رغم تفوقها الجوي الساحق واقتراب الحرب من العام، ما زالت روسيا غير قادرة على حسم المعركة مع كييف وما زالت مقاتلاتها الشهيرة غير قادرة على التحليق بحرية في سماء أوكرانيا، البلد الذي كان تابعاً لها ويعتمد على طائرات قليلة ودفاعات جوية أغلبها روسي قديم، بحيث أصبح تعثر القوات الجوية الروسية لغزاً محيراً للعسكريين.
ورغم الفارق الهائل في العدد ودرجة التطور، هناك حالات قليلة ولكنها مثيرة للدهشة، قامت فيها مقاتلات أوكرانية بتحدي الطائرات الروسية الشهيرة.
موقع Eurasian Times الهندي يرى أن روسيا ترتكب نفس الخطأ في أوكرانيا الذي ارتكبته الهند ضد الصين في حرب عام 1962.
فما هو هذا الخطأ أو الأخطاء التي أدت إلى تعثر القوات الجوي الروسية في حسم المعركة ضد عدو أقل عدداً وعدةً بكثير؟
الأمريكيون توقعوا استسلام أوكرانيا خلال أسبوع وأن يكون مصيرها كجيش صدام
عند بدء الغزو الروسي لأوكرانيا رأى البنتاغون أن الحرب لن تستمر أكثر من أسبوع واحد، وعرض قادة غربيون على الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي استضافته في المنفى، ولكن استمرت حتى الآن نحو 53 أسبوعاً، وما زالت تبدو بعيدة عن نهاية قريبة حتى لو حقق الروس بعض التقدم مؤخراً.
ويظل السؤال الأكثر أهمية لحل لغز هذه الحرب هو: لماذا لم تستخدم روسيا قوتها الجوية بالطريقة التي كان يمكن أن تستخدمها بها قوة حديثة وكبيرة، وتحديداً مثلما فعلت الولايات المتحدة في حربها عام 1992 ضد العراق بعد غزوه للكويت، حيث كان الجيش العراقي أكبر وأقوى من الجيش الأوكراني الحالي، بل كان عدد الجنود والدبابات لدى العراقيين أكبر من أمريكا والتحالف الذي جمعته، ومع ذلك سحق الطيران الحربي الأمريكي الجيش العراقي الضخم تاركاً مهمة الإجهاز عليه للقوات البرية الأمريكية.
فبعد الهجمات الأولى للحرب في 24 فبراير/ِشباط 2022، توقع المحللون أن يحاول الجيش الروسي تدمير القوات الجوية والدفاعات الجوية الأوكرانية على الفور.
فارق هائل بين القوتين الجويتين
الجدير بالذكر أن روسيا لديها قوة جوية أكبر بكثير من جارتها أوكرانيا بشكل هائل، وتعتبر الثانية على مستوى العالم بعد القوات الجوية الأمريكية.
يذكر دليل القوات الجوية العالمية لشركة Flight Global 2022 أن روسيا تمتلك 1511 طائرة مقاتلة، في حين أن أوكرانيا لديها أقل من 100 طائرة.
ولكن عند المقارنة بين النوعية يظهر الفارق بشكل أكبر.
فلدى أوكرانيا عدد قليل ومتقادم من الطائرات ورثتها عن الاتحاد السوفييتي، بشكل يجعل سلاحها الجوي أضعف من معظم الدول العربية.
وأبرز الطائرات لدى أوكرانيا 37 طائرة ميغ 29، معظمها من نسخ قديمة غير محدثة بمستوى يناهز النسخ الروسية، ولديها 17 مقاتلة متخصصة في القصف الجوي من طراز سوخوي 25، و12 قاذفة من طراز سوخوي 24، وأقوى ما في جعبتها 32 من الطائرة الشهيرة سوخوي 27 التي تعود للثمانينات ويُعتقد أنها تعادل في قدراتها الـ"إف 15″ الأمريكية.
الفارق الهائل يُظهر أن روسيا لديها (229 طائرة) من السوخوي 27، ولكنها تمثل الجيل الأقدم من الطائرات الروسية، إذ لديها نسخ أحدث من هذه العائلة، منها 111 من طائرات سوخوي 30 الروسية الشهيرة التي تقارَن بالـ"إف 15 سترايك إيجل" الأمريكية، وتمتلك موسكو 92 من النسخة الأحدث من هذه العائلة الطائرة الشهيرة سوخوي 35، إضافة إلى 124 من المقاتلة القاذفة سوخوي 34 المطورة عن الأصل نفسه.
إضافة إلى عدد محدود من مقاتلات شبحية من طراز سوخوي 57 الشبحية من الجيل الخامس التي بدأت تدخل الخدمة بشكل محدود.
كما أن روسيا لديها قاذفات توبيولوف 22 إم، وتوبيولوف 95 (مناظرة للقاذفة الأمريكية الشهيرة بي 52)، وتوبيولوف 160 الأسرع من الصوت (المنافسة للقاذفة الأمريكية بي 1 بي)، وكلها قاذقات ثقيلة بعيدة المدى قادرة على إطلاق صواريخ كروز، وحمل أسلحة تقليدية ضخمة وكذلك أسلحة نووية.
ولدى روسيا أكثر من ألف من المروحية الشهيرة متعددة المهام ميل مي 17/8، ونحو 109 مروحيات من طراز كيه إيه 52، و108 من طراز ميل مي 28، وكلتاهما تعد منافساً للمروحية الأمريكية الهجومية الشهيرة أباتشي، و329 من المروحية الهجومية الشهيرة ميل مي 24 وهي قديمة نسبياً ولكن مشهود لها بالكفاءة.
ورغم تفوق القوات الجوية الروسية على نظيرتها الأوكرانية بشكل كبير، من حيث الأعداد والقوة النارية، لا تزال القوات الجوية الأوكرانية تحلّق ولا تزال دفاعاتها الجوية قابلة للحياة، وهي حقيقة محيّرة للخبراء العسكريين.
هل المشكلة في المقاتلات الروسية الشهيرة؟ إليك ما يقوله الخبراء الغربيون عنها
هل كان أداء الطيران الروسي المرتبك بسبب عيوب المقاتلات الروسية، وهل كانت شهرة مقاتلات روسية مثل سوخوي 30 وسوخوي 35 مجرد دعاية روسية تلقفها هواة الطيران على الإنترنت.
المفارقة أن الخبراء والمسؤولين العسكريين الغربيين، رغم انتقاداتهم للجيش الروسي على مستويات عدة بشكل مبالغ فيه أحياناً بما فيه الانتقاد لكثير من الآليات العسكرية مثل الدبابات الروسية، فإنهم نادراً ما يقللون من قيمة المقاتلات الروسية خاصة عائلة سوخوي 27/ 30/ 34/ 35 المعروفة في الناتو باسم "فلانكر"، حتى لو قللوا من أداء رادارات المقاتلات الروسية وأنظمة التشويش والصواريخ وغيرها من الذخائر.
ويعني ذلك أن عائلة سوخوي تحديداً ما زال معترفاً بها كطائرة قوية ومنافسة للمقاتلات الغربية، ودولة مثل الهند أصبح لديها القدرة على شراء مقاتلات غربية واشترت بالفعل الرافال من فرنسا، ما زالت تعتمد على السوخوي 30 كعمود فقري لأسطولها الجوي وسوف تستثمر المليارات لتطوير نسخة منها تطلق عليها "سوبر سوخوي".
أم بسبب العقيدة العسكرية الروسية وأخطاء القيادة؟
فهل كان السبب هذا التعثر، هو العقيدة العسكرية الروسية وهيكلها العسكري المركزي وطريقة قيادة مسرح العمليات، إذ يرى تقرير الموقع الهندي مثله مثل كثير من المحللين الغربيين، أن العقيدة الروسية العسكرية لا تراعي دور القوة الجوية المستقلة، وتجعل القوات الجوية تابعة للجيش، مما يفقدها حرية الحركة والتخطيط.
ويتساءل الموقع هل قائد الجيش الروسي يسيطر على عمليات وتوظيف القوة الجوية، وهل يخضع جزء من سلاح الجو الروسي الشهير للتدقيق في عملياته من قبل قيادة الجيش عكس أسلحة الجو الغربية.
ويقول التقرير في هذا الصدد أن سلاح الجو الروسي أجرى عمليات ناجحة للغاية في سوريا بأقل قدر من الخسائر.
بالطبع، تتباين بيئة الدفاع الجوي في أوكرانيا التي تعج بأنظمة إس 300 السوفييتية وآلاف من الصواريخ السوفييتية الصنع أو الغربية المحمولة على الكتف مثل صاروخ ستينغر الأمريكي الشهير تماماً في الفاعلية بالمقارنة بسوريا التي حُرمت فيها قوات المعارضة السورية من الصواريخ المحمولة على الكتف عمداً من قبل الغرب خوفاً من سقوطها في أيدي مجموعات إرهابية.
أولى أسباب تعثر القوات الجوية الروسية.. الإخفاق في تنفيذ "قيلولة الأرض"
يقول الموقع الهندي: "لم يتعلم الروس دروسهم من كارثة الحرب الأفغانية، حيث تسببت صواريخ ستينغر الأمريكية التي منحت للمجاهدين الأفغان في إلحاق خسائر كبيرة بأسطول طائرات الهليكوبتر الروسية. كان التعرض المفرط وعدم القدرة على تنفيذ تحليق "قيلولة الأرض" أو "Nap-of-the-earth" (هو نوع من الطيران على ارتفاعات منخفضة جداً لتجنب الاكتشاف من قبل العدو) هو السبب الرئيسي لإطلاق ستينغز النار على مئات المروحيات الروسية في أفغانستان.
بالطبع واجهت المقاتلات والمروحيات الروسية تحدياً استثنائياً في الأغلب لم تواجهه قوات جوية في حرب حديثة، إذ زود الغرب أوكرانيا قبيل الحرب بأشهر قليلة بآلاف الصواريخ المحمولة على الكتف التي لا تحتاج لتدريب مكثف وأشهرها صاروخ ستينغر الأمريكي الذي اشتهر في الثمانينات عندما أنقذ المجاهدين الأفغان من الطائرات الروسية.
ولكن الأفغان حصلوا على عشرات من قاذفات هذه الصواريخ، بينما كييف حصلت على الآلاف، ويعتقد أن واشنطن أدخلت تطورات كبيرة عليه منذ ذلك الوقت بجانب امتلاك أوكرانيا أنظمة سوفييتية الصنع من الصواريخ المحمولة على الكتف.
على الجانب الآخر، يعتقد محللون غربيون أن هناك مشكلات في تكتيات وتدريبات الطيارين الروس تؤثر على قدرتهم في تنفيذ عمليات قيلولة الأرض.
الفشل في السيطرة على السماء خوفاً من صواريخ سام
تجاهلت القيادة العسكرية الروسية في حرب أوكرانيا، المبدأ الأساسي المتمثل في الفوز بأي حرب تقليدية، والتي تنص على أن "السيطرة على الأرض في الأسفل مضمونة إذا كان المرء يسيطر على السماء في الأعلى".
وقال ديفيد ديبتولا، وهو جنرال متقاعد من القوات الجوية الأمريكية كان يقود منطقة حظر الطيران فوق شمال العراق، إنه فوجئ بأن روسيا لم تعمل بجدية أكبر لفرض هيمنتها الجوية منذ البداية، حسبما نقل عنه تقرير لموقع Insider الأمريكي.
وقال مسؤول أمريكي كبير إن الولايات المتحدة تقدّر أن روسيا تستخدم ما يزيد قليلاً على 75 طائرة في بداية غزوها لأوكرانيا.
قال مسؤول دفاعي أمريكي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، للصحفيين، إن "هناك سلوكاً معيناً لديهم ينفّر من المخاطرة، فهم ليسوا مستعدين لتحمُّل مخاطر عالية على طائراتهم وطياريهم، وبالطبع نحن نرى ذلك على الأرض في التقدُّم البطيء والمرهق الذي أحرزوه".
يقال إن الطائرات الروسية تعاني من نقص بودات التصويب، كما أن القوات الجوية الروسية تعاني تقليدياً من قلَّة عدد ساعات الطيارين الروس مقارنة بأقرانهم الغربيين لاسيما الأمريكيون، سواء بسبب نقص الموارد المالية أو بسبب قصر عمر أبدان الطائرات الروسية مقارنة بنظيراتها الغربية.
ولكن كان يُعتقد أن هذه العيوب قد تلافاها الجيش الروسي، من خلال الإصلاح الذي جرى على مدار السنوات الماضية.
ويقال إن أحد الأسباب هو أن الروس يدَّخرون طائراتهم الأفضل لأي مواجهة محتملة مع دول الناتو.
تكرار للخطأ الهندي
قامت روسيا عن غير قصد بتكرار نفس الخطأ الفادح الذي ارتبكته الهند في حرب عام 1962 المحدودة ضد الصين، موقع Eurasian Times.
لم تستخدم القيادة الهندية في ذلك الوقت عناصر الضربة القوية للقوة الجوية مجتمعةً، خوفاً من تصعيد الصراع، رغم أنها كان لديها ميزة أن ساحة المعركة أقرب لقواعدها الجوية الكبيرة في شمال الهند، بينما الجبهة من ناحية الصين بعيدة عن مطارات بكين الرئيسية لأنها تتاخم هضبة التيبت الشاهقة الارتفاع والوعرة.
ولأسباب مختلفة، كررت موسكو نفس الخطأ، وبالتالي أدى عدم التوظيف أو التوظيف المحدود للعناصر الهجومية في القوة الجوية إلى حرمان القوات البرية الروسية من التفوق على نظيراتها الأوكرانية، وبالتالي الانتكاسات والمأزق الحالي.
كانت العواقب كارثية، فشلت روسيا في تطبيق الإمكانات الكاملة للقوة الجوية. وتسبب الإحجام عن استخدام الطائرات الروسية القوية في إطالة أمد الحرب، وذلك خوفاً من تهديدات الصواريخ المضادة للطائرة الطويلة المدى التي تطلق من الأرض "SAM" (سام)، وهي ذات الصواريخ التي استخدمتها مصر بكفاءة نسخها القديمة لحماية قواتها خلال عبورها لقناة السويس خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
فتش عن سيطرة الجيش على القوات الجوية
مع هذا التفوق الساحق في الأرقام والجودة، قدم سلاح الجو الروسي أداء مرتبكاً، ولكنه ليست المسؤول الوحيد عن ذلك.
تتبع القوات الجوية الروسية قيادة الجيش. وتخضع عناصر القوة الجوية الروسية، وهي المقاتلات والمروحيات الهجومية وطائرات النقل وما إلى ذلك، للقيادة الموحدة لضباط الجيش في المقام الأول بسبب الهيكل التنظيمي لقيادة العمليات.
القائد الحالي للقوات الجوية الروسية هو الفريق سيرجي درونوف، يتساءل الموقع الهندي، هل يسيطر بشكل مستقل على تنفيذ الحرب الجوية بالتنسيق مع الهجوم البري؟ لن تعرف الإجابة النهائية إلا بعد انتهاء الحرب.
طيارو روسيا كالمستجير من الرمضاء بالنار
لم يؤد استخدام الأوكرانيين بكثافة للصواريخ المحمولة على الأكتاف، إلى سقوط عدد كبير من الطائرات الروسية على الأرجح، ولكنه دفعها للتحليق عالياً، حيث عملت أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات الأطول مدى على استكمال المهمة ومطاردة الطائرات الروسية.
كان يجب على القوات الجوية الروسية أولاً تحييد الدفاع الجوي الأوكراني.
بدلاً من ذلك، اعتمدوا على قاذفات استراتيجية مثل Tu-95 و Tu-160. لإطلاق ما يعتقد أنه أكثر من 1000 صاروخ كروز من طراز Kh-101 خلال الأيام العشرة الأولى للحرب، دون جدوى تذكر، وتعرضت مخزونات موسكو للاستنزاف.
محدودية استخدام الحرب الإلكترونية المضادة
استخدمت أوكرانيا S-300 وSA-8 وSA-11 الروسية. أسقطت صواريخ سام معظم المقاتلات والمروحيات الروسية. من الواضح أن القوات الجوية الروسية إما لم تقم أو لم تتمكن من التشويش على الرادارات الأرضية الأوكرانية ذات المواقع الاستراتيجية.
مرة أخرى، كان بإمكان القوات الجوية الروسية لو كانت خاضعة للرقابة المهنية والمستقلة من قبل قادة طيارين تجنب ارتكاب مثل هذه الأخطاء الصارخة في تنفيذ توظيف القوة الجوية، حسب الموقع الهندي.
كان من الممكن أن تؤدي التكتيكات المناسبة مع الاستخدام المكثف لتدابير الإجراءات الإلكترونية المضادة إلى تحييد عناصر الدفاعات الجوية الأرضية، فقمع الدفاع الجوي للعدو (SEAD) ضروري للحملة الجوية الهجومية.
عدم تبني الروس هذا المبدأ الأساسي للحرب الجوية أمر محير.
ويعتقد أن الروس متأخرون عن الغرب في مجال الإجراءات الإلكترونية المضادة، لأسباب تقنية أو لعدم استثمارهم بشكل كبير في هذا المجال، ونقص الأموال لديهم، كذلك عدم إعطائه أولوية في عقيدتهم العسكرية بما في ذلك التدريب.
وتشغل القوات الجوية الروسية عدداً قليلاً من طائرات الحرب الإلكترونية EW المكلفة بإضعاف فاعلية أجهزة الرادار والراديو للعدو، وطائرات الإنذار المبكر والتحكم في الجو المعروفة اختصاراً بـ"AEW&C"، المصممة لاكتشاف الطائرات والسفن والمركبات والصواريخ وغيرها من الأسلحة الخاصة بالعدو.
ووجد أن عملية توظيف هذه الأصول الحيوية جاء ناقصاً من الناحيتين التكتيكية والتشغيلية.
قبل شن حرب جوية، يعد رسم الخرائط الإلكترونية مبدأ أساسياً للحرب الجوية. فشلت القوات الجوية الروسية في القيام بذلك. لن يتم إطلاق سلاح جوي مستقل أبداً ما لم يتم إجراء رسم خرائط إلكترونية للمنطقة المستهدفة المقصودة.
هل سيفهم ضابط الجيش البري عندما يكون مسؤولاً عن خطط القوات الجوية وتوجيهها الحاجة إلى رسم الخرائط الإلكترونية؟ يقول الموقع الهندي: تبدو النتائج الكارثية واضحة في أداء الطيران الروسي بسبب نقص هذه المعرفة الأساسية. الفجوة في القدرة على التوظيف في قدرات القوات الجوية الروسية واضحة تماماً.
كما يعتقد أن الأمريكيين قدموا دعماً كبيراً ومؤثراً لأوكرانيا في الاستطلاع والتجسس والاستخبارات، عبر الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع التي تحلق قرب ساحة المعركة.
في المقابل، هناك نقص واضح للطائرات الروسية العاملة في مجال الاستطلاع، لا سيما المسيرة، لأن الاتحاد السوفييتي (ومن بعده روسيا) قوة برية تقليدية دفاعية، حيث تظل قدرة موسكو على جمع المعلومات الاستخباراتية ضئيلة مقارنة بدول الناتو، حسب موقع Eurasian Times.
وكان قادة الاتحاد السوفييتي يراهنون على أنه في أي معركة سوف تسقط موسكو طائرات الاستطلاع الأمريكية (التي تمثل نقطة تفوق واشنطن الواضحة)، عبر أنظمتها الدفاعية الجوية أو الطائرات الاعتراضية السريعة التابعة لموسكو.
فمع ميزانيتها الدفاعية المحدودة، لا تستطيع روسيا بناء قدرة تضاهي الولايات المتحدة في المجال الجوي، خاصة طائرات الاستطلاع، واستثمرت بدلاً من ذلك في تطوير صواريخ بعيدة المدى، يمكنها القضاء على أصول طائرات الاستطلاع والتجسس الأمريكية.
ولكن الوضع الآن مختلف، فروسيا لا تستطيع مهاجمة طائرات الاستطلاع الأمريكية أو التابعة للناتو؛ لأنها لا تحلق في المجال الجوي الأوكراني، رغم أنها تطير في الأغلب بمحاذاة حدود أوكرانيا بطريقة تجعلها تستطيع كشف أسرار روسيا العسكرية.
نقص التنسيق بين القوات الجوية والبرية
تعني عقيدة "التنفيذ المركزي" المعروفة منذ زمن طويل لدى الجيش الروسي، أنه لا أحد في ساحة المعركة يمكنه فعل أي شيء حتى يعطي القائد العام الضوء الأخضر.
يُعتقد أن إحدى مشكلات موسكو في أوكرانيا، هي الضعف العام للقوات الجوية الروسية والبرية في مسألة التنسيق والاتصالات، وخوض حرب الأسلحة المشتركة التي تتطلب درجة عالية من اللامركزية وإتاحة حرية اتخاذ القرار للقادة الميدانيين، وهو أمر مخالف للطبيعة المركزية التي ورثها الجيش الروسي عن سلفه السوفييتي.
قد يبدو أن الحديث عن مشكلة نقص التنسيق يتناقض مع التحليل القائل بأن المشكلة الأساسية للقوات الجوية الروسية هي سيطرة قيادة الجيش عليها، ولكنهما شيئان مختلفان.
تؤدي سيطرة الجيش إلى أن الخطط والأهداف الاستراتيجية للقوات الجوية تضعها قيادة القوات البرية التي لا تفهم طريقة عمل سلاح الجو، وفي الوقت ذاته فإن هذه السيطرة المركزية تؤدي لأن الاتصال بين وحدات القوات البرية ونظيرتها الجوية العاملة في الميدان يعتمد على الأغلب على الاتصال عبر القيادات المركزية للسلاحين، مما يطيل وقت الاتصالات ويقلل فاعليتها.
في الجيوش الغربية وفي دولة مثل إسرائيل، يكون هناك اتصال مباشرة بين قادة الوحدات البرية العاملة على الأرض، والطيارين على متن المقاتلات، وبالتالي حرية القرار للعاملين في الميدان لاتخاذ القرار سريعاً.
فصل تاريخي بين مهام القتال والقصف ومشكلة في استخدام الذخائر الموجهة
كما يُعتقد أن القوات الجوية الروسية تعاني من تأثير الفصل التاريخي منذ العهد السوفييتي بين قدرات القصف وقدرات القتال الجوي، علماً بأن الحرب الحديثة والطائرات المقاتلة المعاصرة متعددة المهام، في حين أن أغلب الطائرات الروسية الشهيرة جذورها طائرات مقاتلات صافية، ولكنها طُوِّرت لتصبح طائرات متعددة المهام.
إضافة لذلك يقال إن الطيارين الروس ليست لديهم خبرة كبيرة في استخدام القنابل الموجهة، باستثناء نخبة الطيارين، ولذلك يعتمدون على القنابل غير الموجهة بشكل كبير، كما أن الإجراءات المضادة للصواريخ أقل من الغرب.
أحد أسباب عدم مبادرة سلاح الجو الروسي لوأد الهجوم الأوكراني في إقليم خاركييف أن عقيدة سلاح الجو الروسي تمنعه من دعم القوات البرية عن كثب، عندما يكون العدو في حالة تحرك.
جذور هذا الارتباك تعود لما حدث في التاريخ الروسي القريب
عانت القوة الجوية الروسية من أوقات الصعبة أثرت على أدائها، فقبل انهيار الاتحاد السوفييتي، كان سلاح الجو السوفييتي يحصل على حوالي 350-400 طائرة كل عام.
ولكن منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، تم تهميش القوات الجوية الروسية، حسب الموقع الهندي.
في عام 1992، حصل سلاح الجو الروسي على 32 طائرة فقط، ووصل الرقم إلى الصفر في عام 1997. إهمال القوة الجوية هذا له تكلفة كبيرة، وهو ما تعلمته روسيا في الحرب مع أوكرانيا.
كما يعتقد أنه إضافة لنقص الأموال لدى روسيا، أنها كانت تنتظر دخول طائراتها الشبحية سوخوي 57 للخدمة، ولذلك لم تتوسع في إنتاج مقاتلات سوخوي 30 وسوخوي 35 لقواتها الجوية، رغم أنها توسعت في تصديرها.
وعلى سبيل المثال، تمتلك الهند طائرات سوخوي 30 أكثر من روسيا، وبنسخ مزودة بتقنيات فرنسية وإسرائيلية تجعلها أكثر تطوراً من نظيراتها الروسية.
وتمتلك الصين أكثر من 680 مقاتلة من عائلة فلانكر الروسية الأصل المشتقة من المقاتلة سوخوي 27 السوفييتية الشهيرة، بينها مقاتلات روسية الصنع من طرازات سوخوي 27/ 30 / 35، إضافة لمتغيرات صينية مشتقة منها هي J-11، وJ-15، وJ-16، بينما تمتلك موسكو من نفس العائلة نسخاً أقل من ذلك بعدد يدور حول 460 طائرة منها 127 قاذفة مقاتلة من طراز سوخوي 34 (لم يتم تصديرها).
أدى هذا الإهمال الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود إلى تسليط الضوء على الحاجة إلى قوة جوية حديثة وقوية وقوية.
ويرى الموقع الهندي أن نقص الأموال ليس السبب الوحيد في عدم إيلاء القوات الجوية الروسية الاهتمام الكافي، بل ربما الأهم من ذلك هو أن السيطرة المركزية لقوات الجيش على القوات الجوية أثرت على خطط الاستحواذ طويلة الأجل والتدريب والتعليم التكتيكي للقوات الجوية الروسية.
ما هي الدروس المستفادة من تعثر القوات الجوية الروسية بمقاتلاتها الجبارة؟
الدرس الأكثر أهمية، على الأقل حتى الآن، من الحرب الروسية الأوكرانية التي لم تنته بعد، هو الحاجة إلى قوة جوية مستقلة، قادرة على العمل بشكل استباقي يقودها محاربون جويون محترفون. فلا يمكن لقوة جوية موزعة فيما يشبه حزم القرش توصيل الضربات المطلوبة.
لن يتم الفوز بأي حرب تقليدية مستقبلية بشكل حاسم إلا عندما تتمكن القوات الجوية للبلد المحارب من تحقيق السيطرة الجوية والحرمان الجوي (منع وصول الإمدادات للعدو) وتمكين القوات البرية من العمل وتحقيق هدفها العسكري.
لتحقيق ذلك، يجب تدمير القوة الجوية للعدو في الهواء، وعلى الأرض (في المطارات)، وفقط القوات الجوية المستقلة ذات العقيدة الواضحة يمكنها تحقيق ذلك.