تُعتبر وزارة "الدفاع" في إسرائيل من أكثر الوزارات حساسية وأكبرها ميزانية، وتتطلب قيادة هذه الوزارة اتخاذ قرارات مصيرية تؤثر على مصير الملايين، وإدارة عملية بيروقراطية ضخمة، وتولي وزارة تُخصص لها أكبر ميزانية في إسرائيل، وهذا كله في "أوقات السلم"، كما تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
ولكن مع اقتراب إيران من امتلاك أسلحة نووية، واستمرار ما يسمى بـ "الحرب بين الحربين" في سوريا، ووصول الضفة الغربية إلى حافة انفجار، واستعداد غزة المستمر للتصعيد، فليس هذا بالوقت اليسير بكل تأكيد. وكأن كل هذه التحديات لا تكفي وزير الدفاع الجديد، يوآف غالانت؛ ليضطر الآن أيضاً للتعامل مع حرب نفوذ على نطاق لم يواجهه "وزير دفاع" آخر من قبله، كما تقول الصحيفة.
وزير "الدفاع" الإسرائيلي الجديد يواجه تحديات جديدة من الداخل
إذ إن قرار الحكومة سحب سلطة حرس الحدود من وزارة الدفاع ومنحها لوزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، وتعيين وزير المالية بتسلئيل سموتريش مسؤولاً في وزارة الدفاع عن الإدارة المدنية وتنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي المحتلة، سيضيف تحديات جديدة إلى التحديات التقليدية التي يواجهها أي وزير دفاع إسرائيلي على الدوام. وهذا أشبه بإضافة مياه إلى كوب ممتلئ عن آخره بالفعل.
وإدراك غالانت لهذه التحديات الجديدة كان واضحاً يوم الأحد الأول من يناير/كانون الثاني 2023 حين قال بعد تسلمه المنصب رسمياً من سلفه، بيني غانتس، خلال اجتماعه الأول مع كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، إنه "لن يسمح بمس التسلسل القيادي"، وإن "لكل ضابط في الجيش قائداً واحداً: رئيس الأركان"، حسب تعبيره.
وأكد هذا أن غالانت، في أول يوم له في المنصب، أحس بضرورة تبديد المخاوف المتعلقة بالتغييرات المحتملة في التسلسل القيادي نتيجة حصول سموتريش وبن غفير على سلطة في المناطق التي كانت يوماً ضمن اختصاص وزير "الدفاع".
وهذا التسلسل الهرمي في القيادة كان دائماً من المسلمات. ولكن الآن، بعد أن أصبح سموتريش هو من سيعين الجنرالات الذين يقودون وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق والإدارة المدنية، يظهر السؤال: لسلطة من سيخضع هؤلاء المعينون، رئيس الأركان أم سموتريش؟ وهذا ليس شيئاً كان على "وزراء الدفاع" التعامل معه أو القلق بشأنه في الماضي، كما تقول "جيروزاليم بوست".
وبالمثل، فوضع سلطة حرس الحدود في الضفة الغربية تحت سيطرة بن إيتمار غفير بدلاً من رئيس الأركان ووزير الدفاع سيخلق تحديات أمام غالانت لم يواجهها أسلافه.
فمثلاً، تتحدث تقارير عن أن بن غفير يريد نقل قسم كامل من حرس الحدود من الضفة الغربية إلى النقب للتعامل مع الجرائم ومخالفة القوانين هناك. ولكن ماذا لو عارض رئيس الأركان ذلك لأنه يحتاج إلى تلك القوة البشرية؟ من ستكون له الكلمة الأخيرة؟. ومشكلات كهذه ستُضاف إلى قائمة طويلة بالفعل من المشكلات الأساسية التي يتعين على وزير الدفاع التعامل معها: أولها وأهمها إيران.
تحديات كبيرة في الخارج وأبرزها إيران
منذ أن شغل شاؤول موفاز منصب "وزير دفاع" في حكومة أرييل شارون عام 2002، كان على كل وزير دفاع الاستعداد لاحتمال تنفيذ عمل عسكري لإحباط برنامج إيران النووي. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مقابلات عديدة مع وسائل إعلام أجنبية منذ انتخابات 1 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن منع إيران من حيازة أسلحة نووية هو السبب الرئيسي وراء رغبته في العودة للمرة الثالثة. وبناء على ذلك، سيستلزم هذا الموضوع انتباهاً كبيراً من غالانت.
وقد ألمح إلى ذلك في حفل نقل السلطة يوم الأحد في "وزارة الدفاع" في تل أبيب، حين قال إن إيران "تبذل مساعي حثيثة لامتلاك سلاح نووي إلى جانب تصريحاتها المتكررة عن رغبتها في تدمير دولة إسرائيل".
ثم هناك "مشكلة الفلسطينيين". فغالانت يتولى زمام "وزارة الدفاع" في وقت لا يزال الوضع الأمني في الضفة متوتراً. وسيواجه التحدي المزدوج المتمثل في كبح جماح الفلسطينيين والفصائل والصراع على السلطة في اليوم الذي يغادر فيه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الساحة.
وأول اختبار كبير لغالانت قد يأتي في وقت أقرب مما كان يظن بعد اقتحام بن غفير، الحرم القدسي، يوم الثلاثاء، وهذه الزيارة تلخص أحد التحديات الرئيسية التي سيواجهها غالانت: التعامل مع العواقب الأمنية وتداعيات الخطوات التي سيبادر بها شركاؤه في الائتلاف، وتحديداً حزبا "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية" المتطرفان.
هل تؤدي سياسات حكومة نتنياهو لإضعاف إسرائيل عسكرياً؟
في الوقت نفسه، تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي قد يكون أحد ضحايا سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتطرفة بقيادة نتنياهو وبن غفير وسموتريش؛ حيث أثارت محتويات اتفاقات ائتلاف الحكومة الإسرائيلية الجديدة بخصوص مسألتي الدين والدولة عاصفة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولكن هناك من يرى أن كثيراً من هذه السياسات سوف يكون لها تأثير بعيد المدى على الجيش الإسرائيلي والأمن القومي للدولة العبرية.
تبدو اختيارات حكومة نتنياهو فجة في العنصرية حتى تجاه الإسرائيليين، من الحق في التحريض العنصري والتمييز بحق الأقليات إلى حق الأطباء في الامتناع عن العلاج لأسباب دينية، وتوزيع رواتب شهرية على طلاب المدرسة اليهودية الدينية تتجاوز رواتب الجنود المقاتلين، حسبما ورد في تقرير صحيفة Haaretz.
وهذه الهدايا لليهود المتشددين في الواقع قد تؤدي على المدى الطويل إلى تآكل دعم حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بين الناخبين العلمانيين و"التقليديين"، ولكن ليس المتدينين المتشددين.
ونبهت صحيفة Haaretz الإسرائيليين إلى التأثير المحتمل للاتفاقات المتعلقة بمسائل الجيش الإسرائيلي، ليس في اتفاقيات الائتلاف فقط وإنما في الاتفاقات التي أبرمت بصورة غير رسمية أيضاً.
وتقول: "نطاق استسلام نتنياهو لشركائه المستقبليين في هذا الشأن واسع مثلما هو في مسألتي الدين والدولة. وهذه التنازلات شاملة وتحدّ من سلطة الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع، وتقوّض التسلسل القيادي للجيش الإسرائيلي".