سيكون على بوريس بيستوريوس، وزير دفاع ألمانيا الجديد، اتخاذ قرارات مصيرية بشأن الحرب في أوكرانيا، لكن مهمة أخرى في انتظاره يراها كثير من المعارضين "مستحيلة"، فهل يمتلك المؤهلات اللازمة لإنجازها؟
كانت كريستينه لامبريشت، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة، قد تقدمت باستقالتها، في أعقاب تعرضها لانتقادات حادة بسبب عثرات متعددة، كان آخرها رسالة مبهجة خلال رأس السنة تحدثت فيها عن الحرب في أوكرانيا بطريقة وصفها معارضون بأنها تفتقر إلى التعاطف.
وأعلن المستشار أولاف شولتز، الثلاثاء 17 يناير/ كانون الثاني، تعيين بوريس بيستوريوس خلفاً للامبريشت. ووصف شولتز وزير الدفاع الجديد بأنه "هو بالضبط الشخص المناسب لقيادة الجيش خلال نقطة التحول هذه".
إرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا
هناك اجتماع مقرر للحلفاء الغربيين في قاعدة جوية أمريكية في ألمانيا يوم الجمعة 20 يناير/كانون الثاني، هدفه التعهد بتقديم دعم عسكري نوعي لأوكرانيا، وتتعرض برلين لضغوط شديدة للتخلي عن اعتراضاتها على هذا الدعم النوعي، المتمثل بالأساس في نوع محدد من الدبابات، وهو ما يعني واحداً من أهم التحولات في المساعدات الغربية لكييف حتى الآن.
والحديث هنا عن دبابات ليوبارد القتالية ألمانية الصنع، والتي تعتبر العمود الفقري للجيوش في جميع أنحاء أوروبا، كما أنها تمثل الخيار الوحيد المعقول والمتاح بأعداد كافية؛ لكن لا يمكن تسليمها بدون موافقة برلين التي تمتنع عن ذلك حتى الآن.
ففي الوقت الذي قالت فيه مصادر غربية إن بريطانيا تدرس حالياً تزويد أوكرانيا بالدبابات لأول مرة منذ بدأت الحرب، أبدى المستشار الألماني مخاوف بلاده من إرسال دبابات إلى كييف.
ورغم إعلان ألمانيا، الأسبوع قبل الماضي، أنها ستزود أوكرانيا بعربات قتالية من طراز ماردير، للمساعدة في صد القوات الروسية، فإن شولتز قال الإثنين، 9 يناير/كانون الثاني 2023، إنه لا يزال مقتنعاً بضرورة تنسيق تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا مع الحلفاء.
وكان المستشار الألماني يرد على تصاعد الضغوط على برلين لإرسال دبابات ليوبارد 2 إلى كييف، إذ قال شولتز، الذي شدد في كثير من الأحيان على أهمية عدم تصعيد الصراع في أوكرانيا أو إعطاء روسيا سبباً لاعتبار ألمانيا طرفاً في الحرب، إن الحلفاء الغربيين أمضوا "وقتاً طويلاً في التحضير والمناقشة والتنظيم لهذا".
وفي تجمع لحزبه الديمقراطي الاشتراكي، قال المستشار الألماني: "لن تتحرك ألمانيا بمفردها… ستبقى ألمانيا دائماً متحدة مع أصدقائها وحلفائها… وأي شيء آخر سيكون غير مسؤول في مثل هذا الوضع الخطير".
فماذا قال بيستوريوس نفسه عن هذه القضية بالغة التعقيد؟ في أول تصريحاته بعد تولي المنصب، لم يشر وزير الدفاع الجديد إلى أي أسلحة لأوكرانيا، وقال في بيان: "أعرف أهمية المهمة… من المهم بالنسبة لي أن أشرك الجنود (في الأمر) عن كثب وأن يكونوا معي".
وكان وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، قد قال لمحطة دويتشلاند فونك الإذاعية الثلاثاء: "عندما يتم الإعلان عن الشخص، وزير الدفاع، فإن هذه هي أول مسألة سيتم البت فيها بشكل ملموس".
ومن المقرر أن يستضيف بيستوريوس نظيره الأمريكي لويد أوستن الخميس قبل الاجتماع الكبير للحلفاء يوم الجمعة في القاعدة العسكرية الأمريكية في رامشتاين.
ويبدو أن حذر ألمانيا بخصوص إقرار إرسال دبابات إلى أوكرانيا، خشية اعتبار هذه الخطوة تصعيداً للحرب، في طريقه إلى التلاشي، في ظل مواقف بيستوريوس المسبقة من تلك القضية، والتي تشير إلى أنه أكثر استعداداً لمساعدة كييف.
فوزير الدفاع الألماني الجديد يرى أن برلين "مشاركة" في الحرب الأوكرانية بالفعل، إذ قال إن "وزارة الدفاع تمثل بالفعل تحدياً كبيراً في أوقات السلام المدني كما تمثل تحدياً كبيراً بشكل خاص في الأوقات التي تشارك فيها جمهورية ألمانيا الاتحادية في حرب بشكل غير مباشر"، بحسب شبكة DW الألمانية.
من هو بيستوريوس، وزير الدفاع الألماني؟
ينتمي بيستوريوس إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب شولتز، وكان يشغل منصب وزير الداخلية المحلي لولاية سكسونيا السفلى بشمال غرب ألمانيا، ويبلغ من العمر 62 عاماً، وهو محام ينحدر من سكسونيا السفلى، مثل أولاف شولتز والمستشار الأسبق غيرهارد شرودر.
وخلال توليه منصب وزير الداخلية في سكسونيا السفلى، تخصص الرجل في قضايا الأمن السيبراني والأمن الداخلي وسياسة الهجرة. كما شغل منصب رئيس بلدية أوسنابروك (مسقط رأس شولتز) بين العامين 2006 و2013. ويتمتع بيستوريوس بشعبية كبيرة في منطقته بسبب صراحته.
الرجل إذاً سياسي مخضرم، لكن هل يتمتع بالمؤهلات اللازمة لقيادة وزارة الدفاع الألمانية في هذا التوقيت الحرج؟ من اختاره للمنصب، أي شولتز، يبدو مقتنعاً بذلك، لكن المعارضة لها وجهة نظر مختلفة.
إذ يرى زعماء المعارضة في ألمانيا أن بيستوريوس لا يتمتع بالمؤهلات اللازمة، حيث تقتصر خبرته فيما يتعلق بالجيش على الفترة التي قضاها خلال تأديته الخدمة العسكرية الإلزامية.
ورغم ذلك أكد زعيم المعارضة الرئيسية، ورئيس الكتلة البرلمانية للحزبين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي فريدريش ميرتس، استعداد تحالف الحزبين للتعاون مع بيستوريوس.
كما أن عودة حقيبة وزارة الدفاع الألمانية إلى رجل، بعد تولي ثلاث نساء هذا المنصب منذ عام 2013، تثير تساؤلات حول وعود شولتز بالحفاظ على عدد متساوٍ من النساء والرجال في الحكومة التي يقودها منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث جاء قرار اختياره مفاجئاً بعد ما تمّ تداول أسماء عديدة في الصحافة الألمانية، كانت كلها تقريباً لسيدات.
على أية حال، يواجه بيستوريوس تحدياً صعباً للغاية، حيث أكدت مجلة "دير شبيغل" أن المهمة ستكون صعبة على هذا المسؤول الإقليمي الذي سيتولى وزارة نادراً ما حققت نجاحاً، وذكرت أن "وضع القوات يرثى له والجيش بحاجة إلى الإصلاح أكثر من أي وقت مضى في سياق الهجوم الروسي على أوكرانيا"، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو".
لماذا يبدو جعل جيش ألمانيا قوياً "مهمة مستحيلة"؟
يعتزم بوريس بيستوريوس التركيز على تحديث الجيش الألماني خلال توليه مهام منصبه الجديد، وقال الثلاثاء في هانوفر إنه سيقدم نفسه للجنود، وإنه سعيد للغاية بتولي هذا المنصب ويعرف مدى أهميته في هذه الأوقات الصعبة، مضيفاً أن مهام القوات المسلحة هائلة، وقال: "أعتزم جعل الجيش الألماني قوياً".
وأضاف أنه سيتعامل مع المنصب الجديد بتواضع واحترام، مضيفاً أنه لشرف كبير له أن يتولى هذا المنصب، مؤكداً أنه سيكرس نفسه لمهامه الجديدة منذ اليوم الأول. كما شهد بيستوريوس للوزيرة المستقيلة كريستينه لامبرشت بأنها بدأت في إعادة تنظيم الجيش الألماني.
وفي إشارة إلى مهمته المستقبلية، أضاف بيستوريوس: "وبناء على هذا فإنني بالطبع أدرك بشدة المسؤولية والأهمية الكبيرة لهذه المهمة. يجب على الجيش أن يتكيف مع الوضع الجديد الذي نشأ في أوكرانيا بسبب الحرب الروسية".
لكن رغم التفاؤل والثقة من جانب بيستوريوس وشولتز، يبدو أن مهمة تحديث الجيش الألماني قد لا تكون ميسورة، قياساً على ما تحقق بالفعل خلال عام كامل، منذ إعلان المستشار عن ذلك التحول الجذري الهادف إلى امتلاك البلاد لأقوى جيش تقليدي أوروبي ضمن حلف الناتو.
إذ كان الرمز الرئيسي للتحول الذي تحدث عنه شولتز وأدخله بالفعل في مجال الدفاع هو تخصيص "صندوق خاص" بقيمة 100 مليار يورو لإعادة التسلح، أي ما يعادل ضعف ميزانية الدفاع السنوية لألمانيا أو أكثر من خمسة أضعاف ما قد تنفقه على المشتريات العسكرية في أي عام.
وتقرر أيضاً أن يكون هناك أسطول جديد من طائرات F-35 المقاتلة ذات القدرة النووية، والمصممة لحمل الرؤوس الحربية الذرية الأمريكية في حالات الطوارئ، إضافة إلى وجود نظام للمراقبة الفضائية وتحديث البنية التحتية للقيادة والتحكم بشكل شامل بتكلفة 20.7 مليار يورو.
وقررت حكومة إشارة المرور أيضاً أن تحصل القوات الجوية الألمانية على طائرات مسيَّرة مسلحة وطائرات هليكوبتر للنقل الثقيل من طراز شينوك، وطرادات بحرية جديدة، وفرقاطات وغواصات، ومركبات قتالية جديدة تابعة للجيش. يتطلع شولتز أيضاً إلى نظام دفاع صاروخي قوي مثل Arrow 3، والذي يشكل العمود الفقري للقبة الحديدية لإسرائيل.
لكن بعد عام تقريباً، لا يزال الجيش الألماني يعاني بشدة من أساسيات الجيوش بشكل عام، سواء من حيث التنظيم والتدريب والهيكل العام والأهداف الاستراتيجية المحددة، بل وحتى أمور بديهية مثل مخزون الذخيرة لدى الجيش، والذي أفادت تقارير مؤخراً بأنه بالكاد يكفي لثلاثة أيام فقط.
ورصد تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية هذه المهمة الصعبة التي تنتظر بيستوريوس، والذي سيتولى المنصب رسمياً اليوم الخميس بعد أن يتسلم وثيقة تعيينه من الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير ويؤدي اليمين الدستورية في البرلمان الألماني (بوندستاغ).
فالوزير الجديد سيكون عليه أن يسعى إلى إيجاد حلول جذرية وسريعة في الوقت نفسه لتسليح الجيش الألماني بشكل جيد وإصلاحه هيكلياً، إضافة إلى اتخاذ قرار يبدو مصيرياً بشأن إرسال تلك الدبابات إلى أوكرانيا بأعداد كافية كما ترغب كييف، وهي مخاطرة شديدة كونها ستعتبر على الأرجح تخطياً للخطوط الحمراء من جانب روسيا.. فهل ينجح بيستيريوس أم يتسبب في إشعال الحرب العالمية الثالثة؟