تواصل فرق الإنقاذ جهود البحث عن ناجين تحت أنقاض المباني التي تهدمت بفعل زلزال سوريا وتركيا، وتخطى عدد الضحايا 4 آلاف شخص مع توقعات بتضاعف الأعداد، فكيف تسببت عوامل ثلاثة في تفاقم حجم الكارثة؟
كان الزلزال، الذي ضرب تركيا وشمال غرب سوريا فجر الاثنين 6 فبراير/شباط، هو الأسوأ الذي تشهده تركيا خلال القرن الجاري، وتلاه زلزال آخر كبير عند الظهيرة بقوة 7.7 درجة.
وقالت إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد) إن عدد القتلى في تركيا تخطى 3381، مما يجعله أكثر الزلازل فتكاً في البلاد منذ زلزال مماثل القوة في عام 1999 دمر منطقة بحر مرمرة الشرقية المكتظة بالسكان بالقرب من إسطنبول؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من 17 ألف شخص.
وفي سوريا، تخطى عدد القتلى 1440 شخصاً وأصيب أكثر من 3500، وفقاً لأرقام حكومة دمشق وعمال الإنقاذ في المنطقة الشمالية الغربية التي تسيطر عليها المعارضة.
توقعات بتضاعف أعداد الضحايا في تركيا وسوريا
ومع تواصل جهود الإنقاذ لليوم الثاني، تتكشف آثار الدمار الهائل، وسط توقعات متشائمة للغاية بشأن أعداد الضحايا؛ إذ حذرت منظمة الصحة العالمية من أن عدد الضحايا في كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا قد يرتفع إلى ثمانية أضعاف.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ما حدث كارثة تاريخية وأسوأ زلزال يضرب تركيا منذ عام 1939، لكنه أضاف أن السلطات تبذل كل ما في وسعها: "قلوبنا وأرواحنا جميعاً مع الجهود المبذولة، لكن الشتاء وبرودة الطقس وحدوث الزلزال خلال الليل صعب الأمور".
وأظهرت لقطات حية بثتها قناة تي.آر.تي التركية الرسمية مبنى وهو ينهار في إقليم أضنة جنوب البلاد بعد الزلزال الثاني، ولم يتضح بعد إن كان قد تم إخلاؤه قبلها.
وفي سوريا، قال مدير منظمة الدفاع المدني التابعة للمعارضة الثلاثاء 7 فبراير/شباط، إن الوقت ينفد لإنقاذ مئات العائلات التي لا تزال محاصرة تحت أنقاض المباني المدمرة بعد الزلزال العنيف.
وأضاف رائد الصالح لرويترز أن هناك حاجة عاجلة لمساعدات من المنظمات الدولية من أجل جهود الإنقاذ التي تبذلها منظمة الدفاع المدني المعروفة باسم الخوذ البيضاء في شمال غرب سوريا الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة، حيث قتل وجرح المئات. وقال: "كل ثانية تعني إنقاذ أرواح ونناشد جميع المنظمات الإنسانية تقديم مساعدات مادية، والاستجابة لهذه الكارثة بشكل عاجل".
وقال علماء الزلازل إن قوة الزلزال الأول، الذي ضرب تركيا وسوريا، بلغت 7.8 درجة بمقياس ريختر، وقد يكون أحد أكثر الزلازل تسبباً في وقوع ضحايا خلال السنوات العشر الماضية؛ حيث تسبب في صدع يمتد طوله لما يزيد على 100 كيلومتر بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية.
فالغلاف الصخري للأرض، أو القشرة، عبارة عن 12 لوحاً، أو ما يعرف باسم الصفائح التكتونية. هذه الألواح تطفو فوق النواة المنصهرة، وحينما تدور الأرض حول محورها أمام الشمس تؤدي إلى انزلاق هذه الألواح فوق هذه الطبقة اللزجة ما يؤدي أحياناً إلى تباعد الألواح بفعل تيارات الحمم الصاعدة من أسفل إلى أعلى.
وفي ضوء هذه الديناميكية، توجد مناطق بعينها تُعرف بأنها أكثر عرضة لوقوع الزلازل، وهي المناطق التي تمثل نقاط التقاء أو اصطدام بين الألواح الصخرية أو الصفائح التكتونية، وتعرف باسم الفوالق أو الصدوع. ومن هذه المناطق منطقة التلاقي بين صفيحة قارة إفريقيا وصفيحة أوراسيا أو قارة أوروبا، وهي منطقة شرق البحر المتوسط، وتعرف باسم فالق الأناضول.
فالفالق أو الصدع هو كسر أو تشقق يقع في صخور القشرة الأرضية مصحوباً بحركة انزلاق نسبية للكتل المتاخمة من طبقات الصخور الموجودة على جانبيه سواء كان في الاتجاه الرأسي أو الأفقي، ويحدث هذا نتيجة للضغط الشديد أو الشد الذي تسببه حركات القشرة الأرضية سواء كان تأثيرها رأسياً أم أفقياً.
وقد شهدت تلك المنطقة بالفعل عدداً كبيراً من أكثر الزلازل تدميراً على الإطلاق، منها زلزال تركيا المدمر عام 1999، والذي استمر 37 ثانية بقوة 7.6 بمقياس ريختر وتسبب في دمار هائل، وأدى إلى سحب المناطق الساحلية في مدينة غولجوك باتجاه عرض البحر، لتتشكل مدينة بحد ذاتها في قاعه.
عوامل فاقمت حجم الكارثة: شدة الزلزال ومركزه
كان الزلزال كبيراً. وقدرت شدته بـ 7.8 درجة، وصُنّف على أنه "كبير"، حسب المقياس الرسمي. وكان مركزه قريباً من سطح الأرض نسبياً، على عمق حوالي 18 كيلومترً؛ مما تسبب في أضرار جسيمة للمباني على سطح الأرض.
البروفيسورة جوانا فور ووكر، رئيسة معهد الحد من المخاطر والكوارث في يونيفرسيتي كوليدج لندن، قالت لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "من بين أكثر الزلازل فتكاً خلال الأعوام الماضية، كان اثنان فقط منها في السنوات العشر الماضية بنفس الشدة، وأربعة في السنوات العشر السابقة".
ولكن، ليست قوة الهزة فقط هي التي تسبب الدمار؛ إذ تقول الدكتورة كارمن سولانا، الأستاذة في علم البراكين والتواصل بشأن المخاطر في جامعة بورتسموث: "البنية التحتية المقاومة للأسف غير مكتملة في جنوب تركيا، وفي سوريا؛ لذا فإن إنقاذ الأرواح يعتمد الآن في الغالب على سلوك فرق الإنقاذ عقب وقوع الزلزال.
وهذه منطقة لم يحدث فيها زلزال كبير أو أي تشهد هزات تحذيرية منذ أكثر من 200 عام، ولذلك فإن مستوى التأهب يتوقع أن يكون أقل من منطقة أكثر اعتياداً على التعامل مع الهزات الأرضية".
إذ كان مركز الزلزال على بعد 26 كيلومتراً تقريباً شرقي مدينة نورداي التركية وعلى عمق نحو 18 كيلومتراً عند فالق شرق الأناضول. وأطلق الزلزال موجات باتجاه الشمال الشرقي، مما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسوريا.
وخلال القرن العشرين، لم يتسبب فالق شرق الأناضول في نشاط زلزالي كبير. وقال روجر موسون، وهو باحث فخري في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، لرويترز "إذا تتبعنا الزلازل (الكبيرة) التي سجلتها مقاييس الزلازل، فلن نجد شيئاً يذكر".
ولم تسجل المنطقة سوى ثلاثة زلازل فقط بقوة ست درجات منذ عام 1970، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. لكن في عام 1822، تعرضت المنطقة لزلزال بقوة سبع درجات، مما أدى إلى مقتل نحو 20 ألف شخص.
بلغ متوسط الزلازل التي تتجاوز قوتها سبع درجات أقل من 20 زلزالاً على مر التاريخ، مما يجعل زلزال سوريا وتركيا حدثاً خطيراً. وبالمقارنة مع الزلزال الذي ضرب وسط إيطاليا في عام 2016 بقوة 6.2 درجة وأودى بحياة نحو 300 شخص، فإن الطاقة المنبعثة عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا تزيد بمقدار 250 مرة عن زلزال إيطاليا، وفقاً لجوانا فور والكر رئيسة كلية لندن الجامعية للحد من المخاطر والكوارث.
ولم يسجل نفس قوة زلزال تركيا وسوريا سوى زلزالين فقط من أكثر الزلازل فتكاً في الفترة من 2013 إلى 2022.
توقيت وقوع الزلزال وبرودة الشتاء
التوقيت الذي ضرب فيه زلزال سوريا وتركيا كان أيضاً عاملاً من عوامل تفاقم حجم الكارثة وتضاعف أعداد الضحايا؛ إذ وقع هذا الزلزال في الساعات الأولى من الصباح، عندما كان الناس نائمين في منازلهم.
أما العامل الثالث فهو فصل الشتاء والبرودة القاسية، حيث تشهد المنطقة التي ضربها الزلزال عاصفة ثلجية وأمطاراً غزيرة، وهو ما يؤثر على جهود إنقاذ العالقين تحت أنقاض المباني المتهدمة؛ إذ تعد الساعات الأربع والعشرون القادمة حاسمة للعثور على ناجين. وبعد 48 ساعة سيتناقص عدد الناجين بشكل كبير، بحسب خبراء الطقس.
كما يعيق ضعف اتصالات الإنترنت والطرق المتضررة بين بعض المدن الأكثر تضرراً في جنوب تركيا، حيث يقيم الملايين، جهود تقييم آثار الزلزال ومعالجتها.
ومن المتوقع أن تنخفض درجات الحرارة في بعض المناطق إلى ما يقرب من درجة التجمد خلال الليل؛ مما يؤدي إلى تدهور ظروف المحاصرين تحت الأنقاض أو الذين تُركوا بلا مأوى. وكانت الأمطار تسقط اليوم الإثنين بعد أن اجتاحت العواصف الثلجية البلاد في مطلع الأسبوع.
روجر موسون، باحث فخري في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، قال لرويترز: "لن تكون الأمور جيدة… سيكون (الضحايا) بالآلاف وربما يصل عددهم إلى عشرات الألوف". وأضاف أن طقس الشتاء البارد يعني أن المحاصرين تحت الأنقاض لديهم فرص أقل في البقاء على قيد الحياة.
فبعد 11 دقيقة من الزلزال الأول، تعرضت المنطقة لهزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة. ووقع زلزال بقوة 7.5 درجة بعد ساعات، تلته هزة أخرى بقوة ست درجات في فترة ما بعد الظهر. وقال موسون: "ما نراه الآن هو أن النشاط يمتد إلى فجوات مجاورة… نتوقع استمرار الزلازل لبعض الوقت".
تسببت الزلازل ذات الحجم المماثل في المناطق المأهولة بالسكان في مقتل الآلاف. وأودى زلزال نيبال الذي بلغت قوته 7.8 درجة في عام 2015 بحياة ما يقرب من تسعة آلاف شخص.
السوري عبد السلام المحمود من بلدة الأتارب في حلب، أحد الناجين من الزلزال، قال لرويترز، إنه شعر وكأنها "نهاية العالم". وفي ديار بكر بجنوب شرق تركيا، قالت امرأة قرب حطام بناية من سبعة طوابق كانت تعيش فيها "كنا نهتز كما يهتز مهد طفل رضيع. كان هناك تسعة منا في المنزل، اثنان من أولادي لا يزالان تحت الأنقاض… أنا في انتظارهما".
وشاهد صحفيون من رويترز العشرات من رجال الإنقاذ في ديار بكر وهم يفتشون في كومة كبيرة من الحطام والأنقاض هي كل ما تبقى من بناية ضخمة ويسحبون كتلاً من الحطام بحثاً عن ناجين ويرفعون أياديهم من حين لآخر طلباً للهدوء كي يتسنى لهم أن يسمعوا أصوات الاستغاثة.
وأذاعت إدارة الكوارث والطوارئ التركية لقطات تظهر أحد رجال الإنقاذ وهو يزحف داخل مبنى منهار في مدينة ملاطية في محاولة لرصد مكان أحد الناجين المحاصرين تحت الأنقاض. وسُمع رجل الإنقاذ وهو يقول "ما هو اللون الذي ترتديه؟ هل ترتدي اللون الوردي؟ من فضلك اعتنِ بنفسك في الوقت الحالي، لا أستطيع رؤية أي شيء آخر".
وقال مسؤول كبير في الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة إن الأضرار التي لحقت بالطرق ونقص الوقود والطقس الشتوي القاسي في سوريا كلها عوامل تعرقل مواجهة الوكالة لآثار الزلزال.
وقال المصطفى بن لمليح، المنسق المقيم للأمم المتحدة لرويترز: "البنية التحتية متضررة والطرق التي اعتدنا استخدامها في الأعمال الإنسانية تضررت، وعلينا أن نكون مبدعين في كيفية الوصول إلى الناس… لكننا نعمل بجد".