كان دور المجموعات في كأس العالم قطر 2022 هو "الأفضل" على الإطلاق، إذ صارت المفاجآت عنوانه الأبرز، لكن المفاجآت لم تتوقف بنهايته، فالتوقعات بوجود المغرب في نصف النهائي لم تتجاوز 16% فقط.
وتناول تقرير لمجلة The Economist البريطانية قصة المفاجآت في مونديال قطر، بعنوان "كأس العالم في قطر شهد أكبر المفاجآت الكروية في التاريخ الحديث"، ألقى الضوء على أبرز النتائج التي خالفت جميع التوقعات.
ورغم أن المفاجآت هي أحد أبرز سمات لعبة كرة القدم، فإن القاعدة دائماً ما تعطي الأولوية للفريق الأقوى بشكل عام على الفريق الأضعف، فعندما يلتقي، على سبيل المثال، منتخب البرازيل مع منتخب الكاميرون تصب التوقعات تلقائياً في صالح راقصي السامبا، بغض النظر عن توقعات رئيس الاتحاد الكاميروني، صامويل إيتو، بأن منتخب بلاده، الأسود غير المروضة، سيلعب نهائي مونديال قطر.
المفاجآت.. متعة كأس العالم
ومن الواضح أن كرة القدم في كأس العالم العربي تأسر قلوب الجماهير، بعد أن أثبتت قطر تفوقها الاستثنائي في التنظيم على الرغم من حملات التشكيك، إذ وصف رئيس الفيفا جياني إنفانتينو أول 48 مباراة في دور المجموعات من البطولة بأنها "الأفضل على الإطلاق"، مشيراً إلى "فوز المنتخبات الصغيرة على نظيرتها الكبيرة" تحديداً.
وعندما وصف غاري لينيكر، هداف كأس العالم 1986، دور المجموعات في مونديال قطر 2022 بأنه "أروع دور مجموعات في التاريخ"، أضاف أيضاً أنها ستكون "المرة الأخيرة التي نشهد فيها كل هذه الإثارة والمتعة".
قال النجم الإنجليزي إن دور المجموعات في مونديال قطر جاء "مليئاً بإثارة أطاحت منتخبات كبرى، وحملت منتخبات أخرى كانت خارج الحسابات إلى ثمن النهائي، مثل المغرب، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، والسنغال".
ويمكن أن يختلف البعض حول اعتبار كأس العالم الجارية "الأفضل على الإطلاق"، لكننا نستطيع قياس أحد الجوانب التي تثبت ذلك على الأقل، ألا وهي المفاجآت. فهل شهدت كأس العالم الجارية مفاجآت كروية أكثر من أي نسخة أخرى من المونديال؟
فمن كان يتوقع مثلاً أن تفوز السعودية على الأرجنتين بقيادة ليو ميسي؟ ليصبح سؤال "وينو ميسي؟" (أين ميسي؟) ترينداً يتردد بكل لغات العالم. ومن كان يتوقع أن تخسر ألمانيا من اليابان وتودع المونديال من دور المجموعات للمرة الثانية على التوالي؟
ألمانيا حامل لقب كأس العالم 4 مرات، والوصيف أربع مرات أيضاً لم تخسر كروياً فقط، بل فقدت كثيراً من جماهيريتها في المنطقة العربية، بسبب الإصرار على فرض معتقدات ومفاهيم سياسية تخالف معتقدات ومفاهيم الدولة المستضيفة والمنطقة برمتها.
ولم تكن ألمانيا والأرجنتين فقط هما القوتين التقليديتين اللتين حقتتا مفاجآت سلبية، فللمرة الأولى منذ كأس العالم 1994 (النسخة رقم 15 في أمريكا) لم يحقق أي منتخب العلامة الكاملة في دور المجموعات. خسرت البرازيل أمام الكاميرون في مفاجأة أخرى من العيار الثقيل، رغم تأهل السامبا في صدارة المجموعة ومغادرة الأسود غير المروضة من دور المجموعات.
إنجازات المغرب التي لم يتصورها أحد!
تفوّق المنتخب الذي كان يُعتبر الحلقة الأضعف على منتخبي بلجيكا وإسبانيا، ثم مضى المغرب في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول، ليفوز على البرتغال ويحجز مكانه في الدور نصف النهائي، في أكبر مفاجأة كروية بمرحلة خروج المغلوب من كأس العالم خلال القرن الجاري. ويُذكر أن وكلاء المراهنات منحوا المنتخب المغربي فرص فوزٍ لا تتجاوز الـ16%، بحسب تقرير الإيكونوميست.
نعم، كأس العالم في قطر 2022 هي النسخة التي شهدت أكبر المفاجآت في تاريخ المونديال، حيث أفادت البيانات التي جمعتها مجلة The Economist البريطانية بأن هذه البطولة شهدت عدداً غير معتاد من الصدمات، مقارنةً بجميع البطولات التي نُظِّمَت منذ عام 2002.
ولقياس ذلك الاستنتاج، جمعت الصحيفة بيانات الاحتمالات الخاصة بآخر 6 بطولات لكأس العالم من موقع Odds Portal، المنصة المتخصصة في مقارنة احتمالات الفوز الخاصة بالفرق. وتعكس احتمالات ما قبل المباراة مدى احتمالية تحقيق نتيجة بعينها، وفقاً لتقديرات وكلاء المراهنات والمراهنين أنفسهم.
فعندما فاز المنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني في اليوم الثالث من البطولة، كانت فرص فوزه ضئيلةً ولا تتجاوز الـ25-إلى-1. ما يعني أن فرصتهم في الفوز كانت أقل من 4%، أي أنهم حققوا أكبر مفاجأة في تاريخ كؤوس العالم الست الماضية.
وكشفت تقديرات ما قبل المباريات من وكلاء الرهانات، أن كأس العالم قطر 2022 شهدت تحقيق خمسٍ مِن المفاجآت الـ10 الأضعف فرصاً منذ عام 2002. إذ لم تتجاوز فرص أستراليا في التغلب على الدنمارك نسبة الـ14%، وكذلك اليابان التي تغلبت على ألمانيا وإسبانيا.
ورغم أنه منذ فازت قطر بتنظيم كأس العالم 2022 لم يمر يوم تقريباً إلا وكانت الدولة الخليجية هدفاً لهجوم مصدره الغرب، هدفه التشويه والتشكيك، لكن مع انطلاق المونديال أصبح الانبهار سيد الموقف، وتوالت الشهادات من الغرب نفسه.
إذ إنه ما بين ذلك اليوم الذي فازت فيه قطر بتنظيم كأس العالم، 2 ديسمبر/كانون الأول 2010، وحتى بعد صافرة البداية للمباراة الافتتاحية للنسخة 22 من المونديال، تعرضت الدولة الخليجية لحملات من التشكيك والهجوم من الغرب، اعتبرتها الدوحة تحدياً، وواصل القائمون على التنظيم الليل بالنهار ليرتقوا فوق مستوى التحديات، بغض النظر عن النوايا.
وقبل ساعات من الحفل الافتتاحي لكأس العالم قطر 2022، نشرت مجلة The Economist مقالاً بعنوان "دفاعاً عن استضافة قطر لكأس العالم"، وصفت فيه استضافة الدولة الخليجية بأنها "مستحقة أكثر بكثير من مستضيفين آخرين لأحداث رياضية كبيرة في الآونة الأخيرة".
مقال المجلة البريطانية فنّد المزاعم الغربية تجاه استضافة قطر للمونديال، والتي تركزت حول عدد من الملفات، منها حقوق العمال المهاجرين، الذين أسهموا في تشييد استادات البطولة، ومعاملة مجتمع المثليين في الدولة المسلمة، فالبطولة تقام لأول مرة في دولة مسلمة عربية.
ما أسرار المفاجآت في مونديال قطر؟
فما سر تلك المفاجآت الصادمة؟ يمكن تفسير ذلك بأن المنتخبات الأضعف تعرضت للاستهانة بقدراتها قبل البطولة، حيث ضم المنتخب السعودي مثلاً عناصره من الدوري السعودي الأقل شهرة، لهذا فشل المراهنون في تقييم قدراته بواقعية. كما استفادت المنتخبات الأصغر من عولمة اللعبة، حيث يلعب العديد من لاعبي اليابان في الدوريات الأوروبية الكبرى اليوم مثلاً، ما يعرضهم لتدريبات وتكتيكات أفضل.
لكن أفضل تفسيرٍ لذلك ربما يكمُن في طبيعة كرة القدم نفسها، إذ تُعَدُّ واحدةً من الرياضات القليلة التي لا تُترجم الهيمنة فيها إلى فوزٍ بالضرورة. فعندما خسرت ألمانيا أمام اليابان كانت نسبة الأهداف المتوقعة للألمان أعلى بكثير من المنتخب الياباني.
ولا شك أن نسبة الأهداف المتوقعة للمنتخب الألماني في المباريات الثلاث التي لعبها كانت أعلى من جميع الفرق في المنافسة، لكن المنتخب الألماني فشل في التأهل من مرحلة المجموعات، لأنهم أخفقوا في تسجيل الأهداف بنهاية المطاف. ويمكن القول إن الأهداف التي تأتي في لحظة هي التي تغير نتائج المباريات، وتحافظ على استمرار الفرق الأقل ترشيحاً، وتُبقي الجمهور في المدرجات وأمام الشاشات.
وتقل المفاجآت عادةً مع تقدُّم المسابقة، فبعد أن أقصت كوريا الجنوبية منتخبي إيطاليا وإسبانيا لتبلغ الدور نصف النهائي عام 2002، لم تكن فرص تحقيقهم للمفاجأة كفريقٍ أضعف كبيرة، حيث منحهم وكلاء المراهنات فرصة فوز لا تتجاوز الـ25% خلال الـ90 دقيقة (لأن كوريا الجنوبية كانت تحتاج إلى لعب وقتٍ إضافي وضربات جزاء من أجل الفوز).
وتعاني الفرق الأصغر عادةً لتكرار جهودها الأسطورية، فضلاً عن أن الفرق الأقوى تستطيع استرداد توازنها فجأة. ويؤثر الأداء على متوسط فرص الفريق خاصةً أمام المرمى، لأنه يعني تضييع عدد أقل من الفرص، لكن فوز منتخب المغرب يُظهر أن الرحلة لم تنته بعد بالنسبة للمنتخب الأقل ترشيحاً في المربع الذهبي.
إذ تصدرت كتيبة وليد الركراكي، مدرب الأسود، مجموعتها بالفوز على بلجيكا وكندا والتعادل مع كرواتيا، دون أن تهتز شباك المغرب إلا في مناسبة وحيدة، ليدخل الفريق العربي مباراة نصف النهائي التاريخية وهم أقوى خط دفاع في كأس العالم، في مواجهة الديوك الفرنسية، صاحبة الهجوم القوي بقيادة مبابي، متصدر الهدافين بخمسة أهداف.
الخلاصة هنا هي أن منتخب المغرب، رغم كونه الأقل ترشيحاً بين أضلاع المربع الذهبي، فرنسا والأرجنتين وكرواتيا، فإنه يمتلك حظوظه كاملة في تحقيق المعجزة وتخطّي الديوك الفرنسية، عندما يلتقيان على أرضية ملعب البيت مساء الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول، وقد تكتمل نصف نبوءة صامويل إيتو ويتأهل المغرب للنهائي، بعد فشل النصف الآخر بخروج الكاميرون من البطولة.