شهدت "تل أبيب" تظاهرة، مساء السبت الماضي، 7 يناير/كانون الثاني 2023، ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، هي الأكبر من نوعها في وبفارق كبير، في معقل إسرائيل الليبرالي خلال السنوات الأخيرة، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية. ونُظِّمَت التظاهرة بعد أيام من كشف وزير العدل، ياريف ليفين، عن خطته لإدخال إصلاحات كبرى على القضاء، من شأنها عملياً تقويض المحكمة العليا وإدخال "النظام الديمقراطي الإسرائيلي" في حالة فوضى.
هل تتحد المعارضة في إسرائيل لإسقاط نتنياهو؟
كانت التظاهرة، التي احتشد فيها عشرات آلاف المحتجين في "ميدان حابيما"، بمبادرة من حركة "Standing Together" (نقف معاً)، وهي حركة من عرب الداخل واليهود، مُكرَّسة لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتعارض الاحتلال بقوة، كما تقول صحيفة هآرتس.
وسرعان ما أضافت العشرات من مجموعات المجتمع المدني، ذات الأجندات الشبيهة والمتشابكة، أسماءها إلى قائمة المنظمين، وبالمثل فعلت العديد من المنظمات التي كانت نشطة في الاحتجاجات المناهضة لنتنياهو التي جرت قبل سنوات في القدس المحتلة. (أُطلِقَ على هذه الاحتجاجات على نطاق واسع تسمية "احتجاجات بلفور"؛ لأنَّ التظاهرات تجمَّعت خارج مقر رئيس الوزراء الرسمي في شارع بلفور).
مع ذلك، لم يكن الكل متفق على البرنامج الذي أعدَّته حركة "نقف معاً"، خصوصاً اختيارها للمتحدثين في الوجهة التالية: الساحة خارج متحف تل أبيب للفنون. كان المتحدثون يشملون أيمن عودة، زعيم حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ونعمة لازيمي، العضوة البارزة بحزب العمل والمعروفة بميولها الاشتراكية القوية، وأفنر غفارياهو مدير جمعية "كسر الصمت" (وهي مجموعة من الجنود المقاتلين السابقين تهدف لإنهاء الاحتلال).
ولأنَّ كثيراً من المحتجين الذين شاركوا في ميدان حابيما لا يُعرَّفون بالضرورة باعتبارهم يساريين متشددين، فإنَّهم لم يكونوا مرتاحين إزاء التوجه الذي أخذته الفعالية. وألقى البعض أيضاً باللوم على عودة، باعتباره عضواً بالمعارضة، في سقوط حكومة يسار الوسط السابقة.
من جانبها، أصدرت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية المخضرمة المناهضة للاحتلال بياناً على منصات التواصل الاجتماعي، جاء فيه: "أمامنا طريق طويل، لذا سنقول ذلك الآن. إلى مَن لديه مشكلة منكم مع الرسائل أو الأجندات المناهضة للاحتلال لنا أو لزملائنا: تعايشوا مع الأمر. لن نلتزم الصمت حيال ما أوصلنا إلى هنا، ولن نمارس الرقابة على أنفسنا في النضال من أجل الديمقراطية".
"سياسات نتنياهو تستدعي اتحاد المعارضة وتجاوز خلافاتها"
يعتقد كثير من الإسرائيليين أنَّ الاحتجاجات اضطلعت بدور رئيسي في هزيمة نتنياهو في انتخابات مارس/آذار 2021. لكن يبدو أن هذه القوى لا تشعر بقلق بالغ جرَّاء الخلافات العميقة في الرأي بين المعارضة، وتقول هآرتس كان هنالك في البداية أيضاً الكثير من المجموعات المختلفة ذات الأجندات المختلفة جداً في احتجاجات بلفور. واستغرق الأمر بعض الوقت حتى وجدت جميعها القاسم المشترك بينها، والذي تمثَّل في الاعتقاد بأنَّ شخصاً متهماً بالنشاط الإجرامي لا يمكن أن يكون رئيساً للوزراء.
ويقول كان داني فيلك، أستاذ السياسة والحكم بجامعة بن غوريون في بئر السبع بالنقب، أحد المؤسسين لحركة "نقف معاً" ولا يزال عضواً نشطاً في مجلس الإدارة، إنَّه يعتقد أنَّ غالبية أولئك النشطين في الاحتجاجات الحالية بدأوا الالتفاف حول مسألتين أساسيتين: "إنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية، ومنع تغيير النظام".
ويُقلِّل من أهمية أي توترات داخلية بصفوف المعارضة، ويقول: "تخطط الحكومة للكثير من الأمور المختلفة ضد الكثير من المجموعات المختلفة، وبالتالي من المنطقي أن نرى حركة شديدة التنوُّع، وهو أمر جائز تماماً".
70% من الإسرائيليين قلقون من حكومة نتنياهو
وأظهر استطلاع جديد للرأي أنَّ غالبية الإسرائليين يشعرون بتهديد متزايد لأسلوب حياتهم، في ظل الحكومة اليمينية في إسرائيل، حيث وجد المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أنَّ 70% من اليهود العلمانيين قلقون بشأن ما يمكن أن تعنيه القوة المتزايدة للجماعات الدينية واليمينية المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي بالنسبة لهم، بحسب ما نشره موقع Middle East Eye البريطاني.
وبعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، كان هناك تفاؤل بشأن حالة الديمقراطية في البلاد، حين اعتقد 46% من الناس أنَّ الأمور ستتحسن، بزيادة قدرها 11 نقطة عن أكتوبر/تشرين الأول، لكن منذ ذلك الحين تراجعت الأرقام مرة أخرى، مع تزايد المخاوف بشأن مخاطر تقويض الحكومة الجديدة لسيادة القانون والديمقراطية في البلاد.
ويشعر نحو 43% من الإسرائيليين بالتفاؤل مقابل 40% يتشاءمون. ومع ذلك فإنَّ الاستطلاع يعكس فقط وجهات النظر حتى 22 ديسمبر/كانون الأول ومنذ ذلك الحين، وافقت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بقيادة بنيامين نتنياهو، على حكومة ائتلافية جديدة مع عدد من الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة، التي تدعو إلى دور أكبر لليهودية في الحياة العامة، وإصلاح جذري للنظام القانوني.
فيما أعلن وزير العدل الإسرائيلي، ياريف ليفين، عن خطط لإصلاحات قانونية من شأنها إصلاح النظام القضائي في البلاد، والحد من سلطة المحكمة العليا، وحذر نشطاء وشخصيات معارضة، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، من أنَّ الإصلاحات تشكل تهديداً خطيراً للديمقراطية و"ثورة على نظام الحكم في إسرائيل".
وبحسب الاستطلاع، اتفق 49% من المُستطلَعة آراؤهم على أنَّ "الحكم الديمقراطي في إسرائيل في خطر كبير"، وهو نفس الرقم المسجّل في العام الماضي.
ومع ذلك، كشفت النتائج أيضاً عن زيادة الاستقطاب. على اليمين، الذي يجد نفسه الآن في السلطة، كان هناك انخفاض في عدد الأشخاص الذين يعتقدون أنَّ الحكم الديمقراطي في إسرائيل في خطر كبير، إذ وافق 30% فقط على هذا الرأي، وفي المقابل يعتقد أكثر من ثلثي اليسار (80%) والوسط (74%) أنَّ ديمقراطية البلاد في خطر.
القضاة يحتجون ضد قرار يتيح تدخل نواب الكنيست في العدالة
وفي أول تحدٍّ داخلي تواجهه حكومة نتنياهو، انتقدت رئيسة المحكمة العليا في إسرائيل إستر حايوت، الخميس، 12 يناير/كانون الثاني 2023، خطة حكومة نتنياهو المقترحة حول تعديل النظام القضائي ووصفتها بأنها "ستسحق منظومة العدالة"، فيما تظاهر مئات المحامين الإسرائيليين أمام محكمة تل أبيب؛ احتجاجاً على المشروع الحكومي المثير للجدل، محذرين، في الوقت ذاته، من "أنه يهدد الديمقراطية"، فيما اعتبر وزير العدل ياريف ليفين أن تصريحاتها تعد "تحريضاً على الشغب"، حسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
وعبّر قضاة سابقون ومدعون عامون ومئات المحامين الذين تظاهروا أمام محكمة تل أبيب عن رفضهم للخطة الجديدة باعتبارها "تدخلاً سياسياً" يمنح البرلمان مزيداً من الصلاحيات في تعيين القضاة.
فيما قالت كبيرة القضاة حايوت إن "المشروع الجديد الذي قدمه وزير العدل لا يهدف إلى تحسين النظام القضائي، بل إلى سحقه". وأضافت: "هذا هجوم جامح على النظام القضائي، وكأنه عدو يجب سحقه".
يُذكر أن القضاة تختارهم لجنة مشتركة من القضاة والمحامين والنواب بإشراف وزارة العدل الإسرائيلية، ومن بين مقترحات تعديل النظام القضائي التي قدمها الوزير أيضاً "بند الاستثناء"، الذي يتيح لنواب البرلمان، بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا.
وتمتلك المحكمة العليا في إسرائيل -التي ليس لديها دستور- الحق في إلغاء قوانين يقرها الكنيست، إذا اعتبرت أنها تتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد. وبالتالي فإن إقرار "بند الاستثناء" من شأنه السماح للبرلمان بإعادة تطبيق قانون سبق أن رفضه القضاة.