تتعاون فيه أمريكا وروسيا معاً.. لماذا لم يستطع الغرب طرد موسكو من المفاعل النووي الاندماجي الدولي؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/01/01 الساعة 15:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/01 الساعة 15:43 بتوقيت غرينتش
الدرع الحيوي الدائري داخل موقع بناء المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (ITER) في سان بول ليز دورانس بجنوب فرنسا/رويترز، أرشيفية

مزق الغزو الروسي لأوكرانيا علاقات موسكو مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في كل شيء، من الطاقة إلى التجارة والسفر، لكن هناك شراكة واحدة لا يمكنهم الهروب منها، إنه المفاعل النووي الاندماجي الدولي.

ففي زاوية بعيدة هادئة ومشمسة في جنوب فرنسا، يستمر المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي -الذي أقيم في محاولة لتسخير قوة الاندماج النووي لإطلاق كميات هائلة من الطاقة النظيفة- في العمل بمشاركة من العلماء الروس والتكنولوجيا الروسية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Politico الألمانية.

في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد العلماء في المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي بالطفرة الكبيرة التي أعلن عنها مرفق الإشعال الوطني في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا، الذي قال إنه تغلب على حاجز هائل بإنتاج كمية من الطاقة من تجربة الاندماج أكثر من الكمية المستهلكة لإجرائها.

وإضافة لاستمرار العلاقة بين الغرب وروسيا في المفاعل النووي الاندماجي الدولي، مازالت موسكو تمد الغرب بالوقود النووي، حيث تمثل أكبر مورد في العالم لليورانيوم المخصب، الذي يستخدم في تشغيل المفاعلات النووية، حيث يمثل اليورانيوم الروسي المخصب أكثر من خُمسي احتياجات العالم، حتى إن موسكو تمد المفاعلات النووية الأمريكية بربع الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء.

ما الهدف من المفاعل النووي الاندماجي الدولي؟

وتقوم فكرة المفاعل النووي الاندماجي الدولي على السعي لتوليد طاقة نووية سلمية من اندماج ذرتي هيدروجين سيتحولان لذرة هيلوم، مثلما يحدث في الشمس مع إطلاق طاقة هائلة دون أي نفايات نووية ودون إشعاعات مضرة بمقدار كبير، عكس الطاقة النووية الانشطارية التي تحدث نتيجة انشطار الذرات وتطلق إشعاعات نووية.

تمكن البشر من استغلال الطاقة النووية الاندماجية لتصنيع القنبلة الهيدروجينية التي تخلق درجة عالية من الطاقة والحرارة، ولكن لم يتمكنوا حتى الآن من استغلال الطاقة النووية الاندماجية في المجال السلمي. 

ويتحمل الاتحاد الأوروبي ما يقرب من نصف تكاليف المفاعل النووي الاندماجي الدولي، ويدير شراكته من خلال وكالة Fusion 4 Europe التابعة للاتحاد. وتمتلك الهند واليابان والصين وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة حصة بنسبة 9% تقريباً لكل منها.

ويضم المفاعل النووي الاندماجي الدولي التجريبي الدولي، الذي يضم 35 دولة –ووُلِد من رحم اجتماع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف عام 1985 بعد عقود من توترات الحرب الباردة.

ويهدف المشروع الذي تبلغ تكلفته 44 مليار يورو (47 مليار دولار أمريكي تقريباً) إلى اختبار الاندماج النووي – وهي عملية تحدث في مركز النجوم – باعتباره مصدراً قابلاً للتطبيق للطاقة الخالية من الكربون ذات النشاط الإشعاعي الأدنى. وعن طريق حقن البلازما الساخنة التي تصل حرارتها إلى 150 مليون درجة مئوية في جهاز وحصرها بمجالات مغناطيسية، تندمج نوى الهيدروجين في نواة الهيليوم والنيوترونات الإضافية؛ مما يطلق كميات هائلة من الطاقة.

لماذا لم يتم طرد روسيا من المشروع كما حدث مع مؤسسات أخرى؟

ولا يزال لدى روسيا، باعتبارها مشاركاً نشطاً، نحو 50 موظفاً يعملون في الموقع، بما في ذلك المهندسون. 

ولا يملِك المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي أية وسيلة لإزاحة عضو. ولا يوجد طريق لطرد روسيا من التجربة دون نسف المخطط بأكمله.

ومباشرة عقب هجوم موسكو واسع النطاق على أوكرانيا في فبراير/شباط، وجد المشروع نفسه في مأزق، خاصةً أنَّ ممثلي الحكومة الروسية يشكلون جزءاً من مجلس صنع القرار رفيع المستوى، مجلس المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي، إلى جانب نظرائهم الأوروبيين والأمريكيين.

المفاعل النووي الاندماجي الدولي
فنيون وزوار يقفون داخل قاعة تجميع المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (ITER) في سان بول ليز دورانس ، جنوب فرنسا/رويترز، أرشيفية

وقالت سابينا غريفيث، مسؤولة الاتصالات في المفاعل النووي الحراري، "هناك توازن صعب بين إدانة أحد الأعضاء ومواجهة عواقب ذلك على المشروع"، مضيفة أنَّ مناقشات مكثّفة دارت في البداية حول كيفية الرد. حتى أنَّ فريق العمل ناقش بإيجاز وضع لافتة على موقع المشروع تدين الحرب، قبل إلغاء الفكرة.

ووفقاً لكبير المهندسين في المفاعل، آلان بيكوليه، حتى لو كانت "المنظمة نفسها غير سياسية… تساءل الكثير من الناس" عمّا يجب فعله بعد بدء الغزو، مضيفاً أنَّ "الحزن يسود" بين الموظفين.

وقال بيكوليه: "الوضع السياسي مستقر حتى الآن، وجميع الأعضاء… يعلنون أنهم يريدون مواصلة العمل معاً"، مشيراً إلى أنَّ أول اجتماع لمجلس المفاعل بعد الغزو في يونيو/حزيران كان "بناءً للغاية".

وخلال أحدث اجتماع في الموقع في أكتوبر/تشرين الأول، جدّد أعضاء مجلس المفاعل التأكيد على "إيمانهم القوي بقيمة المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي المهمة".

لا يمكن الاستغناء عن التكنولوجيا الروسية

وقد حظت التجربة – التي تجاوزت الميزانية والموعد النهائي المحددين لها- بالفعل بنصيبها العادل من الخلافات. إذ علّقت هيئة السلامة النووية الفرنسية في يناير/كانون الثاني تجميع مفاعل الاندماج بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. وانهالت الاتهامات على وكالة Fusion 4 Europe بتبنيها ثقافة العمل تحت ضغط عالٍ، والإرهاق الذي ربطه النقاد بانتحار موظف واحد على الأقل.

وعلى عكس مختبر فيزياء الجسيمات CERN في جنيف – وهو مركز أبحاث تعاوني علّق علاقاته مع روسيا بعد بدء الحرب – أوضح بيكوليه أنَّ المفاعل النووي الحراري التجريبي هي اتفاقية دولية مثل الأمم المتحدة؛ ما يجعل من الصعب تعليق العمل فيه.

ويرجع ذلك إلى أنَّ ما يصل إلى 90% من التمويل لا يأتي على شكل نقود، بل مساهمات "عينية" من المعدات، وتتولى كل دولة مشاركة تصنيع قطعة فريدة من نوعها من المفاعل الكلي، ثم تُجمَّع بعد ذلك مثل أحجية عملاقة.

ونظراً لأنَّ المفاعل صُمِّم لإنشاء خبرات اندماج متخصصة في جميع أنحاء العالم وتحفيز التصنيع المحلي، فهذا يعني الآن أنه إذا لم يسلّم أحد الأعضاء الجزء الخاص به، فقد ينهار المشروع بأكمله، وتضيع مليارات الأموال المستخدمة فيه.

وحتى لو أرادت الدول المشاركة ذلك، فلا يمكنها طرد روسيا رسمياً من المشروع؛ لأنه لا يوجد بند في دستور تأسيس المفاعل يسمح لها بفعل ذلك، وبدلاً من ذلك، سيتعين على جميع الدول الأخرى الانسحاب.

لكن الأمر لا يخلو من مشكلات

لكن هذا لا يعني أنَّ المشروع لم يتأثر بالحرب الروسية.

فمن ناحية، تسببت العقوبات الغربية والعقوبات المضادة التي تفرضها موسكو في تحويل عملية شراء الأجزاء روسية الصنع إلى حقل ألغام.

وقال: "اتضح أنَّ عام 2022 هو عام مهم للغاية من حيث عمليات التسليم الروسية" للمشروع، إذ تنتج موسكو أجزاءً مهمة بما في ذلك قضبان التجميع -وهي قضبان من الألمنيوم تغذي المفاعل بتيار كهربائي ضخم – وحلقة مغناطيسية بوزن 200 طن التي تُشكِّل البلازما وتبقيها مُعلّقة في المفاعل، وتُسمَّى الملف المغناطيسي القطبي. 

يتطلب نقل قضبان التجميع بالشاحنة والملف المغناطيسي القطبي – الذي هو في طريقه من سانت بطرسبرغ إلى مرسيليا – بالسفن "مزيداً من الأعمال الورقية، والمزيد من التبرير للتفسير لمختلف البلدان الأوروبية أننا لا نخضع للعقوبات، ولدينا استثناءات". وأضاف أنَّ هذه العملية "المؤلمة" أدت إلى تأخير عمليات التسليم لمدة تصل إلى شهرين.

الموظفون الروس في وضع حرج

كما أن هذا الوضع ترك الموظفين الروس في وضع حرج، بما في ذلك مهندس التجميع المولود في موسكو، فلاديمير ترونزا، الذي يعمل في الموقع منذ عام 2016.

وقال ترونزا: "في البداية، كان الجميع يتساءل ما الذي سيحدث؟ هل يجب أن نبحث عن وظيفة أخرى؟ هل يجب أن نحزم أمتعتنا ونعود؟"، مضيفاً أنَّ الموظفين الروس كانوا قلقين في البداية من خروج موسكو من المشروع.

لكن ترونزا نفى أنه سمع عن ترك الموظفين الروس للعمل، مع "أنَّ الغالبية غير مهتمة بالعودة" إلى روسيا؛ نظراً لأنَّ الكثيرين استقروا في موقع المشروع في جنوب شرق فرنسا.

وتابع: "التعاون مهم، ومن المهم الحفاظ على العلاقات و… التحدث"، واصفاً المشروع بأنه "سلعة عالمية".

تحميل المزيد