شنَّ مئات المستوطنين الذي يشكلون "قوة منظمة" بالضفة الغربية هجوماً مميتاً ومدمراً على بلدة حوارة جنوبي نابلس، مساء يوم الأحد 26 فبراير/شباط 2023؛ حيث أحرق المتطرفون عشرات المنازل وعشرات السيارات. ووصفت بعض الدوائر الفلسطينية وحتى الإسرائيلية هذا الهجوم بـ "المذبحة"؛ إذ تسبب في استشهاد مواطن فلسطيني يدعى سامح الأقطش (37 عاماً) والذي كان عائداً لتوّه من التطوع في جهود الإغاثة من زلزال تركيا، وجرح مئات آخرين في حوارة والقرى الأخرى المجاورة لها.
ويقول أهالي بلدة حوارة إن هذا "الهجوم هو الأكبر من نوعه"، وأكد رئيس بلدية حوارة، معين الضميدي، أن ما تعرضت له البلدة "يعد أكبر هجوم شهدته المنطقة من المستوطنين على بلدة فلسطينية بهذا الشكل منذ سنوات بحماية جيش الاحتلال وشرطته"، لكنه أشار إلى أن البلدة تشهد اعتداءات يومية أيضاً، ولا تزال.
وأشار الضميدي، في حديثه لـ عربي بوست، إلى أن "بلدة حوارة تقع على الشارع الرئيسي الذي يربط شمال الضفة بجنوبها، وأن كل من يريد التنقل بينهما عليه المرور بهذه البلدة؛ لذلك فإن المستوطنين يريدون تهجير الأهالي الفلسطينيين من المكان، ونحن نطالب بحماية دولية".
المستوطنون يحرقون الضفة تحت رعاية حكومة نتنياهو المتطرفة
يصف الإسرائيليون هجوم المستوطنين بأنه "عمل انتقامي" بعد أن فتح مسلح فلسطيني النار على تقاطع مرور بالقرب من حوارة؛ ما أسفر عن مقتل مستوطنين اثنين كانا يعيشيان في مستوطنة يهودية قريبة، أحدهما جندي في جيش الاحتلال. لكن هذا الهجوم بدوره كان رداً على عملية عسكرية إسرائيلية دامية على مدينة نابلس، الأسبوع الماضي، أسفرت عن استشهاد 11 فلسطينياً، بينهم نشطاء ومدنيون. فيما تظل حكومة نتنياهو تتوعّد بشن المزيد من الهجمات المماثلة في نابلس وجنين وغيرها، لتدور عجلة "الدماء والعنف"، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وتشير الصحيفة إلى أن المنطق الإسرائيلي يغض الطرف عن دور مباشر لوزراء حكومة نتنياهو في هذه الأحداث؛ إذ رافق تنصيب الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل بداية هذا العام تصاعد ملحوظ في أعمال العنف. فمنذ بداية العام، قتل جنود ومستوطنون إسرائيليون ما لا يقل عن 61 فلسطينياً، بينهم مدنيون ونساء وأطفال.
وهذا العنف في بلدة حوارة "تذكير جديد مؤسف بأن الأحداث على الأرض تخرج عن السيطرة وستستمر في الخروج عنها في ظل غياب أي تغييرات منهجية حقيقية"، وفقاً لما قاله منتدى السياسة الإسرائيلي في بيان بعد أحداث العنف يوم الأحد. وقال: "وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تصعد المواجهات مع الفلسطينيين في الضفة الغربية جنباً إلى جنب مع حركة شبابية فلسطينية تفضل مقاومة الاحتلال بالقتال المسلح لن يؤدي إلا إلى المزيد من أحداث العنف المشابهة"، حسب تعبيرها.
ووصف مسؤولون أمنيون إسرائيليون هجوم المستوطنين على حوارة بأنه عمل "إرهابي". ومع ذلك، بعد ما يقرب من 24 ساعة من تنفيذ الهجوم، لم تُلقِ الشرطة الإسرائيلية القبض على أي شخص، وكانت الشرطة قد أفرجت بالفعل عن ستة من ثمانية أشخاص معتقلين، وانتشرت مقاطع فيديو لاحتفال المستوطنين بإحراق حوارة وهم يقدمون المشروبات لجنود جيش الاحتلال.
وأشار مراقبون إسرائيليون وفلسطينيون إلى تواني جيش الدفاع الإسرائيلي في حال وقوع أي هجوم ينفذه مستوطنون. فوفقاً لمجلة +972 اليسارية الإسرائيلية، قال شهود عيان في حوارة إن الجيش الإسرائيلي سمح للمستوطنين بالدخول إلى البلدة "على أقدامهم، لكنه منع الصحفيين والمسعفين وعمال الإغاثة الفلسطينيين من ذلك" وتم إطلاق النار عليهم وتكسير وإحراق سيارتهم.
يقول رفعت عامر (47 عاماً)، وهو أحد سكان حوارة، لصحيفة The Washington Post: "سيعودون مرة أخرى، ولكن ماذا بيدنا أن نفعل؟ يمكننا إلقاء الحجارة عليهم، لكن الجيش سيطلق علينا النار أيضاً".
وزراء متطرفون يغذّون الاعتداءات الإرهابية للمستوطنين
تقول صحيفة واشنطن بوست، إنه لا يبدو أيضاً أنه يوجد فرق كبير بين هؤلاء المستوطنين المتطرفين وبين معظم الشخصيات في الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد على دعم الفصائل المتطرفة المؤيدة للمستوطنين وطرح أجندة لضم الأراضي الفلسطينية وتشريعات لإضعاف الحقوق السياسية لغير اليهود.
إذ إن اثنين من أبرز وزراء حكومة نتنياهو؛ وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لهما سجل حافل من سنوات التطرف والإرهاب المعادي للفلسطينيين ومناصرة مصالح المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية. وكانا ينتقدان من حين لآخر المؤسسة السياسية والجيش في إسرائيل لتهاونهما المزعوم مع تهديدات المسلحين الفلسطينيين.
وقال تسفيكا فوغيل، النائب من حزب بن غفير اليميني المتطرف "القوة اليهودية"، للإذاعة المحلية يوم الإثنين، إن هذا الشكل من "العقاب الجماعي" له ما يبرره. وقال: "حوارة مغلقة ومحترقة؛ هذا ما أرغب في رؤيته. تلك هي الطريقة الوحيدة للردع"، حسب وصفه.
ويؤكد هذا الخطاب الإرهابي على واقع يزداد رسوخاً في إسرائيل؛ إذ قالت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "بتسيلم" في تغريدة: "النظام اليهودي المتطرف نفذ مذبحة في القرى المحيطة بنابلس أمس. وهذا ليس (فقدان سيطرة)، بل هذه هي السيطرة الإسرائيلية تحديداً، فالمستوطنون ينفذون الهجوم والجيش يؤمّنه والساسة يدعمونه. هذا تآزر للقوى".
ويتهم مراقبون فلسطينيون قوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين بالتحريض عمداً على العنف بعمليات التوغل شبه اليومية وتصعيد عمليات هدم المنازل واتخاذ إجراءات مشددة بحق الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل.
وكتب المؤلف والمحلل الفلسطيني محمد شحادة: "العنف الإسرائيلي والقوة المفرطة سيضفيان المزيد من الشرعية على الأعمال الفلسطينية المسلحة للانتقام للقتلى وإيقاف أي محاولات قتل أخرى. التصعيد هو الهدف تحديداً".
وكتب الصحفي الفلسطيني داود كتّاب: "الناس قد يقبلون بالاحتلال لفترة قصيرة لكنهم لن يقبلوا به إلى الأبد. وحين اقتحم الإسرائيليون جنين مؤخراً وقتلوا عشرة منهم رجل مسن، ما الذي كانوا يتوقعون حدوثه؟ وحين صدرت الأوامر باقتحام مدينة نابلس، أكبر مدن الضفة الغربية، ماذا كانوا يتوقعون؟".
ماذا يعني ذلك بالنسبة لأمريكا والمحيط التطبيعي؟
في ظل هذا الانتشار الكبير للعنف في أنحاء الضفة الغربية، عقد مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون اجتماعاً أمنياً في مدينة العقبة الأردنية مطلع هذا الأسبوع في محاولة لإعادة بعض الهدوء إلى هذا الوضع المضطرب كما تقول الصحيفة الأمريكية. لكن البيان المشترك الذي أشار إلى أن إسرائيل ستجمد مؤقتاً خطط بناء المستوطنات قوبل بالرفض من بن غفير وسموتريتش، وحتى نتنياهو نفسه تراجع عنه.
وتتبع إدارة بايدن سياسة التواصل مع نتنياهو دون اعتبار حقيقي لحلفائه اليمينيين المتطرفين. وربما يتبين أن هذا النهج غير فعّال في الأشهر المقبلة. ويُلاحظ أن مخاوف مماثلة تسود بين قيادات دول مثل الإمارات والسعودية، وهذه الموجة الكبيرة من العنف في الضفة الغربية قد تقوّض علاقاتهما الدافئة مع إسرائيل، بحسب واشنطن بوست.
وقالت أليسا بافيا من المجلس الأطلسي إن "القراءة المتأنية للمستقبل تشير إلى أن نتنياهو قد يكون، في الواقع، قادراً على تطبيع العلاقات مع السعودية دون حل الدولتين"، في إشارة إلى احتضار عملية إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. "لكن تصرفات وزرائه من اليمين المتطرف وحملات قمع الفلسطينيين قد تدفع دول عربية إلى الابتعاد عن التطبيع" حسب تعبيرها.