روسيا تتقدم على طول خط المواجهة وأوكرانيا “تستنجد” بالغرب.. أين وصلت الحرب بعد عام كامل؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/14 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/14 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
A Ukrainian serviceman fires a mortar on a front line, as Russia's attack on Ukraine continues, in Zaporizhzhia region, Ukraine November 16, 2022. REUTERS/Stringer

أين وصلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل أيام قليلة من مرور عام كامل على اندلاعها؟ تحقق القوات الروسية تقدماً بطيئاً على طول خط المواجهة، بينما تعاني القوات الأوكرانية من نقص حاد في الذخيرة، فماذا عن دعم الغرب لكييف؟

كانت الحرب، أو "العملية العسكرية الخاصة" كما تصفها موسكو أو "الغزو العدواني غير المبرر" كما يصفها الغرب بقيادة جو بايدن، قد اندلعت يوم 24 فبراير/شباط 2022،ظ وشهدت خلال عامها الأول، الذي يقترب من نهايته، مراحل متعددة حتى وصلت إلى المرحلة الحالية من شبه استقرار على طول خط المواجهة.

لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، يبدو أن روسيا بدأت تستعيد زمام المبادرة في ساحة الحرب، بعد أن كانت أوكرانيا، بمساعدة الغرب وحلف الناتو، قد تمكنت من إحراز انتصارات ميدانية، أجبرت القوات الروسية على الانسحاب من مدن كبرى مثل خاركيف وخيرسون.

روسيا تتقدم على طول خط المواجهة

وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء ذكرت، الإثنين 13 فبراير/ شباط، نقلاً عن بيان لوزارة الدفاع أن القوات الروسية تمكنت خلال أربعة أيام من التقدم مسافة كيلومترين إلى الغرب، على طول خط المواجهة في أوكرانيا.

وجاء في تقرير الوزارة أن "الجنود الروس كسروا مقاومة العدو وتقدموا على عمق عدة كيلومترات في دفاعه المتدرج المستوى"، وأضاف التقرير "أنه في غضون أربعة أيام تحركت الجبهة مسافة مترين إلى الغرب".

لم ترد تفاصيل عن الجزء الذي تحرك من خط المواجهة الواسع، الذي يشمل عدة مناطق أوكرانية في جنوب وشرق البلاد، لكن منطقة دونيتسك في جنوب شرق أوكرانيا، والتي تسيطر روسيا على أجزاء كبيرة منها، وتسعى إلى السيطرة عليها بالكامل، تشهد بعضاً من أعنف المعارك في الأشهر الأخيرة.

تأتي هذه التطورات الميدانية في وقت تتحدث فيه التقارير الغربية عن تحضيرات روسية لشن هجوم كبير جديد، هدفه الرئيسي على ما يبدو هو حسم المعركة في إقليم دونباس بالأساس، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين.

كما قال مسؤولون في الجيش الأوكراني، الإثنين، إن مدينة باخموت شرقي البلاد تعرضت لقصف مدفعي روسي كثيف، إذ قال نائب قائد كتيبة إنه تم تحصين المواقع في باخموت، ولم يسمح بالدخول سوى لمن لهم دور عسكري. وأضاف أن أي مدني لا يزال يرغب في مغادرة المدينة سيتعين عليه مواجهة النيران القادمة، بحسب رويترز.

والواضح هو أن روسيا قد بدأت تكتسب زخماً في ساحة المعركة، إذ أعلنت إحراز تقدم في شمال وجنوب مدينة باخموت، التي تمثل الهدف الرئيسي للقوات الروسية منذ شهور. وتشير مواقع القتال المعلنة بوضوح إلى تقدم روسي متزايد.

وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية، آنا ماليار، قبل أيام، إن القتال العنيف مستمر في شرق أوكرانيا، حيث تحاول القوات الروسية السيطرة على أراضٍ بالقرب من مدينة ليمان، وهي مركز لوجستي استراتيجي.

روسيا
عناصر من الجيش الروسي / Getty

وكتبت ماليار على تطبيق المراسلة تليغرام: "القتال العنيف يحتدم في الشرق. العدو يحاول توسيع نطاق هجومه في قطاع ليمان. يقوم بمحاولات قوية لاختراق دفاعاتنا"، مشيرة إلى أن القوات الأوكرانية تتصدى لخصم أكثر قوات وتسليحاً. وأضافت: "رغم تكبدهم خسائر فادحة، يواصل الغزاة الروس هجومهم في قطاعات باخموت وأفدييفكا ونوفوبافليفكا".

وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد قال إن روسيا تشن هجمات في الشرق لا هوادة فيها، رغم الخسائر الفادحة التي مُنيت بها، معلقاً على ذلك بأن موسكو تثأر من نجاح أوكرانيا في طرد القوات الروسية من العاصمة والجنوب الشرقي والجنوب في مرحلة سابقة من الصراع.

وأضاف: "أعتقد أن روسيا تريد حقاً أن يكون انتقامها كبيراً. أعتقد أنهم بدأوا ذلك (بالفعل)". وقال للصحفيين في مدينة أوديسا الساحلية الجنوبية: "كل يوم إما يجلبون المزيد من قواتهم النظامية أو نشهد زيادة في عدد قوات فاغنر".

وتقع فوليدار جنوبي باخموت، بالقرب من المكان الذي يحمي فيه خط المواجهة الشرقي خطوط السكك الحديدية التي تسيطر عليها روسيا، والتي تزود قوات موسكو في جنوب أوكرانيا بالمؤن والعتاد. وقال ميكولا سالاماخا، وهو كولونيل ومحلل عسكري أوكراني، لإذاعة (إن.في) الأوكرانية، إن هجوم موسكو هناك باهظ التكلفة.

وأضاف سالاماخا: "البلدة واقعة فوق ربوة، وأُنشئ مركز دفاعي شديد التحصين هناك… هذا تكرار للموقف في باخموت، تسحق القوات المسلحة الأوكرانية موجة تلو الأخرى من القوات الروسية".

وتعتبر باخموت هدفاً رئيسياً لروسيا، وقد تركت أشهر من القصف الروسي أجزاء كبيرة منها بالفعل في حالة خراب. ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للحرب، وتوقع هجوم كبير جديد من الكرملين، زادت حدة الوضع هناك.

وقال فولوديمير نازارينكو، نائب قائد كتيبة سفوبودا الأوكرانية، عن الوضع حالياً في باخموت، إن "المدينة وضواحيها ومحيطها بالكامل، وبشكل أساسي جهة باخموت بأكملها وكوستيانتينيفكا، تتعرض لقصف جنوني فوضوي"، وأضاف "المدفعية تقصف كل طريق بطريقة فوضوية".

وأشار نازارينكو إلى أنه على الرغم من عدم وجود قتال في وسط المدينة حالياً فإن قوات الدفاع مستعدة لمواجهة أي هجوم. وقال "المدينة حصن، كل موقع وكل شارع هناك، كل مبنى تقريباً يشكل حصناً".

أوكرانيا تعاني من نقص حاد في الذخيرة

يثير التقدم الروسي تساؤلات بشأن وعود الغرب السخية لأوكرانيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد الموافقة على إرسال دبابات متطورة مثل أبرامز الأمريكية وليوبارد الألمانية، إضافة إلى التفكير في إرسال طائرات حربية أيضاً.

وكان ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، قد أكد للصحفيين، الإثنين، أن الهجوم الروسي الكبير الذي كان يُخشى وقوعه في أوكرانيا قد بدأ بالفعل: "لا نرى على الإطلاق ما يشير إلى أن الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين مستعد للسلام… ما نراه هو أن الرئيس بوتين وروسيا ما زالا يريدان السيطرة على أوكرانيا"، مضيفاً "نرى كيف ينقلون مزيداً من القوات والأسلحة والقدرات".

ورغم أن أوكرانيا تقول إنها بحاجة إلى طائرات مقاتلة وصواريخ بعيدة المدى من أجل المواجهة واستعادة الأراضي التي خسرتها، فإن الأنباء القادمة من خط المواجهة تشير إلى أن روسيا تكتسب مزيداً من الأراضي بالفعل.

ومع سعي أوكرانيا الحثيث للحصول على مزيد من الأسلحة والذخيرة، يعقد اجتماع لوزراء دفاع من عدة دول أعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، الثلاثاء 14 فبراير/شباط، لبحث دعم عسكري إضافي محتمل.

وقال وزير الدفاع الأوكراني، أولكسي ريزنيكوف، إن البنود الرئيسية على جدول أعمال المحادثات في مقر الحلف هي الدفاعات الجوية، ووضع ترتيبات خاصة بالدبابات وتدريب القوات والدعم اللوجستي.

دبابات من طراز أبرامز M1 الأمريكية / رويترز

ورصد تقرير لمجلة Politico الأمريكية أبرز تحد يواجه الغرب حالياً، وهو النقص الحاد في الذخيرة، إذ تشير التقارير الواردة من ساحة الحرب أن استهلاك القوات الأوكرانية من الذخائر بأنواعها المختلفة، وبخاصة دانات المدفعية، أعلى بكثير مما كان متوقعاً، وأعلى من قدرة دول الحلف على الإنتاج.

فقبل اندلاع الحرب، كانت كثير من دول الحلف قد فشلت في الالتزام بالمستويات المستهدفة من تخزين الذخيرة، بعد أن رأى المسؤولون أن حروب الاستنزاف مع معارك واسعة النطاق باستخدام المدفعية قد ولى زمنها.

لكن وتيرة تسليم الإمدادات إلى أوكرانيا، حيث تطلق قوات كييف ما يصل إلى 10 آلاف قذيفة مدفعية يومياً، استنزفت المخزونات الغربية وكشفت عن ثغرات في سلاسل التوريد فيما يتعلق بالكفاءة والسرعة والقوة البشرية. وقال دبلوماسي أوروبي لرويترز "إذا كانت أوروبا تخوض قتالاً مع روسيا فإن ذخيرة بعض الدول ستنفد خلال أيام".

هل أصبح التصعيد "حتمياً" إذاً؟

يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي تسير فيه الأمور بالفعل، ففي ظل تجاهل أطراف الحرب الرئيسيين، موسكو وواشنطن، لدعوات التفاوض يصبح التصعيد أمراً "لا يمكن تجنبه"، وهذا ما رصده تحليل لصحيفة Global Times الصينية، الأحد 12 فبراير/شباط.

ومن المتوقع أن يزور الرئيس جو بايدن بولندا، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا، وتشير المصادر الأمريكية إلى أن بايدن سيعيد التأكيد على دعم واشنطن الثابت لكييف، حتى تتمكن من استعادة سيطرتها على "كامل أراضيها" وطرد القوات الروسية، وهو ما يبدو أمراً مستحيلاً من الناحية العسكرية، بإجماع الخبراء والمحللين العسكريين الغربيين أنفسهم.

أما عن الطرف المسؤول عن هذا الاحتمال المرعب، أي تصعيد الحرب إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والغرب، فكل من بوتين وبايدن يلقي باللوم على الآخر. وجددت روسيا مؤخراً دعوتها "للحوار دون شروط مسبقة"، لكن الولايات المتحدة تطالب موسكو بالانسحاب أولاً قبل بدء الحوار.

وقياساً على ما حققته العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والمساعدات العسكرية لأوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات حتى الآن، لا يبدو أن موسكو قد تتخلى عن أهدافها، أو أن كييف قد تتمكن من تحقيق انتصار عسكري حاسم، ما يشير إلى أن "التصعيد" يظل الاحتمال الأقرب كلما طال أمد الحرب الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

إذ يقول ستولتنبرغ: "من الواضح أننا في سباق من أجل اللوجستيات. يجب أن تصل القدرات الأساسية مثل الذخائر والوقود وقطع الغيار إلى أوكرانيا قبل أن تتمكن روسيا من اغتنام زمام المبادرة في ساحة المعركة. السرعة ستنقذ الأرواح".

بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن- رويترز

ورداً على سؤال عما إذا كان يرى أحدث التحركات الروسية في أوكرانيا مؤشراً على بداية هجوم كبير يتوقعه الخبراء بالفعل في الربيع، قال ستولتنبرغ إنها البداية، وأشار "نرى أن ما يفعله الرئيس بوتين الآن هو إرسال آلاف وآلاف من القوات الإضافية، وقبول معدل خسائر مرتفع للغاية، وتكبد خسائر كبيرة، وأيضاً زيادة الضغط على الأوكرانيين". وقال "ما تفتقر إليه روسيا من حيث الجودة، تحاول تعويضه بالعدد".

والإثنين كررت الولايات المتحدة نصيحتها لمواطنيها بمغادرة روسيا على الفور، حيث قالت السفارة الأمريكية في موسكو "ينبغي على المواطنين الأمريكيين المقيمين في روسيا أو المسافرين إليها مغادرتها على الفور… عليكم توخي المزيد من الحذر، بسبب احتمال وقوع عمليات اعتقال بدون سند قانوني". وأضافت السفارة "لا تسافروا إلى روسيا".

وتنصح الولايات المتحدة مواطنيها بشكل متكرر بمغادرة روسيا. وكان آخر تحذير علني، في سبتمبر/أيلول، بعدما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعبئة جزئية. وقالت السفارة "اعتقلت أجهزة الأمن الروسية مواطنين أمريكيين بسبب اتهامات زائفة واستهدفت المواطنين الأمريكيين في روسيا بالاعتقال والمضايقات، مع حرمانهم من المعاملة المنصفة والشفافة، كما أصدرت إدانات بحقهم في محاكمات سرية، أو بدون تقديم أدلة ذات مصداقية".

وفي لطمة أخرى للغرب، قال غولدمان ساكس، في مذكرة، إن شركاء موسكو التجاريين يدفعون مقابل الخام الروسي أكثر مما تقدره الأسعار المعروضة، ما يخفف من تأثير العقوبات الغربية على روسيا. ورأى البنك، في مذكرة بتاريخ 10 فبراير/شباط، أن الفجوة بين متوسط السعر الفعلي المدفوع والسعر المعروض اتسعت، منذ مارس/آذار الماضي، وبلغت نحو 25 دولاراً للبرميل، في ديسمبر/كانون الأول. وأوضح غولدمان "نعتقد أن المرونة في الإنتاج حتى الآن قد تعكس جزئياً أن السعر الفعلي المدفوع للنفط الروسي ربما أكثر بكثير من تقديرات الأسعار المعروضة".

تحميل المزيد