"الذكاء الاصطناعي يسرق مواهبنا وأفكارنا دون أن ندري"، هكذا بدأ بعض الفنانين يحذرون بعد أن وجدوا الإنترنت غارقاً بلوحات مأخوذة من أساليبهم الفنية، وسط مخاوف من أن تؤدي الفنون المولدة بالذكاء الصناعي لتدمير الفن البشري.
ويمثل الفنان البولندي جرزيغورز روتكوفسكي نموذجاً لمحنة الفنانين البشر مع الفنون المولدة بالذكاء الصناعي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
فلقد درس روتكوفسكي مع كبار فناني الملمس والضوء العظماء- كارافاجيو ورامبرانت وفيرمير- وقد جعلته قدرته على محاكاة تقنياتهم رساماً مطلوباً للوحوش الخيالية والمناظر الطبيعية لصناعة ألعاب الفيديو.
لكن في هذه الأيام، بدلاً من تكريس كل وقته للرسم في الاستوديو الخاص به تحت أشعة الشمس بالقرب من ساحة القرون الوسطى الخلابة في مدينة بيانسك البولندية، فإنه يقضي المزيد من الوقت على مكالمات زووم، ويتحدث إلى المحامين والفنانين وغيرهم حول سبب غريب أنه أصبح فجأة أشهر بكثير مما كان يعتقد.
انضم لدعوى جماعية ضد الفنون الفنون المولدة بالذكاء الصناعي بعد استنساخها لأسلوبه
اتضح أن أسلوب روتكوفسكي المميز واختياره للموضوع قد جعلا منه فناناً من بين الفنانين الأكثر شعبية لنسخ الصور باستخدام نوع أنظمة الذكاء الاصطناعي المولدة للصور، التي انتشرت بشكل كبير في العام الماضي.
أبرز هذين النظامين هما Dall-E 2، من إنتاج شركة OpenAI ومقرها سان فرانسيسكو، ونظام Stable Diffusion، الذي أنشأته شركة Stability AI، رغم وجود عدد متزايد من المنافسين.
والنتيجة هي أن الصور التي صنعها الذكاء الاصطناعي بأسلوب روتكوفسكي ظهرت فجأة في جميع المنتديات على الإنترنت، حيث يشارك المستخدمون الأعمال التي قاموا بإنشائها.
وأصبح اسم روتكوفسكي محفزاً شائعاً في مثل هذه الشركات المولدة للفنون بالذكاء الاصطناعي، لدرجة أنه قرر مؤخراً الانضمام إلى دعوى قضائية تسعى إلى وضع دعوى جماعية ضد العديد من الشركات المعنية بتكنولوجيا الفنون المولدة بالذكاء الصناعي.
تحتاج الفنون المولدة بالذكاء الصناعي إلى فهم أساليب الفنانين، وبالتالي، لكي تنسخ هذه الخوارزميات أسلوب روتكوفسكي، كان على الشركات التي قامت ببنائها أولاً نسخ أعماله وأعمال آلاف الفنانين الآخرين من الإنترنت، ثم استخدامها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم. هذه هي الآليات الأساسية لكل ما يسمى بالذكاء الاصطناعي التوليدي. أولاً تجد الشركة أو تنشئ مجموعة كبيرة بما يكفي من البيانات، ثم تستخدم خوارزميات مختلفة لتدريب البرامج على ترجمة نصوص أو صور أو تعليمات برمجية معينة، بناءً على تلك البيانات.
والآن باتت اللوحات المقلدة له تطغى على أعماله في جوجل
أكثر ما يقلق روتكوفسكي هو أن الفن الذي يُنشَأ باستخدام عمله يهدد بدفن أعماله الأصلية، في فهرس بحث جوجل مثلاً.
قصة روتكوفسكي مهمة، لأنها من نواحِ كثيرة تمثل الطريقة التي تعمل بها الفنون المولدة بالذكاء الصناعي حيث يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على تحويل إنتاج جميع أنواع الأعمال الإبداعية، بما في ذلك الروايات والنسخ التسويقية والمقالات الإخبارية والفيديوهات والرسوم التوضيحية والرموز.
لقد تعاملنا جميعاً منذ سنوات مع أنواع من الذكاء الاصطناعي، التي تتفوق في التعرف على الأنماط، وتمكين وظائف مثل التعرف على وجوه أفراد الأسرة في تطبيقات الصور، أو الإبلاغ عن المحتوى المرفوض قبل أن يصل إلى الوسائط الاجتماعية الخاصة بنا.
ولكن تخطو الخوارزميات التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي المولدة خطوة إلى الأمام. يتطلب كلا النوعين من الذكاء الاصطناعي مجموعات كبيرة من بيانات التدريب، لكن الذكاء الاصطناعي التوليفي يمكنه في الواقع توليف تلك البيانات لإنتاج محتوى جديد، وليس فقط التعرف على ما هو موجود بالفعل.
البرمجيات تستوعب المحتوى دون إذن منتجيها
يجادل منتقدو هذه الأنظمة، الفنانون والمبرمجون والخبراء القانونيون وحتى بعض المهندسين الذين قاموا ببنائها، بأن هذه الأنظمة التي تجعل ذلك ممكناً، بما في ذلك ChatGPT لإنشاء النصوص من OpenAI، وGitHub Copilot من Microsoft للتعليمات البرمجية، والذكاء الاصطناعي لإنشاء الفن، كلها تستوعب المحتوى دون الحصول على إذن من منشئيها. ثم تستخدم هذا المحتوى لإنشاء أنظمة تتنافس فعلياً مع الأفراد الذين استوعبت تلك الأنظمة أعمالهم. بدون كل هذا المحتوى المجاني، الذي جُمِّعَ بموجب ما يجادل البعض بأنه حماية للاستخدام العادل، لا يمكن أن توجد أنظمة الذكاء الاصطناعي المولدة للمحتوى.
يجادل محبو هذه الأنظمة، بمن في ذلك من أسهموا في بنائها، والمستخدمون، والمجموعة المعتادة للمتفائلين بالتكنولوجيا، الذين يميلون إلى تشجيع أي ابتكار، بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يقوم فقط بنسخ ما يفعله الإنسان، فهو يتعلم من الأعمال الحالية، ثم ينتج مثيله بنفسه. يقولون أيضاً إنه، بغض النظر عن شعور المرء حيال كيفية إنجاز هذه الأنظمة لهذه الأعمال، قد تكون هذه التكنولوجيا حتمية، حيث يمكن لأي شخص لديه ما يكفي من المهارة التقنية بناؤها.
ولكن بعض التطبيقات تشترط موافقة أصحاب الأعمال
يحاول بعض الذين يشاركون هذا الرأي إنشاء إصدارات من التكنولوجيا، تتضمن الاعتبارات الأخلاقية. أطلق الموسيقار والمبرمج والأكاديمي ماثيو درايهورست مع زوجته، الموسيقارة هولي هيرندون، خدمة تسمى Spawning، مصممة لإنشاء فن الذكاء الاصطناعي باستخدام صور من الفنانين، فقط الذين وافقوا على استخدام أعمالهم.
يمكن للكُتَّاب والمبرمجين والفنانين الذين يتبنون هذه الأنظمة زيادة إنتاجيتهم بنفس الطريقة، التي أدت بها الأتمتة إلى زيادة إنتاجية عدد لا يُحصى من العمال في مجالات أخرى، منذ فجر الثورة الصناعية. وقد أبلغ كثيرون، بمن فيهم روائيون ومبرمجون، بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجعلهم أكثر إبداعاً وإنتاجية.
الذكاء الاصطناعي قد يجعل الأشخاص سيِّئي الرسم فنانين حاذقين
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الأنظمة إضفاء الطابع الديمقراطي على إنشاء المحتوى، يمكن للأشخاص الذين بالكاد يرسمون دائرة أن تكون لهم يد في إنشاء أعمال فنية تخطف الأنفاس. يمكن لغير الناطقين بلغة ما أن يولدوا نثراً مذهلاً حول أي موضوع، ويمكن للمبرمجين الذين يتعرضون لضغط مستمر ليكونوا أكثر إنتاجية إنشاء أجزاء من التعليمات البرمجية العاملة بدون أي شيء سوى نص قصير.
يُحجم أولئك الذين يقفون وراء الأنظمة عن التحدث بصراحة عنها، وذلك في ظل القضايا المقدَّمة إلى المحاكم في الأعمال ضد الشركات، التي إما تساعد في إنشاء هذا المحتوى وإما تستضيفها.
تشمل هذه القضايا الدعوى التي انضم إليها روتكوفسكي كمدعٍ ضد شركتي AI-art Midjourney وStability AI وDeviantArt، وهو منتدى شعبي للفن يستضيف فن الذكاء الاصطناعي، وأنشأ نظاماً خاصاً به لإنشائه. في هذه القضية، التي رُفِعَت الشهر الماضي في المحكمة الجزئية الأمريكية في سان فرانسيسكو، يجادل المدعون بأن هذه الشركات انتهكت حقوق الطبع والنشر لعشرات الآلاف من الفنانين.
دعوى قضائية جماعية أخرى، رُفِعَت في نوفمبر/تشرين الثاني، في نفس المحكمة الفيدرالية، تستهدف Microsoft، وشركتها الفرعية GitHub، وOpenAI لنظامهم GitHub Copilot. يجادل المدعون بأنه من خلال إنتاج رمز لا يعطي الإسناد إلى المؤلفين الأصليين الذين تُستخدَم شفراتهم لإنشاء نتائج روبوت Copilot، ينتهك النظام العديد من التراخيص مفتوحة المصدر، بالإضافة إلى قانون حقوق المؤلف للألفية الرقمية. ورد المدعى عليهم بالطلب من المحكمة إسقاط الدعوى، من بين حججهم: لم يثبت المدعون- المبرمجون الذين يشاركون الكود الخاص بهم على GitHub وفي أي مكان آخر- أن نظام Copilot يضر بهم بأي طريقة حقيقية.
قد تكون المخاطر هنا كبيرة، وكما يجادل مؤيدوه قد يكون الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الشيء الكبير التالي في التكنولوجيا، حيث يحدد الصناعات بأكملها لعقود. قد يكون أيضاً مجرد أداة أخرى تجعل الأشخاص أكثر إنتاجية قليلاً، ومنتجات Microsoft أكثر فائدة بشكل هامشي. تخطط Microsoft لاستثمار المليارات في شركة OpenAI، مبتكرة Dall-E وChatGPT وشركة OpenAI Codex، التي تشغل GitHub Copilot. وليس من الواضح ما إذا كانت أي من هذه التكنولوجيا، وخاصة محرك البحث المحتمل الذي يدعم الدردشة، تمثل تهديداً حقيقياً لشركة جوجل. على أية حال، فإن تطبيق ChatGPT في طريقه للوصول إلى 100 مليون مستخدم أسرع من تيك توك أو إنستغرام.
إن إمكانات هذه التكنولوجيا هي السبب الذي يجعل شركات مثل Microsoft تُسرع في الاستثمار في أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية، وطرحها رغم المخاطر في القيام بذلك، كما يقول جوزيف سافيري، المحامي الذي تقود شركته القضية ضد Microsoft بشأن GitHub Copilot.