"أي زيارة من إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى سوف تكون استفزازية، وقد تشعل حرباً بالمنطقة"، هكذا قال بنيامين نتنياهو عام 2020، ولكن اليوم دافع عن اقتحام بن غفير للأقصى، ووصفه بأنه طبيعي، والفارق بين هذين التصريحين يظهر تغير توازن القوى بين نتنياهو وبن غفير، وكيف أصبح الأخير وزملاؤه المتطرفون يسيطرون على الرجل الذي يوصف بملك إسرائيل.
وبعد اقتحام بن غفير للأقصى، زعم بيان لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن بن غفير ليس أول وزير من وزارته يزور الحرم القدسي، جلعاد إردان فعل ذلك قبله.
وقال البيان "إن نتنياهو يلتزم بدقة بالحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي، دون أي تغيير. وكل ادعاءات التغيير في الوضع لا أساس لها من الصحة. قبل الانتخابات الأخيرة.
بن غفير يعلن عزمه تغيير الوضع الراهن للأقصى
ولكن تحدث بن غفير بشكل مختلف ووعد باتخاذ إجراءات لتغيير الوضع الراهن، وفقاً للسلطة الفلسطينية، كانت زيارة بن غفير جزءاً من سياسة إسرائيل لتغيير "الوضع التاريخي الراهن" في الموقع، من خلال السماح لليهود بالصلاة هناك بشكل منتظم.
وجاءت زيارة بن غفير، رئيس حزب عوتسما يهوديت، بعد أقل من أسبوع من تنصيب حكومة إسرائيل الجديدة، بقيادة نتنياهو، ولكن ترتكز على كتلة من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي كانت ذات يوم قد تعهد أعضاؤها بضم الضفة الغربية والقضاء على أي احتمالات متبقية حل الدولتين.
لطالما دعا بن غفير، الذي يقود منصباً جديداً كوزير للأمن القومي المسؤول عن الشرطة، بما يعني مسؤوليته عن الأمن بالقدس، إلى تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، والذي يدار منذ حرب 1967 من قبل الوقف التابع للأردن، وتحت الوصاية الهاشمية الأردنية. ويحظر أي صلاة لغير المسلمين في الموقع، وتطلب الشرطة الإسرائيلية من الزوار غير المسلمين تخزين أي مواد دينية، مثل كتب الصلاة، عند المدخل.
نتنياهو اعتبر مثل هذه الزيارات طريقاً للحرب وإشعال العالم الإسلامي
حتى نتنياهو أدان الزيارات إلى الموقع باعتبارها استفزازية، وذلك في خطاب ألقاه عام 2020 برر فيه رفض اقتراح بن غفير بالسماح للصلاة اليهودية هناك مقابل انسحاب حزبه من الانتخابات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post.
وقال آنذاك: "صلاة اليهود في الحرم القدسي، رغم أنها تبدو معقولة، فإنها كانت ستشعل الشرق الأوسط، هناك حد. هناك أشياء لست على استعداد لفعلها للفوز بالانتخابات".
في ذلك الوقت حذّر نتنياهو من أن السماح للصلاة اليهودية في الحرم القدسي، من شأنها أن تشعل الشرق الأوسط، وتثير ملايين المسلمين ضد إسرائيل".
المتطرفون من هامش السياسة الإسرائيلية لقيادتها
لكن هذه المرة، أصبحت عودة نتنياهو إلى السلطة بعد 18 شهراً خارجها ممكنة بفضل بن غفير وشركائه من اليمين المتطرف. لقد انتقلوا في السنوات الأخيرة من الهوامش السياسية إلى التيار الرئيسي للسياسة في إسرائيل، جنباً إلى جنب مع الحركة الشعبية ذات الصلة لنشطاء جبل الهيكل، ويشمل أعضاؤها العديد من الشباب الذين يعيشون في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.
قبل عقد من الزمن، كان عدد قليل فقط من اليهود يصعدون إلى الحرم القدسي ويصلون خلسة وفي أيديهم هواتفهم المحمولة. لكن في السنوات الأخيرة، ارتفعت الأعداد إلى المئات، وأحياناً الآلاف خلال فترات العطلات، وفي بعض الأحيان يصل الزوار للمسجد في انتهاك صريح للقواعد.
فبتمثيلها غير المسبوق في الحكومة الإسرائيلية، يبدو أن الحركة اليمينية مستعدة لإغراق المنطقة في العنف كثمن لإكمال مهمتها المتمثلة في "إنفاذ ادعاءاتهم أن حقوقهم (المزعومة)، أقوى من أي اعتبار آخر، بما في ذلك القضايا الأمنية"، حسب ما تنقل الصحيفة الأمريكية عن ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات السابقة في الجيش الإسرائيلي.
ويزداد الخطر على القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية- لاسيما مسجدها الأقصى- في ظل وجود بن غفير ورفاقه المتطرفين في مواقع نافذة بحكومة إسرائيلية، رئيسها تحت رحمتهم، ليس فقط لأنه يشبههم أيدولوجياً، أو لأن تحالفهم معه ضروري لاستمرار حكومته، بل لأنه في حال سحب تأييدهم لهذه الحكومة فإنه قد يتعرض للسجن على يد القضاء الإسرائيلي، بسبب تهم الفساد.
يبدو أن بن غفير خرج عن سيطرة نتنياهو
زيارة بن غفير إلى الحرم القدسي تعكس تغييراً في الوضع، على الأقل في ميزان القوى داخل الائتلاف الحكومي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
كانت هناك فترات، حرص فيها نتنياهو على فرض انضباط أكبر على وزرائه، ومنع مثل هذه الاستفزازات. الآن يبدو أنه لم يعد قادراً على إملاء سياسة حكومية شاملة تعكس إرادته. بل إنه مجبر على قبول مطالب شركائه، بمن فيهم بن غفير الذي سبق أن رفض نتنياهو التقاط صورة معه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، حتى أن هناك، فيديو يظهر فيه منسقو حملة نتنياهو يطالبون بن غفير بالتنحي حتى يصعد نتنياهو إلى المنصة، وأحدهم يقول "إن نتنياهو لن يصعد إذا لم ينزل إيتمار".
عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، عضو المعارضة الآن، وصف الوضع بعبارات قاسية بشكل مميز: بن غفير ببساطة لا يهتم بما يقوله نتنياهو. في الوقت الحالي، يبدو أن زيارة نتنياهو للإمارات قد أُجِّلَت -"لأسباب فنية"، في إشارة إلى أنها قد تكون بسبب اقتحام بن غفير للأقصى.
سبب تعيين نتنياهو لبن غفير بعد أن أعلن قبل عامين أنه "غير لائق" لتولي منصب سياسي، أنه لم يكن أمام نتنياهو طريق للعودة إلى السلطة بعد استبعاد حلفائه السابقين إلا بدعم من بن غفير وبقية الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة. ولا يمكنه تحمل فقدان دعمهم، خاصة إذا كان يأمل في تخليص نفسه من محاكمته الجنائية.
عين نتنياهو الآن ياريف ليفين وزيراً للعدل. لطالما صاغ ليفين، حليف الليكود، خططاً لتحييد المحكمة العليا الإسرائيلية- من خلال تكديسها بقضاة يعتبرون أكثر قبولاً لليمين السياسي، وتقليص قدرتها على إلغاء القوانين والقرارات الحكومية التمييزية وغير الديمقراطية.
هذه العملية التي يطلق عليها تعبيراً ملطفاً "استعادة التوازن المناسب بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية" في التوجيهات الحكومية – والتي تم تعريفها كأولوية في اتفاقيات الائتلاف المختلفة للأحزاب – يمكن أن تبدأ بجدية في غضون أيام.
كان نتنياهو في الماضي مؤيداً لاستقلالية المحكمة العليا والفصل الحساس بين السلطات، ولكنه الآن يشعر أنه بحاجة إلى شل المحكمة، لأنه يمكن الاعتماد عليها لإسقاط المبادرات التشريعية التمييزية وغير الديمقراطية العديدة المخطط لها من قبل شركائه – بما في ذلك الإعفاء الموسع الإضافي للمجتمع الأرثوذكسي المتشدد سريع النمو من التجنيد وإضفاء الشرعية على المستوطنات المبنية على أراضٍ فلسطينية خاصة.
والأهم أن يتم تطبيق قوانين وتعديلات بأثر رجعي لإلغاء التهم الجنائية ضد نتنياهو أو منحه كرئيس وزراء حالي حصانة من الملاحقة القضائية.
القادم قد يكون أسوأ
لطالما كان إيتمار بن غفير محرضاً ومصاباً بهوس إشعال الحرائق، حسب ما ورد في مقال للكاتب الإسرائيلي DAVID HOROVITZ مؤسس موقع the Times of israel.
لقد أمضى عقوداً في إثارة المشاكل – من التلويح بزخرفة غطاء المحرك التي سرقها من سيارة رئيس الوزراء يتسحاق رابين كاديلاك في عام 1995 إلى التلويح بمسدسه خلال مواجهة مع العرب في القدس الشرقية قبل 3 أشهر، مع أعمال لا حصر لها لإثارة الرعاع، وعشرات من لوائح الاتهام، والعديد من الإدانات بجرائم التحريض والعنصرية في ربع قرن بينهما.
والآن، على الرغم من ذلك، بفضل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فهو شخصية بارزة في حكومة إسرائيل، وعضو في مجلس الوزراء الأمني الرئيسي لصنع القرار، والوزير الذي يتمتع بسلطة غير مسبوقة على قوة الشرطة في البلاد.
حزب الليكود برئاسة الوزراء شدد بقوة منذ الزيارة على أن انسحاب بن غفير لا يغير الوضع الراهن في الحرم القدس، ولفت الحزب إلى أن بن غفير لم يصلّ هناك.
لكن هذا الموقف مخادع، حسب الكاتب الإسرائيلي DAVID HOROVITZ.
فبن غفير ليس وزيراً عادياً للشرطة. إنه محرّض دعا منذ فترة طويلة، على سبيل المثال، لطرد عرب 48، قبل أن يخفف هذا المطلب إلى مجرد طرد أولئك العرب الذين يعتبرون "غير موالين".
لذلك من المعقول أن يُفتَرَض أن هذه لن تكون المرة الأخيرة التي يتحدى فيها، بن غفير أحد تلاميذ الحاخام المتطرف مئير كهانا، الحكومة من اليمين، حسب تقرير صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
والتطرف سيؤدي إلى مواجهات تتحول إلى عنف على الفور". "وكل المواجهات تبدأ من الأقصى، حسبما تقول الضابطة الاستخباراتية الإسرائيلية ميري إيسين.
بن غفير قد يتورط أيضاً باستفزاز أكبر، إذ وعدت حملته الانتخابية بقلب الخناق على أوضاع الأسرى الأمنيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وإذا حاول فعلاً تنفيذ ذلك، فمن المحتمل أن يواجه إضراباً جماعياً عن الطعام، ما قد يؤدي إلى تفاقم الوضع في المناطق.
تذكروا أن اقتحام شارون للأقصى أشعل الانتفاضة الثانية
ورغم هذه المخاوف، لم يُسجَّل أي رد فعل فلسطيني عنيف على زيارة بن غفير. في بعض الأحيان، تستغرق هذه الأمور وقتاً، حتى اندلاع حريق أكبر بكثير. قارن الكثيرون اليوم الزيارة الحالية بالزيارة التي قام بها زعيم المعارضة آنذاك، أرييل شارون من الليكود، إلى الحرم القدسي في سبتمبر/أيلول 2000. وقد قوبلت الزيارة نفسها بمعارضة قليلة للغاية، ولكن في اليوم التالي اندلعت أعمال العنف في صلاة الجمعة في القدس. قتلت شرطة القدس 7 من المتظاهرين، وبذلك أطلقت إشارة بدء الانتفاضة الثانية.
وأشعلت زيارة أرييل شارون، زعيم المعارضة آنذاك، إلى الموقع عام 2000 مع جيش من حراس الأمن، سنوات القتال في الانتفاضة الثانية.
في الآونة الأخيرة، اندلعت المواجهات بسبب اقتحامات نواب إسرائيليين يمينيون إلى الأقصى. ويرى الفلسطينيون هذه التحركات كجزء من محاولة لبسط السيطرة الإسرائيلية على الحرم القدسي.
في مايو/أيار 2021، كان دعم بن غفير للمستوطنين في أحد أحياء القدس الشرقية بالقرب من مدخل الحرم القدسي من بين العوامل المحفزة للصراع الذي نشب بين إسرائيل وحماس واستمر 11 يوماً.
والسلطة الفلسطينية مقتنعة بأن إسرائيل تعمل على تقسيم الحرم القدسي في الزمان والمكان بين المصلين المسلمين واليهود. وتعتقد أن الخطط الإسرائيلية المتعلقة بمجمع المسجد الأقصى تقع في سياق مخطط أكبر لـ"تهويد" الموقع ومدينة القدس بأكملها. ورغم أن السلطة الفلسطينية ليس لها صفة رسمية في الموقع، فقد عملت من وراء الكواليس على مدار السنوات القليلة الماضية لتأسيس موطئ قدم هناك.
وإضافة للسلطة الفلسطينية، فإن حماس والجهاد الإسلامي رغم تركز قوتهما في غزة، فإنهما يعتبران "المدافعين الرئيسيين عن المسجد الأقصى ضد المخططات والمؤامرات اليهودية المزعومة".
أما بالنسبة للأردن، فهو حريص على عدم تقويض الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس (بما في ذلك مجمع المسجد الأقصى). هذه الوصاية مسألة شديدة الأهمية للعاهل الأردني والعائلة المالكة الهاشمية، وتمثل جزءاً مركزياً من مكانتهم السياسية والدينية بين العديد من العرب والمسلمين.
ويبدو أن العلاقات بين إسرائيل والأردن قد تحسنت بشكل ملحوظ في ظل الحكومة السابقة برئاسة نفتالي بينيت ويائير لابيد. وتناقض هذا بصورةٍ حادة مع التوترات التي كانت قائمة بين المملكة والحكومة السابقة برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وتهدف الإدانات الشديدة الصادرة من رام الله وعمان رداً على زيارة بن غفير إلى توجيه تحذير لحكومة نتنياهو الجديدة بعدم العبث بالمقدسات الإسلامية.
وتُوجَّه الإدانات أيضاً إلى الإدارة الأمريكية ودول أخرى على أمل أن تضغط على نتنياهو للامتناع عن "فرض واقع جديد" في الموقع.
وقال المتحدث باسم رئاسة السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن زيارة بن غفير "تمثل تحدياً لشعبنا الفلسطيني والأمة العربية والمجتمع الدولي". وقال إن استمرار هذه "الاستفزازات ضد مقدساتنا الإسلامية والمسيحية سيؤدي إلى مزيد من التوتر والعنف". وقال أبو ردينة إن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن أي تداعيات على "سياساتها العنصرية". وقال إن محاولات إسرائيل "لتغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى مرفوضة ومحكوم عليها بالفشل". وطالب أبو ردينة الإدارة الأمريكية بتحمل مسؤولياتها وإجبار إسرائيل على وقف "التصعيد واقتحام المسجد الأقصى قبل فوات الأوان".