الشمس التي لا تغيب.. هل اقتربت أمريكا فعلاً من تحويل حلم “الاندماج النووي” إلى حقيقة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/14 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/14 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
تعمل الشمس من خلال تفاعلات الاندماج النووي لتوليد الطاقة

نجح العلماء في أحد معامل أبحاث الطاقة في أمريكا في إنتاج تفاعل اندماج نووي نتج عنه طاقة صافية، وهو ما يعتبر اختراقاً تاريخياً تسعى البشرية لتحقيقه منذ ما يقرب من قرن، فهل أصبح توليد طاقة تعادل طاقة الشمس التي لا تغيب ممكناً فعلاً؟ ومتى يمكن أن يصبح الحلم حقيقة؟

أعلن العلماء في معمل لورانس ليفمور بولاية كاليفورنيا الأمريكية، الثلاثاء 13 ديسمبر/كانون الأول، عن نجاحهم في تنفيذ الاندماج النووي، وهو ما يعتبر ثورة في مجال توليد الكهرباء النظيفة والمتجددة، بحسب تقرير لشبكة CNN عنوانه "الاندماج النووي: متى سيضيء هذا الاكتشاف الخارق منازلنا؟".

غني عن القول أن اكتشافاً من هذا النوع قد يكون أكثر ما يحتاجه العالم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ كوكب الأرض، فالاحتباس الحراري المتسبب في التغير المناخي بات الخطر الأكبر الذي يهدد جميع الدول والمناطق، وأصبحت الفيضانات والسيول ودرجات الحرارة الحارقة وحرائق الغابات الجفاف وما تسببه ظواهر الطقس المتطرف من دمار واسع عرضاً مستمراً يكاد لا يتوقف.

ما هو الاندماج النووي وما علاقته بطاقة الشمس؟

ربما يكون مصطلح "الانشطار النووي" أكثر شيوعاً، إذ إنه مرتبط بإنتاج أسلحة الرعب النووية التي تهدد الكوكب بالدمار، لكن "الاندماج النووي عملية أخرى مختلفة تماماً، حيث يشير الانشطار الذري أو النووي إلى عملية انقسام نواة ذرة ثقيلة إلى قسمين أو أكثر، وهو ما يؤدي إلى إنتاج نيوترونات وفوتونات عالية الطاقة وبخاصة أشعة غاما وبيتا.

الانشطار النووي يستخدم أيضاً في توليد الكهرباء، فالبرامج النووية لها تطبيقات عسكرية وأخرى سلمية، وتستخدم المفاعلات النووية في توليد الكهرباء بالفعل، لكن منذ كارثة التسرب الإشعاعي في مفاعل تشيرنوبيل بأوكرانيا السوفييتية عام 1986، بدأت أغلب الدول المتقدمة في إغلاق مفاعلاتها النووية واتجهت لمصادر أخرى كالغاز الطبيعي ومشتقات النفط.

وإذا كانت تقنية الانشطار النووي تقوم على تقسيم ذرة إلى قسمين أو أكثر، فالاندماج النووي يقوم على مبدأ معاكس وهو اندماج بين نواتين أو ذرتين خفيفتين ينتج عنه تكوين نواة أو ذرة واحدة أثقل ويكون بإمكان هذه العملية إذا ما تمت بنجاح توليد طاقة كهربائية نظيفة ولا متناهية.

وعملية الاندماج النووي أو الذري هي نفس العملية التي تتم في توليد طاقة الشمس، أي إن نجاح العلماء في تحقيق حلم الاندماج النووي يعني ببساطة أن طاقة الشمس التي لا تغيب أصبحت في متناول البشر.

كيف يغير الاندماج النووي مستقبل البشرية
الاندماج النووي سيغير مستقبل البشرية

فالاندماج النووي هو عملية تفاعل تندمج على إثرها نواتان ذريتان خفيفتان لتكوِّنا نواة ذرية واحدة أثقل وزناً، ويصاحب هذه العملية انبعاث كميات هائلة من الطاقة، وتحدث تفاعلات الاندماج عندما تكون المواد في حالة تُسمى بحالة البلازما، وهي حالة تتَّخذ المادة فيها شكل غاز ساخن مشحون مكوَّن من أيونات موجبة وإلكترونات طليقة، وتتَّسم بخصائص فريدة تميِّزها عن الحالات الصلبة والسائلة والغازية.

ولكي يقع الاندماج في قلب الشمس التي تشرق على كوكبنا، يتطلب الأمر تصادُم النويات بعضها ببعض في درجات حرارة عالية جداً تتجاوز عشرة ملايين درجة مئوية تمكِّنها من التغلُّب على التنافر الكهربائي فيما بينها. فإذا تغلَّبت النويات على هذا التنافر وصارت المسافات بينها قريبة للغاية، تبلغ قوة التجاذب النووي بينها مستوى يفوق التنافر الكهربائي بما يتيح لها أن تندمج معاً.

ولكي يتم ذلك، يجب احتواء النويات داخل حيِّز صغير لزيادة فرص التصادُم. وتتحقَّق الظروف اللازمة لعملية الاندماج في قلب الشمس بسبب مستوى الضغط البالغ الارتفاع الذي ينتج عن جاذبية الشمس الهائلة، بحسب تقرير لموقع وكالة الطاقة الذرية.

ويسفر الاندماج عن إنتاج كمية ضخمة من الطاقة، تبلغ أربعة أضعاف كمية الطاقة التي تنتج عن تفاعلات الانشطار النووي، ويمكن للتفاعلات الاندماجية أن تكون الأساس الذي تقوم عليه مفاعلات القوى الاندماجية.

مما تتكون تفاعلات الاندماج النووي؟

العنصران الرئيسيان في عملية الاندماج النووي هما الديوتيريوم والتريتيوم، وكلاهما جزيئات دقيقة من الهيدروجين، والديوتيريوم الموجود في كوب من الماء يمكنه أن يوفر كهرباء تكفي لإنارة منزل كامل لمدة عام، بإضافة قليل من التريتيوم. وعلى الرغم من أن التريتيوم عنصر نادر ويمثل الحصول عليه تحدياً، إلا أنه يمكن تصنيعه.

ولهذا، وأسباب أخرى، يسعى العلماء منذ ثلاثينات القرن الماضي لدراسة الانصهار النووي على أمل إعادة إنتاج مصدر لا نهائي من الطاقة الخالية من الكربون، بعيداً عن النفايات النووية التي تنتجها المفاعلات النووية الحالية.

وقال جوليو فريدمان، العالم الرئيسي في معهد Carbon Direct وخبير تقنية الطاقة السابق في معمل ليفمور الأمريكي، لشبكة CNN: "على عكس الفحم، كل ما تحتاجه (عملية الاندماج النووي) هو كمية صغيرة من الهيدروجين وهو أكثر شيء متوفر في العالم".

كثير من الدول تواجه أزمة في الكهرباء/ رويترز

لكن إذا كانت النظرية تقول إنه باستخدام بضعة غرامات فقط من الديوتيريوم والتريتيوم يمكن إنتاج كمية من الطاقة تبلغ تيراغول واحد، وهي تقريباً كمية الطاقة التي تكفي لتلبية احتياجات شخص واحد من سكان البلدان المتقدمة لفترة تزيد على ستين عاماً، فإن تنفيذ ذلك عملياً مسألة كانت تبدو مستحيلة حتى ذلك الاختراق الذي أعلنه المعمل الأمريكي.

إذ إن قوة جاذبية الشمس الهائلة تؤدي إلى حدوث الاندماج النووي بشكل طبيعي، فمن دون هذه القوة يتطلب وقوع التفاعل درجة حرارة أعلى بكثير. ولكي تتم العملية على الأرض، يحتاج الأمر إلى درجات حرارة تتجاوز 100 مليون درجة مئوية وضغطاً شديداً لجعل الديوتيريوم والتريتيوم يندمجان، إضافة إلى توفير الاحتواء الكافي لاحتجاز البلازما والإبقاء على تفاعل الاندماج متواصلاً لفترة كافية لتحقيق كسب صاف في القوى، أي مكسب في النسبة بين قوى الاندماج المنتَجة إلى القوى المستخدمة لتسخين البلازما. ويبدو أن هذا بالتحديد ما أعلن المعمل الأمريكي عن الوصول إليه، أي "تحقيق كسب صافي من الطاقة".

هل سبقت أمريكا العالم إلى "الاندماج النووي"؟

منذ توصل العلماء لفهم الاندماج النووي في ثلاثينات القرن الماضي، سعت الدول الكبرى إلى استنساخه وتسخير الطاقة الناتجة عنه، وتلك المحاولات كانت تتم في سرية تامة بطبيعة الحال، لكن التكلفة الضخمة والعمليات المعقدة بشأن تلك المحاولات جعلت التعاون بين الدول أمراً حتمياً.

وشهد مؤتمر الأمم المتحدة الدولي الثاني الخاص بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، والذي عُقِدَ عام 1958 في جنيف بسويسرا، قيام العلماء بالكشف أمام العالم عن البحوث الجارية في مجال الاندماج النووي.

وتم الاتفاق على أن تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمثابة جهة التنسيق والمتابعة بشأن بحوث الاندماج النووي، وتأسست مجلة الاندماج النووي عام 1960 بهدف تبادل المعلومات حول التقدّم المحرز في مجال الاندماج النووي، وتُعتبر هذه المجلة اليوم الدورية الرائدة في هذا المجال.

وعقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المؤتمر الأول حول طاقة الاندماج النووي عام 1961، ومنذ عام 1974، تعقد الوكالة كل سنتين مؤتمراً لتعزيز النقاش بشأن التطورات والإنجازات في هذا المجال. وفي عام 2007 تم إنشاء مفاعل إيتير في فرنسا بهدف إثبات إمكانية إنتاج طاقة تعادل طاقة الشمس من الاندماج النووي.

وربما يتبادر إلى الذهن أن الولايات المتحدة قد سبقت العالم أجمع في هذا المجال بعد الإعلان الأخير من معمل ليفمور، لكن القصة ليست بهذه البساطة، فالتعاون مع معمل إيتير في فرنسا ومعمل آخر في المملكة المتحدة مستمر، كما أن الاختراق الذي أعلن عنه المعمل الأمريكي، رغم أنه خطوة جبارة على الطريق، إلا أن طريق الوصول إلى "طاقة الشمس التي لا تغيب" لا يزال طويلاً.

التغير المناخي
التغير المناخي يهدد العالم/ Shutter Stock

"ما تم تحقيقه من طاقة يكفي لغليان نحو 10 لترات من المياه باستخدام الكهرباء. ولتحويل هذه النتيجة إلى محطة لتوليد الكهرباء نحتاج إلى تحقيق ربح صافي من الطاقة أكبر كثيراً"، بحسب ما قاله جيريمي تشيتندندن، المدير المشارك لمركز دراسات الانصهار الداخلي في إمبريال كوليدج بلندن، لشبكة CNN.

الطريق إذا لا يزال طويلاً نحو التغلب على التحدي الرئيسي المتمثل في شقين، الأول الحفاظ على الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي لفترات تكفي لتشغيل محطات توليد الكهرباء وأنظمة التسخين، والشق الآخر هو توليد صافي ربح من الطاقة يكفي للقيام بذلك.

الخلاصة هنا هي أن ما توصل إليه العلماء في معمل ليفمور الأمريكي يعد خطوة جبارة على طريق حلم "الشمس التي لا تغيب"، لكن الطريق نفسه لا يزال طويلاً ويحتاج إلى التعاون الفعلي وتكريس جميع الإمكانيات المتاحة، فهل تتخلى الدول الكبرى عن صراعاتها، ولو مؤقتاً، لتحقيق الحلم؟

تحميل المزيد