بدأت الألغام البحرية، التي زرعها كلا الجانبين في الحرب الروسية الأوكرانية، تشكل خطراً على المدنيين وغيرهم في جميع أنحاء البحر الأسود. بعد الشرود عن أماكنهم، تنتشر الألغام في جميع أنحاء المنطقة، مع انفجار واحد على الأقل في تركيا. ومع استمرار الصراع، من المحتمل أن يصبح المزيد والمزيد من الألغام غير مقيدة وتنزلق في البحر، ومن المحتمل أن يتأذى شخص عاجلاً أم آجلاً.
أوكرانيا وروسيا زرعتا مئات الألغام البحرية في البحر الأسود
يقول تقرير لمجلة Popular Mechanics الأمريكية إن أوكرانيا وروسيا زرعتا الألغام على مدار الحرب، لأسباب مختلفة ظاهرياً. وضعت أوكرانيا، التي ليس لديها قوة بحرية يمكن التحدث عنها، حقول ألغام لتقييد حرية حركة البحرية الروسية.
على الرغم من النفي الأوكراني، فإن روسيا تصرّ على تصدير روايتها التي تقول إن البحرية الأوكرانية زرعت حقول ألغام قُدّر عددها بـ420 لغماً قرب موانئ أوديسا شمال البحر الأسود، وإن العواصف تسببت في انقطاع الكابلات التي تربطها بالمراسي السفلية، وساهمت الرياح في انجرافها باتجاه الساحل الغربي للبحر الأسود.
وتشير تقارير روسية إلى أن جزءاً من هذه الألغام صُنعت في العهد السوفييتي في النصف الأول من القرن العشرين، وزرعتها أوكرانيا مع بداية الحرب في 24 فبراير/شباط 2022. والألغام من طرازي "YM" بوزن 172 كيلوجراماً و"YRM" بوزن 30 كيلوجراماً، تُزرَع على عمق من متر إلى مترين، وتنفجر بالتلامس.
وفي وقت سابق من الحرب، كانت هناك مخاوف من قيام مشاة البحرية الروسية بمحاولة إنزال برمائي في أوديسا، الميناء البحري الرئيسي في أوكرانيا، لكن الهجوم لم يتحقق قط. قامت القوات الروسية، كجزء من الحصار البحري، بزرع الألغام حول موانئ أوكرانيا لتقييد تدفق الصادرات الزراعية، وخاصة الحبوب؛ مما أدى إلى شل اقتصاد البلاد. وافقت روسيا على رفع الحصار في عام 2023، لكنها لم تقم بأي عمليات إزالة ألغام ذات مغزى.
وفي ظل التهديد المحدق الذي سبّبه هذا الكمّ الكبير من الألغام الشاردة في البحر الأسود، يجادل الخبراء بضرورة إشراك جميع الدول المشاطئة في العملية والتعاون في تنفيذ العمل المشترك الرامي إلى حل المسألة التي تثير قلق العالم أجمع؛ نظراً إلى خطورتها على قطاع الملاحة البحرية.
كيف انجرفت هذه الألغام من مكانها ووصلت إلى تركيا ورومانيا وغيرها؟
أدت مجموعة من العواصف الموسمية وتآكل المياه المالحة إلى تحرير الألغام من أماكنها الموضوعة فيها لبعض الوقت حتى الآن، وتنتشر الألغام عبر البحر الأسود.
في أواخر فبراير/شباط من العام الماضي، بعد يومين من بدء الحرب، عثر الباحثون عن الألغام مع القوات البحرية التركية على لغم في مضيق البوسفور المزدحم، وفجّروه قبل أن يشكل خطراً على الشحن القريب. بحلول أبريل/نيسان، اكتُشِفَت ثلاثة ألغام في المياه التركية ووصلت أخرى إلى مضيق البسفور.
وخلال عام من الحرب، أعلنت القوات التركية إجراء 6 آلاف و747 ساعة إبحار و1496 ساعة طيران في إطار عمليات اصطياد الألغام الضالة في البحر الأسود؛ حيث تشارك فرق من قوات الدفاع تحت الماء (SAS) التركية في عمليات تفكيك الألغام البحرية، ونجحت منذ 28 مارس/آذار 2022 بتفكيك 4 ألغام.
إبطال مفعول 28 لغماً بالقرب من رومانيا وبلغاريا
في سبتمبر/أيلول، اصطدمت سفينة تجريف تابعة للقوات البحرية الرومانية بلغم مجهول كانت تحاول نزع فتيله على بعد حوالي 25 ميلاً بحرياً شمال شرق ميناء مدينة كونستانتا. تم تفجير اللغم بالفعل، لكن لم يصب أي من أفراد الطاقم البالغ عددهم 75. ويزعم التقرير أنه تم تدمير 28 لغماً في قبالة سواحل الدول الواقعة في النصف الغربي من البحر الأسود بحلول سبتمبر/أيلول 2022.
في الشهر الماضي، نفذت البحرية البلغارية تفجيراً محكماً للغم بحري من طراز MYaM. هذا اللغم صغير وترسي به ثلاثة فتائل كيميائية تشبه القرن تبرز من قمة كروية. يزن الواحد منه 142 رطلاً بالإضافة إلى مرساة تزن 99 رطلاً، وله شحنة شديدة الانفجار تزن 45 رطلاً. وصُمِّمَ اللغم ليُثبَّت في مكانه وينفجر بمجرد أن يسحق هيكل السفينة المتحركة الفتيل.
الألغام البحرية على شواطئ جورجيا
وقبل ثلاثة أيام فقط، في حادث آخر وقع على شاطئ في باتومي، جورجيا، رُصِدَ لغم بحري أثناء تعثره في الأمواج الكثيفة. انفجر اللغم فجأة، وأفادت الأخبار المحلية أنه لم يصب أحد بأذى على الشاطئ.
وتقول مجلة Popular Mechanics الأمريكية، إن الروس والأوكرانيين يعرفون على وجه اليقين عدد الألغام الموجودة في البحر الأسود، وهم مشغولون جداً في القتال لمعالجة هذه المشكلة.
وبحسب المجلة، لا أحد يعرف عدد هذه الألغام التي تجوب البحر الأسود الآن، وكلما طالت مدة بقائها غير مجمعة، زاد انجرافها. من المحتمل أن تتآكل الألغام، التي تتعرض لمياه البحر والعناصر الموجودة فيها، وتصبح أخطر ولا يمكن التنبؤ بها مع مرور الوقت. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يصبح بعض الملاحين الفقراء أو أحد مسافري الشواطئ ضحية لغم بحري مارق.