كان رجال الإنقاذ، الذين كانوا يحفرون يائسين بين الأنقاض منذ الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا يوم الإثنين، 6 فبراير/شباط 2023، يسابقون الزمن بالفعل للعثور على ناجين محاصَرين. لكن خطورة وإلحاح الموقف تفاقما؛ حيث غطت درجات الحرارة المتجمدة والأمطار والثلوج وقشعريرة الرياح بعض المناطق الأكثر تضرراً. لماذا تُعد درجات الحرارة المتجمدة في المناطق التي ضربها الزلزال خطيرة للغاية؟
درجات الحرارة المتجمدة تزيد خطورة فقدان الأرواح
في الساعات التي أعقبت الزلزال، الذي بلغت قوته 7.8 درجة، صباح الإثنين، بلغت درجات الحرارة أدنى مستوياتها بنحو 2 درجة مئوية، حول مركز الزلزال في جنوب تركيا. علاوة على أن عاصفة ممطرة باردة قد مرت خلال ذلك اليوم. وفي الأيام التالية، انخفضت درجات الحرارة، وظلت دون درجة التجمد.
ويقول تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية، إن هذه الظروف دفعت بحالة طوارئ داخل حالة الطوارئ، مما زاد من المخاطر بالنسبة لأولئك المحاصرين تحت الأنقاض، والناجين الذين ليس لديهم مأوى مناسب، وعمال الإنقاذ الذين يعملون لساعات طويلة في الحفر.
وقال إي جون ويبفلر، الأستاذ في جامعة إلينوي في كلية بيوريا للطب، إن هذا التجمد يصعُب تحمُّله بالنسبة لأي شخص لا يرتدي ملابس كثيرة للتدفئة.
وقع الزلزال في حوالي الساعة 4:17 صباحاً بالتوقيت المحلي. وقال براناف شيتي، مستشار الصحة الإنسانية في منظمة الصحة العالمية والإغاثة Project Hope، إن معظم الناس كانوا نائمين في منزلهم، ولا يرتدون ملابس مناسبة للبرد بالخارج.
وأضاف أن العديد من الضحايا تعرضوا لصدمات نفسية أثناء الزلزال، مضيفاً أن فقدان الدم والإصابات التي تعرضوا لها تجعلهم أكثر عرضة للخطر.
ماذا يفعل البرد بالجسم؟
يزيد التعرض المطول لدرجات الحرارة المنخفضة من فرص الإصابة بقضمة الصقيع، وهي إصابة يتجمد فيها الجلد أو الأنسجة، وعادةً ما تبدأ من أطراف الجسم. والقلق الأخطر هو انخفاض حرارة الجسم، حيث يمكن أن يؤدي انخفاض درجة حرارة الجسم إلى الوفاة.
أوضح ويبفلر أن انخفاض حرارة الجسم يزداد سوءاً بشكل تدريجي مع استمرار التعرض لدرجة حرارة منخفضة للغاية.
يعاني الناس من انخفاض حرارة الجسم عندما تنخفض درجة حرارة أجسامهم عن 95 درجة فهرنهايت (35 درجة مئوية). وبمجرد أن يبدأ ذلك، تزداد فرص وفاتهم من الإصابات التي لحقت بهم من الزلازل على الفور. مع انخفاض درجة حرارتهم، يصبح من الصعب عليهم الارتعاش، مما يجعل الناس بلا وسيلة للحفاظ على حرارة الجسم.
بعد ذلك يصبح من الصعب عليهم التواصل أو طلب المساعدة، ويبدأون في فقدان الوعي. يصبح انخفاض حرارة الجسم شديداً عند درجة حرارة الجسم البالغة 86 درجة فهرنهايت (30 درجة مئوية)، ويصبح خطر الوفاة حاداً.
الظروف الجوية القاسية لا تساعد العمّال أيضاً
من جهتها، قالت راشيل داوتي بيتش، كبيرة المحاضرين، ومنسقة برنامج إدارة الطوارئ بجامعة نيو هافن، إن ما يجعل الموقف حرجاً بشكل خاص هو الرطوبة التي تسببها الأمطار المتقطعة في المنطقة.
يمكن أن يحدث انخفاض في حرارة الجسم حتى في درجات الحرارة الباردة عندما يكون الشخص مبللاً، لأن الملابس الرطبة ورطوبة الجلد تسحب الحرارة من الجسم بسرعة أكبر. في تركيا وسوريا، أحوال الطقس باردة ورطبة على حد سواء.
يحدث هذا جزئياً من خلال التوصيل، أو عملية فقدان حرارة الجسم من خلال ملامسة شيء ما. فالوضع على لوح خرساني بارد أو أرضية خشبية، على سبيل المثال، من شأنه أن يجعل الشخص يعاني من انخفاض درجة الحرارة بشكل أسرع.
بالنسبة لعمال الإنقاذ أيضاً، لا تساعد الظروف الجوية القاسية على أيام العمل الطويلة. قال شيتي إن أعمال الإنقاذ تستغرق وقتاً طويلاً، حيث تتطلب بعض مواقع الإنقاذ ساعات طويلة من العمل البدني. وقال إن البرودة تقلل بالتأكيد من كفاءة هذا العمل، وقد تتطلب مزيداً من تناوب الفرق.
مع تدمير آلاف المباني، يتعين على أولئك الذين فقدوا منازلهم الآن إيجاد مأوى مناسب للدفء. سيتعين على كلا البلدين توفير وصيانة ملاجئ مجتمعية طارئة. هذا بالإضافة إلى عدد كبير من السكان المعرضين للخطر والنازحين، خاصة في شمال غرب سوريا، الذين لم يكن لديهم مأوى مناسب حتى قبل الزلزال.
ما المدة التي قد يصمد فيها العالقون تحت أنقاض الزلازل؟
في السياق، قال عدد من الخبراء لوكالة The Associated Press الأمريكية إنه بإمكان الأشخاص الصمود إلى ما يصل إلى أسبوع أو أكثر، لكن ذلك يعتمد على عدد من المتغيرات والعوامل.
ويقول الخبراء إنَّ معظم عمليات الإنقاذ تحدث في أول 24 ساعة بعد وقوع الكارثة. بعد ذلك، تنخفض فرص النجاة مع مرور كل يوم؛ إذ يكون العديد من الضحايا قد أصيبوا بجروح بالغة، أو دُفِنوا بسبب سقوط الحجارة أو غيرها من الحطام.
فالإصابات وكيف يكون الأشخاص عالقين في الحطام، إضافة إلى الظروف الجوية، كلها عوامل حاسمة في تحديد الفترة التي يمكن أن يظل فيها الأشخاص العالقون تحت الأنقاض على قيد الحياة.
ويعتبر الوصول إلى الماء والهواء من العوامل الحاسمة، إلى جانب الطقس. فقد أعاقت الظروف الشتوية في سوريا وتركيا جهود الإنقاذ، وانخفضت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
الدكتور جارون لي، خبير طب الطوارئ والكوارث في مستشفى ماساتشوستس العام بالولايات المتحدة، قال لوكالة الأنباء الأمريكية: "من النادر عادةً العثور على ناجين بعد اليوم الخامس إلى السابع، وستفكر معظم فرق البحث والإنقاذ في التوقف بحلول ذلك الوقت. لكن، هناك العديد من القصص لأشخاص نجوا بعد مرور سبعة أيام. ولسوء الحظ، عادةً ما تكون هذه حالات نادرة وغير عادية".
من جانبه، قال الدكتور جورج تشيامباس، اختصاصي طب الطوارئ في كلية الطب بجامعة نورث وسترن في جامعة نورث وسترن، إنَّ الأشخاص الذين يعانون من إصابات رضحية، بما في ذلك إصابات السحق وبتر الأطراف، يواجهون فرص البقاء الأخطر.
وأوضح: "إذا لم تسحبهم في غضون ساعة واحدة، في تلك الساعة الحاسمة، تتضاءل فرص بقائهم على قيد الحياة تضاؤلاً كبيراً". وأضاف تشيامباس أنَّ المصابين بأمراض أخرى، وتعتمد صحتهم على الأدوية، يواجهون أيضاً فرصاً قاتمة.
وكانت حصيلة ضحايا الزلزال القاتل والمدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، الإثنين 6 فبراير/شباط، قد ارتفعت إلى أكثر 22 ألف قتيل، حتى ظهر الجمعة 10 فبراير/شباط 2023.