منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2023، طفت على السطح أزمة بين المغرب والبرلمان الأوروبي، واستمر تبادل الاتهامات بينهما ووصل الأمر إلى اعتماد الأخير في 17 فبراير/شباط قراراً يمنع النواب المغاربة من دخول مقره في بروكسل، على خلفية قضية "فساد مزعومة".
وتأتي هذه الخطوة بعدما قرر برلمان المغرب في 23 يناير/كانون الثاني الماضي إعادة النظر في علاقاته مع نظيره الأوروبي، كرد فعل على تبني الأخير قراراً ينتقد أوضاع حرية الصحافة والتعبير بالرباط.
وفي قراره دعا البرلمان الأوروبي السلطات المغربية إلى "إنهاء قمع الصحفيين، بما في ذلك التجسس بواسطة برنامج بيغاسوس، وسن تشريعات لحمايتهم من هذه الممارسات وجميع أشكال الضغط والتمييز والمحاكمات".
و"بيغاسوس" هي برمجية تجسس تطورها وتبيعها شركة "إن إس أو غروب" ومقرها إسرائيل.
وقال رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لحسن حداد، خلال مؤتمر صحفي في الرباط في يناير، إن بلاده سجلت 420 محاولة أوروبية لإقرار تعديلات ضد المملكة منذ 2016، وخلال 2022 فقط تم تقديم 112 سؤالاً بالبرلمان الأوروبي ضد المملكة.
الشرارة
ظهرت معالم الأزمة بداية العام 2023، خلال زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، للرباط.
وفي مؤتمر صحفي مشترك عقده وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع بوريل، في 5 يناير الماضي، دعا الأول إلى "حماية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي".
وقال بوريطة إن علاقة بلاده مع الاتحاد الأوروبي تتعرض لـ"هجوم ومضايقات قضائية وإعلامية مستمرة داخل مؤسسات أوروبية خاصة البرلمان الأوروبي".
تطورات الأزمة
أول تطور للأزمة بين الجانبين كان في 19 يناير 2023، بعد التصويت على قرار بالبرلمان الأوروبي، انتقد حرية الصحافة في المغرب، داعياً إلى "إنهاء المتابعة القضائية التي طالت عدداً من الصحفيين".
وصوَّت لصالح القرار 356 عضواً بالبرلمان الأوروبي مقابل رفض 32 وغياب 42 من إجمالي 430 نائباً.
وطالب القرار بإطلاق سراح الصحفيين عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين، داعياً لوقف المتابعات القضائية التي طالتهم بتهم "جنسية".
وفي 22 يناير أدان المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب (حكومي) القرار الأوروبي، وفق بيان، وشدد على "استنكار ما قام به البرلمان الأوروبي من تنصيب نفسه كهيئة لمحاكمة القضاء المغربي".
ورفض المجلس "التدخل في القضاء ومحاولة التأثير في مقرراته، لا سيما أن بعض القضايا المعنية لا تزال معروضة على المحاكم".
وفي 23 يناير، قرر البرلمان المغربي إعادة النظر في علاقاته مع نظيره الأوروبي، وفق بيان صادر عنه عقب جلسة مشتركة طارئة لغرفتيه بالعاصمة الرباط.
وقال رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، حداد: "سجلنا 420 محاولة أوروبية لإقرار تعديلات ضد المملكة منذ 2016".
وأضاف حداد، في مؤتمر صحفي عقده بالرباط في 31 يناير الماضي، أن "البرلمان المغربي يواجه عراقيل في العمل مع البرلمان الأوروبي منذ سنة ونصف".
وتابع أن "رئيس اللجنة المشتركة عن الجانب الأوروبي أندريا كوسولينو، ظل يقاطعنا ولا يتعامل معنا، ومساعده لا يجيب على رسائلنا".
وذكر حداد أن "الهجمات على المغرب كانت كبيرة، وتم تقديم 112 سؤالاً بالبرلمان الأوروبي ضد المملكة، بالإضافة إلى 18 تعديلاً مناهضاً لنا خلال 2022".
وفي 8 فبراير/شباط الجاري، أعلن رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى بالبرلمان)، أن "التهجمات التي تتعرض لها البلاد في البرلمان الأوروبي فرضت علينا في برلمان المملكة إعادة النظر في علاقاتنا معه وإخضاعها للتقييم".
وأضاف العلمي خلال كلمة في لقاء دراسي بمقر البرلمان حول "خلفيات الهجمات الصارخة والمتكررة للبرلمان الأوروبي ضد المملكة المغربية"، وفق بيان للمجلس، أن بلاده "لا تقبل بأن تكون موضوع مزايدات في البرلمان الأوروبي".
وفي نفس هذا اليوم، أعلن البرلمان المغربي تشكيل لجنة برلمانية تعنى بإعادة تقييم العلاقات مع البرلمان الأوروبي، وفق بيان له.
التصعيد
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث قرر البرلمان الأوروبي في 17 فبراير الجاري، منع النواب المغاربة من دخول مقره في بروكسل، على خلفية قضية "فساد مزعومة" متهم فيها المغرب.
وذكر مراسل الأناضول أن البرلمان الأوروبي أقر الإجراء الجديد في تصويت بتاريخ 16 فبراير، بأغلبية 401 صوت مقابل رفض 3 نواب، وامتناع 133 عن التصويت.
وجاء في القرار الأوروبي: "مصرون على التحقيق الكامل في قضايا الفساد التي تشمل البلدان التي تسعى للتأثير على البرلمان، وسنتخذ الإجراءات اللازمة".
وفي 2 فبراير جرّد البرلمان الأوروبي نائبين من الحصانة البرلمانية على خلفية اتهامات بتلقيهما رشاوى.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022 وجهت السلطات البلجيكية اتهامات لأربعة نواب في البرلمان الأوروبي بتلقي هدايا وأموال للتأثير على صنع القرار داخل البرلمان.
وتعليقاً على القرار الجديد، قال رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إن "البرلمان الأوروبي يتبنى موقفاً عدائياً تجاه المغرب".
وزاد حداد في تغريدة: "البرلمان الأوروبي رفض تعديلاً تقدم به النواب المحافظون بالبرلمان، يقضي بتأكيد المزاعم ضد المغرب قبل تطبيق هذه الإجراءات".
وتابع: "إنه يصدر أحكاماً دون قرائن، أين هي دولة القانون التي ما فتئوا يتبجحون بها؟".
وخلال 10 أعوام، تضاعف التبادل التجاري بين المغرب والاتحاد الأوروبي ثلاث مرات، وفي 2021 تجاوز حجمه 45 مليار يورو (47.7 مليار دولار).
ويستفيد المغرب من صفة "الوضع المتقدم" مع الاتحاد الأوروبي، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2008، من عدة اتفاقيات وتمويلات أوروبية.
ويعد الاتحاد الأوروبي أول شريك تجاري للمغرب، بنسبة مبادرات تجارية تفوق 60٪ من إجمالي المبادلات.