أسقطت الولايات المتحدة 4 مناطيد خلال أسبوع، واحد منها فقط قالت واشنطن إنه منطاد تجسس صيني، بينما قالت الصين إن "جسم طائر مجهول" اخترق أجواءها، فما قصة تلك المناطيد؟ وهل هي من خارج الأرض كما يقول جنرال أمريكي؟
مسؤولون أمريكيون قالوا، الأحد 12 فبراير/شباط، إن الجيش الأمريكي أسقط "جسماً طائراً" فوق بحيرة هورون بالقرب من الحدود الأمريكية الكندية، وذلك في ظل حالة التأهب القصوى لقوات الأمن في أمريكا الشمالية في مواجهة تهديدات جوية.
وهذا هو المنطاد الرابع الذي يتم الإعلان عن إسقاطه خلال أسبوع واحد، مما يثير تساؤلات بشأن تلك "الأجسام الطائرة"، فلماذا الآن؟ وهل هي مناطيد تستخدمها الصين للتجسس فعلاً كما تقول واشنطن؟ وماذا عن المنطاد الذي رصدته الصين فوق مياهها الإقليمية؟ وأسئلة أخرى كثيرة، فماذا نعرف حتى الآن عن حرب المناطيد هذه؟
متى بدأت قصة المناطيد أو "الأجسام الطائرة"؟
بدأت قصة المناطيد هذه منذ أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، عندما اخترق منطاد صيني ضخم المجال الجوي الأمريكي. لكن القصة لم تجد طريقها إلى وسائل الإعلام حتى الأربعاء 1 فبراير/شباط عندما تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن المنطاد بعد أن تم رصده.
ومنذ اللحظة الأولى، كان هناك إصرار من جانب إدارة الرئيس جو بايدن على أن المنطاد الصيني، الذي كان يحلق على ارتفاعات شاهقة تبلغ 60 ألف قدم، هو أداة تجسس صينية متقدمة، مما فتح ملف التجسس المتبادَل بين البلدين وأدواته المختلفة.
وأمرت الحكومة الأمريكية بوقف الرحلات الجوية من وإلى 3 مطارات في ساوث كارولاينا، هي/ ويلمنغتون، وميرتل بيتش، وتشارلستون، بسبب "جهود تتعلق بالأمن القومي" لم تكشف عنها، ولم يجرِ استئناف الرحلات إلا بعد إسقاط المنطاد.
وقال مسؤول عسكري أمريكي كبير إن العديد من الطائرات المقاتلة وطائرات إعادة التزود بالوقود شاركت في مهمة إسقاط المنطاد، لكن واحدة فقط، وهي طائرة مقاتلة من طراز إف-22، نفذت المهمة بصاروخ واحد من طراز إيه.آي.إم-9إكس. وأضاف المسؤول أن المنطاد أُسقط على بُعد 6 أميال بحرية قبالة الساحل الأمريكي.
وكان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أول من أعلن إسقاط المنطاد، قائلاً إن الصين استخدمته "في محاولة لمراقبة مواقع استراتيجية في الولايات المتحدة". وذلك بعد أن كان بايدن قد قال إن الولايات المتحدة "ستتولى أمر" ما يشتبه بأنه منطاد تجسس صيني جرى تعقبه في أثناء تحليقه في سماء الولايات المتحدة، ووصفت واشنطن تحليق المنطاد بأنه "انتهاك واضح" للسيادة الأمريكية.
وبعد إسقاط المنطاد، نقل مسؤولون أمريكيون عن الجيش قوله إنه سيحاول سريعاً انتشال المكونات الرئيسية للمنطاد الصيني من بين الحطام قبالة سواحل ساوث كارولاينا، وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير للصحفيين: "عملية الانتشال جارية، لم يتحدد بعد الوقت الذي ستستغرقه"، مضيفاً أن الحطام موجود في مياه ضحلة نسبياً. وقال مسؤول آخر إنه يتوقع ألا تستغرق عملية الانتشال أسابيع أو شهوراً، وأنها ستكون أسرع نسبياً.
على الجانب الآخر، أعلنت الصين أن المنطاد يستخدم للأرصاد الجوية المدنية والأغراض العلمية الأخرى، وأنه ضل طريقه ودخل إلى المجال الجوي للولايات المتحدة. وعبّرت بكين عن أسفها لإسقاطه، وقالت وزارة الخارجية الصينية إن تحليق "المنطاد" فوق الولايات المتحدة كان بسبب قوة قاهرة، واتهمت الساسة ووسائل الإعلام الأمريكية باستغلال الحادث لتشويه سمعة الصين.
ووصف تقرير لصحيفة Global Times الصينية شبه الرسمية رد الفعل الأمريكي بأنه "ضجة مفتعلة"، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين صينيين قولهم إن بكين تعتبر "الاتهامات الأمريكية لا أساس لها من الصحة وغير مقبولة".
ماذا عن "الأجسام الطائرة" المجهولة؟
يوم الجمعة 10 فبراير/شباط، قامت الطائرات الحربية الأمريكية بإسقاط "جسم طائر" آخر فوق اخترق الأجواء الأمريكية فوق ألاسكا، بحسب بيان للجيش الأمريكي قال إن "الجسم الطائر كان يحوم فوق الأجواء والمياه الإقليمية الأمريكية"، وقال مسؤولون في البنتاغون إن الجسم الطائر "لم تكن لديه أية أنظمة سيطرة أو توجيه ظاهرة"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ويوم السبت 11 فبراير/شباط، أسقطت طائرة أمريكية إف-22، بناء على أوامر مشتركة من كندا والولايات المتحدة، "جسماً طائراً يحلق على ارتفاعات شاهقة" فوق منطقة يوكون الكندية، على بُعد نحو 160 كيلومتراً من الحدود الأمريكية. وقالت السلطات في البلدين إن الجسم الطائر كان يمثل "خطورة على حركة الطيران المدني في المنطقة".
وصفت كندا الجسم الطائر بأنه "أسطواني وأصغر كثيراً من المنطاد الصيني"، في إشارة إلى المنطاد الأول الذي أسقطته واشنطن، واعترفت بكين بملكيته، وإن اختلفت الروايات بشأن استخدامات المنطاد. ورفضت وزيرة الدفاع الكندية، أنيتا أناند، تأكيد أو نفي أن يكون "الجسم الصغير" الذي تم إسقاطه صينياً.
الأحد 12 فبراير/شباط، أمر الرئيس جو بايدن الطائرات الحربية بإسقاط "جسم طائر مجهول" فوق بحيرة هورون في ولاية ميشيغان "على سبيل الاحتياط"، بحسب ما قاله مسؤول كبير في الإدارة لصحيفة الغارديان.
المسؤول الكبير وصف ذلك الجسم الطائر بأنه ثماني الأبعاد مع وجود خيوط تخرج من تلك الأبعاد، مضيفاً أنه لم يكن "يمثل تهديداً عسكرياً لأي شيء على الأرض، لكنه كان يمكن أن يمثل خطراً على حركة الطيران المدني لأنه كان يحلق على ارتفاع نحو 20 ألف قدم (6 آلاف متر تقريباً).
جسم طائر فوق الصين
هذه الأخبار المتلاحقة بشأن المناطيد أو الأجسام الطائرة أثارت قدراً هائلاً من التساؤلات، فاقم منها إعلان بكين عن رصد "جسم طائر مجهول" في أجواء مقاطعة شاندونغ في شرق البلاد، بحسب تغريدة لصحيفة Global Times في حسابها الرسمي على تويتر الأحد.
ونقلت وسائل إعلام صينية عن مسؤولين قولهم إن الجسم الطائر تم رصده محلقاً بالقرب من قاعدة جيانغ زوانغ البحرية، وهي قاعدة رئيسية لبحرية جيش التحرير الشعبي، وإن الاستعدادات كانت جارية لإسقاطه، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية.
والإثنين 13 فبراير/شباط، قالت الصين إن مناطيد أمريكية حلقت على ارتفاع كبير فوق مجالها الجوي دون إذن أكثر من 10 مرات منذ بداية عام 2022، وقال وانغ وين بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في إفادة صحفية معتادة في بكين رداً على سؤال "منذ العام الماضي، قامت مناطيد أمريكية بأكثر من عشر رحلات جوية غير مشروعة على ارتفاعات عالية في المجال الجوي الصيني دون موافقة الجهات الصينية المعنية".
ولم يصف وانغ المناطيد تحديداً بأنها عسكرية أو تستخدم لأغراض التجسس، وأجاب عن سؤال حول رد الفعل الصيني إزاء هذه الأحداث، قائلاً إن ردود بلاده تتسم "بالمسؤولية والمهنية"، بحسب رويترز. وأضاف أن "أول شيء يجب على الجانب الأمريكي فعله هو النظر إلى نفسه وتغيير أساليبه وليس التشهير والتحريض على المواجهة".
منطاد صيني أم من "خارج الأرض"؟
الحقيقة هنا هي أن هذا السؤال ليس على سبيل السخرية، بل أصبح السؤال الأول الذي يوجه للمسؤولين الأمريكيين والكنديين أيضاً، في ظل استخدام مصطلحات مثل "جسم طائر مجهول" و"جسم طائر"، في الإشارة إلى عمليات الإسقاط الثلاثة، على عكس مصطلح "منطاد التجسس الصيني" الذي كان معتمداً للإشارة إلى المنطاد الأول الذي تم إسقاطه.
قائد القيادة الشمالية الأمريكية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية، الجنرال جليندي فانهيرك، قال الأحد إنه "لا يستبعد أن تكون هذه الأجسام من خارج كوكب الأرض أو أي تفسير آخر".
وعندما سُئل عن صلة الأجسام الطائرة الثلاثة التي أسقطتها الطائرات الحربية الأمريكية بالكائنات الفضائية، قال: "لا أستبعد أي شيء.. سأترك الأمر لمجتمع المخابرات للكشف عن حقيقة ذلك"، بحسب رويترز. وأضاف: "في هذه المرحلة نواصل تقييم كل تهديد أو أي خطر محتمل غير معروف يقترب من أمريكا الشمالية بمحاولة التعرف عليه".
كان رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، قد قال إن طائرة مقاتلة أمريكية من طراز إف-22 أسقطت "جسماً غير معلوم"، مضيفاً أن القوات الكندية ستنتشل وتحلل حطام الجسم المجهول الهوية.
وبطبيعة الحال، أدى تكرار مصطلح "جسم مجهول" إلى تغذية التكهنات بشأن طبيعة تلك الأجسام الطائرة، خصوصاً أن واشنطن لم تصفها بأنها صينية، كما أن بكين أيضاً لم تصدر أي بيانات بشأنها، عكس ما حدث مع المنطاد الأول؛ إذ قال وانغ إنه ليس لديه معلومات عن أحدث ثلاثة أجسام أسقطتها الولايات المتحدة.
تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، قال في مقابلة مع محطة إيه.بي.سي التلفزيونية إن مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين يعتقدون أن الأجسام الطائرة التي أُسقطت فوق أمريكا وكندا كانت مناطيد. وتابع شومر: "يمكنكم الاطمئنان بأنه إذا كانت أي مصالح أمريكية يكون فيها الناس عُرضة للخطر فسيتخذون الإجراء المناسب"، مضيفاً أن الجسمين اللذين تم إسقاطهما يومي الجمعة والسبت كاناً أصغر من المنطاد الأول.
وأضاف شومر: "يعتقدون أنهما (منطادان) كذلك، أجل، ولكن أصغر كثيراً من الأول". وقال البيت الأبيض إن الجسمين المُسقطين حديثاً "لم يشبها من قريب" المنطاد الصيني، مكرراً وصف شومر للجسمين بأنهما "أصغر كثيراً". وأضاف متحدث باسم البيت الأبيض "لن نحددهما بشكل نهائي حتى نتمكن من استعادة الحطام، وهو ما نعمل عليه الآن".
وقال شومر إنه واثق من أن المحققين الأمريكيين الذين يمشطون المحيط قبالة سواحل ولاية ساوث كارولاينا لاستعادة الحطام والأجهزة الإلكترونية من المنطاد الأصلي سيخلصون إلى سبب استخدام المنطاد.
لكن ربما يواجه المحققون الكنديون الذين يحاولون جمع أجزاء ما أُسقط فوق يوكون تحدياتهم الخاصة. فيوكون هي منطقة يندر فيها السكان في أقصى شمال غرب كندا المتاخم لولاية ألاسكا. وربما يكون البرد قارساً في الشتاء، ولكن درجات الحرارة معتدلة على نحو غير معتاد في هذا الوقت من العام وهو ما من شأنه تسهيل جهود استعادة الحطام.
وقال مايكل مكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، متحدثاً لمحطة فوكس نيوز، إن المنطاد الذي أُسقط فوق ساحل ساوث كارولاينا كان في مهمة للحصول على صور لمواقع نووية أمريكية حساسة. وأضاف: "يريدون الحصول على صور، والحصول على معلومات عن قدرتنا العسكرية، وبالتحديد النووية".