بعد معركة محتدمة حول رئاسة مجلس النواب، بدأ الجمهوريون العمل رسمياً على ما يقولون إنَّه تفويض رسمي لمحاسبة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وإدارته، في مؤشر على احتمال تفاقم المواجهة بين الجمهوريين وبايدن خلال الفترة القادمة.
ونجح العديد من الخصوم الرئيسيين للرئيس في السيطرة على لجان قوية في مجلس النواب، عازمين على استخدام "سلطة الاستدعاء" المُخوّلة إليهم لتقويض الرئيس وإدارته وعائلته، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
البداية عبر تحقيق في الانسحاب الفوضوي من أفغانستان
وصدَّق الجمهوريون على تشكيل لجنة فرعية مختارة بشأن "تسليح الحكومة الفيدرالية"، لتكون بمثابة أداة رئيسية لإخضاع الإدارة الأمريكية للمساءلة والتدقيق. بدأ الجمهوريون تحقيقاً يخص الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان، وكلَّفوا لجنة للتحقيق في استجابة الحكومة لجائحة كوفيد-19.
وقدَّم عضو جمهوري واحد على الأقل مواد مساءلة لسحب الثقة من وزير الأمن الداخلي في إدارة بايدن، أليخاندرو مايوركاس، على خلفية طريقة تعامله مع الهجرة على الحدود الجنوبية.
في يوم الجمعة، 13 يناير/كانون الثاني، فتحت اللجنة القضائية في مجلس النواب، الذي بات يسيطر عليه الجمهوريون، تحقيقاً بقيادة جيم جوردان -وهو حليف قوي لدونالد ترامب- بشأن وثائق سرية عُثر عليها في منزله ومكتب سابق له، تعود لفترة توليه منصب نائب الرئيس باراك أوباما.
فبعد بداية فوضوية اتسمت بالاقتتال الداخلي والخلافات، يبدو أنَّ الجمهوريين قد توحدوا حول هدف مشترك، وهو محاصرة بايدن.
وقال كيفن مكارثي، في تصريحاته الأولى، بصفته رئيساً جديداً لمجلس النواب، إنَّ الجمهوريين سوف "يحققون بعض التوازن في سياسات بايدن"، باستخدام سلطتي "تقييد التمويل" و"الاستدعاء".
ولكن احتمال المواجهة بين الجمهوريين وبايدن يتصاعد، بعد أن أثار الجمهوريون اليمينيون المتطرفون الذين فازوا بتنازلات من مكارثي مقابل دعمهم له لتولي رئاسة مجلس النواب، شبح الإغلاق الحكومي أو حتى التخلف عن سداد الديون كوسيلة لفرض خفض الإنفاق، وتعهدوا بفحص المعاملات التجارية لابن الرئيس هانتر بايدن، ودعا البعض إلى مساءلة الرئيس.
ولكن بايدن يسعى لنهج أقل تصادمية
ومع ذلك، بينما يُهدّد الخصوم السياسيون لبايدن بتوريطه في سيل من التحقيقات المشحونة سياسياً، فقد تبنى الرئيس نفسه نهجاً أقل تصادمية، وركَّز بدلاً من ذلك على الترويج لإنجازاته وللتعاون بين الحزبين.
قال بايدن: "انتخب مجلس النواب الآن رئيساً جديداً، وقد اتصلت به وهنّأته، وأنا مستعد للعمل معه أو مع أي جمهوري في الكونغرس لتحقيق مصلحة الشعب الأمريكي".
أعلن البيت الأبيض، يوم الجمعة، 13 يناير/كانون الثاني، أنَّ بايدن وافق على "دعوة كريمة" من مكارثي لإلقاء خطاب حال الاتحاد في 7 فبراير/شباط المقبل.
لكن هل ستسفر مظاهر المجاملة هذه عن تعاون بين الحزبين، أم صراع سياسي، أم كليهما؟ ستكون النتيجة بمثابة اختبار حاسم لبايدن في حكومة منقسمة على مدى العامين المقبلين.
كلينتون وأوباما استفادا من تطرف الجمهوريين للفوز بفترة جديدة
قال راسل رايلي، المؤرخ الرئاسي في مركز "ميلر" بجامعة فرجينيا، إنَّ الأمريكيين عليهم الاستعداد لـ"فترة من الصراع القبيح" في واشنطن تعيد للأذهان الصدامات المبكرة بين بيل كلينتون والرئيس الجمهوري السابق لمجلس النواب الأمريكي، نيوت غينغريتش، الذي حقَّق حزبه فوزاً ساحقاً في انتخابات التجديد النصفي عام 1994.
واستهلت تلك الأغلبية المحافظة لغينغريتش عصراً من الجمود السياسي، بلغ ذروته بإغلاق حكومي دام 21 يوماً. لكن كلينتون –وفقاً لرايل- قدَّم نفسه باعتباره "صوت العقل" بإظهار استعداده للوصول إلى حل توافقي لكن بدون استسلام. فاز كلينتون بسهولة في جولة إعادة انتخابه في عام 1996.
استغل باراك أوباما أيضاً سمة تشدّد الجمهوريين للفوز بإعادة انتخابه عام 2012، بعد أن خسر الديمقراطيون مجلس النواب في عام 2010.
أشار رايلي، الذي درس كيفية تعامل الرؤساء مع الحكومة المنقسمة، إلى إنَّ وجود مجلس نواب بأغلبية جمهورية معادية قد يكون عاملاً معرقلاً فعالاً أمام بايدن في حال سعى إلى فترة ولاية ثانية.
وقال: "سَيُشكّل هذا المجلس عبئاً على بايدن على المدى القصير، لكنه سيفيده في الانتخابات عام 2024، لأنَّ معظم البلاد لن تلتف حول المتشددين مثيري الأزمات".
بايدن يغازل الجمهوريين المعتدلين ويحثهم على التصدي لعمالقة التكنولوجيا
سعى بايدن إلى تقديم صورة مغايرة الأسبوع الماضي، حيث زار جسر متهدم في ولاية كنتاكي للترويج لمشروع قانون بنية تحتية بقيمة 1.2 تريليون دولار جرى التوقيع عليه، ليصبح قانوناً بدعم من نواب جمهوريين. انضم إلى بايدن السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، فضلاً عن جمهوريين آخرين.
سافر الرئيس بعد ذلك إلى الحدود الأمريكية-المكسيكية، حيث يلقي الجمهوريون باللوم على سياسات الهجرة الخاصة به في العدد القياسي للمهاجرين الذين يعبرون إلى البلاد. كتب بايدن هذا الأسبوع مقالاً في صحيفة "Wall Street Journal" الأمريكية، حثَّ فيه الكونغرس على التعاون المشترك لمحاسبة عمالقة القطاع التكنولوجي.
كتب بايدن: "ثمة العديد من القضايا السياسية سنختلف عليها في الكونغرس الجديد، لكن المقترحات المدعومة من الحزبين لحماية خصوصياتنا وأطفالنا ومنع التمييز والاستغلال الجنسي ومواجهة السلوك المعرقل للمنافسة ينبغي لنا الالتفاف حولها".
أكَّد بايدن أيضاً استعداده للعمل مع مجلس النواب الجمهوري، لكنه حدَّد أيضاً خطوطاً حمراء، قائلاً إنَّ "المقترحات المتعلقة بالضرائب ستجعل التضخم أسوأ".
قال بايدن يوم الخميس، 19 يناير/كانون الثاني: "أنا مستعد للعمل مع الجمهوريين، لكن ليس في مثل هذا النوع من الأمور"، واعداً باستخدام حق النقض (الفيتو) في هذا الصدد.
قضية الوثائق السرية ستكون محوراً في المواجهة بين الجمهوريين وبايدن
أدى الكشف عن وثائق سرية كان بايدن محتفظ بها في مرآب منزله في ديلاوير ومكتب سابق له في واشنطن إلى تعريض علاقته مع الجمهوريين المعادين في مجلس النواب إلى مزيد من الخطر. عيَّن المدعي العام الأمريكي، ميريك غارلاند، مستشاراً خاصاً يوم الخميس، 12 يناير/كانون الثاني، للتحقيق في قضية الوثائق المسربة.
استغلَّ الجمهوريون تلك الوثائق السرية، واتهموا بايدن بالنفاق لانتقاده ترامب بعد أن استعاد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفات سرية من منتجع "ماراغولا" المملوك للرئيس السابق دونالد ترامب في ولاية فلوريدا.
كتب النائب الجمهوري ستيف سكاليس، زعيم الأغلبية في مجلس النواب، تغريدة على موقع "تويتر" قائلاً: "هناك دائماً معيار مزدوج"، متسائلاً: "أين مداهمة مرآب بايدن؟".
على الرغم من أن مثل هذا الهجوم يتجاهل الاختلافات القانونية المهمة بين القضيتين، لكنه حفَّز الجمهوريين العازمين على كسر حظ بايدن السعيد بعد أداء قوي للديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي.
الجمهوريون سيعرقلونه، والديمقراطيون يطالبونه بأوامر تنفيذية في قضايا الإجهاض وحقوق العمال
عزَّز الديمقراطيون في نوفمبر/تشرين الثاني أغلبيتهم في مجلس الشيوخ وقلَّلوا من مستوى خسائرهم في مجلس النواب، على الرغم من معدلات التأييد المنخفضة لبايدن وحالة الذعر الاقتصادي المنتشرة في البلاد على نطاق واسع.
قال بايدن، بتشجيع من نتائج الانتخابات، إنَّه لا يرى أي سبب لتغيير نهجه، مجادلاً أن دعم جدول أعماله -الذي يتضمن تشريع يخص الرعاية الصحية وتغيّر المناخ أُقرَّ بشق الأنفس، على الرغم من المعارضة الجمهورية الموحدة- لن يزداد إلا مع دخول السياسات حيز التنفيذ على مدار العامين المقبلين.
قال بايدن قبل اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي: "لقد أحرزنا بعض التقدم الحقيقي. لكننا الآن بحاجة إلى التركيز على تنفيذ القوانين الكبيرة التي أقرّناها بالفعل حتى يشعر الشعب الأمريكي بمزايا ما فعلناه".
ومع ذلك، فإنَّ وجود كونغرس منقسم لن يوفر سوى فرصة ضئيلة للمضي قدماً في تحقيق وعود الحملة الانتخابية التي لم يكن الديمقراطيون قادرين على تنفيذها عندما كانوا يسيطرون على كلا المجلسين. يطالب التقدّميون بايدن باستخدام القرارات التنفيذية لإثبات التزامه بالوعود والقضايا التي فاز من أجلها بانتخابات عام 2020 ولتأكيد صحة نهجه من أجل انتخابات 2024.
دعا مُشرّعون تقدميون الرئيس الأمريكي إلى اتخاذ إجراءات بشأن قضايا، من بينها تغير المناخ والإجهاض وحقوق العمال.
قالت ماري سمول، مديرة أنشطة المناصرة الوطنية في منظمة "Indivisible" التقدمية، إنَّه "في الكونغرس الأخير، كانت هناك بالتأكيد أوقات تراجع فيها الرئيس بايدن عن إصدار أمر تنفيذي، ليترك مساحة كبيرة للكونغرس للعمل واتخاذ القرار. لكن لا ينبغي أن يحدث أي من ذلك الآن".