قرار حظر رفع علم فلسطين قد يسبب مشكلة قانونية داخل إسرائيل، هكذا قالت اثنتان من كبريات الصحف الإسرائيلية.
وقال وزير الأمن الإسرائيلي القومي المتطرف إيتمار بن غفير زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتشدد، في تغريدة عبر تويتر: "وجهت الشرطة اليوم لفرض حظر رفع أي علم فلسطيني، أو أي علم يظهر تماهيه مع منظمة إرهابية أو يحرّض ضد دولة إسرائيل"، حسب تعبيره.
صحف إسرائيلية تتهم بن غفير بالتمادي
وفي أعقاب قرار بن غفير "حظر رفع علم فلسطين"، أمر المفوض العام للشرطة الإسرائيلية، كوبي شبتاي، قادة الشرطة بإزالة الأعلام الفلسطينية من الأماكن العامة في أنحاء إسرائيل.
كذلك غرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً إن حضور الأعلام الفلسطينية في احتجاج تل أبيب كان "تحريضاً جامحاً"، لكنه امتنع عن دعم إعلان بن غفير علناً.
وقال نتنياهو لمجلس وزرائه مؤخراً إن الإجراءات ضد الفلسطينيين تستهدف ما وصفه بخطوة متطرفة مناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة، في إشارة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي جاء بدفع فلسطيني لمطالبة أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة (محكمة العدل الدولية) بإبداء رأيها في شرعية السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، ورغم أن قرارات محكمة العدل الدولية ليست ملزمة، ولكن يمكن أن يكون لها تأثير سياسي كبير.
واعتبرت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية في افتتاحيتها التي نشرت على موقعها إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، تمادى في إصداره توجيهات إلى الشرطة تقضي بمنع رفع الأعلام الفلسطينية في الأماكن العامة، بحجة أنها تجسد تماهياً مع الإرهاب.
وقالت الصحيفة إنه لمصلحة دعم حرية التعبير، "ننصح الحكومة بإعادة النظر في المسألة بحرص وإلغاء توجيهات الوزير بن غفير، التي سوف يصعب للغاية في جميع الأحوال دعمها في المحكمة، وتطبيقها على الأرض".
وأضافت: "نعي أن أمر بن غفير جاء بعد يوم من قيام المحتجين، ضد الثورة القانونية التي تخطط لها الحكومة، برفع الأعلام الفلسطينية في مسيرة ضخمة في تل أبيب مساء السبت 7 يناير/كانون الثاني، وبعد أسبوع من قيام الأسير الفلسطيني المُحرر كريم يونس -الذي قضى 40 سنة في السجن لاختطاف الجندي الإسرائيلي أبراهام برومبورغ واغتياله- برفع علم فلسطيني أثناء استقبال الأبطال الذي لاقاه في بلدته عرابة شمال إسرائيل".
وتابعت: "بقدر ما تبدو مثل هذه الصور مسيئة بالنسبة لعديد من الإسرائيليين، فإن حظر الأعلام الفلسطينية -التي تحمل رمزية قوية بالنسبة للشعب الفلسطيني- لا يساعد إسرائيل.
وفي حضور خلفيته القانونية، ينبغي لبن غفير أن يعرف أن الحظر يتجاوز أحد الخطوط الحمراء لحرية التعبير، بل يرفع راية حمراء أيضاً".
ماذا قالت المحكمة العليا في إسرائيل عن قرار حظر رفع علم فلسطين؟
وقالت مجموعة من كبار مسؤولي الشرطة الإسرائيليين في اجتماع مغلق إن هناك عديداً من "المشكلات القانونية" في تطبيق توجيه بن غفير بحظر الأعلام الفلسطينية من الأماكن العامة، بحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وذكر مسؤولو الشرطة الإسرائيلية، ضمن أمور أخرى، حكماً حديثاً للمحكمة العليا في إسرائيل، يقضي بأن الحظر ليس شاملاً، بل يُطبق على كل حالة بصورة مستقلة، إذا قررت الشرطة أن التلويح بالأعلام يشكل ما يسمى التهديد على النظام العام.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح مسؤولو الشرطة أن هناك مشكلة خاصة في قضية رفع الأعلام في عرابة، لأن غالبية الاحتفالات التي ظهرت فيها الأعلام الفلسطينية حدثت داخل خيمة منصوبة فوق ملكية خاصة، ومن ثم فهي لا تمثل جريمة جنائية.
ما الذي يقوله القانون الإسرائيلي عن الأعلام الفلسطينية؟
ولكن وفقاً لبن غفير، تملك الشرطة سلطة إزالة الأعلام بموجب قانون الإرهاب على أساس أن رفعها يمثل دعماً لأفعال الأسير الفلسطيني كريم يونس.
وأوضحت صحيفة The Jerusalem Post أنه من وجهة نظر قانونية، لا يحظر القانون الإسرائيلي رفع الأعلام الفلسطينية.
ولكن واقعياً ومن وجهة نظر أمنية، مارست قوات الأمن الإسرائيلية في الماضي ما اعتبرته الحق في حظر الأعلام عندما يُرتأى أنها تمثل تهديداً على الأمن العام، مع أن هذا قد أثار في كثير من الأحيان إدانة دولية.
وبموجب القانون الإسرائيلي، رفع العلم الفلسطيني ليس جريمة، لكن المدعي العام الإسرائيلي حكم في 2014 بأن للشرطة سلطة مصادرة العلم إذا كان يخل بالنظام العام أو إذا تم القيام به لدعم الإرهاب.
وقال متحدث باسم الشرطة في بيان لقناة CNN الأمريكية: "إن قرار إزالة العلم يستند إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك طبيعة العلم، والظروف التي تم فيها رفعه، وأي إجراءات تم اتخاذها بالتزامن مع هذا العلم. تؤخذ هذه العوامل في الاعتبار في ضوء السلامة العامة واحتمال ارتكاب جرائم جنائية"، مثل دعم ما وصفه بـ"منظمة إرهابية".
وقالت ديانا بوتو، المحامية الفلسطينية المقيمة في حيفا، إن المحكمة العليا حكمت ضد مثل هذا الحظر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لشبكة CNN: "إنهم يفعلون هذا لمنح الشرطة حرية القيام بكل ما يريدون". "إنهم يعلمون أنه ليس من القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء – لكن الهدف هو اتخاذ تدابير قمعية كافية حتى يظل الناس صامتين".
وبحسب مكتب النائب العام الإسرائيلي، يمكن حظر الأعلام الفلسطينية فقط عندما تتعاظم احتمالية أن "التلويح بالأعلام سوف يؤدي إلى تعكير خطير للسلم العام".
محاولة منع علم فلسطين تسببت في فضيحة أثناء جنازة شيرين أبو عاقلة
في مايو/أيار العام الماضي، تسببت الشرطة في إثارة تنديد مماثل عندما مزقت أعلاماً فلسطينية من المشيعين خلال موكب جنازة الصحفية بشبكة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، مما تسبب في سقوط النعش، الأمر الذي أثار غضباً فلسطينياً وعربياً واستياءً دولياً.
تجدر الإشارة إلى أنه قبل توقيع اتفاقية أوسلو منذ 30 عاماً، اعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن العلم الفلسطيني الأحمر والأخضر والأبيض يرمز إلى ما تسميه إسرائيل "الإرهاب"، لكن اتفاقية السلام الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أنهت فعلياً هذا الحظر.
فلقد اعتبرت إسرائيل قديماً اللعلم الفلسطيني علم جماعة مسلحة شبيهة بحركة حماس الفلسطينية أو حزب الله الشيعي اللبناني. ولكن بعد توقيع إسرائيل والفلسطينيين على سلسلة من اتفاقيات السلام المؤقتة المعروفة باتفاقيات أوسلو، تم الاعتراف بالعلم على أنه علم السلطة الفلسطينية التي أنشئت لإدارة غزة وأجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
وتعارض إسرائيل أي عمل رسمي تقوم به السلطة الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة عام 1967 رغم أنها ينطبق عليها القرارات الدولية التي تعتبرها محتلة مثل الضفة وغزة.
وقامت الشرطة في الماضي بتفريق الأحداث التي زعمت أنها مرتبطة بالسلطة الفلسطينية.
قرار بن غفير لن يصمد أمام التدقيق القانوني
وقال الخبراء القانونيون إن توجيه بن غفير لن يصمد على الأرجح أمام التدقيق القانوني، بل ربما يُحكم بعدم قانونيته. وأفادت القناة 13 الإسرائيلية بأن الشرطة طلبت المشورة من المستشارين القانونيين الحكوميين حول الطريقة التي يمكن أن يُنفذ بها الأمر.
وقال المحامي الإسرائيلي أفيغدور فيلدمان لشبكة CNN الإثنين، إن رفع العلم الفلسطيني "ليس غير قانوني"، مشيراً إلى وجود طريق لإلغاء الأمر: "يتعين على شخص ما الذهاب إلى المحكمة للحصول على تصريح بأنه أمر غير قانوني".
قبل اتفاقيات أوسلو، اعتبرت الحكومة الإسرائيلية العلم الفلسطيني رمزاً للإرهاب، لكن اتفاقيات السلام المؤقتة الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 رفعت الحظر فعلياً.
وتمثل قضية الأعلام الفلسطينية نوعاً من الاختبار الحقيقي لحكومة نتنياهو الجديدة، وينبغي أن يُبتّ فيها في نهاية المطاف عن طريق رئيس الوزراء نفسه.
فعلى جانب، يمكن أن يؤدي دعم حظر بن غفير إلى قلب المسألة إلى قضية رأي عام بالنسبة للسلطة الفلسطينية، التي حصلت بالفعل على دعم من الأمم المتحدة في طلبها الحصول على فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول ماهية الاحتلال الإسرائيلي. كذلك جذبت التدابير العقابية من جانب إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية -التي ضمت حجب إيرادات الضرائب- إدانة وتعبيراً عن القلق من حلفاء دولة الاحتلال، ومن ضمنهم الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، يمكن أن تجسد هذه المسألة فرصة لنتنياهو كي يوضح لبن غفير من هو المسؤول حقاً. صحيحٌ أنه قد يستوعب الدافع المتطرف من قبل بن غفير وراء الخطوة، ولكن ربما يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يوضح أن الحظر محل تساؤلات من الناحية القانونية وغير قابل للتطبيق من الناحية العملية.
اختتمت الصحيفة افتتاحيتها قائلة إن صور تمزيق الشرطة الإسرائيلية الأعلام الفلسطينية، لن تساعد إسرائيل. لكن الأهم أنها سوف تجعل إسرائيل تبدو كما لو أنها غير مهتمة باحترام الحقوق المدنية، التي تتضمن حق التلويح بالأعلام الفلسطينية، سواء أحب الإسرائيليون ذلك أم لا.
وفشل قرار حظر رفع أعلام فلسطين في أول اختبار له.
ففي التظاهرات التي جرت أمس السبت 14 يناير/كانون الثاني 2023، في تل أبيب والقدس وحيفا ضد حكومة نتنياهو، بسبب إجراءات قضائية ستقوض المحكمة العليا الإسرائيلية شارك فيها نحو 80 ألف إسرائيلي، أظهرت لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي رفع عدد صغير من الأعلام الفلسطينية في تحدّ لقرار بن غفير، حملها نشطاء يساريون وفلسطينيون على الأرجح.
كما رفع نشطاء فلسطينيون ويساريون إسرائيليون، العلم الفلسطيني أثناء تظاهرة في حي الشيخ جراح بمدينة القدس الشرقية، يوم الجمعة الماضي، وتخللها قرع للطبول وهتافات رافضة للاحتلال. في المقابل، وصل عدد من عناصر اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى منطقة قريبة من المظاهرة ورفعوا العلم الإسرائيلي ورددوا شعارات مسيئة للعرب والمسلمين.