رغم تلميحات إيرانية إلى نية النظام إلغاء شرطة الأخلاق المكلفة بفرض الحجاب، فإن التوتر مازال مستمراً بالبلاد، في ظل تدهور العملة المحلية وطرد طهران من لجنة الأمم المتحدة للمرأة، فإلى أين تسير البلاد، وهل تشهد ثورة ضد النظام الحالي أم تتعرض لخطر التفكك أم تتجه الأمور للهدوء؟
ومنذ منتصف سبتمبر/أيلول 2022، تهز إيران احتجاجات عنيفة بعد وفاة الشابة المنحدرة من أصول كردية، مهسا أميني (22 عاماً)، عقب 3 أيام من اعتقالها لدى شرطة الأخلاق في طهران بسبب عدم الالتزام بقواعد اللباس الإسلامي الصارمة في البلاد.
واتهمت عائلتها أفراداً من شرطة الأخلاق بضربها على الرأس في أثناء نقلها في السيارة إلى مركز التوقيف الذي وقعت فيه وتم نقلها للمستشفى لاحقاً، في حين تقول السلطات إن وفاتها كانت طبيعية.
وشرعت الحكومة الإيرانية، مؤخراً، في سياسة تنفيذ أحكام بإعدام عدد من المحتجين، في الأسابيع الأخيرة، بعد أن عانت في الشهرين الأولين، إذ أعدمت اثنين من المتظاهرين الذين اعتقلوا مع آلاف آخرين، ومن ضمنهم رجل شُنق علناً بواسطة رافعة في مدينة مشهد شرقي البلاد.
كما استخدمت الحكومة المزيد من القوة العسكرية ضد مصادر الاضطرابات في المناطق الكردية بإيران، حيث بدأت الاحتجاجات في أعقاب جنازة مهسا أميني، التي توفيت عن 22 عاماً.
وقالت جماعات حقوقية: "إن ما لا يقل عن 400 متظاهر لقوا مصرعهم"، لكن الحكومة تقول إن عدد الضحايا وصل إلى "200 شخص".
وقتل أربعة من عناصر الحرس الثوري في هجوم وقع بمحافظة سيستان بلوشستان قرب الحدود الباكستانية، بجنوب شرقي إيران، حسبما أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) يوم الإثنين.
إيران تحاول استرضاء المتظاهرين بالتخلي عن شرطة الأخلاق
وأعلن المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2022، إلغاء شرطة الأخلاق، المعروفة باسم "دوريات الإرشاد"، والمكلفة بمراقبة التزام النساء بارتداء الحجاب في الشارع.
في رده على سؤال صحفي حول ما إذا كانت شرطة الأخلاق قد حُلت، نقلت وكالة إسنا عن منتظري، قوله إن "شرطة الأخلاق ليس لديها شيء تفعله مع القضاء. تم إلغاؤها من مكان إطلاقها نفسه. بالتأكيد، القضاء سيواصل مراقبة سلوك المجتمع".
وبالتالي لا يعني هذا القرار أنه بالضرورة تم إنهاء إلزامية الحجاب.
وانتقدت قناة "العالم" الإيرانية الرسمية الناطقة بالعربية، تصوير وسائل الإعلام الأجنبية تصريحات منتظري باعتبارها "تراجعاً في موقف الجمهورية الإسلامية بشأن موقفها من الحجاب والأخلاق الدينية نتيجة للتظاهرات". وأضافت القناة: "لم يقل مسؤول في جمهورية إيران الإسلامية إن دوريات الإرشاد قد تم وقفها"، ولكن ما يمكن فهمه من التعليقات هو أن شرطة الأخلاق ليست مرتبطة، بشكل مباشر بالقضاء.
وتوقع الصحفي بالخدمة الفارسية في "بي بي سي"، سيافاش أردلان، أن ينظر المحتجون إلى هذه الخطوة على أنها غير كافية ومتأخرة، مضيفاً أنهم غاضبون من العديد من القضايا، من بينها الفقر والفساد، وسيشعرون الآن "بضعف في النظام".
ويؤكد المحلل السياسي المتخصص بالشؤون الإيرانية، مسعود الفك، أن "عدم الالتزام بالحجاب أصبح أمراً واقعاً منذ انطلاق هذه الانتفاضة، والنظام قبل به بحكم الأمر الواقع".
وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في كلمة متلفزة، مطلع الشهر، إن الأسس الجمهورية والإسلامية لإيران راسخة في الدستور. لكنه أشار إلى "وسائل لتطبيق الدستور يمكن أن تكون مرنة".
ومنذ الثورة الإسلامية في إيران قبل 40 عاماً، انقلبت موازين الحياة الاجتماعية وترسخت القوانين الدينية ومنها قانون الحجاب الإلزامي.
وشهدت السنوات الأخيرة تسارع وتيرة الاحتجاجات ضد القوانين الدينية الإلزامية، وبات من الشائع رؤية نساء يرتدين سراويل ضيقة والحجاب الفضفاض الملون. لكن في يوليو/تموز من العام الحالي، دعا رئيسي المحافظ المتشدد "جميع مؤسسات الدولة إلى فرض قانون الحجاب". مع ذلك، واصلت نساء عديدات تحدي الأنظمة.
وجاءت الاحتجاجات الأخيرة لتمثل تحدياً نادراً للنظام، واستمرت لفترةٍ أكثر من التوقعات وأكثر من معظم الاحتجاجات السابقة وضمن ذلك ما عُرف بالثورة الخضراء التي جاءت بعد فوز الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد عام 2009، في انتخابات قالت المعارضة الإصلاحية إنها مزورة.
وامتدت الاحتجاجات ضد إلزامية الحجاب إلى جميع أنحاء البلاد (طهران ومشهد وتبريز وأصفهان وسنندج وكرمان وزنجان والأهواز).
وشهدت بعض المدن إحراق المتظاهرين صور خامنئي وهجومهم على قوات الأمن الإيرانية بالأسلحة النارية والبيضاء.
وبينما قد يؤدي التنازل عن قانون الحجاب الذي يمثل رمزية كبيرة في البلاد إلى تهدئة المظاهرات، فإنه في المقابل، قد ينظر إليه من قبل المحتجين كمظهر لضعف النظام، وقد يدفعهم إلى طلب مزيد من التنازلات، خاصة في ضوء المشكلات الاقتصادية للبلاد، والتي يتوقع أن تتفاقم جراء الاحتجاجات. أبسط تنازلٍ سيؤدي إلى إشعال سيلٍ من الأزمات.
هل تؤدي الاحتجاجات إلى ثورة في إيران؟
زادت طهران الموارد الموجهة لإخماد الاضطرابات، مما ضاعف نقاط ضعفها في بقية المجالات، وحاولت الحكومة الاحتفاظ بسيطرتها على تدفق المعلومات حتى الآن عن طريق تقييد الوصول إلى الإنترنت والاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي.
يأتي ذلك وسط تقارير تفيد بأن رأس الدولة الإيرانية الحالي مرشد الثورة، علي خامنئي، الطاعن في السن والذي أصبح أطول زعماء الشرق الأوسط حكماً اليوم، يواجه مشكلات صحية، وأن هناك خلافات حول وراثته، ويقول مراقبون إن وفاته قد تُحدث تغييراً دراماتيكياً في البلاد.
ولكن يجب ملاحظة أن إيران لديها دولة عميقة قد تكون الأقوى والأكثر تركيباً في المنطقة والعالم، كما أن النظام سبق أن تخطى حدث وفاة مؤسسه وقائد الثورة الإيراني آية الله الخوميني.
وتمثل الدولة العميقة الإيرانية شبكة معقدة من الموظفين الذين يتحكمون في كافة جوانب الحياة السياسية والأجهزة الاستخباراتية وتكتلات الأعمال، حيث تجمع هؤلاء الموظفين المدنيين عقيدة وقناعات فلسفية مشتركة.
ويمثل حرس الثورة الإسلامية الإيراني الكيانَ الرئيسي في الدولة العميقة الإيرانية، وتكمن إحدى مهام الحرس الثوري في مكافحة أي اختراق لأركان المؤسسة السياسية.
وقوّض الحرس رئاسة الرئيس خاتمي، الرئيس الأكثر إصلاحية والذي كان يحظى بشعبية كبيرة، وذلك بأساليب سرية، حسبما ورد في تقرير لمركز أسباب.
واتبعوا النهج نفسه لقمع الحركة الخضراء عام 2009، وفرض الإقامة الجبرية على زعيمها حسين موسوي.
ويتولى الحرس الثوري ومكتب خامنئي مهمة التدقيق والإشراف على وزارات الشؤون الخارجية والدفاع والاستخبارات والداخلية والعدل.
وبلغ معدل التضخم 52% في أغسطس/آب الماضي، وعانت البلاد من انهيار قيمة العملة لسنوات متتالية، وأصبحت تكلفة السلع الأساسية مثل الطعام والدواء باهظة الثمن بالنسبة للإيرانيين، كما أن العقوبات الدولية لم تُرفع ولم يُوقَّع الاتفاق النووي بعد.
ولكن يجب ملاحظة أنه في المقابل، تكيف الاقتصاد الإيراني بشكل كبير مع العقوبات، عبر الاستفادة من العزلة لزيادة الإنتاج المحلي أو العمل على تهريب النفط بشكل أكبر، إلى جانب أن أسعار النفط والغاز حالياً مرتفعة، مما له آثار إيجابية على الاقتصاد، كما أن الحصار الذي تتعرض له روسيا يقرّب بين البلدين، ويجعلهما حليفين محتملين.
ويرى تقرير مركز أسباب أن الدولة الإيرانية لا تواجه خطر الانهيار الوشيك، إذ تفتقر المظاهرات الحالية إلى التنظيم والتمثيل السياسي، فضلاً عن أن الحكومة تمتلك القدرات القسرية الكافية لإخماد هذه الاضطرابات، لكن أوجه خيبات الأمل في إيران متعددة وتميل إلى التكتل كلما اندلعت أزمة.
وأشادت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مراراً، علناً بالمتظاهرين الإيرانيين ووصفتهم بالأبطال، لكن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين قالوا إن "عدم وجود قيادة موحدة يُضعف تأثير الحركة"، حسبما ورد في تقرير لموقع الشرق.
ويشاطرهم هذا الشعور أيضاً بعض المسؤولين الأوروبيين المقيمين في طهران، والذين أخبروا دبلوماسيين بأن الحكومة الإيرانية "ليست معرّضة لخطر الإطاحة بها قريباً بسبب الاحتجاجات"، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
هل تتعرض البلاد للتفكك على غرار الاتحاد السوفييتي؟
وتحمل الأقليات العرقية مظالمها الخاصة ضد طهران، ولكن المخاوف من احتمال تفكك البلاد المتنوعة عرقياً بشكل كبير، هو نفسه عامل قوة لصالح النظام وورقة يتلاعب بها.
ولا يشكل الفرس سوى نحو 61% من سكان إيران، والأذربيجانيون 16% (أغلبهم شيعة ولكن يتحدثون لغة قريبة للتركية)، والأكراد 10% (أغلبهم سنة)، واللور 6% (قومية وسط بين الفرس والأكراد)، والبلوش 2% (أغلبهم سنة)، والعرب 2% (أغلبهم شيعة مع نسبة كبيرة من السنة)، والتركمان والقبائل التركية الأخرى 2%، وغيرهم (مثل الأرمن، التاليش، الجورجيون، الشركس، الآشوريين) 1%، حسب تقدير موقع CIA Factbook التابع للاستخبارات الأمريكية، ويقدر أن الفارسية هي اللغة الأولى لما لا يقل عن 65% من سكان البلاد، وهي اللغة الثانية لمعظم الـ35% المتبقية.
كان الحكم الفيدرالي سمةً تاريخية لمعظم الدول الإيرانية، ذات الطبيعة الهضبية الجبلية، ولكن مطلع القرن الـ20 شهد تحول إيران إلى أسلوب حكم مركزي.
هذا التحول نحو الحكم المركزي كان عنيفاً ومفاجئاً ومصحوباً بجرعةٍ من القمع، ولعب المذهب الشيعي دوره في الحفاظ على تماسك الهوية الإيرانية على مدار قرون، خاصة في تحقيق التقارب بين الأغلبية الإيرانية الشيعية والأقلية الأذرية الشيعية الكبيرة، بينما بقيت القوميات السنية مثل البلوش والأكراد وعرب ساحل الخليج، على الهامش.
وكانت هناك حركات انفصالية بين الجماعات العرقية في تاريخ إيران، وقد أدى بعضها إلى إنشاء دول مستقلة -حتى ولو لفترة قصيرة- مثل جمهورية مهاباد الكردية والحكومة الشعبية الأذربيجانية، التي أنشأها السوفييت في نهاية الحرب العالمية الثانية. كما تفشى العنف في مناطق الأقليات بعد ثورة 1979، خاصة في العامين الأولين من الجمهورية الإسلامية.
ويرى رجال الدين الإيرانيون أن أي إصلاحٍ اجتماعي سيمثل خطوة نحو السلطة اللامركزية، حسبما ورد في تقرير مركز أسباب.
وبقاء إيران بشكلها الحالي يحتاج إلى جرعات مستمرة من الحكم الثيوقراطي أو الاستبدادي.
ويبدو أن هذا الموقف يتشارك معهم فيه القوميون الفرس رغم أنهم معارضون للحكم الحالي، ويقدم رجال الدين الذين يحكمون البلاد توسع نفوذ طهران الخارجي من خلال استغلال المذهب الشيعي بأنه إحياء للإمبراطورية الفارسية، لدرجة أن بعضهم قال إن إيران باتت تحكم أربع عواصم عربية، وأن إيران وصلت للبحر المتوسط لأول مرة منذ عهد الإمبراطورية الفارسية الأخمينية (أكبر دولة في تاريخ إيران من حيث التوسع الخارجي).
وعلى الرغم من الاحتجاجات المتزايدة في السنوات الأخيرة، لا يزال العديد من الإيرانيين، ومن ضمنهم المعارضون والمنتقدون للجمهورية الإسلامية، قلقين بشأن احتمال أن يكون البديل للنظام الحالي أسوأ، وأن التغيير الثوري قد يؤدي إلى فوضى سياسية، وقد يتم استغلاله من قبل أعداء إيران لتفكيك وطنهم الأم، وقد ازداد هذا القلق بشكل أقوى بالنظر إلى تجربة الربيع العربي في العقد الماضي، حسب تقرير للمجلس الأطلسي Atlantic Council.
ويقول تقرير الموقع إنه لا تبدو فرصة استغلال الانقسامات العرقية لتحريض الأقليات على الثورة ضد طهران ضئيلة فحسب، بل قد تكون ذات نتائج عكسية، وتشجع العديد من الإيرانيين على "الالتفاف حول العلم" للحفاظ على وحدة أراضي بلادهم.
وقد يكون ذلك هو المسعى الرئيسي للنظام الإيراني حالياً، وهو تخويف الأغلبية الفارسية من تفكك البلاد.
بل إن المفارقة أن جزءاً من ساسة الغرب قلقون من فكرة انهيار النظام وتفكك البلاد، حيث نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤولين غربيين، قولهم إن "الاحتجاجات أثارت مؤقتاً مخاوف من إمكانية أن تسقط حكومة طهران بعنف"، مشيرين إلى أن "ذلك سيكون سابقة لا تريد حكومات، وضمنها تلك الصديقة للولايات المتحدة رؤيتها".
ولكن بقدر ما يبدو التفكك ورقة بالأساس في يد النظام لتخويف الأغلبية الفارسية من الاحتجاجات، فإنه لا يمكن استبعاد أن الخطر قائم بالفعل.
كما أن تجربة العراق وسوريا تشير إلى أن سقوط نظام مركزي استبدادي مثل صدام حسين أو تراجع قوته مثل نظام الأسد بسوريا، لا يؤدي بالضرورة إلى تفكك البلاد لدول مستقلة بشكل رسمي على النمط السوفييتي، ولكن قد يرث النظام الحالي نظاماً ضعيفاً يصعب عليه السيطرة على طموحات الأقليات التي تتصاعد، حيث يسعى عادةً قادة الأقليات إلى أن تصبح مناطقهم مستقلة فعلياً، وأن يصبح لديهم فيتو على قرارات الحكومة المركزية.
والمفارقة أن إيران تواجه خطر ضعف الدولة الذي استغلته لنشر نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان
ولكن قوة النظام والقومية الفارسية يقلان فرص هذا السيناريو.
النظام قد لا يسقط ولكنه يفقد شرعيته
ولكن هناك تأثير بعيد الأمد للاحتجاجات وهو فقدان النظام قدراً كبيراً من شرعيته في وسط دوائره التقليدية، فالنظام الإيراني ليس نظاماً استبدادياً بشكل كلاسيكي، على غرار أنظمة أوروبا الشرقية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، أو بعض الأنظمة في العالم الثالث.
بل هو نظام قائم خليط من الاستبداد والقوة القهرية، وفي الوقت ذاته هناك انتخابات، وأشكال من الشرعية الدينية والجماهيرية ودرجة عالية من المشاركة السياسية (كانت الانتخابات ذات الطبيعة التنافسية العالية مثل تلك التي خاضها خاتمي، تشهد واحدة من أعلى معدلات التصويت في العالم).
ولكن بعد نهاية حكم الرئيس حسن روحاني المعتدل نسبياً والذي ينظر إليه كمستقل نسبياً عن الحرس الثوري وخامنئي، جاء إبراهيم رئيسي الملتصق تماماً بخامنئي، عبر انتخابات بدا أنها مصممة له خصوصاً، ثم حدثت إراقة الدماء في احتجاجات الحجاب بشكل واسع، لتمثل أزمة كبيرة للنظام، أزمة داخلية بالأساس.
وتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين إسرائيليين دون أن تكشف هوياتهم، قولهم إن "الأمر الملحوظ أن المحتجين دعوا إلى إنهاء حكم المرشد الإيراني علي خامنئي، وليس فقط إلى تغييرات في النظام".
ويرون أن واحدة من مشكلات النظام الكبرى هي "الأصوات النسائية المنشقة، خاصة من عائلة خامنئي، وضمن ذلك أخته، كان لها تأثير كبير".
ولقد أصبح الإيرانيون اليوم أكثر وعياً بالعالم الخارجي من الأجيال السابقة، وكما حدث في العصر البهلوي سيستمر اتساع الفجوة بين الحكومة والشعب تدريجياً حتى يصبحا عاجزين عن التعايش معاً. لهذا يمكن القول إننا نشهد نهاية عصر تقديس خامنئي والمؤسسة الدينية الحاكمة، حسب مركز أسباب.
أم يسير على خطى الأسد؟
وقد يندفع النظام إلى مزيد من القسوة في السيطرة على مقاليد الأمور، وتقليل مساحات الحريات السياسية والفكرية القائمة بالفعل، بشكل يجعله أقرب لنظام آل الأسد في سوريا (خاصة قبل الثورة).
وهو أمر قد يجعل النظام ينجو ولكنه يضعفه من الداخل، لأن الإفراط في الاستبداد، وغياب الحريات يملآن المراكز ليس فقط بالمتشددين، بل أيضاً بالمنافقين والباحثين عن المنافع، الأمر الذي يفاقم الفساد من ناحية، ويجعل النظام هشاً إذا واجه تحدياً مثلما حدث في نهاية العهد السوفييتي، حيث بدا أن أركان النظام يريدون انهياره، أو ما حدث بسوريا في بداية الثورة، حينما بدا أن ضباط النظام من السنة كارهون للنظام، فيما بدا بعض الضباط العلويين ليسوا على استعداد للتضحية بحياتهم من أجله، مما دفع نظام الأسد إلى طلب العون من إيران وحزب الله.
وخلال العقود الماضية، نجح النظام الإيراني الديني في استغلال المذهب الشيعي لخدمة القومية الإيرانية عبر نشر نفوذ البلاد بشكل هائل في منطقة الشرق الأوسط، كما نجح في تشييد قاعدة علمية قوية مكنته من بناء برنامج نووي يتحدى الغرب، وترسانة عسكرية محلية الصنع جعلته يصدر مسيرات لدولة عظمى كروسيا، وبعد أن تمكن لحد كبير من تجاوز الحصار الاقتصادي.
ولكن المفارقة أن أكثر ما يهز النظام يحدث داخل بيوت قادته.
فعلى الأرجح في بيت كل مسؤول إيراني نساء أو شباب أو حتى رجال أربعينيون يرفضون قتل فتيات مراهقات لمجرد أنهن خلعن الحجاب، حتى لو كان هؤلاء يؤمنون بفرضية الحجاب الدينية، بل حتى لو كانوا يتقبلون فكرة ضرورة فرض الدولة له قانونياً من قبل.
وتزداد المفارقة عند النظر لدور رجال الدين في تاريخ البلاد.
فبينما لعب المذهب الشيعي الدور الأكبر في الحفاظ على تماسك الدولة الإيرانية، منذ إجبار الإمبراطورية الصفوية نسبة كبيرة من الشعب الإيراني على اعتناق المذهب الشيعي في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر.
ومع أن المذهب الشيعي كان أداة إيران لنشر نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بطريقة لم تحدث منذ أن هزم العرب المسلمون، الأكاسرة في معركة القادسية.
ومع أن رجال الدين الشيعة كانوا قادة وملهمي ثورات البلاد ضد التدخل الأجنبي والاستبداد في القرنين التاسع عشر والعشرين.
فإن تحوّل رجال الدين الشيعة من مرجعيات ملتصقة بالشعب إلى وصاة عليه بعد الثورة الإسلامية، قد يمثل أكبر ضربة لمكانتهم المركزية التي اكتسبوها في البلاد عبر نحو خمسة قرون.
وقد تظل موجات العصيان المدني الوجيزة متفرقةً ومحلية وقد تهدأ قليلاً، ولكن الاستياء العفوي قد يتحول مع الوقت إلى تظاهرات حاشدة ضد الحكومة.
وأعربت هيذر ويليامز، الباحثة السياسية البارزة في مؤسسة "راند" والمسؤولة السابقة في الاستخبارات الوطنية خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، عن اعتقادها أنها ترى "ما سيكون سبب نهاية إيران"، وأردفت: "لقد تم تشخيص إصابتها بالسرطان، ومن ثم يصبح السؤال: هل بقي في عمرها 6 أشهر أو 6 سنوات. هذا ليس واضحاً".