لا يعرف عن الشرق الأوسط الاستقرار بشكل عام، ولكن كل عقد أو نحو ذلك تتصادم الأحداث لتنتج مشهداً إقليمياً مختلفاً يحدث تغييرات كبيرة. لنتذكر الثورة الإيرانية عام 1979، وغزو صدام حسين للكويت عام 1990 والحرب التي تبعتها، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والانتفاضات العربية عام 2011. والآن مرحباً بكم في عام 2023، حيث قائمة الأخطاء والكوارث والاضطرابات التي يمكن أن تحدث طويلة.
اضطرابات متوقعة من إسرائيل وقد تكون الحرب الأهلية على الأبواب
تقول صحيفة Financial Times البريطانية التي تتنبأ بوقوع اضطرابات تغير مشهد المنطقة خلال 2023، إن في القمة مزيجاً قابلاً للاشتعال، في إسرائيل، بنيامين نتنياهو حريص على البقاء في السلطة لتجنب محاكمات الفساد، ويقود أكثر حكومة يمينية متشددة في تاريخ البلاد المهددة بحرب أهلية. وفي إيران، المرشد الأعلى علي خامنئي البالغ من العمر 83 عاماً، قَلِقٌ على الخلافة والتحدي لحكمه. والآثار المترتبة على مجتمعاتهم، وأولئك الذين يشغِّلونهم، بشكل مباشر أو بالوكالة، والمنطقة بأسرها، كبيرة.
في الأسبوع الماضي، كانت هناك تحذيرات من حرب أهلية في إسرائيل بسبب إضعاف نتنياهو للمحكمة العليا. بدأ العام بقيام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف الجديد، إيتمار بن غفير، العضو السابق في جماعة متطرفة محظورة، باقتحام استفزازي للمسجد الأقصى في القدس المحتلة.
وعندما اقتحم أرييل شارون المسجد الأقصى منذ ما يقرب من 23 عاماً، وحينها كان زعيماً للمعارضة، أدى ذلك إلى اندلاع الانتفاضة الثانية. والآن، فقد استدعى الأردن السفير الإسرائيلي على سبيل الاحتجاج، وتأجلت أول زيارة رسمية لنتنياهو إلى الإمارات. ليست اتفاقات أبراهام في خطر، لكن حلفاء إسرائيل العرب الجدد في وضع غير مريح، كما تقول الصحيفة البريطانية.
أما بالنسبة للفلسطينيين، فقد كان عام 2022 أكثر الأعوام دموية منذ الانتفاضة الثانية. من المتوقع أن تزداد الجرعة اليومية من العنف من قبل الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وعمليات الإخلاء وهدم البيوت، واعتقال القُصَّر، والانتهاكات في ظل الاحتلال، حيث يطالب المتطرفون في حكومة نتنياهو بالسيطرة الكاملة على الأراضي المحتلة بالضفة.
أطول موجة اضطرابات في إيران منذ ثورة 1979
على الجانب الآخر، هناك خامنئي، الذي يواجه تحدياً في الداخل من قبل شريحة واسعة من المجتمع الإيراني، سوف ينتهز كل خطوة إسرائيلية كفرصة لتعزيز أوراق اعتماده الإقليمية كمدافع وحيد عن القضية الفلسطينية، رغم أنه من غير المرجح أن يعتقد أي شخص ذلك، كما تقول الصحيفة.
وتمثل الاحتجاجات الإيرانية، التي دخلت شهرها الرابع الآن، أطول موجة من الاضطرابات منذ ثورة 1979. قد لا تكون الحكومة الدينية على وشك السقوط، ولكن إذا حدث ذلك، فإنها ستغير الشرق الأوسط، ولن تكون هناك عودة إلى الوراء، خاصة بالنسبة للجيل الجديد. ستحتاج المعارضة الإيرانية إلى إثبات نفسها فيما يواصل النظام الاعتقالات وإعدام سجناء في الداخل وينشر تكتيكات تحويلية في المنطقة، بالاعتماد على الميليشيات التي تعمل بالوكالة من لبنان إلى العراق.
ومن المرجح أن يؤدي الموت غير الرسمي للمحادثات النووية الإيرانية إلى إشعال هجوم نتنياهو على طهران. سيكون البيت الأبيض حريصاً على متابعة الأمور عن كثب. ومن غير المرجح توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية، لكن أي محاولة للوصول إلى المعارضة الإيرانية ستكون قاتلة.
فشل اقتصادي ممتد من الأردن إلى العراق ومصر وسوريا ولبنان
وتقول الصحيفة البريطانية إنه إذا لم يكن كل هذا مقلقاً بما فيه الكفاية، فإن الظروف الاقتصادية المتدهورة وفشل المؤسسات في العراق والأردن ولبنان ومصر وسوريا لا تزال في طريقها إلى الأزمة.
بين الجائحة وتأثير الحرب في أوكرانيا والتضخم وارتفاع أسعار الطاقة، أصبح العالم أقل سعادةً بشكل عام مما كان عليه، في يناير/كانون الثاني 2020. لكن المنطقة الشرق أوسطية لم تكن سعيدةً لفترة أطول، باستثناء دول الخليج حيث تساعد عائدات النفط في دفع الازدهار. في المملكة السعودية، غيرت الإصلاحات الاجتماعية والثقافية حياة الشباب، وإن كان ذلك بجرعة كبيرة من الاستبداد. وهناك بعض التقدم في اليمن، حيث قد يتوصل الأطراف هناك إلى هدنة جديدة قريباً.
قمع اقتصادي بعد قمع سياسي في مصر
وفي مصر، بعد القمع السياسي يأتي القمع الاقتصادي كما تقول فايننشال تايمز. حيث فقد الجنيه نصف قيمته منذ مارس/آذار، وتناقص المعروض من العملات الأجنبية، ما تسبب في تراكم الواردات، ويبلغ تضخم أسعار المواد الغذائية 30%.
ويقلص المصريون من المواد الغذائية الأساسية، حيث تنصحهم الحكومة بتناول أقدام الدجاج بدلاً من الدجاج، كل ذلك بينما يقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بتمويل مشاريع يتباهى بها مثل العاصمة الجديدة. وستكون صفقة ديسمبر/كانون الأول للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي نقطةً فاصلة بالنسبة لـ109 ملايين مصري.
وكلما تآكلت قدرة المواطنين وهجروا شراء بعض السلع غير الأساسية، تسبب ذلك في حدوث حالة من الكساد العام، وهو ما يُطلق عليه "الكساد التضخمي"، الذي يعد من أخطر العوامل السلبية المؤثرة على الاقتصاد الكلي بوجه عام. وقد تؤدي كل العوامل مجتمعة إلى جعل مصر مرشحة بشكل كبير لحدوث اضطرابات كبيرة تهز كرسي السيسي، مع استمرار الأزمة الاقتصادية خلال العام 2023.
الأردن أمام عام صعب واختبار أصعب
أما في الأردن فقد دخلت البلاد العام 2023 باحتجاجات متصاعدة بالفعل، بسبب الأزمة الاقتصادية، فمنذ مطلع ديسمبر/كانون الأول 2022، تشهد عدة محافظات في الأردن موجة احتجاجات متصاعدة وإضرابات، تركزت في جنوب المملكة، ذي الصبغة العشائرية؛ بسبب قرار حكومي برفع أسعار المشتقات النفطية للمرة السابعة منذ بداية العام 2022، والسادس عشر منذ عامين.
وقد تدحرجت احتجاجات الأردن بدءاً من إضراب عام لأصحاب الشاحنات والنقل البري وصهاريج نقل المياه في محافظات الجنوب، خاصة معان، إلى مظاهرات وقطع طرق في العديد من المحافظات. ويتمثل المحرك الرئيسي لفقدان ثقة الأردنيين بحكومتهم في الاقتصاد، الذي صنّفه ما يقرب من الثلثين على أنه المشكلة الأخطر التي تواجه الأردن. فيما تواجه البلاد ارتفاعاً حاداً في تكاليف المعيشة، وعدم القدرة على توفير فرص العمل للعديد من شبابها.
ورغم أن الأردن استطاع تجنيب نفسه الكثير من الاضطرابات التي ضربت جيرانه في أعقاب الربيع العربي عام 2011، فإنه قد يكون من أبرز المرشحين لاندلاع الاضطرابات والاحتجاجات خلال العام 2023 مع استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية.
أما في جارة الأردن الشمالية، سوريا، فبعد 12 عاماً من الثورة والحرب، بلغت الأزمة الاقتصادية مستوى جديداً مع شلل نقص الوقود في مناطق المعارضة ومناطق النظام بشكل أكبر. لا يمكن أن ينام بشار الأسد بسهولة، فلاديمير بوتين أنقذ نظامه في عام 2015، لكن اهتمام موسكو الآن ينصب على أوكرانيا، تاركاً ثغرة في سوريا قد يستغلها آخرون في المنطقة.
منذ أن تولى جو بايدن منصبه في الولايات المتحدة، كانت الفكرة المهيمنة في نهجه إزاء المنطقة، مع بعض النجاح، هي خفض التصعيد والتكامل، من متابعة المحادثات النووية مع إيران في فيينا إلى تعزيز التعاون الإقليمي. ولكن بين الإرهاق العام في الشرق الأوسط، والمخاوف من ركود عالمي والتركيز على أوكرانيا، هناك خطر أن الولايات المتحدة والعالم سوف تفاجئهم الأحداث في المنطقة.