9 أخطاء كبرى أدت لتحول الصراع بأوكرانيا من نزهة متوقعة للجيش الروسي لمعركة طويلة ومريرة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/12/25 الساعة 21:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/25 الساعة 22:09 بتوقيت غرينتش
دبابة للقوات الروسية في أوكرانيا - رويترز

الجميع، بمن فيهم الاستخبارات الأمريكية، كانوا يتوقعون انتصاراً روسياً ساحقاً في حرب أوكرانيا، ولكن هذا لم يحدث، بل كان على العكس يبدو الصراع مرشحاً لأن يطول، وبعد مرور 300 يوم على هجوم موسكو، يبدو أنه من الممكن محاولة رصد أبرز أخطاء روسيا في حرب أوكرانيا، والتي أدت لتحولها من نزهة متوقعة لمعركة طويلة الأمد.  

فحينما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن عمليته العسكرية الخاصة بأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، توقع حينئذ استيلاء قواته على كييف في غضون أيام، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، بل إن القوات الأوكرانية تمكنت خلال الأشهر الأخيرة من تحرير آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي التي استولت عليها روسيا، ومنها العاصمة الإقليمية الوحيدة التي تمكنت روسيا من السيطرة عليها بعض الوقت.

وقبيل اندلاع الحرب وفي أيامها الأولى، توقع مسؤولو أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة سقوط كييف أمام الغزو الروسي خلال أيام من بدء الحرب، حتى قيل إن قادة غربيين دعوا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، للهروب من العاصمة، واللجوء لإحدى الدول الغربية.

والآن، يصف كثير من المسؤولين الأمريكيين والغربيين حملة روسيا على أوكرانيا بأنها فاشلة، وسط تقديرات غربية تشير إلى أن عدد الضحايا زاد على 100 ألف قتيل في الجانبين، وهي حصيلة مستمرة في الزيادة.

أبرز أخطاء روسيا في حرب أوكرانيا 

1- فشل الحملة العسكرية الأولى

 لم يكد بوتين يعلن عن هجومه، إلا وكان جيشه قد بدأ في ارتكاب الأخطاء، حسب تقرير لموقع Insider الأمريكي.

فقد قال خبراء عسكريون لموقع Insider إن روسيا أخفقت إخفاقاً ذريعاً في بداية الغزو لأسباب عديدة، منها إقامة الحملة على كثير من الحسابات الخاطئة، ورداءة الاتصالات، وارتباك القوات الروسية في عدة مواقع.

وقال جيفري إدموندز، خبير الشؤون الروسية والمستشار العسكري السابق بوكالة الاستخبارات الأمريكية، في لقاء حديث مع موقع Insider: "كنا نظن أنهم أحسنوا التدبير لحملتهم العسكرية، وأتقنوا الإعداد لها، لكن تبيَّن لنا أنهم لم يفعلوا ذلك".

ظهر ذلك في محاولات الإنزال الفاشلة في أوديسا بالجنوب وحول كييف، إضافة للطابور الضخم للدبابات الروسية الذي يقال إنه حاول اقتحام كييف، بشكل مباشر، مما أتاح فرصة للجيش الأوكراني لاستهدافه، سواء عبر طائرات بيرقدار التركية المسيّرة، أو عبر الهجمات بواسطة الصواريخ المضادة للدبابات المحمولة على الكتف، ما أدى إلى إفشال ما يُسمى بهجوم الربيع على كييف.

2- الإخفاق في إطلاق حملة جوية قوية للهيمنة على سماء أوكرانيا

كان يُتوقع خلال الأيام الأولى للحرب أن تجمع القوات الروسية بين المساندة الجوية والهجوم البري والتقدم بحشود كبيرة من المدفعية وقوات المدرعات والمشاة، ومن ثمَّ استباق التحركات من خصومهم بحملةٍ جوية كبيرة وفرض التفوق الروسي على الأراضي الأوكرانية، إلا أن ما حدث أن القادة الروس أمروا قواتهم بالتوجه إلى كييف، وكانت النتيجة أنهم سرعان ما واجهوا نقص الإمدادات، وتباعد القوات، والكمائن الأوكرانية.

كان ضعف أداء القوات الجوية الروسية لغزاً مثيراً للدهشة، منذ بداية حرب أوكرانيا، فبالتأكيد ما يحدث مخالف للتوقعات، فقبل الغزو الروسي لأوكرانيا، توقعت أجهزة الاستخبارات الأمريكية هجوماً عنيفاً من جانب موسكو من شأنه أن يحشد بسرعة، القوة الجوية الروسية الهائلة التي جمعها جيشها للسيطرة على سماء أوكرانيا، وكان يعتقد أن بداية الحرب ستكون "أقصى استخدام للقوة".

وقال ديفيد ديبتولا، وهو جنرال متقاعد من القوات الجوية الأمريكية كان يقود منطقة حظر الطيران فوق شمال العراق، إنه فوجئ بأن روسيا لم تعمل بجدية أكبر لفرض هيمنتها الجوية منذ البداية.

 وقال ديبتولا لـ"رويترز": "الروس يكتشفون أن تنسيق عمليات متعددة المجالات ليس بالأمر السهل"، "وإنهم ليسوا بالمهارة التي كانوا يفترضونها".

يُعتقد أن أحد أسباب ارتباك أداء القوات الجوية الروسية، هو استخدام القوات الأوكرانية لصواريخ أرض-جو قادرة على تهديد الطائرات الروسية وتشكيل خطر على الطيارين الروس الذين يحاولون دعم القوات البرية، إضافة لاستخدامها الفعال للأنظمة الدفاعية المتوسطة والبعيدة المدى مثل نظام صواريخ إس 300، وللمفارقة هو نظام روسي يفترض أن موسكو تعرفه جيداً.

وزوَّد الغرب أوكرانيا منذ قبل اندلاع الحرب، بآلاف الصواريخ المضادة للطائرات، والمحمولة على الكتف، أغلبها من طراز ستينغر الأمريكي، الذي يُعتقد أنه أحد أسباب انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في نهاية الثمانينيات.

واحدة من نقاط الضعف القوية في أداء الجيش الروسي، هي نقص الدعم من قِبل القوات الجوية للقوات البرية العاملة على الأرض، حيث لاحظ الخبراء العسكريون أدلة على نقص تنسيق القوات الجوية الروسية مع تشكيلات القوات البرية، إذ تم إرسال العديد من طوابير القوات الروسية إلى الأمام، بعيداً عن متناول غطاء الدفاع الجوي الخاص بهم.

أخطاء روسيا في حرب أوكرانيا
مقاتلات روسية من طراز سوخوي 35/رويترز

وهذا يترك الجنود الروس عرضة للهجوم من القوات الأوكرانية، وضمن ذلك تلك المجهزة حديثاً بطائرات تركية من دون طيار وصواريخ أمريكية وبريطانية مضادة للدبابات.

ويُعتقد أن السبب هو الضعف العام للقوات الجوية الروسية والبرية في مسألة التنسيق والاتصالات، وخوض حرب الأسلحة المشتركة التي تتطلب درجة عالية من اللامركزية وإتاحة حرية اتخاذ القرار للقادة الميدانيين، وهو أمر مخالف للطبيعة المركزية التي ورثها الجيش الروسي عن سلفه السوفييتي.

كما يُعتقد أن القوات الجوية الروسية تعاني من تأثير الفصل التاريخي منذ العهد السوفييتي بين قدرات القصف وقدرات القتال الجوي، علماً بأن الحرب الحديثة والطائرات المقاتلة المعاصرة متعددة المهام، في حين أن أغلب الطائرات الروسية الشهيرة جذورها طائرات مقاتلات صافية، ولكنها طُوِّرت لتصبح طائرات متعددة المهام.

كما يقال إن الطيارين الروس ليست لديهم خبرة كبيرة في استخدام القنابل الموجهة، باستثناء نخبة الطيارين، ولذلك يعتمدون على القنابل غير الموجهة بشكل كبير، إضافة إلى أن قدرات الروس في مجال التشويش والرصد والإجراءات المضادة للصواريخ أقل من الغرب.

أحد أسباب عدم مبادرة سلاح الجو الروسي لوأد الهجوم الأوكراني في إقليم خاركييف أن عقيدة سلاح الجو الروسي تمنعه ​​من دعم القوات البرية عن كثب، عندما يكون العدو في حالة تحرك. 

وذلك لأن القوة الجوية الروسية ليست "قوة جوية" بالمعنى الغربي، بل هي بمثابة مدفعية محمولة جواً. حيث يقوم الطيارون بتفجير القنابل – في أهداف لا يمكنهم رؤيتها – بناء على الإحداثيات التي يزودهم بها القادة الميدانيون، والتي غالباً ما تستند إلى معلومات استخبارية قديمة، ولا تستطيع مواكبة حركة القوات المعادية السريعة.

فالقوات الجوية الروسية لا تتبع القوات البرية للعدو في الوقت الحقيقي. ولا تترك لطياريها مهمة مطاردة العدو بأنفسهم.

وبالتالي ما دام الأوكرانيون يتحركون، يمكنهم تجنب الهجوم الروسي، حسب مجلة Forbes الأمريكية.

3- الاستخفاف بمقاومة الأوكرانيين 

حسب بوتين فإن النصر سيكون سريعاً وسهلاً، وقواته ستسيطر على كييف التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة في غضون أيام. لكن المدينة لم تسقط قط، وتبيَّن أن الزعيم الروسي استهان كثيراً بإرادة الأوكرانيين في القتال والدفاع عن وطنهم، حسب تقرير موقع Insider.

تجلَّت شراسة المقاومة الأوكرانية منذ الأيام الأولى للحرب. فقد قال مسؤول عسكري أمريكي بارز في 28 فبراير/شباط إن أوكرانيا "تدافع عن كييف دفاعاً باسلاً، وفعَّالاً"، وقد تمكنت بالفعل من إبطاء التقدم الروسي.

 ويرى ماسون كلارك، خبير الشؤون الروسية بمعهد دراسات الحرب الأمريكي، أن "الكرملين أخطأ في حساباته وظن أن الجيش الأوكراني سينهار بوتيرة أسرع بكثير مما آلت إليه الأمور الآن. وقد أدى ذلك إلى وقوع روسيا في كثير من الأخطاء الغبية".

وقال كلارك لموقع Insider: إن أسباب الإخفاق الروسي كانت مزيجاً بين سوء تنفيذ القوات الروسية للأوامر، وإتقان الجيش الأوكراني للمقاومة، فضلاً عما أبدته القوات الأوكرانية من "حميَّة أقوى بكثير مما توقعه أي أحد، وفي مقدمتهم الروس أنفسهم"، حسب تعبيره.

المفارقة أن الأمريكيين أنفسهم كانوا يستخفون بمقاومة الأوكرانيين، ففي الأيام التي سبقت الحرب، أبلغ مجتمع الاستخبارات صانعي السياسة الأمريكيين أنه من المحتمل أن تسقط كييف في غضون 3 إلى 4 أيام من الغزو الروسي.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلقي كلمة أمام اجتماع مشترك للكونجرس الأمريكي/ رويترز

وأدى هذا الفشل الاستخباراتي إلى أن انتقادات حادة داخل الكونغرس لمجتمع الاستخبارات الأمريكي.

وأرسلت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ في مايو/أيار 2022 رسالة سرية إلى مكتب مدير المخابرات الوطنية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية تشير إلى أن الوكالات الاستخباراتية قللت على نطاق واسع من المدة التي يمكن للجيش الأوكراني أن يكون قادراً فيها على صد القوات الروسية، حسبما أفادت مصادر متعددة مطلعة على الأمر لشبكة CNN الأمريكية. 

وقال جريج تريفرتون، الرئيس السابق لمجلس المخابرات في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما: "في أوكرانيا، يعتقد المسؤولون الأمريكيون على نطاق واسع أن مجتمع الاستخبارات أعطى وزناً كبيراً للمزايا العسكرية الروسية التقليدية، وفشل في حساب مدى أهمية إرادة أوكرانيا للقتال في الصراع.

ويقول النقاد إن فشل مجتمع الاستخبارات الأمريكي في توقع المقاومة الأوكرانية كان مضراً من الناحية العسكرية للأوكرانيين، إذ كان يمكن أن تتحرك الولايات المتحدة لتسليح أوكرانيا في وقت مبكر وبأسلحة ثقيلة إذا كانت الاستخبارات الأمريكية قد قدرت أنه لدى كييف فرصة للقتال ضد الجيش الروسي.

4- إخفاق روسي في مجال الاستطلاع 

يعتقد أن الأمريكيين قدموا دعماً كبيراً ومؤثراً لأوكرانيا في الاستطلاع والتجسس والاستخبارات، عبر الأقمار  الصناعية وطائرات الاستطلاع التي تحلق قرب ساحة المعركة.

في المقابل، هناك نقص واضح للطائرات الروسية العاملة في مجال الاستطلاع، لاسيما المسيرة، لأن الاتحاد السوفييتي (ومن بعده روسيا) قوة برية تقليدية دفاعية، حيث تظل قدرة موسكو على جمع المعلومات الاستخباراتية ضئيلة مقارنة بدول الناتو، حسب موقع لتقرير Eurasian Times.

وبالنظر للكيفية التي فاجأت بها أوكرانيا روسيا بهجومها المضاد في خاركيف، يمكن الاستنتاج بسهولة أن قدرة التنصت الإلكتروني الروسية محدودة، وفقاً لـ"Eurasian Times".

وكان قادة الاتحاد السوفييتي يراهنون على أنه في أي معركة سوف تسقط موسكو طائرات الاستطلاع الأمريكية (التي تمثل نقطة تفوق واشنطن)، عبر أنظمتها الدفاعية الجوية أو الطائرات الاعتراضية السريعة التابعة لموسكو.

فمع ميزانيتها الدفاعية المحدودة، لا تستطيع روسيا بناء قدرة تضاهي الولايات المتحدة في المجال الجوي، خاصة طائرات الاستطلاع، واستثمرت بدلاً من ذلك في تطوير صواريخ بعيدة المدى، يمكنها القضاء على أصول طائرات الاستطلاع والتجسس الأمريكية.

ولكن الوضع الآن مختلف، فروسيا لا تستطيع مهاجمة طائرات الاستطلاع الأمريكية أو التابعة للناتو؛ لأنها لا تحلق في المجال الجوي الأوكراني، رغم أنها تطير في الأغلب بمحاذاة حدود أوكرانيا بطريقة تجعلها تستطيع كشف أسرار روسيا العسكرية.

5- حشد قوة صغير لغزو أوكرانيا 

أدت ثقة بوتين الشديدة في جيشه واستهزائه في المقابل بالجيش الأوكراني، في عدم استدعاء احتياطي الجيش الروسي قبل الحرب التي سماها عملية خاصة.

ويجب ملاحظة أن أوكرانيا هي ثاني أكبر بلد من حيث المساحة في أوروبا بعد روسيا نفسها، بمساحة تزيد عن 600 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكان يبلغ نحو 40 مليوناً، أي أقل قليلاً من ثلث سكان روسيا، كما أنه من المعروف تقليدياً في الحروب أنه في حال تساوي القدرات النوعية العسكرية، فإن المهاجم يجب أن يفوق المدافع 3 مرات لكي يهزمه.

وبالتالي هذه الأرقام تعني أن أوكرانيا ليست لقمة صغيرة، ولكن الروس كانوا يرون الأوكرانيين دوماً أقل منهم، وأنهم أدنى صلابة من الروس (أولاد عمومتهم) الأقرب للقطب الشمالي، وأكثر فوضى بدولتهم والمنقسمة تقليدياً بين الموالين لموسكو والموالين للغرب والمشهورة بتقلب سياسيها وفسادهم.

وفي الأغلب، كان بوتين يعتقد أن الأوكرانيين سوف ينقسمون بين من سيرحب بالغزو الروسي، خاصة في شرق وجنوب البلاد، حيث يكثر المتحدثون بالروسية، بينما سيهرب المعادون لروسيا للغرب.

ونتيجة هذه الانطباعات حشد بوتين نحو 200 ألف جندي روسي يمثلون نحو ربع قوات جيش بلاده، ولم يرى هناك حاجة لاستدعاء الاحتياطي إلا بعد هجوم الأوكرانيين في خاركييف.

قصف على العاصمة الأوكرانية كييف / رويترز

ومع عدم تمكن روسيا من فرض الهيمنة الجوية تبين أن قلة عدد الجنود على الأرض مشكلة كبيرة.

فلقد تم كسر الدفاع الروسي في معركة خاركييف التي كانت أول هجوم مضاد أوكراني، بهذه السرعة على الأرجح لأن الروس كانوا يفتقرون إلى عدد كبير من القوات"، حسبما يرى ميكولا بيليسكوف، الزميل الباحث في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية.

ويبلغ طول الجبهة بين الروس والأوكرانيين، أكثر من 1300 كيلومتر، والجنود الروس يتراوح عددهم بين 200 ألف و250 ألف جندي (قبل استدعاء الاحيتاطي الأخير). وهذا غير كافٍ بشكل حاسم لإنشاء دفاع متدرج قوي، حسب قوله.

وقال بيليسكوف لموقع Euromaidanpress "على الأرجح، كان لدى الروس مستوى دفاع واحد فقط شمال بالاكليا في إقليم خاركييف، وقوات الدفاع الروسية هناك كانت تتكون أساساً من فرق الاستجابة السريعة غير المتخصصة في الحرب العامة ولكن في قمع أعمال الاحتجاجات".

وبالتالي، اخترقت أوكرانيا من هذه النقطة الخطوط الروسية في هذه المنطقة، وهدفها الأساسي ليس الاستيلاء على البلدات، ولكن الوصول بسرعة إلى الحدود الروسية لقطع الاتصالات، والإمدادات الخلفية، وتكرر هذا في خيرسون التي انسحب منها الروس منعاً لحصار قواتهم.

ولفت إلى أن أوكرانيا لديها عدد أفراد أكثر بفارق كبير عن الروس خلال معركة خاركييف، فمقابل ما يتراوح بين 200 ألف إلى 250 ألف جندي روسي كانوا منتشرين، لدى كييف نحو مليون فرد (أوكرانيا فرضت التجنيد الإجباري ومنعت سفر الرجال ممن هم في سن التجنيد إلى خارج البلاد، عكس موسكو التي تأخرت في هذا القرار).

6- التخلي عن كميات كبيرة من المعدات والأسلحة

جاء الهجوم المضاد الذي شنَّته أوكرانيا في شمال شرق خاركيف أواخر الصيف مباغتاً لروسيا، وكان بداية لحملة ضخمة تمكنت من تحرير مساحات واسعة من الأراضي التي استولت روسيا عليها آخرها خيرسون. ولما كان الهجوم مباغتاً للقوات الروسية، فإنها سارعت بترك مواقعها مخلفةً وراءها كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، حسب تقرير موقع Insider الأمريكي.

وقالت وزارة الدفاع البريطانية، في ذلك الوقت، إن بعض وحدات القوات الروسية "فرَّت هلعاً"، حتى إنها تركت وراءها الكثير من "المعدات الثمينة".

ومع أن كميات الأسلحة المتروكة كانت كبيرة إلى حدٍّ مُعضِل للقوات الأوكرانية، فإنها تمكنت من تنظيم اعتمادها على هذه الأسلحة واستغلالها في تعزيز قوتها النارية التي ضعفت أثناء الحرب.

ويقال إن روسيا هي ثاني مصدر للسلاح لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة بسبب السلاح الذي يتركه الجنود الروس.

تعلم الروس من أخطائهم بعد ذلك، فانسحبوا من خيرسون التي يفصلها دنيبرو عن قواتهم الرئيسية، حتى يتجنبوا حصاراً لقواتهم بالمدينة، بينما كان سيصعب عليهم توصيل الإمدادات لها عبر مجرى النهر العريض في هذه المنطقة.

7- إنفاق مخزون روسيا من الذخائر الموجهة بدقة

شنَّت روسيا في الأشهر الأخيرة موجات من هجمات الصواريخ الكثيفة والطائرات المسيَّرة التي استهدفت البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، ما أدى إلى استنفاد مخزونات موسكو من الذخائر الدقيقة بعيدة المدى.

وفي الوقت نفسه، قال خبراء ومسؤولون عسكريون غربيون إن روسيا غير قادرة على الاستمرار في حملة ترويع المدنيين التي تشنها على المدن الأوكرانية، واستبعدوا أن تُضعف الحملة من إرادة أوكرانيا في القتال.

وقال بعض كبار المسؤولين الاستخباراتيين الأمريكيين في المدة الأخيرة إن روسيا تحرق ذخائرها بوتيرة تفوق القدرة على استبدالها. وأشاروا أيضاً إلى أن استهلاك روسيا لكميات هائلة من المدفعية والذخائر الموجهة بدقة اضطرها للجوء إلى إيران وكوريا الشمالية للحصول على إمدادات.

وقال الممثل الدائم لبريطانيا لدى الأمم المتحدة في 9 ديسمبر/كانون الأول، إن روسيا تسعى للحصول على "مئات" الصواريخ الباليستية من إيران مقابل دعم عسكري "غير مسبوق" للجمهورية الإيرانية. وزعم مسؤول عسكري أمريكي بارز بعدها بأيام أن مخزون روسيا من قذائف المدفعية والصواريخ الحديثة قد أوشك على النفاد، ما اضطرها إلى استخدام ذخائر أقدم وأقل جودة.

8- المراهنة على أسطول الدبابات الروسي الأكبر في العالم

الصدمة الكبرى في حرب أوكرانيا بالنسبة للجيش الروسي، عانى منها سلاح المدرعات، وهو السلاح الأكثر أهمية في الحروب منذ قرن، ولكنها تحولت في المعارك بأوكرانيا لأكفان للجنود.

فالجيش الروسي يمتلك دبابات كثيرة، ودباباته أحدث وأكثر بكثير من الدبابات الأوكرانية، إذ تعد روسيا أكبر دولة في العالم من حيث عدد الدبابات، حيث لديها قبل حرب أوكرانيا نحو 12950 دبابة من بين حوالي 73 ألف دبابة لدى كل دول العالم، بحسب ما نقل تقرير لمجلة Forbes الأمريكية عن نيكولاس دروموند، المستشار العسكري والمعلق البريطاني.

ويعتقد أن الصواريخ المحمولة على الأكتاف بشكل خاص كانت مسؤولة عن قدر كبير من خسائر المدرعات في الحرب خاصة لدى الجيش الروسي.

وأثارت هذه الحرب جدلاً غير مسبوق حول مستقبل الدبابات، وسط تساؤلات حول: هل السبب فيما يُقال عن تعرض الجيش الروسي لخسائر كبيرة في المدرعات يرجع إلى مشكلة خاصة به ونتيجة عيوب تقليدية في الدبابات الروسية الأصغر حجماً من نظيراتها الغربية وأنها أكثر عرضة للتفجير بسبب مشكلة تخزين الذخيرة المشهورة، أم هو نتيجة قصور عام في قدرات الدبابات عموماً، أمام الجيل الجديد من الأسلحة المضادة.

روسيا
دبابة للقوات الروسية في أوكرانيا – رويترز

ويجب ملاحظة أن أسطول الدبابات الروسية هذا أغلبيته الكاسحة من الدبابات القديمة، بما في ذلك دبابات تي 62 وتي 64 التي تعود للستينيات، وأغلب هذا الأسطول مكون من الدبابة تي 72، وهي تصميم قديم يعود للسبعينيات والثمانينيات، وسبق أن كان أداؤها سيئاً، خلال الحرب بين الولايات المتحدة والعراق خلال حرب الخليج الثاني 1991 (حرب تحرير الكويت).

وبينما يمتلك الجيش الروسي بضع مئات من الدبابة الأحدث تي 92، فإن عددها ليس كبيراً، كما أنها في الأصل تطوير لتصميم تي 72، أي تعاني من نفس العيوب في تصميمات الدبابات الروسية حتى  لو بشكل أقل، إضافة لأن عددها ليس كبيراً.

أما الدبابة الروسية الأحدث تي 14 أرماتا، التي توصف بأنها واحدة من أكثر دبابات العالم تطوراً، فيعتقد أنها لم تدخل الخدمة بعد.

9- الاستخفاف بإجماع الغرب على مساندة أوكرانيا

من أبرز أخطاء بوتين في هذه الحرب استخفافه باحتمال أن تصطف القوى الغربية في مساندة أوكرانيا. فقد تمكن حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من الاجتماع معظم الوقت على تقديم المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، وفرض عقوبات شاملة على روسيا، حسب موقع Insider.

فضلاً عن ذلك، صار الغزو فرصة لحلف الناتو من أجل توسيع حدوده، بإضافة السويد وفنلندا إلى دولِه، لا سيما بعد أن زادت المخاوف الأمنية بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا، بل إن بعض الدول الأوروبية انقلبت على سياساتها الخارجية والإقليمية والمالية والعسكرية القائمة منذ أمد طويل بسبب الحرب.

كما شكلت الحرب فرصة تراها أمريكا لا تعوض لاستنزاف القوة الروسية، دون إراقة أي دماء أمريكية عبر إرسال أسلحة أغلبها قديم لأوكرانيا ولا تكلف الخزينة الأمريكية سوى بضع عشرات من المليارات من الدولارات من ميزانية البنتاغون البالغة نحو 800 مليار دولار.

وبحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، قال وزير الدفاع الأمريكي للصحفيين خلال زيارته كييف، في 25 أبريل/نيسان 2022: إن "القدرات العسكرية الروسية يجب أن تتدهور، وإنّ أمريكا تريد إضعاف روسيا إلى الدرجة التي لا يمكنها إعادة بناء جيشها".

تحميل المزيد