كان هجوم 8 يناير/كانون الثاني على الكونغرس والقصر الرئاسي والمحكمة العليا في البرازيل، من قِبل أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو يشبه تمرد الكابيتول الأمريكي، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، الذي أطلقه أنصار رئيس الولايات المتحدة آنذاك، دونالد ترامب.
هناك العديد من أوجه التشابه بين الحالتين، حُرِّضَ كلاهما من قبل رؤساء اليمين الشعبوي، الذين فشلوا في الفوز بإعادة انتخابهم، ثم نشروا معلومات مضللة حول تزوير الناخبين المفترض لتعبئة أتباعهم الأكثر تطرفاً. لقد أصبح اليمين المتطرف في الولايات المتحدة والبرازيل أيضاً متورطين بشكل متزايد في السنوات الأخيرة- يتآمرون على الرسائل والاستراتيجيات، ويشاركون مع مستشارين رئيسيين مثل ستيف بانون، كما يقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
البرازيل.. أكبر ديمقراطية في أمريكا اللاتينية
لكن الاندفاع لرؤية هجوم البرازيل من خلال عدسة الولايات المتحدة يقلل من تهديدها لأكبر ديمقراطية في أمريكا اللاتينية. هناك فرق رئيسي بين التمرد البرازيلي والأمريكي. على عكس أعمال الشغب الأمريكية- التي يبدو أنها قادها في الغالب مواطنون متطرفون- هناك دليل قوي على أن تكرار الأمر في البرازيل كان نتيجة لتواطؤ القوات المسلحة، كما تقول فورين بوليسي الأمريكية.
وبعد عقود من إنهاء الديكتاتورية العسكرية في البرازيل، لا يزال المدنيون غير مسيطرين بشكل كامل على المؤسسة الأمنية في البلاد. هذا هو أكبر ضعف تواجهه الديمقراطية البرازيلية اليوم.
أدى بولسونارو- وهو نقيب سابق في الجيش مدعوم من قبل الجيش والشرطة البرازيلية- إلى تفاقم هذه المشكلة من خلال عسكرة الحكومة. لقد عيَّن أكثر من 6 آلاف ضابط عسكري في مناصب إدارته، وطمس الخطوط الفاصلة بين القوات المسلحة والحكومة المدنية. وبحلول موعد الانتخابات البرازيلية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شغل الضباط العسكريون العديد من المناصب التنفيذية في الشركات المملوكة للدولة، وأثَّروا في العملية الانتخابية.
فرصة تاريخية لكبح جماح الجيش.. هل يستغلها دا سيلفا؟
الآن، مع وضع القوات المسلحة في موقف دفاعي مؤقتاً، فإن الرئيس الجديد لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لديه فرصة تاريخية لإعادة تأكيد السيطرة المدنية على الجيش البرازيلي. إذا فشل لولا في كبح جماح الجيش مرة أخرى الآن، فستظل عملية التحول الديمقراطي البرازيلية غير مكتملة، وستظل عرضة لتقلبات أولئك الذين يرتدون الزي العسكري لسنوات قادمة.
هناك أدلة جديدة لا تترك مجالاً للشك في أن أجزاء من القوات المسلحة البرازيلية والشرطة العسكرية في العاصمة- التي يشرف عليها حاكم برازيليا إيبانييس روشا حليف بولسونارو- دعمت مثيري الشغب وسهَّلَت لهم تمردهم.
وأوقفت المحكمة العليا الآن روشا من منصبه لمدة 90 يوماً، في انتظار التحقيق في دوره في الهجمات. واعتُقِلَ أندرسون توريس، سكرتير روشا للأمن العام، الذي شغل سابقاً منصب وزير العدل في بولسونارو، بزعم رفضه للقيادة المسؤولة عن حماية ثري باورز بلازا، قبل السفر إلى الولايات المتحدة قبل الهجمات. واكتشفت الشرطة أيضاً مشروع مرسوم يلغي نتيجة انتخابات 2022 أثناء تفتيش منزل توريس، واحتُجِزَ عند عودته إلى البرازيل، في 14 يناير/كانون الثاني.
بعد أسبوع واحد، أقال لولا الجنرال خوليو سيزار دي أرودا، قائد الجيش البرازيلي، بسبب إحجامه عن اعتقال مثيري الشغب الذين يدعمون بولسونارو والذين كانوا يعتصمون أمام المقر العسكري في برازيليا، بعد هجمات 8 يناير/كانون الثاني. ويجادل النقاد بأن معارضة أرودا لطلب وزير العدل، فلافيو دينو، الانتقال إلى الاعتصام ليلة الهجمات، سمحت للعديد من أنصار بولسونارو بالفرار (تم فض الاعتصام في صباح اليوم التالي).
وفي محاولة لنزع التأثير البولسوناري على الشرطة، قام لولا أيضاً بفصل 26 من 27 رئيساً لشرطة الطرق الفيدرالية- التي أصبحت أكثر قوة في عهد بولسونارو- و18 من المشرفين عليها. يُعتَبَر 40% من ضباط الشرطة في البرازيل أن أجندات مهاجمي 8 يناير/كانون الثاني "شرعية"، وفقاً لاستطلاع أجراه منتدى الأمن العام البرازيلي، في 30 يناير/كانون الثاني. قال لولا بعد طرد أكثر من 50 من أفراد الخدمة العسكرية المسؤولين عن الأمن الرئاسي، متسائلاً: "كيف يمكن أن يكون لديّ شخص خارج مكتبي قد يطلق النار علي؟".
محاكمة المسؤولين عن أعمال الشغب
في الأسابيع والأشهر المقبلة، سينصبّ قدر كبير من التركيز في البرازيل على محاكمة المسؤولين عن أعمال الشغب، التي وقعت في 8 يناير/كانون الثاني. يقبع المئات من أنصار بولسونارو حالياً في السجن، بينما أُفرِجَ عن كثيرين آخرين في انتظار المحاكمة. ستثير محاكمات توريس وروشا وآخرين مسؤولين عن الأمن في برازيليا، مسألة ما إذا كان بولسونارو نفسه- المنفي بإرادته حالياً في فلوريدا- سيواجه العدالة بالمثل إذا عاد إلى البرازيل.
مع ذلك، رغم الضرورة، فإن معاقبة المسؤولين عن التدمير العشوائي للممتلكات العامة، الذي حدث في 8 يناير/كانون الثاني- بما في ذلك من قِبَلِ ضباط الجيش والشرطة- لن يكون كافياً. لن تفعل هذه المحاكمات الكثير لمعالجة مشكلة البرازيل الهيكلية للعلاقات الأمنية المدنية التي تتجاوز الهجمات بكثير.
في ظل حكم بولسونارو، غالباً ما استشهد القادة العسكريون بالمادة 142 من دستور البرازيل، التي تنص على أن "القوات المسلحة… تكون تحت السلطة العليا لرئيس الجمهورية، وتهدف للدفاع عن البلاد، لضمان السلطات الدستورية لرئيس الجمهورية، وتهدف للدفاع عن البلاد"، للترويج للسرد القائل إنهم كانوا وسطاء سياسيين ليس أكثر. وقدَّم تفسيرٌ أكثر تطرفاً لهذه المادة، دافع عنه بعض حلفاء بولسونارو، أساساً قانونياً لانقلاب عسكري.
في حين أن منظمي استطلاعات الرأي يضعون ثقة الجمهور البرازيلي بالقوات المسلحة عند حوالي 30%، لا تزال القوات المسلحة ثاني أكثر المؤسسات الموثوقة في البلاد، بعد الكنائس، ولكنها متقدمة على الرئاسة والكونغرس والقضاء ووسائل الإعلام. سمح تطرف بولسونارو كرئيس للقوات المسلحة بإظهار نفسها على أنها تكنوقراطية قادرة على السيطرة على الزعيم السابق الزئبقي.
كيف يمكن لدا سيلفا بدء إصلاحات داخل المؤسسة العسكرية؟
ومع ذلك، فإن معظم البرازيليين لا يوافقون على هجمات 8 يناير/كانون الثاني، والأدلة على وجود تواطؤ على مستوى عالٍ، أو حتى دعم نشط من أجزاء من القوات المسلحة جعلت الجيش الآن في موقف ضعيف. يمثل هذا فرصة فريدة للولا ليس فقط لمعاقبة مرتكبي الهجمات- بغض النظر عن رتبهم- ولكن أيضاً للشروع في عملية أوسع لإصلاح العلاقات المدنية العسكرية. يجب على القوات المسلحة البرازيلية التخلي عن فكرة أنها ضامن للاستقرار، وتلتزم بالابتعاد عن السياسة إلى الأبد.
يمكن أن يبدأ لولا بمطالبة وزير دفاعه بإصلاح المناهج الدراسية في الأكاديميات العسكرية، بحيث يرفض صراحة أي حنين إلى الديكتاتورية، بالإضافة إلى فكرة أن الجيش أكثر كفاءة من القيادة المدنية في إدارة البرازيل، ويمكن فعل الشيء نفسه في أكاديميات الشرطة.
ويمكن أيضاً وضع سياسة عدم التسامح مطلقاً مع أفراد الجيش الذين يشاركونهم وجهات نظرهم السياسية علناً، ويشاركون في التجمعات السياسية، وفرض قانون غالباً ما تم تجاهله في الماضي. في عام 2021، لم تكتفِ محكمة عسكرية بتبرئة وزير الصحة في حكومة بولسونارو، إدواردو بازويلو، وهو جنرال في الخدمة الفعلية، بعد أن انضم إلى مسيرة مؤيدة لبولسونارو، ولكنها أيضاً فرضت سريةً على الوثائق المتعلقة بالقضية، ما منعها من الظهور أمام الرأي العام.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على حكومة لولا أن تجرد الجيش من المسؤوليات المحلية، التي مُنحت له في عهد تامر وبولسونارو. لا ينبغي أن تشارك القوات المسلحة في تسيير دوريات في الأحياء الفقيرة ومكافحة الجريمة المنظمة وإزالة الغابات، ويمكن بدلاً من ذلك إدارتها من قِبل السلطات المسؤولة الأخرى. ينبغي أيضاً التراجع عن مبادرة بولسونارو لتوسيع ما يُسمى بالمدارس المدنية العسكرية، التي يديرها جزئياً ضباط عسكريون. أخيراً، يجب على لولا التفكير في تدريب كادر من الخبراء المدنيين في الدفاع والأمن، حتى يتمكنوا من ملء البيروقراطية الفيدرالية والبيروقراطية في البرازيل، ولا سيما وزارة الدفاع. يجب أن يشمل هذا الجهد منحاً ممولة من الحكومة للبيروقراطيين البرازيليين، لدراسة السياسة الأمنية في المدارس حول العالم.