الصين تدفع ثمن دبلوماسية دفتر الشيكات.. كيف أصبحت بكين في مأزق بسبب القروض؟!

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/02/22 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/22 الساعة 10:57 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع رئيس جنوب سيريل رامافوزا في منتدى التعاون الصيني الإفريقي في بكين/رويترز، أرشيفية

منذ عقد من الزمان، برزت الصين باعتبارها البنك المفضل لدول العالم النامي، حيث ضخت مئات المليارات من الدولارات في شكل قروض في مشاريع البنية التحتية العالمية كجزء من مبادرة الحزام والطريق مترامية الأطراف. 

ولكن مع فشل المقترضين في السداد، تجد الصين أن نفوذها الجديد له ثمن. حرصاً منها على استرداد أموالها، تنتقل بكين من مستثمر سخي إلى مُنفذٍ صارم -وتجازف بحسن نيتها الذي حاولت بناءه بمبادرات مثل الحزام والطريق. لقد تعاملت الصين بصرامةٍ مع سريلانكا، التي سمح اضطرابها المالي لبكين بالسيطرة على ميناء استراتيجي، وهي تضغط على باكستان وزامبيا وسورينام من أجل السداد. 

الرئيس الصيني شي جين بينغ – رويترز

قال برادلي باركس، المدير التنفيذي لمجموعة أبحاث AidData في William & Mary، لمجلة Foreign Policy الأمريكية  "إنه على مدى عقدين من الزمن، كانت البلدان تتعرف على الصين على أنها ذلك المموِّل الخيِّر للبنية التحتية"، لكن الآن، على حدّ قول باركس، "يتعرف العالم النامي على الصين في دور جديد للغاية -كأكبر محصل رسمي للديون في العالم". 

ويقول الخبراء إن هذا التوتر جعل بكين في مواجهة مقايضة مستحيلة: هل تستطيع جمع أموالها دون الإضرار بصورتها؟ 

قال زونغيوان زوي ليو، خبير الاقتصاد السياسي الدولي في مجلس العلاقات الخارجية: "هذه لحظة لا تستطيع فيها الصين إعداد كعكتها وتناولها أيضاً. أعتقد أن على الصين حرفياً أن تختار الجانب الذي تريد التخلي عنه. إذا كنت تريد استرداد أموالك، فأنت تريد فرض سداد الديون، وهذا يعني في الأساس أنك ستتخلى عن حسن النية". 

"عشوائية مبادرة الحزام والطريق"

بوصفها بـ"مشروع القرن" للرئيس الصيني شي جين بينغ، كُشِفَ عن مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، كحملة طموحة لتطوير البنية التحتية، والتي من شأنها أن تمتد عبر حوالي 140 دولة. في الممارسة العملية، كانت المبادرة أقل انسيابيةً وأكثر غموضاً. في الوقت الذي سارع فيه المقرضون الصينيون لإدارة المشاريع تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق، أصبح الأمر مزيجاً عشوائياً من المشاريع ذات عقود إقراض رديئة، بحسب المجلة الأمريكية. 

كانت المبادرة إلى حد كبير استجابةً للتحديات الاقتصادية المحلية للصين، حيث لا يمكن أن تجد فائضاً في القدرة الإنتاجية المحلية منفذاً سهلاً، بدلاً من استراتيجية كبرى لقلب النظام العالمي. قالت يون صن، مديرة برنامج الصين في مركز ستيمسون في واشنطن، إنه في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، "خافت" بكين ووجهت مبالغ ضخمة من المال إلى تطوير البنية التحتية كحزمة تحفيز محلية. 

وأضافت: "كان الهدف هو الحفاظ على استمرار الاقتصاد والحفاظ على نموه، وكانت النتيجة غير المقصودة أنها جعلت الصناعات المحلية في الصين تعتاد على المنشطات". 

أصبحت السوق الصينية، التي تعرضت لتضخيم شديد، تعجُّ بالصلب والأسمنت والزجاج والألمنيوم، مما دفع بكين للبحث في الخارج للحصول على إجابات. وبالنظر إلى حجم السوق الخارجية للبنية التحتية، فإن مبادرة الحزام والطريق ستسمح للصين بتصدير هذه القدرة الصناعية الزائدة، مع تسخير احتياطياتها الأجنبية وفائض الدولارات. 

قال باركس: "كان هذا عن الاقتصاد. لكن إذا تقدمت سريعاً إلى يومنا هذا، إذا كان الغرض الكامل من هذا البرنامج هو جني الأموال، والآن لديك الكثير من الدول التي لا تسدد قروضها المقوَّمة بالدولار، فمن المحتمل أن تشعر أن استراتيجيتك تأتي بنتائج عكسية". 

الصين.. أكبر دائن في العالم!

في عام 2017، تفوقت الصين على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في ترسيخ مكانتها كأكبر دائن في العالم، رغم أن بكين قلصت منذ ذلك الحين إقراضها. لكن العديد من المقترضين، الذين لا يزالون يعانون جراء جائحة كوفيد وحرب روسيا في أوكرانيا، إلى جانب ممارسات الإقراض في بكين، يكافحون الآن لسحب اقتصاداتهم من حافة الهاوية. ذهبت حوالي 60% من قروض الصين الخارجية إلى البلدان المتعثرة مالياً عام 2022، مقارنة بـ5% فقط عام 2010، وفقاً لباركس. وتضغط بعض الحكومات، غير القادرة على سداد الديون للصين، وتعاني من ضائقة مالية، من أجل تخفيف الديون أو الإعفاء من الديون أو إعادة الهيكلة.

وقد وضع هذا بكين في مأزق. قال براد سيتسر، كبير المستشارين السابق لممثل التجارة الأمريكي خلال إدارة بايدن، وهو الآن في مجلس العلاقات الخارجية: "أنت تكوِّن صداقاتٍ عندما تقدم قروضاً. لقد وضعت الصين نفسها في موقف صعب؛ لأن المصالح المالية لبنوك سياستها الرئيسية تقوم بالفعل بالمقايضة، الآن ضد مصالحها الدبلوماسية". 

الرئيس الصيني شي جين بينغ
الرئيس الصيني شي جين بينغ

لنأخذ زامبيا على سبيل المثال، فقد تخلفت عن سداد ديون بنحو 17 مليار دولار في عام 2020، وتعتبر الصين أكبر دائن لها. على مر السنين، توترت العلاقات الوردية بين البلدين، حيث كافحت بكين ولوساكا للتوصل إلى اتفاق لتخفيف الديون كجزء من الإطار المشترك لمجموعة العشرين. ظهرت حواجز على الطريق في هذه العملية: وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، التي حثت الصين على التنازل عن ديون زامبيا، اتهمت بكين مؤخراً بأنها "حاجز" أمام التقدم. وفي المقابل، ألقت بكين باللوم على واشنطن في "تخريب الجهود النشطة للدول الأخرى لحل مشكلات ديونها". 

قال سيتسر: "يبدو أن هناك مأزقاً كاملاً بين زامبيا والصين في الوقت الحالي. أي حل واقعي لمشاكل ديون زامبيا يتطلب مشاركة الصين". 

مع سريلانكا، وهي مقترض آخر يعاني من وطأة ديون متضخمة، منحت بكين كولومبو تأجيل سداد ديونها لمدة عامين. لكنها لم تقدم ضمانات التمويل المطلوبة لصندوق النقد الدولي للتدخل، مما منع المؤسسة بشكل فعال من تقديم قروض الإنقاذ إلى البلاد. 

قال باركس إن جزءاً من المشكلة هو أن بكين ليس لديها دليل للتغلب على أزمات الديون وإعادة هيكلة الديون السيادية. وقال: "لم تمر الصين بهذا من قبل". 

في محاولة للتعامل مع تحديات إعادة هيكلة ديون الاقتصادات المتعثرة، التقى ممثلون من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والهند، والصين، ونادي باريس، ومقرضون ومقترضون آخرون يوم الجمعة الماضي، 17 فبراير/شباط. وهذا الأسبوع، يعقد القادة مرة أخرى سلسلة من الاجتماعات المالية لمجموعة العشرين في الهند، ويقال إن نيودلهي تُعد اقتراحاً من شأنه الضغط على الدائنين الرئيسيين، بما في ذلك الصين، لقبول تخفيض قروضهم، حسبما ذكرت وكالة Reuters البريطانية لأول مرة. 

وقال سيتسر: "كانت الصين تأمل في استعادة أموالها، بالإضافة إلى القليل من الفائدة. لكنها اكتشفت في مجموعة كبيرة من الحالات أنه سيكون من الصعب للغاية استرداد أموالها -وبالبلدان المقترضة تريد بعض الراحة". 

تحميل المزيد