شهدت الأوضاع في الأردن تصعيداً خطيراً بعد مقتل 3 من أفراد الشرطة خلال مداهمة لمخبأ مشتبه بهم في قتل شرطي، فإلى أين تتجه موجة الاحتجاجات التي اندلعت بسبب ارتفاع الأسعار؟
وأصدرت الشرطة الأردنية بياناً، الإثنين 19 ديسمبر/كانون الأول، قالت فيه إن ثلاثة من أفرادها قُتلوا خلال مداهمة لمخبأ مشتبه بهم في قتل العقيد عبدالرزاق الدلابيح في معان، بحسب رويترز.
وقالت الشرطة إن أحد المشتبه بهم الذي يعتقد أنه "متشدد" قد قُتل، وأشار البيان إلى فتح تحقيقات بشأن الواقعة. وقالت الشرطة أيضاً إن أكثر من 40 فرد أمن أُصيبوا في الاشتباكات، في حين "حطم متظاهرون سيارات وأحرقوا إطارات وأقاموا حواجز على الطرق لإغلاق طريق سريع في بعض من أكثر الاضطرابات انتشاراً في السنوات الأخيرة".
وقالت السلطات إنها ألقت القبض على 44 لهم صلة بالاضطرابات من بين أكثر من 200 مشتبه بهم مطلوبين للسلطات فيما يتعلق بتلك القلاقل.
ويعاني الأردن من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية فاقمتها الديون الخارجية، التي تجاوزت 50 مليار دولار وتداعيات جائحة كورونا، ثم ازدادت حدة تلك المصاعب مع اندلاع حرب روسيا في أوكرانيا وما تسببت فيه من ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، شهد الأردن موجات احتجاجية متعددة بسبب غلاء أسعار السلع الأساسية، لكن الأمور هذه المرة تبدو أوسع وأشمل من المرات السابقة، وخصوصاً بعد وقوع ضحايا، مما يثير تساؤلات بشأن الاتجاه الذي تسير فيه الأوضاع المضطربة في المملكة حالياً.
متى بدأت احتجاجات الأردن هذه المرة، ولماذا؟
يشهد الأردن احتجاجات شعبية منذ مطلع ديسمبر/أيلول الجاري، بدأت من جانب سائقي الشاحنات بسبب ارتفاع أسعار مشتقات النفط، وهي واحدة من موجات من الاضطرابات المدنية بسبب غضب المواطنين من الحكومة جراء تدهور مستويات المعيشة والفساد وارتفاع أسعار الوقود.
ونظم سائقو الشاحنات في معان وعدة مدن أخرى في جنوب الأردن إضرابات للاحتجاج على خفض الحكومة لدعم المحروقات، وعلى الرغم من تعهدات الحكومة بالنظر في مطالب المضربين، إلا أنها قالت إنها دفعت بالفعل أكثر من 500 مليون دينار (700 مليون دولار) للسيطرة على ارتفاع أسعار الوقود هذا العام.
وخلال نوفمبر/تشرين الثانى الماضي، رفعت لجنة تسعير المشتقات النفطية في الأردن الأسعار بنسبة تتراوح بين 40 – 46%، إذ وصل سعر لتر الديزل إلى 895 فلساً (1.26 دولار) خلال ديسمبر/كانون الأول الحالي، مقارنة مع 615 فلساً (0.87 دولار) خلال الشهر ذاته من عام 2021 .
وأثارت الخطوة غضب نواب أردنيين ممن اتهموا الحكومة بعدم الاهتمام بحاجات المواطنين الأساسية، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة الأردنية، بشر الخصاونة، للخروج عن صمته والتأكيد على أن الخزينة العامة للدولة "لا تملك ترف دعم المحروقات كما حصل في السنة الماضية".
لكن الارتفاع الذي شهدته أسعار المحروقات هذه المرة، بدا قاسياً بالنسبة لقطاع واسع من أصحاب الدخل المتوسط، وهكذا قرر عدد من سائقي الشاحنات تنظيم إضرابات متكررة، ثم انضم إليهم أصحاب سيارات أجرة وحافلات عمومية.
وامتد الإضراب ليشمل عدداً من المحال التجارية التي أغلقت أبوابها تضامناً مع احتجاج سائقي الشاحنات في محافظات مثل معان والكرك ومأدبا، وهي محافظات تقع جنوب العاصمة عمان. لكن الحكومة أكدت أنه من غير الممكن إنفاق المزيد لدعم الأسعار بسبب قيود برنامج إصلاح اقتصادي يدعمه صندوق النقد الدولي.
لكن الخميس 22 ديسمبر/كانون الأول شهد تطوراً دموياً في الأحداث، إذ قتل نائب مدير شرطة محافظة معان، العقيد عبد الرازق الدلابيح، في اشتباكات مع محتجين في المحافظة الواقعة جنوب الأردن خلال الاحتجاجات، مما أثار غضباً شعبياً وحكومياً عارماً.
ورفضت عشيرة بني حسن، التي ينتمي إليها الدلابيح، "استقبال أي جهة رسمية تمثل الحكومة، إلى حين معرفة هوية القاتل"، بحسب ما نقله موقع قناة رؤيا الأردنية الخاص، بينما ظهر الملك عبد الله الثاني مرتدياً الزي العسكري، خلال تقديمه واجب العزاء، وتوعد "كل من يرفع السلاح في وجه الدولة ويعتدي على ممتلكاتها العامة".
حظر تطبيق "تيك توك"
في اليوم التالي لوفاة الدلابيح، أصدرت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية قراراً بحظر تطبيق تيك توك في الأردن، وقالت مديرية الأمن العام إن الوحدة قررت "إيقاف منصة تيك توك عن العمل موقتاً داخل المملكة، بعد إساءة استخدامها وعدم تعاملها مع منشورات تحرّض على العنف ودعوات الفوضى".
وأعلنت وحدة الجرائم الإلكترونية "أنّ الوحدة وفرق الجرائم الإلكترونية تتابع ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً ما يتعلّق بخطاب الكراهية والحضّ على التخريب والاعتداء على أجهزة إنفاذ القانون والممتلكات وقطع الطرق".
وأبلغ عدد من مستخدمي الإنترنت والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن خدمات الإنترنت تعمل ببطء في مناطق عديدة من المملكة، ورأى كثيرون أن الخطوة تأتي لوقف مشاركة تقارير بشأن الاضطرابات التي تموج بها البلاد، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة، فيصل الشبول، قال في مؤتمر صحفي إن "منصة تيك توك نشرت كماً كبيراً من الفيديوهات التي تحرض على القتل والفوضى".
وفي اليوم نفسه، أي الجمعة 16 ديسمبر/كانون الأول، نظّم أردنيون اعتصامات وطالب ناشطون بخروج مزيد من المظاهرات احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود التي أضافت صعوبات فوق صعوبات تكلفة المعيشة في المملكة، بينما واصل سائقو الشاحنات إضرابهم لنفس السبب.
وشارك عدد من مستخدمي الإنترنت صوراً ومقاطع فيديو تشير إلى أعمال شغب وإطارات سيارات مشتعلة في معان، بينما طاردت شرطة مكافحة الشغب عشرات من الشباب كانوا يرمونهم بالحجارة في عمان والزرقاء وإربد ومدن أخرى.
وفي يوم الجمعة، ساد هدوء حذر في الشوارع، رغم استمرار مظاهرات متفرقة مع تنظيم اعتصام أمام الجامع الكبير في محافظة معان، وأمام جامع في العاصمة عمان بعد صلاة الجمعة، حيث دعا ناشطون إلى مزيد من التظاهرات.
وتوعّد وزير الداخلية مازن الفراية باتخاذ تدابير مشددة تجاه مَن وصفهم بـ"مثيري الشغب"، بينما انتشرت مدرعات وآليات الدرك في الشوارع الرئيسية للمدينة، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
وعلى الرغم من الحديث مرات عديدة عن قرب التوصل لاتفاق مع الحكومة لإنهاء الإضراب، فإن تصريح الخصاونة قبل أيام أن "الحكومة لا تملك ترف دعم المحروقات"، يبدو أنه تسبب في استفزاز المحتجين.
إلى أين تتجه الأمور الآن؟
على الرغم من أن المملكة الأردنية شهدت، على مدى سنوات، العديد من الإضرابات والمظاهرات بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة، فإن معظمها كان محصوراً في شعارات واعتصامات محدودة ولم تصل إلى حد غلق طرق رئيسية هامة أو استخدام السلاح.
وفي الوقت الذي يدق فيه البعض ناقوس الخطر ويطالب بتدخل حكومي عاجل، متهماً أطرافاً خارجية بتأجيج الوضع، يصف آخرون الاحتجاجات بأنها "مسألة داخلية جاءت نتيجة تجاهل الحكومة لمطالب المواطنين".
أما الحكومة الأردنية فقد أعلنت اتخاذ خطوات صارمة ونشر مزيد من شرطة مكافحة الشغب لـ"مواجهة من يريدون جر البلاد إلى أتون المواجهات الدامية".
وعلى مدار الأيام الماضية، تناقل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع تعكس حجم الإضرابات، كما انتشرت مجموعة وسوم تشير إلى تصاعد الوضع في الأردن أهمها "#عصيان_مدني"، "#إضراب_الكرامة".
ويمكن القول إن ما يشهده الأردن من احتجاجات شعبية وإضرابات على خلفية الأوضاع الاقتصادية الصعبة ليس مفاجئاً في حقيقة الأمر، إذ كان البنك الدولي قد أشار في تقريره، قبل عام، إلى وجود عدد من التحديات التي تواجهها المملكة وتهدد استقرار الأوضاع فيها.
إذ أكد تقرير البنك الدولي على أن ارتفاع معدلات البطالة (لا سيما بين الشباب بنسبة 50%)، واستمرار الاضطرابات الخارجية في المنطقة، وارتفاع الديون الخارجية، وانخفاض مستويات الاستثمار؛ تشكل تحديات كبيرة أمام الاقتصاد الأردني.
والأوضاع نفسها تقريباً أشار إليها تقرير البنك الدولي فيما يخص دولتين عربيتين أخريين هما مصر وتونس، وكلتاهما تواجه أوضاعاً اقتصادية خانقة تسببت في مضاعفة تكاليف المعيشة وأثقلت كاهل الغالبية من السكان.
الخلاصة هنا هي أنه على الرغم من أن الاحتجاجات في الأردن على ارتفاع تكاليف المعيشة ليست حدثاً جديداً في حد ذاتها، فإن الأمور هذه المرة تبدو أكثر خطورة من المرات السابقة ولا أحد يمكنه توقع إلى أين تتجه الأوضاع في المملكة.