأسه بالرفض، عندما قيل له: "شوية من الرحمة".
أما الإخوان من وجهة نظرهم فهم لم يصرحوا بأي تصريح مؤكد حول من سيدعمونه في انتخابات 2024، وهل هناك احتمالية لدعم جمال مبارك أم لا!
تركة السيسي.. هل جمال مبارك قادر على تحملها؟
جمال مبارك كانت له رؤية اقتصادية وسياسية واضحة في السابق عنوَنَها باسم "الفكر الجديد"، وهي التي كانت من أسباب انفجار الأوضاع في 2011.
ولم يطلق أي تصريح منذ خروجه من السجن يعرب فيه عن ندمه أو وجود خطأ في إدارة لجنة السياسات التي وضعت معظم السياسات التي سارت عليها الحكومة من 2005 إلى 2010.
أما مصر في 2023 فمن الناحية الاقتصادية أصبحت مثقلة بالديون، فحجم الديون المصرية المسجلة بلغ في منتصف عام 2022 نحو 157.8 مليار دولار، وبلغت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 33.9%.
ووصلت نسبة إجمالي الدين الحكومي العام (خارجي وداخلي) إلى الناتج المحلي الإجمالي 91.6%، بعد أن كانت 87.1% في 2013، وهي مرشحة للتزايد.
أما معدل الفقر فقد وصل إلى 60% من المصريين يعيشون عند خط الفقر أو تحته، حسب إحصائية للبنك الدولي في 2019، والتي تعتبر آخر إحصائية دولية عن الفقراء في مصر.
أما بعد الأزمات المتتالية منذ 2020 فمعدل الفقر الملحوظ في الشارع يتزايد بشكل مرعب، خاصة بعد انهيار دخول المصريين بالمقارنة بالدولار الذي تجاوز 30 جنيهاً، فبراير الحالي.
وهنا تكمن ورقة قوة لجمال مبارك، بخبرته الاقتصادية الكبيرة بصفته رئيساً للجنة السياسات، والتي كانت تحدد سياسات النظام الاقتصادية والسياسية في السابق.
كما أنه، وبعلاقاته المتشابكة مع رجال الأعمال، يستطيع تطوير حركة الاقتصاد في مصر، خاصة في الجزء الخاص بتوسيع مشاركة القطاع الخاص بالإضافة للجزء الخاص بعملية الإصلاح الاقتصادي وتحجيم اقتصاد الجيش.
ومن الناحية السياسية فقد تزايدت الاعتقالات السياسية والقمع الأمني، حيث تقول منظمات حقوقية مختلفة إن عدد المعتقلين السياسيين في مصر يصل إلى 60 ألفاً، ولو أراد جمال مبارك أن يمثل التغيير فأول الملفات السياسية التي يجب أن تُحَل ملف المعتقلين والمخفيين قسرياً.
كما أن هناك أزمة في الأفق السياسي في مصر، فجزء كبير من المعارضة تم تحييده أو إقصاؤه، مثل جماعة الإخوان وشباب الثورة وتيارات يسارية ويمينية كانت ناشطة قبل وبعد ثورة 25 يناير لم تعد موجودة على الساحة ولا فاعلة، وإن كانت لها قوة كامنة بين المواطنين.
ولو أراد جمال تغيير الأوضاع في مصر فعليه حلحلة الوضع مع التيارات السياسية التي كان يعتبرها عدوة له، مثل جماعة الإخوان والتيارات الثورية، خاصة لما لها من قوة في الشارع تعينه في مواجهة أزمة الشعبية لمواجهة مرشح السلطة ودعم موقفه بين المواطنين.
فهل ينزل جمال مبارك للمنافسة خلال عام 2024؟ ومع مَن سيتحالف؟!