أثار تخفيض وكالة موديز تصنيف مصر الائتماني من B2 إلى B3 تساؤلات كثيرة بشأن ما يعنيه ذلك، في ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، فماذا يعني التصنيف الائتماني؟ وهل له تداعيات على سعر الدولار مقابل الجنيه؟
إذ أصبحت الأسئلة والمصطلحات الخاصة بالاقتصاد والبحث عن إجاباتها الشغل الشاغل، ليس فقط لخبراء الاقتصاد والمتخصصين في الشؤون المالية، بل باتت تمثل هماً للمواطن العادي في مصر، وهو ما تعكسه مواقع التواصل الاجتماعي والسعي الدائم لمعرفة أسعار الدولار في مقابل الجنيه وما يتعلق بالاحتياطي من النقد الأجنبي ومبالغ الديون، والسبب بالطبع هو التأثير المباشر لتلك الأمور على أسعار السلع الأساسية التي لا يستطيع أحد العيش دونها مهما ارتفعت الأسعار.
فأسعار الغذاء في مصر تواصل الارتفاع بدرجة مرهقة للغاية، وتبدو الحكومة عاجزةً عن السيطرة عليها، ليتحول توفير الطعام إلى كابوس للفقراء، وكشفت بيانات رسمية، الخميس 9 فبراير/شباط، أن تضخم أسعار المستهلكين في مدن البلاد قفز إلى معدل أعلى من المتوقع، بلغ 25.8% على أساس سنوي في يناير/كانون الثاني من 21.3% في ديسمبر/كانون الأول، وهو أسرع معدلاته في أكثر من 5 سنوات.
ما هو التصنيف الائتماني؟
التصنيف الائتماني هو مؤشر مرتبط بمدى قدرة الدولة على سداد الديون المستحقة عليها سواء على المدى القصير أم المتوسط أم البعيد. وتوجد مؤسسات عالمية خاصة بالتصنيف الائتماني، وهذا التقسيم عبارة عن درجات أو تقديرات تشبه النظام المعمول به في تقييم طلاب الجامعات، أي ضعيف ومقبول وجيد وجيد جداً… وهكذا.
وبطبيعة الحال يعني التصنيف الضعيف للدولة وجود احتمالات قوية ألا تتمكن الدولة من الالتزام بسداد ديونها، أما التصنيف الجيد جداً أو الممتاز فيعني قوة الموقف المالي والاقتصادي للدولة، وهو ما يجعل الدولة قادرة على استقطاب القروض إذا أرادت أو الاستثمارات بطبيعة الحال.
إذ يسهل التصنيف المرتفع على الحكومات أن تحصل على تمويل وقروض، سواء من الأسواق الداخلية أم الخارجية، وتتم عملية التصنيف بناءً على معايير اقتصادية ومحاسبية معقدة، أهمها الربحية، ثم الموجودات أو الأصول، والتدفقات المالية التي توضح الوضع المالي للمؤسسة.
ما هي مؤسسات التصنيف الائتماني؟
توجد مؤسسات عالمية متخصصة في إصدار التصنيف الائتماني للدول، وهي عبارة عن شركات خاصة تصدر تقييمات "الجدارة الائتمانية" لدولة أو مؤسسة ما، وينعكس التصنيف الذي تصدره إيجاباً أو سلباً على ثقة المستثمرين في هذه الدولة أو المؤسسة وعلى تكلفة استدانتها من الأسواق المالية.
وتوجد العشرات من هذه المؤسسات أو الشركات، لكن أشهرها على الإطلاق "فيتش" و"موديز" و"ستاندر آند بوروز"، والثلاث شركات أمريكية، وتهيمن على ملف التصنيفات الائتمانية في العالم.
وهناك أيضاً مؤسسة دادونغ الصينية للتصنيف الائتماني، كانت بكين قد أطلقتها عام 1994 لتصنيف ديون الشركات الصينية. وتقول المؤسسة إنها خاصة، وتتعهد بنزاهة الأحكام الصادرة عنها. لكن بعد نحو 3 عقود من تأسيسها لا تزال حصة مؤسسة التصنيف الصينية عالمياً لا تقارن بنظيرتها الأمريكية.
كيف جاء التصنيف الائتماني الأخير لمصر؟
مساء الثلاثاء 7 فبراير/شباط، أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني عن تخفيض تصنيف مصر السيادي درجة واحدة من B2 إلى B3، كما غيرت الوكالة نظرتها المستقبلية لمصر إلى مستقرة من سلبية. كما خفضت الوكالة سقوف العملة المحلية لمصر إلى Ba3 من Ba2.
وقالت الوكالة: "موديز لا تتوقع انتعاش السيولة في مصر وتحسن وضعها الخارجي سريعاً". مرجعة أسباب تخفيض التصنيف الائتماني لمصر إلى تراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وتراجع قدرة القاهرة على امتصاص الصدمات الخارجية.
وفي هذا السياق وحتى تتضح الصورة، تتراوح مستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني بين "AAA"، أي أعلى درجات الأمان أو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، ويتضمن درجات تابعة مثل (AA) أو (A). ثم تصنيف (BBB) ويعني جدارة ائتمانية متوسطة"، وله أيضاً درجاته المختلفة كما هو الحال في التصنيف الأول. ثم يأتي التصنيف (CCC) أي "جدارة ائتمانية عالية المخاطر"، ثم التصنيف الأخير (DDD) "جدارة ائتمانية متعثرة"، ودرجاتهما المختلفة كما في التصنيفين السابقين.
ويعتبر الدور الرئيسي الذي تلعبه وكالات التصنيف الائتماني هو العمل على تقليص ما يصطلح عليه الاقتصاديون بـ"تباين المعلومات" بين المقترضين والمستثمرين، من خلال تزويد الأسواق المالية بمعلومات عن جودة الديون التي يتم إصدارها، ومخاطر عدم وفاء المدينين بالتزاماتهم.
إذ تسمح هذه المعلومات للمستثمرين باتخاذ قراراتهم بشأن الاستثمار من عدمه في سندات الديون التي تصدرها الجهات الراغبة في الاقتراض.
وفي هذا السياق، تراجعت السندات الحكومية المصرية المقومة بالدولار، الأربعاء 9 فبراير/شباط، بمجرد أن خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية درجة مصر الائتمانية درجة واحدة. حيث تراجعت السندات بما يصل إلى 1.2 سنت، مع هبوط استحقاق 2029 إلى 81.233 سنت بحلول الساعة 08:45 بتوقيت جرينتش، وفقاً لبيانات تريدويب.
وهذه هي المرة الأولى التي تخفض فيها موديز التصنيف الائتماني لمصر منذ عام 2013، وكانت الوكالة قد قامت مؤخراً بتغيير النظرة المستقبلية لمصر إلى سلبية بدلاً من مستقرة، لكنها أبقت تصنيفها عند "بي 2" (B2)، محذرة من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض تصنيف البلاد، وهو ما حدث بالفعل.
وكانت موديز أول وكالة تصنيف ائتماني تخفض نظرتها المستقبلية لمصر إلى سلبية، إذ أبقت وكالتا "فيتش" (Fitch) و"ستاندرد آند بورز" (S&P) في أبريل/نيسان 2022 على التصنيف الائتماني (Credit Rating) لمصر عند "بي بي" (BB) و"بي+" (+B) على التوالي، مع نظرة مستقبلية مستقرة، رغم الضغوط على ميزان المدفوعات بسبب الحرب في أوكرانيا.
ماذا يعني تخفيض التصنيف الائتماني؟
على الرغم من أن مصر تعاني من أزمة ديون خانقة، إلا أن الحكومة تسعى إلى الحصول على مزيد من القروض حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها القائمة بالفعل، في ظل وضع اقتصادي يزداد صعوبة ويلقي بالمزيد من الأعباء على كاهل المصريين المثقلين بالفعل بسبب الارتفاعات المستمرة في أسعار السلع الأساسية.
وقد كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية، حيث قفز إلى 25.8% في يناير/كانون الثاني، وهو الارتفاع الأعلى منذ أكثر من 5 سنوات، رغم أن الزيادات في أسعار السلع للمستهلكين ارتفعت بنسب أعلى بكثير من النسبة الإجمالية لمقياس التضخم.
وتأتي هذه الارتفاعات في أعقاب سلسلة من تخفيضات قيمة العملة المحلية (الجنيه المصري) مقابل الدولار الأمريكي منذ مارس/آذار 2022، إضافة إلى نقص طويل الأمد في العملات الأجنبية وتأخيرات مستمرة في إدخال الواردات إلى البلاد.
وكان متوسط آراء 14 من خبراء الاقتصاد في استطلاع لرويترز قد أظهر أنهم كانوا يتوقعون تسجيل التضخم نسبة 23.75%. وارتفعت نسبة تضخم أسعار المستهلكين في المدن بشكل عام لكنها مدفوعة على نحو خاص بارتفاع أسعار الغذاء والمشروبات غير الكحولية التي تمثل 32.7% من سلة المؤشر. وقال آلان سانديب من نعيم للسمسرة إن السبب في ذلك هو أن المنتجين "ما زالوا يحيلون فواتير الاستيراد المرتفعة إلى المتسوقين".
وأضاف سانديب لرويترز أن الأسعار ارتفعت على أساس شهري بنسبة 4.7% مقارنة بنسبة 2.1% في ديسمبر/كانون الأول، مدفوعة بزيادة شهرية بنسبة 10.1% في أسعار الغذاء والمشروبات.
ونسبة التضخم المرتفعة هذه تزيد الضغط على لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، لترفع أسعار الفائدة في اجتماعها المقبل المقرر في 30 مارس/آذار. ففي اجتماعها السابق في الثاني من فبراير/شباط، أبقت اللجنة أسعار الفائدة دون تغيير قائلة إن زيادات للأسعار بمقدار 800 نقطة أساس خلال العام الماضي من شأنها أن تساعد في كبح التضخم، لكن هذا لم يحدث كما أظهرت بيانات يناير/كانون الثاني.
وتراهن مصر على صفقات لبيع حصص مملوكة للحكومة في شركات، لدعم مصادرها الدولارية، وهو ما أدرجه صندوق النقد الدولي في تفاصيل برنامجه للتعاون مع مصر في الإصلاح الاقتصادي الذي وقع في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وترى موديز أن استراتيجية بيع الأصول -التي تبدأ هذا الشهر- كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي الجديد ستدعم هذا التكيف الهيكلي، وتساعد في توليد تدفقات رأسمالية مستدامة غير ناتجة عن الديون لتلبية مدفوعات خدمة الديون الخارجية المتزايدة خلال العامين المقبلين.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأربعاء، إن مصر تعتزم بيع حصص في 32 شركة مع نهاية مارس/آذار 2024، ليكشف عن خطط ظلت حبيسة الأدراج إلى حد كبير منذ سنوات مع تصاعد المشاكل المالية في البلاد.
وتشمل عمليات البيع المزمعة حصصاً في 3 بنوك بارزة؛ هي بنك القاهرة والمصرف المتحد والبنك العربي الإفريقي الدولي، كما ستكون شركات تأمين وكهرباء وطاقة ضمن المخطط، بالإضافة إلى فنادق وشركات صناعية وزراعية.
وقال مدبولي بعد اجتماع لمجلس الوزراء إن الحصص الأولى ستطرح بنهاية مارس/آذار، وسيطرح نحو ربع هذه الشركات بنهاية يونيو/حزيران، وقد يضاف المزيد من الشركات إلى القائمة خلال العام المقبل. وأضاف: "هنطرح منها عدد من الشركات عشان نوسع سواء من مشاركة المواطنين المصريين في الملكية العامة أو حتى لمستثمر استراتيجي".
طرح عدد من الحصص، بما في ذلك في البنوك الثلاثة، كان قائماً منذ فترة طويلة تمتد إلى عام 2016، لكن الانكماش الاقتصادي والجائحة وحرب روسيا في أوكرانيا أرجأت تنفيذ البرنامج. ويقول خبراء اقتصاديون إن البيروقراطية الجامدة ومعارضة أصحاب مصالح أقوياء داخل الحكومة أعاقتا أيضاً خطط الخصخصة.
ووافقت مصر على البيع بعد أن انتهت من خطة إنقاذ بثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول، وتعتمد على عائدات حملة الخصخصة للمساعدة في سد العجز المالي خلال برنامج صندوق النقد الدولي الذي يمتد لأربع سنوات.
لكن موديز تشير إلى أن إجراءات بيع الأصول هذه ستستغرق وقتاً لتقليل مخاطر الضعف الخارجية في مصر بشكل ملموس، مضيفة أنه "علاوة على ذلك، على الرغم من الالتزام الواضح بسعر صرف مرن تماماً، لم يتم بعد تحديد قدرة الحكومة على إدارة الآثار المترتبة على التضخم والاستقرار الاجتماعي".